withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


غزوة خيبر من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

غزوة خيبر   من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

اسم الكتاب:
خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

إلى خيبر

523- أنهى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما بينه وبين قريش بصلح مدته عشر سنين، ليكون للدعوة والتبليغ وإن لم يترك ذلك التبليغ أبدا، فلم تشغله الحرب عن التبليغ بل كان التبليغ فى أثناء الحروب، وليتجه إلى اليهود أولا، وإلى حرب الشام ثانيا، لأن الروم فى الشام قتلوا بعض من آمنوا من أهل الشام، ففعلوا مثل ما فعلت قريش، فحق قتالهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله.

ولذلك كان سيره من الحديبية إلى خيبر، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما كان يقاتل إلا فى ميدان واحد، فبعد أن انتهى من قريش انفرد لليهود الذين نقضوا معه كل العهود وكانوا إلبا عليه، يحرضون ويفسدون ويدسون. وكانت خيبر فى ذى الحجة على رواية عبد الرحمن بن أبى ليلى، فقد فسر قوله تعالى: وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً قال يعنى خيبر فقال إنها كانت فى ذى الحجة من السنة السادسة بعد عشرين يوما من صلح الحديبية، والواقدى يروى بسنده عن شيوخه أنها كانت فى السنة السابعة من الهجرة.

وقد عين الوقت ابن إسحاق فقال: قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة المنورة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم ثم خرج فى بقية المحرم إلى خيبر.

وبعض الروايات قالت إن غزوة خيبر كانت فى صفر سنة سبع.

ومهما يكن تعيين الزمن، فإن غزوة خيبر كانت أمرا لا بد منه، لأنه اجتمع أعداؤه من اليهود، وما كانوا يألون المؤمنين إلا خبالا؛ وينتهزون الفرصة لينقضوا.

وقد رأينا أنهم يمالئون غطفان، ويستخدمون قوة منهم، وقد بعث النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على بن أبى طالب ليتعرف أمرهم والتقى بعين لهم، وأسر من أسر منهم.

فكانوا بلا شك يريدون أن ينتهزوا معاونة ليغيروا عليه أو يعاونوا من يحاربونه، وكان فيهم غلظة وشدة.

فلما اتجه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لغزو بنى النضير لكيلا يكون لليهود سلطان فى بلاد العرب كان لا بد أن تنضم إليهم غطفان، ولشدة عداوتهم للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولقربهم من منازلهم، ولسبق تحالفهم مع الأحزاب لغزو المدينة، ولكن الله ردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (الأحزاب- 25) .

وقد احتاط صلى الله تعالى عليه وسلم لذلك، فنزل موقعا يفصل بين غطفان وخيبر. ولنسرد قصة هذه الغزوة من وقت ابتدائها.

خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قاصدا خيبر، فلما أشرف عليها أخذ يضرع إلى الله تعالى طالبا النصر والمعونة، فقال لأصحابه: قفوا؛ وأخذ يدعو، وهم يرددون معه.

اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها، أقدموا باسم الله تعالى.

خرج رسول الله إلى خيبر، سلك على عصر، وهو جبل قريب من المدينة المنورة، فبنى به مسجدا، ثم مر على الصهباء، ثم أقبل بجيشه ونزل بواد يقال له الرجيع، وهو فاصل بين خيبر غطفان، لكيلا يمكنهم من مظاهرة اليهود عليه، فحال بينهم، ولكنهم كانوا قد خرجوا لليهود لينفذوا ما أرادوا من معاونتهم، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل إلى ديارهم جماعة من مقاتليه، ليزعجوهم، فلما سمعوا من ورائهم حس أولئك الذين ذهبوا خلفهم فى أموالهم وأهليهم ظنوا أن المؤمنين خالفوهم إليهم، فرجعوا على أعقابهم، فأقاموا فى أهليهم وأموالهم.

وبذلك أمن رسول الله عليه الصلاة والسلام شرهم، وخلوا هم بينه وبين اليهود، واختاروا لأنفسهم السلامة.

,

القائد حامل الراية:

524- دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أرض خيبر وكانت أرض زرع وحرث، وقد خرجوا يحملون أدوات من مساحى يحملونها لحرث الأرض ومكاتل يجمعون فيها الثمار، أو ينقلون السماد الطبيعى من مكان إلى مكان بها، فلما رأوا جيش النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذعروا وقالوا محمد والخميس.

تقدم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لفتح قريتهم بحصونها، وقد قال ابن القيم، وصاحب معجم البلدان: كانت لهم حصون، هى حصن ناعم وحصن القموص، وقلعة الزبير، وحصن النطاة، والكتيبة والوطيح، والسلام، وهما حصنا أبى الحقيق، وحصن الزبير، وحصن الصعب بن معاذ.

كانت القيادة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومعه ستمائة وألف مقاتل، فيهم مائتا فارس، وكان قائد اليهود سلام بن مشكم ومعه أربعمائة وألف مقاتل، ولما قتل تولى القيادة أبو زينب بن الحارث.

وكان حامل راية المؤمنين بطل الجهاد على بن أبى طالب، فإنه ليلة أراد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم غزو خيبر قال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وإليك الرواية كما رواها البخارى.

قال البخارى بسنده «إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، كلهم يرجو أن يعطاها فقال عليه الصلاة والسلام: أين على بن أبى طالب، فقالوا: يا رسول الله يشتكى عينيه، فأرسل إليه فأتى فبصق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال: يا رسول الله أقاتلهم، حتى يكونوا مثلنا. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: انفذ على رسلك، حتى تنزل ساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم.

ابتدأ القتال حول الحصون، ويقول ابن إسحاق: تقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الأموال يأخذ الأقرب فالأقرب منها، وفى هذه الأثناء خرج المرحب فارسهم فقصده على بن أبى طالب فقتله.

ثم تدانى جيش المؤمنين، يأخذ الأدنى فالأدنى، وأول حصن فتحوه والراية فى يد على كرم الله وجهه حصن ناعم، ثم القموص حصن أبى الحقيق، وكلما فتح حصن فر من كانوا فيه إلى الحصن الذى يليه، فيجتمع فيه مع من آلوا إليه فارين من حر السيف وقوة الإيمان، وكانت المبارزات أحيانا.

ولقد فتح القموص بعد حصار دام عشرين ليلة كما جاء فى سيرة ابن إسحاق، وكان فى أرض وخمة شديدة الحر، فجهد أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جهدا شديدا لوخم الأرض وحرارتها.

ولقد تحركت اليهود من بعد ذلك كما قال الواقدى إلى قلعة الزبير، وهى حصن منيع، فأقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى حصاره ثلاثة أيام.

وقد جاء رجل يهودى يظهر من أمره أنه مال إلى الإسلام، كما يدل قوله وعمله، فقال للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: يا أبا القاسم إنك لو أقمت شهرا ما بالوا، إن لهم سردابا وعيونا تحت الأرض.

يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم، فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم خرجوا لك، فسار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى مائهم، فلما قطع عليهم خرجوا فقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود عشرة، وافتتحه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكان آخر حصون النطاة.

وقد أحس المسلمون بقلة الزاد، وقالوا: والله يا رسول الله قد جهدنا وما بأيدينا شيء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا يعطيهم إياه، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم ضارعا إلى ربه: «اللهم إنك عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدى شيء ما أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها غناء، وأكثرها طعاما وودكا» فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه.

وإنه بعد أن فتحت حصون النطاة قبل حصن الصعب بن معاذ تحول إلى الشق، وكانت به حصون ذوات عدد، فكان أول حصن بدأ به حصن أبى الحقيق، فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على قلعة يقال لها سموان، فقاتل عليها أشد القتال، فخرج منهم رجل يقال له عزول، فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فقطع الحباب يده اليمنى، فأتبعه الحباب فقطع عرقوبه وبرز رجل آخر فقام إليه رجل من المسلمين، فقتله اليهودى، فنهض إليه أبو دجانة فقتله وأخذ سلبه، وأحجموا عن البراز.

بعد أن أحجم اليهود عن البراز كبر المسلمون وتحاملوا على الحصن فدخلوه، وأمامهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة وتقحموا الحصن كأنهم الضباب، ثم تحولوا إلى حصن آخر من حصون الشق، وهو حصن البزاة وامتنعوا به أشد الامتناع، فزحف إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه، وتراموا بالنبل، ورمى معهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيده الكريمة، حتى أصاب نبلهم بنانه عليه الصلاة والسلام، فأخذ عليه الصلاة والسلام من الحصى، فرمى حصنهم بها، فرجف بهم حتى ساخ فى الأرض، وأخذهم المسلمون أخذا باليد. هذا ما ذكره الواقدى فى تاريخه.

ويقول الواقدى مسترسلا فى بيان فتح الحصون:

ثم تحول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أهل الأظبية والوطيح والسلام حصنى أبى الحقيق، وتحصنوا أشد التحصين، وجاء إليهم كل من انهزم من النطاة إلى الشق، فتحصنوا معهم فى حصن وكان حصنا منيعا وفى الوطيح والسلام، وجعلوا لا يطلعون من حصونهم، حتى هم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم، فلما أيقنوا بالهلكة، وقد حصرهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أربعة عشر يوما (أى فى هذه الحصون الأخيرة) نزل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حصون بن أبى الحقيق وطلب الصلح بعد أن تأكد أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نصب المنجنيق ليقضى على البنيان إذ تحصنوا بها ولا سبيل إلى الوصول إليهم إلا بهدمها لأنها حصون لا مساكن.

ويتبين من هذا البيان أمران:

أحدهما: أن الحصون التى أحصيناها كان كل واحد منها عنوانا لمجموعة حصون، وقد توالى سقوطها مجموعة مجموعة، بلا تخريب، ولكن يقاتل من فيها حتى يفروا إلى حصن آخر وراءها، ولذلك يقول ابن إسحاق: كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يتدنى، أى يحارب الأدنى، فالذى يليه، حتى إذا تجمعوا فى الحصون الأخيرة، التقت فيها جموعهم الفارة، وتقاتلوا مستميتين، وبذلك طال الحصار، واشتد من خارجها. كما اشتدوا هم فى الدفاع من داخلها. فهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعمل المنجنيق، إذ لا يمكن الوصول إلى المقاتلين إلا بالهدم، ولا يلجأ إليه بمقتضى قانون الإسلام فى الحرب إلا عند الضرورة، إذا تترس به العدو ولا سبيل للوصول إليه، إلا بهدمه.

فلما رأوا أنهم مقتولون لا محالة سلموا.

الأمر الثانى: أن أشد قتال لقيه المسلمون كان فى خيبر، لأنهم قاتلوا قوما فى حصون، ولم يكن القتال فى العراء، والأعداء لا يواجهون المؤمنين، بل يقاتلون من وراء حصونهم: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ (الحشر: 2) .

وقد انتصر المسلمون فى هذه الموقعة، فكان آخر انتصار على معقل اليهود فى البلاد العربية، ولم يستطيعوا فيها تدميرا من بعد، ولكن كان خبثهم فيما وراءها وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (آل عمران: 54) وكان قتلى المسلمين: 21 شهيدا وسبى وقتل كثيرون من اليهود.

,

الصلح والغنائم

525- لما هم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بنصب المنجنيق، وأيقنوا بالهلكة نزل إليه ابن الحصين مستسلما طالبا الصلح على النجاة بأنفسهم وتسليم ما بأيديهم، فصالحه بالإجمال على حقن دمائهم، وسيرهم، ويخلون بين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وبين ما كان لهم من الأرض والأموال، الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة، وعلى أنه ليس لهم إلا ما كان على ظهر الناس يعنى لباسهم، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قابلا عرضهم: «وبرئت منكم ذمة الله، وذمة رسوله، إن كتمتم شيئا» ، فصالحوه على ذلك.

قال ابن كثير: ولما كذبوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأخفوا المسك (الجلد) الذى كان فيه أموال كثيرة لحيى بن أخطب، فتبين أنه لا عهد لهم فقتل ابن أبى الحقيق وطائفة من أهله بسبب نقض العهود والمواثيق.

هذا إجمال يجب أن نذكره بشيء من التفصيل معتمدين على السنة الصحيحة خصوصا فى التفرقة بين الأرض والنخيل والأموال المنقولة من صفراء وبيضاء وسبايا فإن لذلك موضعا فى الأحكام الشرعية.

إنه كان الاتفاق على أن يجلوا على أن يحملوا معهم ما تحمله الركائب ويتركوا الأموال المنقولة والنخيل وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أحصى أموالهم المنقولة من النقود والمتاع والجواهر، وقسمها بين القائمين على أساس أن الفارس له سهم ولفرسه سهمان، ومن لا فرس له وهو راجل فى الحرب سهم واحد، ولم يسهم للنساء بل رضخ لهن، والعبيد، فقد رضخ لهم بأن أعطاهم قدرا من الغنائم غير معين بتعيين ولا سهم.

روى أبو داود والإمام أحمد عن عمير مولى أبى اللحم قال: شهدت مع سادتى، فكلموا فىّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقلدنى سيفا، فإذا أنا أجره، فأخبر أنى أنا مملوك لى شىء من المتاع، وهذا الخبر يدل بظاهره على أن العبد يجوز له أن يملك، ولا يقال العبد وما ملكت يداه لسيده، وهذا رأى الظاهرية.

وذكر محمد بن إسحق أنه حضر فى غزوة خيبر بعض النساء يحملن الماء، ويداوين الجراح فرضخ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لهن، وقد روى عن امرأة من غفار، قالت: أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى نسوة من بنى غفار، فقلنا: يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك فنداوى الجرحى، ونعين المسلمين بما استطعنا، قال: على بركة الله تعالى، فخرجنا معه.

فلما فتح الله تعالى خيبر رضخ لنا من الفيء ...

وروى الامام أحمد عن بعض النساء أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى غزوة خيبر وأنا سادسة ست نسوة، فبلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فأرسل إلينا فدعانا، فقال ورأينا فى وجهه الغضب، فقال: «ما أخرجكن؟ وبأمر من خرجتن؟ قلنا: خرجنا، نناول السهام، ونسقى السويق ومعنا دواء للجرحى، ونغزل الشعر، فنعين به فى سبيل الله، فأمرنا فانصرفنا، فلما فتح الله خيبر أخرج لنا سهاما كسهام الرجال، ولعل المراد أنه أعطاهن، كما أسهم للرجال، لا أن سهامهن مساوية لسهام الرجال.

هذا التقسيم كان فى الأموال المنقولة، من صفراء وبيضاء وتمر ومتاع وغير ذلك من الأموال التى تنقل، أو الأموال السائلة، كما يعبر علماء المال فى عصرنا هذا.

,

خيانة وجزاؤها:

526- وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد عاهدهم على أن يقدموا كل صفراء وبيضاء، وكل طعام ومتاع على ألا يكثر منه، وأن العهد كان على ذلك، فإذا كشف شيء كان مكتوما، فإن العهد ينقض، فلما تبين أنهم كتموا مالا نقض العهد، وقتل ابنى أبى الحقيق بسبب هذا النقض، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، والآن نفصل كيف كان اكتشاف الإخفاء وكيف أظهر.

حدث البيهقى عن عبد الله بن عمر ... أنهم غيبوا مسكا فيه مال وحلى لحيى بن أخطب، وكان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما فعل مسك حيى بن أخطب الذى جاء به من النضير؟ فقالوا: أذهبته النفقات والحروب، فقال عليه الصلاة والسلام: العهد قريب، والمال أكثر من ذلك ... وكان حيى قبل ذلك دخل خربة يطوف بها، فذهبوا فطافوا فى هذه الخربة فوجدوا المسك فى الخربة وبذلك كان نقض العهد، ويظهر أن الذين كانوا يسترون على هذا المسك هما ابنا أبى الحقيق فقتلهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم ينقض العهد برمته، بل نقضه بالنسبة للذين كتموه، وكانوا يعلمون بموضعه وأن الله تعالى قسم الأموال المنقولة بالأسهم، وكان سهم لله ولرسوله ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.

ووزع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سهم ذى القربى على بنى هاشم، وبنى المطلب ولم يوزع على بنى عبد شمس ولا بنى نوفل، فمشى عثمان بن عفان من بنى عبد شمس، وهم الأمويون، وجبير بن مطعم من بنى نوفل، وقالا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أعطيت بنى عبد المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة منك، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن بنى هاشم وبنى عبد المطلب شيء واحد، لم يفارقونا فى جاهلية ولا إسلام.

وإنه لم يناصب أحد من بنى المطلب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عداوة، والمطلب هو الذى ربى عبد المطلب، وعندما ضربت قريش حصارا على بنى هاشم فى شعب أبى طالب انضم إليهم فى الحصار بنو المطلب، ورضوا أن يكون ما ينزل بالهاشميين ينزل بهم، فكانوا قائمين بحق القربى، بينما أبو لهب الهاشمى أخو أبى طالب لم يرض الدخول مع إخوته.

,

الأرض والنخيل:

527- هذا هو الأمر فى تقسيم البيضاء والصفراء والمتاع وسائر المنقولات، أما الأرض، فإنها لم تقسم كما قسمت الأموال، بل الأمر فيها كان على غير ذلك.

ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عندما أراد إجلاءهم بمقتضى الشرط الذى أخذه عليهم، قالوا يا محمد، دعنا نكون فى هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا لأصحابه عمال يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها، فأعطاهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خيبر، على أن لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشئ ما بدا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

ويستفاد من هذا أمران (أحدهما) أن الأرض تبقى فى أيدى المغلوبين، على أنهم غير مالكين لرقبتها، بل يعملون فى زراعتها ومراعاة أشجارها، ومساقاتها، ولهم شطر ما يخرج من زرع وثمر، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يأخذ الشطر، وكان يوزعه فى مصارف الغنائم.

الأمر الثانى أن ذلك غير ملزم للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل له أن ينزع الأرض من أيديهم إذا أراد، ولا يريد إلا ما يكون فيه مصلحة للمسلمين.

وقال فى ذلك الامام مالك رضى الله عنه: إن الإمام مخير فى الأراضى المفتوحة إن شاء قسمها، وإن شاء أرصدها لمصالح المسلمين وإن شاء قسم بعضها، وإن شاء أرصد بعضها لما ينوبه فى الحاجات والمصالح.

وشطر الغلات الذى يئول للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم روى أنه كان يوزعه توزيع الغنائم، فيكون خمسه لله، وللرسول عليه الصلاة والسلام، ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وأربعة الأخماس للغانمين، وكانوا أهل بيعة الرضوان، وغيرهم نحو أربعمائة وألف، ومن انضم إليهم من مجاهدى خيبر، فبلغ الجميع خمسمائة وألفا فكان يقسم الريع مقسم الغنيمة بينهم.

وروى أبو داود أن النصف الذى كان يخص المسلمين ما كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقسمه قسمة الغنائم، بل كان يبقيه لمن نزل به من الوفود، والأمور ونوائب الناس، أى يجعله لمصالح المؤمنين من غير تخصيص، ويقول الحافظ ابن كثير: قد تفرد بهذه الرواية أبو داود.

ومهما يكن من الأمر بالنسبة لغلة النصف فإنه يتبين من هذا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم جعل الأرض فى أيدى أهلها على أن يكونوا زارعين حارثين مصلحين فى الأرض غير مالكين لرقبتها، بل رقبتها لجماعة المسلمين، ولذلك كان للإمام أن يخرجهم منها حيثما كان فى ذلك مصلحة المسلمين.

وأن ما فعله عمر رضى الله تبارك وتعالى عنه فى أرض سواد العراق الذى أشرنا إليه عند الكلام فى أموال بنى النضير، يشبه هذا، وكان للإمام عمر رضى الله تعالى عنه أن يحتج به عندما خالفه جمع من الصحابة كان على رأسهم بلال رضى الله عنه.

وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقام عبد الله بن رواحة على المقاسمة بينهم وبين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فكان يأتيهم كل عام، فيخرجها عليهم، ويضمنهم الشطر، وكان عادلا لا يظلمهم، ولا يطفف شيئا من نصيب المسلمين، فشكوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شدة حرصه.

ولقد أرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله تطعموننى السحت، والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى، ولأنتم أبغض إلى من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملنى بغضى إياكم، وحبى إياه على ألا أعدل إياكم.

فهو لا يظلم لعداوة، ولا لمحبة، ولذلك قالوا: بهذا قامت السموات والأرض. ولما قتل عبد الله بن رواحة، فى مؤتة، ولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعده جبار بن صخر رضى الله تعالى عنه وكان من أهل الخبرة، فى خرص الزروع والثمار.

528- وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوزع الزرع والثمار فى النصف الذى يخص المسلمين على تقسيم الغنائم وخصص أراضى لإخراج سهم من الأسهم، فجعل ما ينتجه حصن الشق ونطاة فى أسهم المسلمين ما ينتج منهما يكون نصفه قسمة على حسب سهام الفاتحين.

وكان ما ينتجه حصن الكتيبة مخصصا لخمس الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وذى القربى.

واليتامى والمساكين وابن السبيل وطعم رجال سواء بالصلح بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى أهل فدك.

وكان لنطاة والشق ثمانية عشر سهما، لنطاة خمسة والباقى للشق يأخذ الفاتحون هذه الأسهم الثمانية عشر.

وقسمت الثمانية عشر على 1800 سهم، أى أن كل سهم فى النطاة والشق كان مقسما على مائة.

ويقول ابن اسحاق «قسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الكتيبة وهى واد خاص بين قرابته وبين نسائه، وبين رجال مسلمين، ونساء أعطاهم» وقد ذكر المقادير التى كان يعطيها لذوى قرابته ونسائه، ولبعض رجال المسلمين، فكان يقسم على الضعفاء وذوى الصلة كل على مقدار حاجته.

وهكذا كان التقسيم للغلات، ولم يقسم الأرضين، ولكن كان لكل طائفة سهام فى حصن معين من حصون خيبر، ولقد كان بعض المؤمنين يشرفون على الأرض من حيث إنتاجها وصلاحها،

وكان يتولى مقاسمة اليهود عبد الله بن رواحة أولا، فلما استشهد رضى الله تعالى عنه، تولاها جبار بن صخر، واستمر طول حياة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

فلما انتقل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى نفذ أبو بكر ما كان يفعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم لما توفى الصديق نفذ عمر شطرا من إمارته ما كان يفعله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ثم بدا له أن يخرج الأرض من أيدى اليهود، ويعطيها ذوى السهام فيها. وذلك لأمرين: أولهما أنهم قتلوا فى عهد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رجلا أنصاريا، وهو عبد الله بن سهل وكان قد خرج فى أصحاب له يمتارون تمرا فانفرد عنهم، ووجد فى عين قد دقت ثم طرح فيها فأخذوه وأخفوه، ثم قدموا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم القسامة، واتهمهم من بعد ذلك عمر فى عهده بأنهم قتلوه.

واعتدوا ثانية فى عهد عمر على عبد الله بن عمر فقد خرج هو والزبير بن العوام والمقداد بن الأسود إلى أموال المسلمين بخيبر يتعهدونها، وتفرقوا فى الأموال فقدعوا يديه (أى خلعوا أى أزيلت عن مفاصلها، وأصلح زملاؤه يده) .

فلما حضر إلى أمير المؤمنين فقال هذا عمل يهود، ثم قام فى الناس خطيبا، فقال:

«أيها الناس، إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، كان قد عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر فقدعوا يديه، كما بلغكم مع عدوكم على الأنصارى قبله، لا شك أنهم أصحابه ليس هناك عدو غيرهم. فمن كان له مال بخيبر فليلحق به، فإنى مخرج يهود» .

وهذا مؤداه أنهم أصبحوا غير أمناء على المؤمنين، وقد ارتبطوا معهم بعلاقة المزارعة فكانوا يعاملونهم معاملة عدو، لا معاملة معاون.

الأمر الثانى الذى أوجب على عمر أن يخرجهم وخصوصا بعد ما أظهروا عداوتهم وحقدهم، أنه علم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال «لا يصبحن بجزيرة العرب دينان» ، فكان لا بد من إجلائهم، فدعاهم إلى الجلاء، وقال: من كان عنده عهد من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فليتجهز للجلاء. وإذا كان بقاؤهم فى الأرض فقد كان بالمشيئة وليس عودا دائما. وقد خصص النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لكل ذى سهم دائم جزآ من الأرض يجمع شطر ثماره، فلما أجلى سيدنا عمر رضى الله عنه اليهود، قال لأصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم «أيها الناس إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عامل يهود خيبر على أن يخرجهم إذا شاء، فمن كان له مال فليلحق به.

فإنى مخرج يهود» .

وجعل لكل مستحق من أسهم ثمراتها، على ما يخرجه سهمه يديره حيثما يريد.

وبالنسبة لأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فخيرهن رضى الله عنهن وعنه فقال لهن:

من أحب منكن أن أقسم فإنى أقسم مائة وسق على أن يكون لها أصلها وأرضها وماؤها ومن الزرع عشرين وسقا من شعير فعلنا، ومن أحب أن يعزل الذى لها فى الخمس كما هو فعلنا.

ويستفاد من هذا أن سيدنا عمر ما أخذ من نصيب فى سهم ذوى القربى على أنه لهن ليس بالوراثة، بل أخذه لهن من الخمس الذى لله وللرسول عليه الصلاة والسلام، ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فقد جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لكل واحد مائة وسق أو مائتى وسق على اختلاف الرواية فى ذلك. وعشرين وسقا من شعير من غير اختلاف فى ذلك، فكان هذا استحقاقا ابتداء لا وراثة عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فخيرهن عمر رضى الله تعالى عنه بين أن يجرى عليهن ما كان يجريه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أوساق، وبين أن يعزل لهن ما ينتج ذلك، كما فعل مع كل المستحقين فى خيبر.

,

فدك

529- لما رأى يهود فدك ما نزل بيهود خيبر، وهم أهل الحصون الممنوعة أصابهم الرعب، ورأوا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أبقى الأرض فى أهل خيبر يرعونها ويغرسونها، ويصلحون شجرها على أن يكون لهم نصف ما ينتج، أى يعاملون كما عامل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أهل خيبر، وفدك أرض من أرض خيبر يسكنها يهود، لم يكن لهم حصون، ولم يقاتلهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكن ألقى الرعب فى قلوبهم، فاستسلموا.

وقال رواة سيرة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم: إنها كانت كلها خالصة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم كالشأن فى أموال بنى النضير، فلم تقسم سهاما كما قسم إنتاج خيبر، بل كانت كلها للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

ويقول ابن كثير: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعزل منها نفقة أهله لسنة، ثم يجعل ما بقى كمال الله تعالى يصرف فى الكراع والسلاح ومصالح المسلمين.

ويجب علينا فى هذا المقام أن نعيد تلاوة ما نزل فى أموال بنى النضير التى عدها العلماء بأنها كفدك فقد قال تعالى فى أموال بنى النضير وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ، فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ، وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ عَلى كُلِ

شَيْءٍ قَدِيرٌ. ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ، وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (الحشر: 6: 10)

وإنه إذا كانت المقايسة ثابتة بين أموال بنى النضير، وفدك، فإن التعبير بأنها خالصة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم مؤداه أنها لا تقسم مقسم الغنائم فلا يكون للفاتحين المجاهدين أربعة الأخماس كما هو الشأن فى الغنائم، وإنما يكون مصرفها مصرف خمس الغنائم لله ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ولذى القربى واليتامى والمساكين، لذلك يصرفه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى مصالح المسلمين، ويبقى له ما يكفيه وأهله منه بالمعروف.

وعلى ذلك نقرر أنه لم يكن مملوك الرقبة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم حتى يورث، ويجرى فيه النزاع على الملكية كما توهم كتب السيرة وكتب التاريخ.

والذى أحسبه أن الاختلاف فى إدارتها، وتولى صرفها فى مصارفها باعتبار أنها ليست فى ظل الولاية العامة، بل لها ولاية خاصة، هى ولاية النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ومن يخلفه من أهله، وبذلك انتهى أمرها فى عهد عمر رضى الله تبارك وتعالى عنه، ولنترك الكلمة بعد ذلك للحافظ ابن كثير فى تاريخه:

كانت هذه الأموال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة، وكان يعزل منها نفقة أهله لسنة، ثم يجعل ما بقى مجعل مال الله تعالى يصرفه فى الكراع والسلاح ومصالح المسلمين، فلما مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، اعتقدت فاطمة وأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، أو أكثرهن أن هذه الأراضى تكون موروثة عنه ولم يبلغهن ما ثبت عنه من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه يكون صدقة.

ولما طلبت فاطمة وأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نصيبهن من ذلك، وسألوا الصديق أن يسلمه إليهن وذكر لهم قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «لا نورث ما تركناه صدقة» وقال: أنا

أعول من كان يعول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، والله لقرابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي، وصدق رضى الله عنه وأرضاه، فإنه البار الراشد، فى ذلك التابع للحق.

نحن لا نظن أن السيدة الزهراء التى هى قطعة من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يكون طلبها للميراث، وإنما طلبها أن تتولى هى الصدقة.

وقد صرح ابن كثير أن فاطمة طلبت بلسان العباس وعلى أن ينظرا فى هذه الصدقة وأن يصرفا ذلك فى المصارف التى كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يصرفها فيها، فأبى عليهم الصديق ذلك، ونحن لا نفرض أنهم طلبوا ميراثا، فعلى كرم الله وجهه ما كان يجهل أن الأنبياء لا يورثون، وهو فقيه الصحابة، وكما قال صلى الله تعالى عليه وسلم أقضى الصحابة.

ويقول الحافظ ابن كثير أن فاطمة رضى الله تبارك وتعالى عنها، والصلاة والسلام على أبيها غضبت عليه فى ذلك ووجدت فى نفسها بعض الموجدة، ولم يكن لها ذلك، والصديق من قد عرفت هى والمسلمون محله من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقيامه فى نصرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وتوفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ... «فلما كانت أيام عمر بن الخطاب سألوه أن يفوض أمر هذه الصدقة إلى على والعباس، وثقلوا عليه بجماعات من سادات الصحابة ففعل عمر ذلك لكثرة أشغاله، واتساع مملكته، وامتداد رعيته» .

هذه عبارات الحافظ ابن كثير، وله مقامه فى علم السنة، والأخذ بمنهاج السلف، ولكن نلاحظ أن عباراته فى حق فاطمة التى تنتهى عترة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إليها لم تكن لائقة بمقامها من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فإذا كان للصديق مكانته، فلفاطمة مكانتها من المحبة لأنها قطعة منه صلى الله تعالى عليه وسلم، فقوله عنها ما كان لها ذلك فيه تعد للحدود، بدليل أن عمر بن الخطاب من بعده نفذ ما طلبت، فلم تكن متجنية عندما وجدت موجدة على الصديق صديق أبيها.

وهناك عبارة لا نوافقه عليها، لأنه يقول أنهم ثقلوا على عمر رضى الله عنه بجماعة من سادات الصحابة، فإن هذه العبارة لا يصح أن تقال فى على ولا فى عمر، فمقام على أجل من أن يعبر عنه فى طلبه واحتكامه إلى الصحابة بكلمة ثقلوا، وما كان عمر بن الخطاب فاروق الإسلام من صفاته أن يخضع لإثقال أحد من الصحابة، فهو القوى فى الحق الذى لا يخشى فيه لومة لائم، وما كنا نود أن يقع هذا من الحافظ ابن كثير العالم السلفى الإمام، إنما الأمر الذى يتصور أن يكون من العباس وعلى أنهما احتكما إلى جمع من الصحابة فنزل عمر عند رأيهم، لأنه رآه أنه الحق، ولنذكر بقية ما قصه الحافظ ابن كثير.

فهو يقول أن الصدقة أعطيت لعلى والعباس رضى الله عنهما، فتغلب على على عمه العباس فيها، ثم تساوقا يختصمان إلى عمر، وقدما بين أيديهما جماعة من الصحابة، وسألا عمر أن يقسمها بينهما، فينظر كل واحد فيما لا ينظر فيه الآخر، فامتنع عمر عن ذلك أشد الامتناع، وخشى أن تكون هذه القسمة تشبه قسمة المواريث وقال: انظرا فيها، وأنتما جميع، فإن عجزتما عنها، فادفعاها إلى، والذى تقوم السماء والأرض بأمره، لا أقضى فيها قضاء إلا هذا، فاستمرا فيه، ومن بعد إلى ولدهما إلى أيام بنى العباس تصرف فى المصارف التى كان يصرف فيها أموال بنى النضير وفدك، وسهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من خيبر.

,

حوادث ذات مغزى في خيبر

530- فى أثناء خيبر، وفى أعقابها وجدت حوادث تدل على قوة إيمان بعض المؤمنين، وصدق ما وعدوا الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، وحوادث فيها غدر من اليهود، وسماحة من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو الغالب.

,

منها أمر الأسود الراعى:

قصته تدل كيف يدخل الإسلام إلى القلوب المخلصة التى لم يرنقها هوى وما غلبت عليها شهوات، كان مع اليهود عبد أسود أجير عندهم يرعى غنما لهم وقد سمع اليهود يقولون أنه يدعى أنه نبى مرسل، فساقه هذا لأن يذهب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يسأله عما يدعو إليه، وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذى نصر بالضعفاء والمساكين لا يحقر أحدا أن يدعوه إلى الإسلام، ولذا عرضه عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فأسلم، وجمع قلبه الطيب بين الإيمان والأمانة.

فدعته الأمانة بعد الإيمان أن يقول لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنى كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم، وهى أمانة عندى، فكيف أصنع بها، لم يقل له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنها للمؤمنين بحكم أنها غنيمة للغالب، ولكنه أجرى أمانة الرجل على رسلها، بل قال له اضرب فى وجوهها، فإنها سترجع إلى ربها، فأخذ حفنة من الحصا، فرمى بها فى وجوهها، وقال: ارجعى إلى صاحبك فوالله لا أصحبك أبدا، فخرجت مجتمعة كأن سائقا يسوقها، حتى دخلت الحصن، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر قتله.

قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إنه شهيد وأنه دخل الجنة.

,

ومنها قصة أعرابى يجاهد ويرد المغنم:

531- روى البيهقى بسنده، أن رجلا من الأعراب جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فامن به واتبعه فقال: أهاجر معك، فأوصى به بعض أصحابه، وغزا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وغنم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقسم المغنم، وقسم لهذا الأعرابى المؤمن، فأعطى ما قسم له، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمى هاهنا- وأشار إلى حلقه بسهم- فأموت فأدخل الجنة، فقال الرسول الأمين صلى الله تعالى عليه وسلم: إن تصدق الله يصدقك. رفض المال ولو أنه حق وحلال، ومنحة الغنيمة أخذها بحقها، وذلك فى سبيل أن يكون عمله خالصا لوجه الله تعالى، فهو لا يرد الحلال، ولكن لا يريد عوضا للجهاد.

ولما نهضوا للقتال كان معهم، فقتل بسهم أصابه حيث أشار إلى حلقه، فحمل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقدمه لله شهيدا، وقال: «اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا فى سبيلك، قتل شهيدا، وأنا عليه شهيد» .

وقد ضرب هذا الأعرابى المؤمن أعلى مثل للإيمان، وطلب ما عند الله وحده لا شيء سواه، فطلب رضوانه ولا يريد مغنما، فرضى الله تبارك وتعالى عنه.

,

مؤمن يتحايل لماله بمكة المكرمة:

532- وإن الإسلام فتح الطريق أمامه، لا تحول بينه وبين انتشاره قوة الطغاة، ولا صد عن سبيل الله، أخذ يطوف فى البلاد العربية فيعشو إليه من يريد الهداية، ومن يصغى قلبه للحق والنور والهداية.

وكان من ذلك إسلام الحجاج بن علاط السلمى، فإنه لما فتحت خيبر وزال كل ما كان يصد عن الإسلام جاء الحجاج هذا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن لى مالا عند صاحبتى أم شيبة بنت أبى طلحة وكانت زوجه، وله منها ولد وأموال متفرقة فى تجارة مكة المكرمة والمؤمن يكون حريصا غير مستهين ولا يكون بخيلا، وفرق بين البخل والحرص، لأن الحرص معناه ألا يفرط فى حق اكتسبه بحله، ولا يكون هملا فرطا لا يعطى كل ذى حق حقه، ولا يفرط فى حقه مع التسامح فى موضعه أما البخل فإنه يشح بالمال ولا يضعه فى مواضعه.

فالمؤمن حريص غير مفرط، ولا بخيل، أراد الحجاج أن يصل إلى ماله وهو بمكة المكرمة، ولو أعلن إسلامه منع ماله، فاستأذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخفى أمره، ويقول ما يسهل

الوصول إلى ماله من غير تعمد للكذب، ولا خدع لمؤمن، فأذن له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

خرج الحجاج إلى مكة المكرمة، حتى إذا التقى برجال من قريش يستمعون الأخبار، ويسألون عن أمر الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد بلغهم أنه سار إلى خيبر، وهم يعلمون أنها قرية الحجاز، ريفا ومنعة ورجالا، فهم يتحسسون الأخبار، ويسألون الركبان.

فلما قابلوا الحجاج، ولم يكونوا علموا بإسلامه، ولم يظهره لهم، فسألوه عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وعن أمر خيبر، وقالوا له قد بلغنا أن القاطع (أى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم) قد سار إلى خيبر، (وهى بلد يهود وريف الحجاز) .

قال: قد بلغنى ذلك، وعندى من الخبر ما يسركم، هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط، وقتل أصحابه قتلا لم نسمع أبدا بمثله قط، وأسر محمد أسرا، وقالوا: لا نقتله، حتى نبعث به إلى أهل مكة، فيقتلوه بين أظهرهم.

أعينونى على جمع مالى بمكة المكرمة، وعلى غرمائى، فإنى أريد أن أقدم خيبر، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقنى التجار إلى هنالك.

فقاموا فجمعوا له ماله يحثون الغرماء على ذلك.

وكان له عند امرأته مال موضوع، وأراد أن يأخذه، فطلب منها لعله يصيب من فرص البيع قبل أن يسبقه التجار.

تسامع الناس بخبر هزيمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، والناس يصغون دائما إلى ما يحبون، ويذيعونه وينشرونه فرحين مستبشرين، ويعميهم حبهم عن فحص الخبر ووزنه أو الشك فيه، بل يطمئنون إلى ما يحبون من غير تمحيص.

وفى مكة المكرمة محبون للنبى من ذوى قرباه، وعلى رأسهم العباس عم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فهاله الخبر، فذهب إلى الحجاج فسأله: ما الخبر الذى جئت به، فأشار إلى العباس أن عنده أخبارا وطلب إليه أن يسايره حتى يفرغ من جمع ماله، ويلقاه فى خلاء.

حتى إذا فرغ من جمع كل شيء كان له بمكة المكرمة، وأجمع الخروج لقى العباس رضى الله عنه، وقال: احفظ عنى حديثى يا أبا الفضل ثلاثا، فإنى أخشى الطلب، ثم قل ما شئت، قال:

أفعل، قال: فإنى والله لقد تركت ابن أخيك عروسا على بنت ملكهم صفية بنت حيى، ولقد افتتح

خيبر، وصارت له ولأصحابه ولقد أسلمت. وما جئت إلا لأخذ مالى فرقا من أن أغلب عليه، فإذا مضت ثلاث ليال، فأظهر أمرك فهو والله على ما نحب.

مكث العباس ثلاث ليال لا يلتقى بالناس، حتى إذا خرج لبس حلة، وتطيب، وأخذ عصاه، وخرج حتى أتى الكعبة المشرفة، فلما رأوه قالوا والله هذا التجلد لحر المصيبة.

قال: كلا والله الذى حلفتم به، لقد افتتح محمد صلى الله تعالى عليه وسلم خيبر، ونزل عروسا على بنت ملكهم، وأحرز أموالهم وما فيها، فأصبحت له، ولأصحابه. قالوا: من جاءك بهذا الخبر؟ قال: الذى جاءكم بما جاءكم به، ولقد دخل عليكم مسلما، فأخذ ماله، وانطلق ليلحق بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه، فيكون معه، قالوا: يالعباد الله أفلت عدو الله، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن، ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر.

ونقف وقفة قصيرة فى هذا، أيعد الرجل قد كذب، وهل يعد هذا الكذب إثما، ونقول قبل الإجابة أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يأذن له بالكذب، بل أذن بالقول، بأن يورى ولا يكذب، وأن يحاول من غير أن يتورط فى قول غير صحيح فى ذاته ولا فى موضعه.

ولكن هل يعتبر كذبا أن يوهم بالقول، ثم يوضح هو الحقيقة، وهو بين قوم ظالمين، ولا يمكن أن يصل إلى حقه المشروع إلا إذا أوهمهم، ثم أزال وهمهم بقول الحق الصريح، وهو قد ترك للعباس أن يصحح القول، ويبين مقصده من إيهامهم.

وإنى أحسب أنه لم يكذب ويصر على ما أدخله فى نفوسهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

,

صلح تيماء

537- بما كان فى خيبر ووادى القرى انتهت قوة اليهود العسكرية فى بلاد العرب، ولكن بقى فيها ناس لم يخضعوا لحكم الإسلام وسلطانه، ويكونون تابعين له من غير أن يضاروا فى دينهم، ولا يرهقوا فى عقائدهم وهم يهود تيماء، وكانت على مقربة من الشام ولم يعتبر الإمام عمر رضى الله عنه أرضهم من أرض العرب التى لا يجتمع فيها دينان.

وأهل تيماء من اليهود عندما علموا ما نزل بخيبر ووادى القرى، وما سامحهم فيه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من معاملة عندما علموا ذلك لم يريدوا قتالا، وجاؤا ودفعوا الجزية، وصالحوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عليها، وجزيتهم كانت جزية على الأرض وهو الخراج، وجزية على الرؤس على ما هو مبين فى كتب الفقه، وإعطاء الجزية إقرار بخضوعهم لحكم الإسلام على أن يكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم من أحكام القصاص والحدود، وسنتكلم بعد ذلك فى الأحكام الشرعية التى أخذت من أقوال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى غزوة خيبر، وما جاء بعدها، فإنا لا نترك ذلك، ولكن أخرناه حتى ننتهى من القتال والحرب والتسليم وشروطه.

,

إجلاء عمر لليهود

538- أجلى عمر بن الخطاب اليهود، يهود خيبر ووادى القرى الذين يسكنون فى الجزيرة العربية عملا بقول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان» .

ولكنه لم يجل أهل تيماء، لأن أرضهم لم تكن فى داخل الجزيرة، بل كانت فى أطراف الشام، وهم قد قبلوا أن يكونوا ذميين لهم ذمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم ينقض أحد منهم ذمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهم لم تفتح أرضهم عنوة، بل كانت صلحا، فلم تكن ثمة مشابهة بينهم وبين خيبر ووادى القرى، والحديث النبوى لا ينطبق عليهم، لأنهم كانوا فى طرف الشام الذى يصاقب جزيرة العرب، وبذلك جمع عمر رضى الله عنه بين المحافظة على عهد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ومصلحة المسلمين، جزاه الله تعالى عن الإسلام خيرا.

,

الأحكام الشرعية التى تقررت في خيبر

539- كثرت الأحكام التى شرعت فى أثناء غزوة خيبر لطولها ولتنوع أحداثها، وهى جزء من تبليغ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رسالة ربه فما كان نبيا للقتال، بل كان نبيا مبلغا رسالة ربه؛ فهو المطلوب فى السلم وفى الحرب، وهو مطلوبه بالذات والقصد الأول، وما كانت الحرب إلا دفاعا ومنعا للفتنة، وتعبيد الطريق لكى تسير فى مسارها لا يحول حائل بينها وبين القلوب؛ ولا إكراه فى الدين من بعد أن تصل الدعوة فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الزمر: 41) . فالدعوة هى لب الرسالة والحرب لدفع ما يعترض طريقها.

ومن أظهر الأحكام الشرعية التى ثبتت فى خيبر.



كلمات دليلية: