withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


غزوة بني المصطلق من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

غزوة بني المصطلق من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

اسم الكتاب:
خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

غزوة بنى المصطلق

419- ذكر ابن إسحاق بسنده أنها كانت في شعبان من سنة ست من الهجرة، وروى أنها كانت في شعبان سنة خمس، وقال الواقدى في تاريخه إنها كانت بعد ليلتين من شعبان سنة خمس.

ولقد ذكر بعض الكاتبين في عصرنا أنه يستحيل أن تكون في سنة ست، لأنه جاء في عقبها حديث الإفك، وذكر فيه مجاوبة بين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وملاحاة بينهما وسعد بن معاذ كان قد مات أثر جرح بعد قريظة سنة خمس.

وإن هذه الملاحاة لم تكن بين ابن عبادة وسعد بن معاذ، وإنما كانت بين أسيد بن حضير، وسعد بن عبادة، وعلى ذلك لا دليل من حديث الإفك على أنها كانت في الخامسة.

وفي الحقيقة أنا لا نجد في الروايات ترجيحا بينها، ونميل إلى أنها كانت في الخامسة، وقبل الخندق غير ترجيح، ولكن نأخذ بترتيب ابن إسحاق، ونضعها بعد الخندق، لأننا نقبل أن نكون عيالا

على ابن إسحاق، كما قال الشافعى رضى الله تبارك وتعالى عنه: «الناس عيال في السيرة على محمد بن إسحق» .

علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن بنى المصطلق يجمعون الجموع له، وهم من خزاعة، وعلى منهاج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه إذا تأكد أن قوما يريدون الإغارة عليهم بادرهم قبل أن يبادروه، فإنه ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا.

أقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على المدينة المنورة أباذر الغفارى وخرج إليهم كما يقول الواقدى في سبعمائة من أصحابه، حتى التقى في ماء عندهم يسمى المريسيع.

وكان لواء المهاجرين مع أبى بكر الصديق، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة، وقيل كان لواء المهاجرين مع عمار بن ياسر.

وأمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن ينادى فيهم فنادى أن قولوا لا إله إلا الله تمنعوا وأموالكم فأبوا إلا القتال.

فقاتلهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بجيش المؤمنين فما أفلت منهم، فقتل منهم عشرة، وأسر سائرهم وسبى نساءهم.

وقد حدث في هذه الغزوة أن رجلا من المؤمنين اسمه هشام بن صبابة أصابه رجل من الأنصار وهو يظن أنه مباح الدم من الأعداء.

كان ذلك القتل خطأ فكان له دية مسلمة إلى أهله، وقد وداه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

فجاء أخوه مقيس بن صبابة من مكة المكرمة مظهرا الإسلام، فطالب بالدية فأعطاه الرسول الدية، وأقام مع المؤمنين حتى تمكن من قتل قاتل أخيه، مع أن القتل كان خطأ، ثم عاد مرتدا إلى مكة المكرمة، وبذلك ارتكب جريمتين: أما الجريمة الأولى: فهى أنه قتل بعد أن أخذ الدية، والقتل كان خطأ فلا قصاص وأخذ الثأر معتديا آثما.

والجريمة الثانية أنه ارتد بعد إسلام أظهره.

ولهاتين الجريمتين كان يستحق إباحة دمه وإحداهما تسوغ قتله.

ولذلك أباح النبى صلى الله تعالى عليه وسلم دمه، ولذلك كان من الذين أهدر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم فتح مكة المكرمة دماءهم، وإن تعلقوا بأستار الكعبة.

وإن هذا يدل على أن الردة توجب القتل، ويصدق عليه قول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

«من بدل دينه فاقتلوه» .

ودلالة إباحة دم مقيس هذا لقتله قاتل أخيه أو لردته، ولذلك كانت الدلالة احتمالية من حيث تعيين السبب.

,

إثارة فتنة وإطفاؤها:

492- فى هذه الغزوة ثارت فتنة، ولكن أطفأها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بحكمته.

ذلك أن الناس كانوا يردون الماء، وفيهم أجير لعمر بن الخطاب يقال جهجاه بن مسعود يقود فرسه، فازدحم أجير عمر هذا مع سنان بن وبر الجهنى حليف بنى عوف من الخزرج فاقتتلا، فصاح الجهنى: يا معشر الأنصار، وصاح أجير عمر: يا معشر المهاجرين.

ولم يجب الأنصار صرخة حليفهم، ولا المهاجرون صرخة أجيرهم، ولكن النفاق استغل ذلك لتكون تارة ثائرة.

غضب عبد الله بن أبى بن سلول زعيم المنافقين مع رهط من رجاله، وكان في مجلسهم زيد ابن أرقم، ولم يكن منافقا بل كان مؤمنا.

قال ابن أبى بن سلول: قد ناقرونا، وكاثرونا في بلادنا والله ما عدنا وجلابيب قريش (أى المهاجرين) إلا كما قال الأوّل: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره من قومه، فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير دوركم.

سمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأبلغه الخبر بعد فراغه من غزوة عدوه، وكان عنده عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقال له عمر: مر به عباد بن بشر فليقتله.

قال ذلك عمر بحمية الإيمان، ولكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو الحليم الذى يعالج النفوس والأمور قال: «فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» ولكن أذن بالرحيل، فارتحل الناس.

فالعلاج إن لم يكن حاسما للفتنة، فهو مانع من أن تتأجج نيرانها، ذلك أن الفتن إذا عرضت للنفوس، وتبادلتها الأقوال، ورددتها الألسنة يكثر القول الذى يلهبها، وإطفاؤها أو تخفيفها يمنع ترديدها، وشغل الناس بغيرها.

فكان الأمر بالرحيل شغلا للناس عنها.

جاء عبد الله بن أبى بن سلول إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ينفى ما نسب إليه، لأن المنافق يستتر دائما، ويمنع أن ينكشف، فإذا بدا بعض أمره حاول إعادة ستره.

قال ساترا كاذبا حالفا: ما قلت ما قال، ولا تكلمات به.

وكان في زعم قومه شريفا عظيما، فقال بعض من حضر من الأنصار من أصحابه حدبا على ابن أبى، أو تخفيفا لوقع الأمر، قال: عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل.

ومهما يكن من الأمر فقد عالج النبى الموقف بشغل الناس بالرحيل قبل ميقاته، حتى لقد قال أسيد بن حضير للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: يا نبى الله لقد رحت في ساعة مبكرة ما كنت تروح فى مثلها.

قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أو ما بلغك ما قاله صاحبكم؟ قال: وأى صاحب يا رسول الله؟ قال: عبد الله بن أبى بن سلول. قال: وما قال؟ قال زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال: فأنت يا رسول الله والله تخرجه إن شئت وهو الذليل وأنت العزيز.

ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فو الله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبت منه ملكا.

مشى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصار في صدر ذلك اليوم الثانى حتى آذتهم الشمس.

ويقول في تعليل ذلك ابن إسحاق: وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ليشغل الناس عن الحديث الذى كان بالأمس.

إنه عند ما نزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن آذتهم الشمس، ومست جنوبهم الأرض حتى ناموا.

وفي النوم لم يذكروا ما كان من خلاف، ولم يحسوا إلا بالتعب، فشغلهم التعب الجسمى عن القلق النفسى، فانطفأت نار هذه الفتنة، لتكون فتنة أشد إيذاء، وأبلغ تأثيرا، وكانت أيضا من النفاق والمنافقين، وشاعت نيرانها، حتى شملت بعض المؤمنين من الأنصار، وبعض المهاجرين من ذى القربى ممن أشيعت حولها الفتنة.

ولقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند ما بلغه التنادى يا معشر المهاجرين، ونادى الآخر يا معشر الأنصار، قال النبى: دعوها فإنها منتنة، أى دعوى خبيثة جاهلية، حتى نتنت بقدمها.

وعند ما علم عبد الله بن عبد الله بن أبى، وقد كان مؤمنا قوى الإيمان بما قال أبوه، وما حرض به، مشى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنه قد بلغنى أنك تريد قتل عبد الله بن أبى فيما بلغك عنه، فإن كنت لابد فاعلا فمرنى، فأنا أحمل إليك رأسه. فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده منى، وإنى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله فلا تدعنى نفسى أنظر إلى قاتل أبى يمشى في الناس، فأقتل رجلا مؤمنا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: بل نرفق به، ونحسن صحبته ما بقى معنا.

وكان لفعله أثر شديد في نفس النبى وإن كان قد عالجه بما كان فيه الوقاية من تفاقمها، فقد كان لها أثر في نفوس المؤمنين، فكان قوم ابن أبى حريصين على منعه من أى فتنة ولومه على كل قول يكون منه بما يدل على قلبه، فكانوا هم الذين يعاقبونه، ويأخذونه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لعمر بن الخطاب، كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم قلت لأرعدت أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته. فقال عمر رضى الله تعالى عنه مذعنا: قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أعظم بركة من أمرى.

هذا وقد أنزل الله تعالى جزآ من سورة المنافقين في هذا الأمر، فقد قال الله تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ. وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ، وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ، وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ. سَواءٌ

عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ. هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ. يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (المنافقون- 1- 8) .

هذا حكم الله على المنافقين، وقد حكم الله تعالى بأنهم لا يفقهون، ولا يجزيهم استغفار الرسول لهم، لأنهم عثوا في كفرهم إذ الكفر من غير نفاق جهل وحمق وعناد، ومنشؤه غالبا من عدم إدراكهم الحق، فهم لا يذعنون، وتوبتهم قريبة إذا زالت غواشى الضلال والجهالة. أما النفاق فهو دركتان فى الكفر هو عناد وحقد من غير جهل، ومحاولة لستر الحقائق وإبعادهم ذرائع الإيمان عن نفوسهم، ومحاولتهم طمس الحقائق في قلوبهم، فطبع على قلوبهم، ولذلك وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم لا يفقهون، فلا يشق نور الحق قلوبهم المعتمة.

,

الأسرى والسبايا من بنى المصطلق:

493- أثخن المسلمون في بنى المصطلق، إذ لم تبق فيهم قوة يستطيعون أن يغيروا بها على المؤمنين فإنه قتل منهم من قتل، وسيق الباقون أسرى وسبايا، ولم يسترقهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهائيا فقد شد الوثاق ابتداء، وقيل إنه وزعهم غنائم على المحاربين، ولكنه أطلقهم في النهاية، ونرى أنه تدرج في معاملة الأسرى، ونرجح بهذا المعنى أن غزوة بنى المصطلق كانت بعد غزوة قريظة، ذلك أنه فى غزوة قريظة قتل الرجال، وسبى النساء، وباعهن في نجد في خيل اشتراها في مقابلهن قوة للمسلمين.

أما في هذه وهى غزوة بنى المصطلق فقد تصرف صلى الله تعالى عليه وسلم تصرفا حكيما أدى إلى ألا يباع منهم أحد، حتى بعد تقسيمهم بين الغانمين، وألا يسبى منهم امرأة بعد تقسيمهم.

فإن كتب السيرة تروى ما ثبت في صحاح السنة، وذلك أن الناس قسموا الرجال والنساء بينهم، وأبقى رسول الله جويرية بنت الحارث التى صارت من بعد من أمهات المؤمنين، ولنترك الكلمة لابن هشام الذى روى بعض الروايات، فهو يقول:

يقال أنه لما انصرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من غزوة بنى المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث، دفعها إلى رجل من الأنصار وديعة وأمره بالاحتفاظ بها. وقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة، فأقبل أبوها الحارث بن ضرار لفداء ابنته، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التى جاء بها

للفداء، فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب» من شعاب العقيق، ثم أتى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال: «يا محمد، أصبتم ابنتى، وهذا فداؤها» فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا» فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، فو الله ما اطلع على ذلك إلا الله تعالى.

أسلم الحارث، وأسلم معه ابنان له وناس من قومه، وأرسل إلى البعيرين، فجاء بهما الرسول؛ فدفع الإبل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ودفعت إليه ابنته جويرية، فأسلمت، وحسن إسلامها، فخطبها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أبيها، فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة درهم.

وقد أعتق بعد ذلك كل من كان في يده واحد منهم، وقالوا: أنسترق أصهار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

هذا ما قاله ابن هشام، ولم يذكر الرواية التى اعتمد عليها، وإن كانت الصحاح توميء إلى ذلك، وإن لم تفصله ذلك التفصيل، وهذا الخبر يدل على أن الرق لم يكتب على أم المؤمنين جويرية.

ولكن ابن إسحاق روى عن أم المؤمنين ما يفيد أن رقا قد كتب عليها، وإليك ما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها وعن أبيها، وإليك ما رواه عروة بن الزبير عن عائشة قالت: «لما قسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سبايا بنى المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس أو لابن عم له، فكاتبت على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مستعينة في كتابتها ... فدخلت؟ فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث، سيد قومه، وقد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسى، فجئتك أستعين على كتابتي، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «هل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضى عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت» .

وإن الفارق بين الروايتين أن ما ذكره ابن هشام، أن أباها هو الذى زوجها من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنه لم يجر عليها الرق إذ افتداها أبوها بالإبل، وذكر فيها الصداق، وهو أربعمائة درهم، أما رواية ابن إسحق فكتبت أن الرق قد كتب عليها، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم دفع عنها ما كاتبت عليه.

ونحن نرى أن سياق ابن هشام أكثر انسجاما، واتساقا مع أحكام الإسلام، إذ أن وليها هو الذى زوجها، وذلك مبدأ مقرر في الإسلام، ولم يجز للمرأة أن تعقد زواجها بنفسها إلا أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه، وخالفه جمهور الفقهاء.

وفوق ذلك في رواية ابن إسحق ما قد يكون علة في الحديث، ففيه أنه نسب لعائشة رضى الله تعالى عنها وقد وصفتها بأنها امرأة حلوة مليحة: «فو الله ما أن رأيتها على باب حجرتى فكرهتها، وعرفت أنه سيرى منها صلى الله تعالى عليه وسلم ... ما رأيت فدخلت» وإنا نرى أن هذه العبارة، لا يليق أن تنسب لعائشة، لمكانتها في الإسلام، ولا أن ينسب ما تضمنته للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وكتب السنة لم تذكر ما ذكرته رواية ابن إسحاق.

ومهما كان الأمر في هذه الروايات فإن زواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ترتب عليه عتق قومها جميعا.

وإنا نقول إن زواجه صلى الله تعالى عليه وسلم منها كاف لأن يدع المسلمون ما بأيديهم من الأسرى والسبايا، إذ عتق بزواجها رجال مائة دار من العرب، وقد أسلم قومها، ودخلوا في ظل الإسلام، وكانت تجمع منهم الزكاة.

,

خطأ في الإدراك:

494- لما أسلموا صاروا في ظل الدولة الإسلامية وتابعين لحكم المدينة، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبى معيط ليجمع منهم الزكاة.

لما سمعوا به ركبوا إليه، فظنهم مغيرين عليه فهابهم، ويظهر أنهم كانوا يستقبلونه لا ليغيروا ولا ليثوروا، ولا ليحاربوا.

عاد إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره أن القوم قد هموا بقتله، ومنعوه ما قبلهم من صدقتهم، فأثار بذلك ثائرة بعض المسلمين، وكان منهم من أكثر في القول بغزوهم.

وما كان أساس الأمر إلا سوء فهم للأمور، فقد قدم وفدهم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

قالوا يا رسول الله: سمعنا رسولك حين بعثته إلينا، فخرجنا إليه لنكرمه ونؤدى إليه ما قبلنا من الصدقة، فانشمر راجعا، فبلغنا أنه زعم لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أننا خرجنا لنقتله، وو الله ما جئنا لذلك.

والظاهر أن إساءة الفهم كانت منه، وفرض أنهم جاؤا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خوفا من غزو جرى على ألسنة بعض المؤمنين بعيد، لأنه من الضرورى حمل حال المؤمن على

الصلاح، ولذا قيل أنه نزل في هذا الموضع قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (الحجرات- 6) والله أعلم بما تخفى الصدور.



كلمات دليلية: