withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


معجزة الإسراء والمعراج وفرض الصلاة من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

معجزة الإسراء والمعراج وفرض الصلاة من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

اسم الكتاب:
خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

الإسراء والمعراج

296- كان الإسراء فى السنة التى كانت قبل الهجرة، وروى البيهقى عن ابن شهاب الزهرى أنه كان فى السنة التى قبل الهجرة، وروى الحاكم أن الإسراء كان قبل الهجرة بستة عشر شهرا.

واختلف على ذلك فى الشهر الذى أسرى به فيه، فالسدى قال أنه فى ذى القعدة، والزهرى قال فى ربيع الأول.

وروى عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة الاثنين الثانى عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات.

وفى رواية أن الإسراء كان فى ليلة السابعة والعشرين من شهر رجب، ويقول ابن كثير: «وقد اختاره الحافظ بن سرور المقدسى، وقد أورد حديثا لا يصح سنده كما ذكرنا فى فضائل شهر رجب، وأن الإسراء كان فى ليلة السابعة والعشرين من رجب والله أعلم. ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان فى أول ليلة جمعة من شهر رجب، وهى ليلة الرغائب التى أحدثت فيها الصلاة المشهورة، ولا أصل لذلك، والله أعلم.

وقد جاء في نهاية الأرب أن الإسراء كان في ليلة السبت، ليلة سبع عشرة من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، وقد أسرى صلى الله عليه وسلم به وسنه إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر!!

وننتهي من هذا إلى أن علماء السيرة النبوية مختلفون في تعيين اليوم الذي كان فيه الإسراء، ولكن الواقعة ثابتة. وقد اتفقوا علي أنها كانت بعد ذهاب النبي صلي الله عليه وسلم إلى الطائف، وردهم له الرد المنكر، وأن كونها فى ليلة السابع والعشرين من رجب ثبتت بخبر لم يصح سنده في نظر الحافظ المحدث ابن كثير، وقال من بعد ذكره: والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقد وجدنا الناس قبلوا ذلك التاريخ، أو تلقوه بالقبول، وما يتلقاه الناس بالقبول ليس لنا أن نرده، بل نقبله، ولكن من غير قطع ومن غير جزم ويقين.

واتفقت الروايات أيضا علي أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة على الأقل، ويظهر أنها كانت فى السنة التى قبل الهجرة فى ثلثها الأول أو الأخير. والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومن سياق التاريخ ومناسبات الحوادث نرى أن الإسراء كان بعد انشقاق القمر.

297- وهنا قد يسأل السائل: ما المناسبة لمسألة الإسراء والمعراج، وتعيين الله تعالى لزمانها، والله سبحانه وتعالى حكيم عليم، يضع الأمور بموازينها وفى أوقاتها، وأجلها المعلوم، ولنا أن نتعرف حكمة الله تعالى من غير أن نقطع بأن هذا هو مراد الله تعالي، فهو العليم الخبير الذى لا تخفى عليه صغيرة أو كبيرة فى السماء أو فى الأرض.

ونجيب عن هذا التساؤل بما قررنا، وهو أن الله سبحانه وتعالى استجاب لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم فى ضراعته بالدعاء الذى دعا ربه عقب خروجه من الطائف، وشكا ضعف قوته، أمده الله تعالى بالقوة، وقلة الحيلة فأمده بحسن التدبير لدخول مكة المكرمة امنا مطمئنا، وأيده باية حسية من نوع ما يطلبون، وإذا كانوا لم يستجيبوا لداعى الله تعالى، فلأن المعاند لا يقنعه الدليل، ولو كان حسيا، فقالوا:

سحرنا، مع أن انشقاق القمر رأته الركبان فى أسفارها، ثم كان من بعد ذلك الأنس بلقاء الله تعالى فى المعراج، سواء أقلنا أن لقاءه بالله تعالى، كان بالروح فى الرؤيا، أم كان بما هو أكثر من الرؤيا «1» ؟.

لقد أحس النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالوحشة بعد وفاة الحبيبين، خديجة العطوف، وأبى طالب الشفيق. فقال الله تعالى له بالفعل: أنس الله أكبر، ورحمته أعظم، وحياطته أكرم، وإن عنايته بك وبرسالتك هى التى ستبلغك أمرك، وتحقق لك شأوك، وتصل بك إلى غايتك، وهو المهيمن الرؤف الرحيم، لذلك كان الإسراء، ومن بعده عروجه إلى السماء.

298- والان ننتقل إلى الايات الكريمات التى صرحت بالإسراء، ثم كانت الإشارة الواضحة إلى المعراج، قال الله تعالي: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «2» . ففى هذا النص ذكر الإسراء صريحا، وكانت الإشارة إلى المعراج بقوله تعالى: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا.

وقال الله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لَكَ: إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً «3»

فقد ذكر المفسرون أن الرؤيا هى المعراج.

وقال الله تعالى فى سورة النجم: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى.

وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ

__________

(1) السيرة العطرة للأستاذ عبد العزيز خير الدين، ونهاية الأرب ج 16 ص 283، 284.

(2) سورة الإسراء: 1.

(3) سورة الإسراء: 60.

فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى. ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى. ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى «1» . ولقد قرر المفسرون أن هذه الايات نزلت فى المعراج، وإن ذلك لواضح، وإذا كانت العبارات السابقة لم تصرح بالعروج إلى السموات العلا فإن الإشارات واضحة تكاد تكون تصريحا، والإشارات الواضحة فى قوة الدلالة تكون كالألفاظ الصريحة.

وقد قال بعض علماء السيرة أن الإسراء بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ابتدأ من شعب أبى طالب، وإن كان السند فى ذلك صحيحا، فإنه يشير إلى أن أبا طالب قد مات، وأن مهمته قد انتهت، وأن الله تعالى وهو الباقى الدائم. الأول الاخر والظاهر والباطن به تكون النصرة الدائمة المتجددة فى الشدائد ولكن الثابت فى البخارى أنه ابتدأ من الحطيم بالمسجد الحرام.

,

الإسراء بالجسم:

299- إن ظاهر الاية القرانية التى أثبتت الإسراء وهى قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أن الإسراء كان بالجسد والروح، وذلك لأنه سبحانه وتعالى قال أسرى بعبده، والعبد هو الروح والجسد، ومادام الظاهر لا دليل يناقضه من عقل أو نقل، فإنه يجب الأخذ به فإنه من المقررات أن الألفاظ تفسر بظاهرها إلا إذا لم يمكن حملها على الظاهر للمعارض، ولا معارض.

وفوق ذلك فإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عندما أعلن خبر الإسراء بين قريش ففتن بعض الذين أسلموا وارتد من ارتد، ويقول فى ذلك ابن كثير فيما رواه عن قتادة «انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة، فأصبح يخبر قريشا بذلك، فذكر أنه كذبه أكثر الناس. وارتدت طائفة بعد إسلامها، وبادر الصديق إلى التصديق، وذكر أن الصديق سأله عن صفة بيت المقدس، وقال إنى لأصدقه فى خبر السماء بكرة وعشيا، أفلا أصدقه فى بيت المقدس، فيومئذ سمى أبو بكر الصديق.

وأنه روى أنه عند مروره صلى الله تعالى عليه وسلم على عير لقريش فند بعير لهم نافرا، فأرشدهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى مكانه، وقد أخبروا أهل مكة المكرمة بذلك «2» » .

وانه روى أن أهل مكة المكرمة الذين ردوا القول استوصفوه عيرا لهم فوصفها، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم فى إخبارهم، والاستدلال على صدقه: «واية ذلك أنى مررت بعير بنى فلان بوادى كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة «3» فند لهم بعير، فدللتهم عليه، وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت، حتى

__________

(1) سورة النجم: 1- 18.

(2) الروض الأنف ح 1 ص 244.

(3) هى البراق الذى سنذكر الروايات عنه من بعد.

إذا كنت بضحنان مررت بعير بنى فلان، فوجدت القوم نياما، ولهم إناء فيه ماء، قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه، وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان، واية ذلك أن عيرهم تصوب الان من ثنية التنعيم «1» البيضاء يقدمهم جبل أورق عليه غرارتان، إحداهما سوداء، والاخرى برقاء، فابتدر القوم الثنية..

وسألوهم عن الإناء وعن العير فأخبروهم، كما ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

وإن هذا كله يدل على أن الإسراء كان بالروح والجسد، فإنه تلاقى مع المارين بين مكة المكرمة والشام وأخبر عن التلاقى، وصدق خبره عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت بعض هذه الروايات فى إسنادها كلام، فإن بعضها يقوى الاخر، ونص القران الكريم ظاهر فى تأييد الدعوى، بل لا يدل على غيرها حتى يقوم الدليل.

ولو كان الإسراء بالروح أو الرؤيا الصادقة ما كانت ثمة غرابة تمنع التصديق، ولبادر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بإخبارهم أن ذلك رؤيا فى المنام، أو هذا وحى أوحى به إليه.

ولقد كان بجوار هذا القول الذى تنطق به الاية الكريمة قول اخر، روى عن أم المؤمنين عائشة رضى الله تبارك وتعالى عنها وعن أبيها الصديق رضى الله عنه، وروى أيضا عن معاوية بن أبى سفيان، وقد كان إبان ذلك هو وأبوه من المكاذبين الذين يناوئون الدعوة، ولكن لعله نقل عن غيره ممن شاهدوا، وعاينوا، كما نقلت عائشة عن غيرها، وما كانت فى ذلك الإبان قد زفت إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وقد كان معاوية مسلما من بعد أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها وعن أبيها الصديق، واحتج بقول عائشة هذا، وقد أثر عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه أمر بأن يؤخذ الدين عن عائشة.

ولكن الخبر عنها يحمل فى نفسه ما يوهم عدم صدقه عنها، ففيه: أنها قالت: «لم تفقد بدنه» وأن ذلك يوهم أنها كانت معه فى مبيت واحد، مع إجماع المؤرخين والمحدثين على أنه لم يبن بها إلا فى المدينة.

وقد استدل أصحاب هذا القول بما روى الحسن البصرى عن أن قول الله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ «2» وقالوا إن الرؤيا هى ما كان فى ليلة المعراج، والرؤيا هى ما يكون فى المنام، كما حكى عن سيدنا يعقوب: أنه قال لابنه يوسف بعد أن قص عليه ما راه فى المنام: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ.

__________

(1) هو مكان فى مدخل مكة.

(2) سورة الإسراء: 60.

وجاء فى كتاب البصائر للفيروزبادى: «الرؤيا ما رأيته فى منامك، والجمع رؤى كهدى، وقد تخفف الهمزة من الرؤيا، فيقال بالواو» «1» وهذا وغيره نصوص صريحة فى أن الرؤيا منامية.

ولكن أهى كانت فى الإسراء أم كانت فى المعراج؟ إن رواية الحسن رضى الله عنه تقول: هى ما كان فى ليلة المعراج، نعم أن الليلة كانت واحدة، ولكن النص على ليلة المعراج يدل على أن كلام الحسن ومن معه فى المعراج لا فى الإسراء.

ويستدل أصحاب هذا القول، وهو أن الإسراء كان بالروح بحديث البخارى عن أنس بن مالك قال: ليلة أسرى برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم فى المسجد الحرام. فقال أولهم أيهم هو، قال أوسطهم هذا، وهو خيرهم، فقال اخرهم:

خذوا خيرهم ... فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم، ولم يكلموه حتى احتملوا فوضعوه عند زمزم، فتولاه منهم جبريل ... والحديث طويل وقال فى اخره واستيقظ وهو فى المسجد الحرام، ويرى صاحب الروض الأنف أنه نص لا إشكال فيه.

ونرى أن فيه إشكالا، لأنه نص فيه على أنه كان قبل أن يوحى إليه، ونرى أنه لم يتعرض لذكر الإسراء والمعراج، ولعلها كانت إذا صحت الرواية فى موضوع اخر.

ويرى صاحب الروض الأنف أن الأدلة قد تعارضت بالنسبة للإسراء وأنه يوفق بينها بأن الإسراء كان مرتين: إحداهما بالروح والاخرى بالجسد والروح.

ونحن نرى أن الأدلة لم تتعارض، بل الأدلة على أن الإسراء كان بالجسد والروح هى التى لا ريب فيها، ولا يمكن أن يعارض الضعيف القوى.

ولذا نرى أن الإسراء كان بالجسد والروح، ولا نجد فيما استدل به ما يدل على أنه كان بالروح فقط، وإن الاية: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ لا نرى أن موضوعها هو الإسراء، بل إن موضوعها هو المعراج.

ولا غرابة فى أن ينقل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس وأن يعود به فى ليلة واحدة، فإن هذا ليس ببعيد على الله سبحانه وتعالى، لأن المسافات فى الزمان والمكان، إنما هى بالنسبة للعبيد، لا تكون قط بالنسبة لله سبحانه وتعالى وهو القادر على كل شيء، وهو خالق الأماكن والأزمان.

__________

(1) بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز 3 ص 177.

,

المعراج بالروح

300- إن الأكثرين من العلماء على أن المعراج كالإسراء كان بالجسد والروح، وأخذوا ذلك من ظواهر الأحاديث الصحيحة التى روتها السنة، ففيها التصريح بأنه لقى ادم فى سماء، وإبراهيم فى مثلها، وإدريس وعيسى ويحيى وموسى، وهذه الظواهر اثروا الأخذ بها.

ولكن أولئك الأكثرين وقفوا عند رؤية الله سبحانه وتعالى، فقال فريق منهم أنه رأى ربه وخاطبه، وكان ذلك تكريما له لمخاطبة الله سبحانه وتعالى اختص به محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم تعظيما وتقريبا له، وهو فوق المذكور فى قول الله سبحانه وتعالي وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا «1» وليس من هذه الثلاثة رؤية الله سبحانه وتعالى، وتلقى الرسول منه مباشرة من غير حجاب.

وقد رأى ذلك الرأى الامام أحمد بن حنبل وقاله أيضا أبو الحسن الأشعرى وقالت طائفة أخرى لم يقع ذلك لحديث مسلم عن أبى ذر رضى الله تبارك وتعالى عنه: «قلت يا رسول الله هل رأيت ربك، فقال عليه الصلاة والسلام إنه نور أنى أراه» وفى رواية رأيت نورا.

والذين قالوا إن الإسراء كان بالروح وفى رؤيا صادقة قالوا ذلك فى المعراج، بل هو أولى، فالرحلة كلها كانت رؤيا صادقة. وقد بينا القول فى أدلة هذا الرأى بالنسبة للإسراء من قبل.

وقد انضم إليهم غيرهم ممن يرون ان الإسراء كان بالجسد والروح، فمنهم من قال إن المعراج كان بالروح وليس فى الموضوع نص قرانى يدل بظاهره على أنه كان بالجسد والروح، حتى لا يكون مناص من اتباعه أو تأويله، بل نجد الألفاظ تقبل أن يكون المعراج بالروح، وبالظاهر المتبادل، لا بالتأويل المنتزع انتزاعا.

ولننظر فى الايات الكريمات الدالة على المعراج:

دلالة اية الإسراء على المعراج بالإشارة لا بالعبارة، وذلك فى قوله سبحانه وتعالى لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فتلك الايات التى أراها الله عبده هى المعراج وإمامة الأنبياء السابقين.

والايات الاخرى التى دلت على المعراج، كانت ألفاظها لا تدل على المعراج إلا بالإشارات البيانية، ولننظر فيها عبارة عبارة، وكلها من السمو البيانى فى السماك الأعزل الذى لا يصل إليه بيان قط.

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى «2» فقد قالوا إنه جبريل عليه السلام، وإذا كان سبحانه وتعالى، فتعليمه لا يكون بالتلقين بل يكون بالإرشاد والإيحاء.

__________

(1) سورة الشورى: 51.

(2) سورة النجم: 5- 6.

وقوله سبحانه وتعالى: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى يراد جبريل عليه السلام ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى أى نزل وقرب من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى

عن طريق جبريل، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى وهو جبريل أيضا وقوله سبحانه وتعالى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى توميء إلى أن الايات الكبرى التى راها كانت بفؤاده لا ببصره، وقوله سبحانه وتعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى أى ما كل وما تجاوز حده، والنفى فيه ما قد يكون لأنه لم تكن رؤية بالبصر. حتى يكل المبصر أو يتجاوز حده، وقد يكون لبيان أن البصر لم يتجاوز حده ليطغى، ويحاول أن يرى ما لا يمكن أن يراه، ويزيغ بأن يكل ويمل، ويلقى فى النفس ما لم ير.

وإننا عند هذا النظر الفاحص ننتهى إلى أن الإسراء إذا كان بالجسد والروح، فإن المعراج كان بالروح فقط، وأنه كان رؤيا صادقة، وقد اتجهنا إلى ترجيح ذلك لما يأتي: (أ) أنه ذكر فى المعراج أنه التقى بالأنبياء ادم وإبراهيم وموسى ويحيى، وغيرهم، والباقى منهم هو أرواحهم، وأجسامهم سيبعثها الله تعالى يوم البعث والنشور، وفرض أنه بعثها ثم أفناها فرض بعيد لم يذكر فى حديث من الأحاديث، ولا خبر من الأخبار، ولو ضعيفا، وكل فرض فى أمر غيبى لا دليل عليه من المنقول فهو رد على قائله إلا أن يكون أمرا يؤدى إليه البرهان العقلى، ولا يوجد شيء من المنقول ولا المعقول يقرر إعادة أجسام الأنبياء الكرام أحياء، ثم إعادتها إلى الفناء.

(ب) إن العبارات القرانية الكريمة الواردة فى المعراج توميء بل تصرح بأن الأمر فى هذه الرحلة السماوية كان روحيا وأن الإدراك لم يكن بالحس، بل كان بالقلب والفؤاد، فالله تعالى يقول:

ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى فالحديث القرانى كله كان فى إثبات رؤية الفؤاد، وأنه لا تجوز المماراة فيما رأى الفؤاد الذى لا يكذب، وذلك لا يتحقق إلا بأن تكون الرؤية روحية، لأن رؤية القلب لا تكون إلا روحية، وأنه عندما ذكرت حاسة البصر ذكرت بالنفي، لا بالإيجاب، وقد بينا مؤدى النفى فى هذا.

(ج) أن أخبار المعراج تصرح بأنه رأى ربه، والرؤية القلبية ممكنة باستحضار عظمته، وبالسبحات الروحية المتجهة إلى الله سبحانه وتعالى وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد قرر أنه لم ير ربه فى حديث أبى ذر الغفارى، فقد قال عليه الصلاة والسلام فى إجابة سؤال الصحابى الجليل أبى ذر: «إنه نور، فأنى أراه» .

وإننا لا نتعرض فى ذلك لكون رؤية الله تعالى يوم القيامة ممكنة، أو غير ممكنة، فذلك يوم القيامة بعد البعث والنشور، وذهاب أهل الجنة إليها، وإبقاء أهل النار فيها، فإن الكلام فيها غير الكلام فى الدنيا، ونحن نحس ونرى، فإن كانت رؤية الله تعالى الان فهى بالعين الفانية، ورؤية أهل الجنة عند من يثبتونها تكون بالعين الباقية، والله أعلم كيف يرى.

وننتهى من هذا إلى تقرير حقيقتين نراهما:

الأولى: أن الإسراء كان بالجسد والروح بظواهر النصوص المثبتة، ولا معارض لها.

الثانية: أن المعراج كان بالروح فقط لعدم وجود الأدلة المثبتة أنه كان بالجسد والروح من القران الكريم، ولوجود المعارض من النقل والعقل.

والان نعود إلى قصة الإسراء والمعراج كما هى فى الصحاح على أن نفسر الألفاظ على ضوء هاتين الحقيقتين اللتين قررناهما.

,

الاسراء والمعراج فى صحاح السنة

301- كان من الممكن أن نقف بالنسبة للإسراء والمعراج عند هذا الذى قررناه، ولكن يجب أن نستأنس بالمنقول عن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم على أساس أن كل ما ذكر فى المعراج أنه بالروح.

وقد رويت روايات مختلفة تتعلق بواقعة الإسراء ثم العروج، نختار منها رواية البخارى.

روى البخارى بسنده عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسرى به قال:

«بينما أنا فى الحطيم، وربما قال فى الحجر- مضطجعا إذ أتانى ات، وسمعته يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه، فقلت (أى الراوى) للجارود وهو إلى جنبى ماذا يعنى به، قال من نقرة شعره إلى شعرته، وسمعته يقول من قصة إلى شعرته. فاستخرج قلبى، ثم أتيت بطشت من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبى، ثم حشى، ثم أعيد ... ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال الجارود، وهو البراق: قال أنس: نعم. يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بى جبرائيل، حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح قيل من هذا؟ قال جبرائيل قال ومن معك! قال محمد قيل أوقد أرسل إليه؟ قال نعم قيل مرحبا به. فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت فإذا ادم، فقال هذا أبوك ادم، فسلم عليه فرد السلام فقال مرحبا بالابن الصالح، والنبى الصالح، ثم صعد بى إلى السماء الثانية، فاستفتح، قيل من هذا قال جبرائيل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أوقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به، فنعم المجيء جاء.

ففتح، فلما خلصت، إذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة، قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت عليهما فردا ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح.

ثم صعد بى إلى السماء الثالثة. فاستفتح جبرائيل، قيل من هذا؟ قال جبرائيل. قال ومن معك؟

قال محمد، قيل أوقد أرسل إليه! قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء، ففتح، فلما خلصت إذا يوسف. قال هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه فرد، ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح.

ثم صعد بى إلى السماء الرابعة فاستفتح، قيل من هذا؟ قال جبرائيل قال ومن معك؟ قال محمد، قيل أوقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا إدريس، قيل فسلم عليه، فسلمت عليه فرد، ثم قال مرحبا، بالأخ الصالح والنبى الصالح.

ثم صعد بى حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل من هذا؟ قال جبرائيل، قيل ومن معك قال محمد، قيل أوقد أرسل إليه! قال نعم، قيل مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت إذا بهارون، قال هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه، ثم قال مرحبا بالأخ الصالح، والنبى الصالح.

ثم صعد بى حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، فقيل من هذا؟ قال جبرائيل، قيل ومن معك؟ قال محمد. قيل أوقد أرسل إليه؟ قال نعم، قيل مرحبا به فنعم المجىء جاء، فلما خلصت إذا موسى، قال هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح، فلما تجاوزت بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال أبكى، لأن غلاما بعث بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر ممن دخلها من أمتى.

ثم صعد بى إلى السماء السابعة، فاستفتح جبرائيل، قيل من هذا؟ قال جبرائيل. قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أوقد بعث إليه؟ قال نعم. قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، إذا إبراهيم قال هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبى الصالح.

ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار، نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت ما هذا يا جبرائيل؟ قال أما الباطنان فنهران فى الجنة وأما الظاهران، فالنيل والفرات، ثم رفع لى البيت المعمور. يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن. قال هى الفطرة التى أنت عليها وأمتك.

ثم فرض على الصلوات، خمسون صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال بم، أمرت؟ قلت أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإنى والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك، فسله التخفيف لأمتك فرجعت، فوضع عنى عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عنى عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس

صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال بم أمرت، فقلت بخمس صلوات كل يوم. قال أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإنى قد جربت الناس قبلك، وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربى حتى استحييت، ولكنى أرضى وأسلم، قال فلما جاوزت نادانى مناد: أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى» .

وفى رواية البخارى فى كتاب التوحيد أنه بعد أن راجع ربه بمشورة موسى عليه الصلاة والسلام، وجاء فى مراجعة الخامسة أنه قال لربه: «يا رب إن أمتى ضعفاء، وأجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم واذانهم، فخفف عنا، فقال الجبار تبارك وتعالى: يا محمد، قال: لبيك وسعديك. قال: إنه لا يبدل القول لدى، كما فرضت عليك فى أم الكتاب لكل حسنة بعشر أمثالها. فهى خمسون فى أم الكتاب هى خمس عليك» «1» .

وإنه من المتفق عليه بين العلماء أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أمّ الأنبياء أجمعين، وعلى مقتضى الذين قالوا إن الإسراء كان بالروح تكون الإمامة روحية ثبتت بالرؤيا الصالحة، وكذلك يرى الذين قالوا إن المعراج كان روحيا.

ولكن من الرواة ما يدل سياق روايته على أن صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالأنبياء إماما كانت عند مقدمه إلى المسجد الأقصى، ومن الرواة ما يدل سياق الرواية على أن الإمامة كانت وهو يعرج إلى السموات العلا.

واختار ابن كثير فى تاريخه أن إمامته عليه الصلاة والسلام للأنبياء كانت بعد أن نزل من العروج، ويقول فى ذلك:

«وهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، والظاهر أن الأنبياء هبطوا معه تكريما له وتعظيما، عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة، كما هى عادة الوافدين، لا يجتمعون بأحد قبل الذين طلبوه إليه، ولهذا كان كلما سأل على واحد منهم يقول له جبريل: هذا فلان فسلم عليه، فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده ما احتاج إلى تعرفه بهم مرة ثانية، ومما يدل على ذلك أنه قال عليه الصلاة والسلام «فلما حانت الصلاة أممتهم، ولم يجيء وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر، فتقدمهم إماما بهم عن أمر جبريل فيما يرويه عن ربه عز وجل» «2» .

__________

(1) البداية والنهاية ج 3 والتفسير لابن كثير أول سورة الإسراء.

(2) البداية والنهاية ج 3 ص 13.

وإن هذا الكلام يدل على أن إمامة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم للأنبياء كانت بعد أن تنزل من الأفق الأعلي، وأن المعراج كما انتهينا كان بالروح، وكانت رؤيا صادقة.

هذه قصة الإسراء والمعراج، كما نص عليها فى القران الكريم، وكما جاءت بها السنة الصحيحة، وقد ذكرناها بشيء من الإطناب، لكثرة الكلام حولها، ولاختلاف الروايات، فكان لابد من أن نصفى القول فيها. وخصوصا أنها وانشقاق القمر أعظم خوارق العادات الحسية التى كانت فى حياة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ومع ذلك لم يتحد بها كما تحدى بالقران الكريم لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إنما تحدى بما يتناسب وخلود شريعته، ودوام رسالته وهو ما يبقى مخاطبا الأجيال كلها إلى يوم الدين، وهو القران الكريم.



كلمات دليلية: