withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


الأمر الثالث: من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

الأمر الثالث: من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

اسم الكتاب:
خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

الأمر الثالث:

أن هناك كتابا منزلا تلقاه براهما من ربه، من غير نظر إلى كون ذلك الكتاب حرف فيه الكلم عن مواضعه كما حدث للتوراة والإنجيل، أم لم يحرف، والراجح أنه حرف لتقادم العهد، بدليل أنه وجد عندهم تشبيه ونحل لبراهما وصف فيها بالإله، لا وصف الرسول عند عامتهم.

,

الأمر الثالث:

قوة الشكيمة وقوة الخلق العربي، وما امتاز به العربى من جود، وسماحة، وحسن تأت إذا وجد القيادة الحكيمة، فإن العربى أنف إلا إذا رأى القائد الحكيم الذى يقوده، ولعل أحسن تصوير للنفس العربية ما قاله الإمام الحكيم عمر بن الخطاب عندما تولى إمرة المؤمنين. فقد قال رضى الله عنه «مثل العرب كمثل جمل أنف فليعلم قائده أين يقوده» .

[,

الوداع

718- عاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لخمس بقين من ذى الحجة فى السنة العاشرة، وعاش أكرمه الله تعالى بقية ذى الحجة، والمحرم كله، واعتراه بعد ذلك وجع مرض الموت متجها إلى لقاء الرفيق الأعلى فى صفر من السنة الحادية عشرة، روى أن ذلك ابتدأ فى الليلة الحادية عشرة منه وروى أنه ابتدأ لليال بقين منه فى آخره، ثم كانت الوفاة بعد حياته المباركة للبشرية كلها فى ربيع الأول، وروى فى أوله فى ليال مضت منه، وروى أنه فى الثانى عشر منه، ويرجح ذلك الأكثرون من الرواة، وكان ذلك فى يوم الاثنين من ذلك الشهر الذى كان فيه ميلاده ومبعثه، وهجرته، ثم توديعه الدنيا إلى لقاء ربه الكريم.

وكانت أمارات الوداع ظاهرة بينة، ونذكر أمورا ثلاثة كانت فى أول مرضه.

,

الأمر الثالث:

ما رواه البخارى عن الفضل بن عباس أنه قال: أتانى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو يوعك وعكا شديدا وقد عصب رأسه، فقال خذ بيدى يا فضل، فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال: ناد فى الناس، فناديت الصلاة جامعة فاجتمعوا فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خطيبا فقال:

أما بعد أيها الناس قد دنا منى خلوف من بين أظهركم، ولن أفى هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عنى حتى أقوم فيكم، ألا فمن كنت قد جلدت له ظهرا، فهذا ظهرى فليستقد منه ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالى، فليأخذ منه، ومن كنت قد شتمت له عرضا، فهذا عرضى فليستقد منه، ولا يقولن قائل إنى أخاف الشحناء من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ألا وإن الشحناء ليست من شأنى ولا من خلقى، وإن أحبكم إلى من أخذ حقا كان له على، أو حللنى، فلقيت الله عز وجل، وليس لأحد على مظلمة، فقام رجل، وقال: يا رسول الله لى عندك ثلاثة دراهم فقال عليه الصلاة والسلام، أما أنا فلا أكذب قائلا، ولا أستحلفه على يمين، فيم كانت لك عندى؟

قال أما تذكر أنه مر بك سائل فأمرتنى، فأعطيته ثلاثة، قال عليه الصلاة والسلام: «أعطه يا فضل» .

ثم عاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مستمرا فى مقالته الأولى وقال: أيها الناس من عنده من الغلول شيء فليرده، فقام رجل فقال يا رسول الله عندى ثلاثة دراهم غللتها فى الله فقال عليه الصلاة والسلام، فلم غللتها؟ قال: كنت محتاجا إليها. قال عليه الصلاة والسلام: خذها منه يا فضل.

ثم عاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مستمرا فى مقالته الأولى وقال: يا أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو له. فقام إليه رجل، فقال: «إنى لمنافق، وإنى لكذوب، وانى لشؤوم» فقال عمر بن الخطاب: ويحك لقد سترك الله لو سترت على نفسك؟. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مه يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون عند الله من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه الشؤم إذا شاء.

,

إنك ميت وإنهم ميتون

720- روى البخارى أن عبد الله بن مسعود دخل على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له: إنك لتوعك وعكا شديدا!! فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أجل، إنى أوعك كما يوعك الرجلان منكم، قلت إن لك أجرين!! قال عليه الصلاة والسلام نعم: نعم، والذى نفسى بيده، ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله عنه خطايا كما تحط الشجرة ورقها.

وروى عن أبى سعيد الخدرى أنه وضع يده على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم إنى لا أستطيع أن أضع يدى عليك لشدة حماك، فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء، كما يضاعف لنا الأجر» .

وروى البخارى فى صحيحه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال فى مرضه: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثال فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان فى دينه صلابة شدد عليه» .

أخذ المرض يدب إلى جسم نور الوجود محمد صلى الله تعالى عليه وسلم حتى ضعف، ومن قرابته من يحسب أن ما فيه من ذات الجنب، وكان هذا رأى أقرب أهله إليه العباس وكان من طبهم لذلك أن يلد المريض فى فمه، وقد لدوا رسول الحق صلى الله تعالى عليه وسلم وهو فى غفوة منه، فلما صحا أحس بأثره فى فمه، فأمر بأن يلد من كان فى حضرته واستثنى العباس، ولعله لمكانته من كبر السن، وفعل ذلك مع علمه بأن الذى أمر بلده هو عمه العباس رضى الله تعالى عنه، وقال عليه الصلاة والسلام فى اللد والتخوف من ذات الجنب: «إنها من الشيطان وما كان الله تعالى ليسلطه على» .

اشتد المرض برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولزم فراشه، فاستأذن نساءه فى أن يمرض فى بيت عائشة وقد روى البخارى خبرها فى ذلك قالت لما ثقل المرض على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واشتد، استأذن أزواجه أن يمرض فى بيتى، فأذن له، فخرج، وهو بين الرجلين تخط رجلاه الأرض بين العباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر. ولقد سئل ابن عباس عن الرجل الآخر الذى لم

تذكر اسمه فقال السائل- لا- قال ابن عباس هو على بن أبى طالب. لم تذكر اسم على فعفا الله عنها، ورضى عنها.

نقل الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم إلى بيت عائشة، وقد اشتدت الحمى، فكان يقول:

أهريقوا الماء على، فأراقوا عليه صلى الله تعالى عليه وسلم ماء كثيرا، حتى لقد روت أم المؤمنين عائشة أنه أهريق عليه سبع قرب من الماء، لم تحل أو كيتهن.

ولقد قالت عائشة رضى الله تعالى عنها فيما رواه البخارى كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذى توفى فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التى كان ينفث بها.

,

صلاة أبى بكر:

721- اشتد المرض على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وشق عليه أن يؤم الناس للصلاة، فكان لا بد أن ينيب أحدا من المؤمنين الأولين الذين كانوا من أول الناس إسلاما، وكان خليله وصديقه وصفيه أبو بكر أول الرجال إسلاما هو المختار، فاختاره ليصلى بالمسلمين فلا تتعطل الإمامة للصلاة، ويخشى أن تتعطل الصلاة، وهى عمود الإسلام، ولا دين من غير صلاة.

روى الامام أحمد أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يخرج للصلاة فصلى بالناس عمر رضى الله تعالى عنه، وكان ذلك استجابة لقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذ قال مروا من يصلى بالناس، فلم يكن من كبار الصحابة إلا عمر وزير رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الثانى، وكان عمر رضى الله تعالى عنه رجلا مجهرا، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأين أبو بكر، فبعث إلى أبى بكر، وهذا الخبر يدل على أن الإمام عمر ما صلى إلا فى غيبة أبى بكر، والاستجابة لأمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أمرا عاما، إذ يقول: مروا من يصلى بالناس، ثم عين من بعد صلاة عمر من يؤم الناس وهو أبو بكر رضى الله تعالى عنه.

روى البخارى عن الأعمش عن عائشة قالت لما مرض النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مرضه الذى مات فيه فحضرت الصلاة، فأذن بلال، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلى بالناس. وأعاد عليه الصلاة والسلام أمره فأعادوا كلامهم، فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل، فخرج أبو بكر فوجد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى نفسه خفة، فخرج يهادى بين رجلين، كأنى أنظر إلى رجليه تخطان من

الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن مكانك ثم أتى حتى جلس إلى جانبه، قيل للأعمش الراوى عن عائشة: فكان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأبو بكر يصلى بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبى بكر فأومأ برأسه. نعم.

وقد استمر أبو بكر طول مدة مرض النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يصلى بالناس، حتى توفى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وانتهى إلى الرفيق الأعلى، تاركا وراءه ذلك الميراث الإنسانى الخالد، وهو شريعة الله تعالى التى بلغها، وعلم الناس بها ما بين مشرق ومغرب فى الجزيرة العربية، ثم ترامى أمرها إلى ما وراءها.

وقد انقطع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى مرضه ثلاثة أيام لم يخرج إلى الناس فيها، وكان يصلى بهم أبو بكر كما ذكرنا، وقد كانت آخر صلاة صلى مع الناس صلاة الظهر، قبل الثلاث.

وروى البخارى عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه، وكان ملازما للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن أبا بكر كان يصلى بهم فى وجع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الذى توفى فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف فى الصلاة، فكشف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا، وتبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤيا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم خارج للصلاة، فأشار إلينا أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، وتوفى من يومه.

هكذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قائما على تبليغ رسالة ربه، حتى آخر جزء من حياته، فهو إذ يحتضر ينظر إلى مقدار استجابة الناس لدعوته إلى ربه، حتى إذا اطمأن تبسم ضاحكا، ثم أسلم نفسه لله تعالى، الذى قبضه إليه، ففاضت روحه الطاهرة، وانتقل إلى الرفيق الرحيم، انتقل إلى الملأ الأعلى.

,

لكل أجل كتاب:

722- استبشر المسلمون خيرا عندما أزاح عليه الصلاة والسلام الستر لينظر إليهم وهم يصلون وقد تبسم ضاحكا، فظنوا البرء والسلامة، وقد فرحوا، حتى كادوا يخرجون من الصلاة فرحا، ولم يظنوا أنها الوداع الأخير، ورؤية البلاغ الكامل الذى اعتقد أنه قد أتم تبليغ الرسالة.

كان ذلك فى يوم الاثنين إذ كانت هذه الرؤية المودعة، الأجل المكتوب، وكان أبو بكر الصديق الأمين قد اطمأن بهذه النظرة، فذهب إلى السنح حيث يقيم، ولكن ما لبث إلا قليلا، حتى نعى الناعى

رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فجاء لتكتحل عيناه برؤية الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم الذى كان ملء السماء والأرض وكان مسجى فى فراشه، ولنترك الخبر الأليم كما وصفته أم المؤمنين عائشة حب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، لنترك لها البيان:

بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على منكبى، إذ مال رأسه نحو رأسى فظننت أنه يريد من رأسى حاجة فخرجت من فيه نقطة باردة، فوقعت فاقشعر لها جلدى فظننت أنه غشى عليه، فسجيته ثوبا فجاء عمر، والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما، وجذبت إلى الحجاب. فقال عمر واغشياه ما أشد غشى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم قاما، فلما دنوا من الباب قال المغيرة لقد مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال عمر: كذبت، بل أنت رجل تحوطك فتنة، إن رسول الله لا يموت حتى يفنى المنافقين، فكأن عمر رضى الله تعالى عنه كبر أن يموت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما يموت الناس، وقد دفعه إلى ذلك فرط محبته، وجاء أبو بكر الصديق، فنظر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون. مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم أتاه وقبل رأسه وقبل جبينه، وقال واصفياه، ثم قبل جبهته، وقال: واخليلاه، مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

خرج عمر رضى الله عنه إلى المسجد يخطب فى الناس، ويقول: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يموت حتى يفنى المنافقين. عندئذ تقدم أبو بكر ثم قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران) فمن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت، ومن كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات.

وروى أن أبا بكر عندما قبل جبهة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال: فداك أبى وأمى ما أطيبك حيا وميتا.

وروى أن عمر رضى الله عنه توعد بالقطع أو القتل من يقول إن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم قد مات.

وروى أن خطبة أبى بكر كانت أطول مما ذكرنا، ويروى أنه رضى الله عنه، حنى على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقبله وبكي، وكل هذه أخبار ثقات، يجمع بينها، ولا تنافر فيها، فكل حفظ ما سمع، وشهد بما رأى، والناس جميعا كانوا فى فزع وجزع.

وخطبة أبى بكر التى هى أطول مما ذكرنا ابتداء، قال فيها:

ليس ما يقول ابن الخطاب شيئا، توفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم قال باكيا، والذى نفسى بيده، رحمة الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حيا وميتا، ثم غشاه بالثوب، ثم ذهب إلى المسجد سريعا، وقال: إن الله عز وجل نعى نبيه إلى نفسه، وهو حى بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، وهو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله عز وجل قال تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران) وقال تعالى لمحمد إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وقال تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (الرحمن) وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران) .

إن الله عمر محمدا وأبقاه حتى أقام دين الله، وأظهر أمر الله، وبلغ رسالة الله، وجاهد فى سبيل الله، ثم توفاه الله على ذلك، وقد ترككم على الطريقة، فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء، فمن كان يعبد الله ربه، فإن الله حى لا يموت فاتقوا الله أيها الناس، واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله تعالى قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من ينصره، ومعز دينه، وإن كتاب الله تعالى بين أظهرنا، وهو النور والشفاء، وبه هدى الله تعالى محمدا، وفيه حلال الله تعالى وحرامه، والله لا يبالى من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله تعالى لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدن من خالفنا، كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلا يبغين أحد إلا على نفسه.

هاتان خطبتان للصديق رضى الله تعالى عنه، فى يوم الفزع الأكبر، ولعله كان يكرر قوله كلما رأى هلعا، وجزعا، ليرد إليها شارد لبها، وقد طاشت أحلام، وهلعت قلوب، فكان يكرر التثبيت.

,

غسل الجثمان الطاهر ودفنه:

723- اتجه المؤمنون إلى إقامة خليفة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل أن يغسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ويوارى جثمانه الطاهر، فقد اجتمع الأنصار، وعلى رأسهم سعد ابن عبادة ليفكروا فى هذا، فأسرع إليهم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما خشية أن يتفرق أمر المؤمنين، فى سقيفة بنى ساعدة، وأنهوا أمر الخلافة باختيار أبى بكر رضى الله تعالى عنه خليفة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم يحضر الاجتماع أحد من بنى هاشم أو أقرباء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم

الأدنون، العباس وعلى وغيرهما من بنى هاشم، ولعل ذلك كان لانشغالهم بأمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وقد انتقل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ضحى يوم الاثنين، فمكث بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء، حتى إذا تمهدت الأمور وتمت كما ذكر الحافظ بن كثير شرعوا فى تجهيز النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

ويقول ابن إسحاق: لما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد كانت وفاته يوم الاثنين، وغسله ودفنه ليلة الأربعاء.

اجتمع الناس لغسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وليس فى البيت إلا أهله، وعمه العباس ابن عبد المطلب، وعلى بن أبى طالب، والفضل بن عباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد بن حارثة، ودخل من بعد أوس بن خولى الأنصارى البدرى الخزرجى نادى عليا، فقال: يا على ننشدك الله، وحظنا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال له على: ادخل فحضر الغسل.

وغسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وعليه قميصه، وتولى الغسل على كرم الله وجهه فأسنده إلى صدره، وعليه قميصه، وكان العباس وفضل وقثم يقلبونه مع على، وكان أسامة بن زيد وصالح مولاه يصبان الماء، وجعل على يغسله، ولم ير منه شيئا، وهو يقول بأبى أنت وأمى ما أطيبك حيا وميتا، وكانوا يغسلونه صلى الله تعالى عليه وسلم بالماء، والسدر، جففوه، ثم صنع به مما اختلط بالماء.

وقد كفنوه صلى الله تعالى عليه وسلم فى ثلاثة أثواب اثنان أبيضان وثالث حبرة.

ودفن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى بيت عائشة حيث مات، لخبر نسب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون.

وقد تولى دفنه عليه الصلاة والسلام أربعة من أهله ومواليه العباس وعلى، والفضل ابن عباس، وصالح مولاه، لحدوا له لحدا، ونصبوا اللبن نصبا.

هكذا انتهت الحياة الدنيوية لأكرم خلق الله على الله، وأكرم إنسان للإنسانية، عاش حياته مجاهدا منذ خلقه الله تعالى إلى أن قبضه سبحانه وتعالى إليه، جاهد الرذيلة غلاما، فكان الفاضل فى صباه، وكان الأمين فى شبابه لم تكن الحياة أمامه رخاء سهلا، بل ذاق اليتم، وإن لم يقهر، كما يقهر اليتامى، وذاق طعم الفقر، وإن لم يترب نفسه، حتى إذا كلف أداء الرسالة حمله، حمل عبئها، وذاق مرارة الأذى فى

سبيلها، وهو صابر مصابر، حتى إذا هاجر حمل السيف مجاهدا، كما حمل القرآن الكريم هاديا معلما، يعلى الإنسانية ويكرمها، ويسامح ويواد، حتى كان الإنسان الكامل فى هذا الوجود؛ وإذا كان قد دفن جسده فلن تدفن شريعته.




كلمات دليلية: