withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


اجتماع قريش في دار الندوة وتآمرهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

اجتماع قريش في دار الندوة وتآمرهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

اسم الكتاب:
خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم

تنفيذ المؤامرة:

323- إن القوم ائتمروا بالنبى صلّى الله عليه وسلّم ليقتلوه، ولكن الله تعالى أعلم النبى صلّى الله عليه وسلّم وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ولقد روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن ابن عباس أن أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة كان فى ذلك الوقت، ونزل قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً «1» وأن دخول الصدق كان بدخول المدينة المنورة، والخروج مخرج صدق كان بالهجرة من مكة المكرمة، كما فسر قتادة، وهكذا كان خروجه من مكة المكرمة وهى أحب أرض الله تعالى إليه لدعوة الحق ولنصرته وإعزازه، وكان دخوله المدينة المنورة صدقا، لأنه بسبب إرادة نصرة الحق، وإعلاء شأنه، فخروجه صدق، ودخوله صدق، وكلاهما حق.

إن قريشا فى عتمة الليل الذى بيتوا فيه تنفيذ مؤامرتهم بقتل محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أحاطوا بداره، ليقتلوه إذ يخرج إليهم، ولم يحاولوا أن يدخلوا إلى منامه، وقال السهيلى فى تعليل ذلك. وذكر بعض أهل التفسير السبب المانع لهم من التقحم عليه فى الدار، مع قصر الجدار، وأنهم إنما جاؤا لقتله، فذكر فى الخبر أنهم هموا بالولوج عليه فصاحت امرأة من الدار، فقال بعضهم لبعض: والله إنها للسبة فى العرب أن يتحدث عنا أننا تسورنا الحيطان على بنات العم، وهتكنا سر حرمتنا. فهذا هو الذى أقامهم بالباب، وأصبحوا ينتظرون خروجه.

عندما أعلم الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأمرهم كان محملا أمانات من القوم، فكانت عنده ودائع الناس، وليس بمكة المكرمة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عند النبى صلّى الله عليه وسلّم، لما يعلم من صدقه وأمانته، وكان ذلك مع شدة العداوة والمناوأة من كبرياء المشركين.

__________

(1) سورة الإسراء: 80.

ولذلك خلف عليا رضى الله تعالى عنه، وكرم الله تعالى وجهه فى الجنة، وجعله ينام فى مكان نومه صلّى الله عليه وسلّم، وقال لعلى كرم الله وجهه: نم على فراشي، وتسجّ ببردى هذا الحضرمي، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم، فنام على المؤمن المصدق لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الشجاع الجلد القوى الذى لا يهاب الموت فى سبيل الله، وكان إذ ذاك فى نحو الثالثة والعشرين، أو الثانية والعشرين.

,

اجتمع المشركون فى العتمة:

روى ابن إسحاق بسنده عن كعب القرظى أنهم لما اجتمعوا له عليه الصلاة والسلام، وفيهم أبو جهل قال أبو جهل؛ وهم على بابه: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان فيكم ذبح، ثم بعثتم بعد موتكم، ثم جعلت لكم نارا تحرقون فيها. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ حفنة من تراب، ثم قال:

نعم أقول ذلك وأنت أحدهم، وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤسهم، وهو يتلو: يس. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ. لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ، فَهُمْ غافِلُونَ. لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا، وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا، فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ «1» .

مر بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم لم يروه، وقرأ عليهم هذه الايات، وسواء أصحت الرواية التى تقول، أنه خاطبهم أم لم تصح، فإنها لم تغير من اللب شيئا، بل الحقيقة أنه مر عليهم، وتلا عليهم تلك الايات البينات، وحثا التراب فى وجوههم، وانصرف النبى صلّى الله عليه وسلّم إلى حيث كان على موعد مع صاحبه الصديق.

أما المشركون المؤتمرون الذين كانوا يريدون قتل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنهم استمروا فى موقفهم منتظرين النبى صلّى الله عليه وسلّم أن يخرج ليقتلوه، حتى أتاهم ات ممن لم يكن معهم، ويظهر أنه قد رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد خرج. فقال لهم: ما تنتظرون ها هنا؟ فقالوا: محمدا، فقال: خيبكم الله، والله قد خرج محمد عليكم ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ثم مضى لحاجته، أما ترون ما بكم، فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ولكنهم مع ذلك لم يصدقوا هذا الرجل الذى أتاهم، فجعلوا يتطلعون، فيرون عليا فى الفراش، متسجيا ببرد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما عليه برده، فلم يبرحوا كذلك، حتى أصبحوا، فقام على من الفراش، فقالوا: والله لقد صدقنا الذى حدثنا.

__________

(1) سورة يس: 1- 9.

النبى صلّى الله عليه وسلّم مع صاحبه إلي الهجرة وطريقهما:

324- كان أبو بكر يريد الهجرة كما هاجر أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلّم، فكلما هم بالهجرة قال له النبى صلّى الله عليه وسلّم لا تعجل. ويقول ابن إسحاق: استأذن أبو بكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى الهجرة، فى الهجرة، فقال له: «لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا» وقد طمع أبو بكر أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنما يعنى نفسه، ولقد عظم ذلك الظن فى نفسه، فابتاع راحلتين، فحبسهما فى داره، يعلفهما إعدادا لذلك، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتى كل يوم إلى بيت أبى بكر فى طرفى النهار إما بكرة، وإما عشية، كما تروى عائشة رضى الله تعالى عنها، وتقول: حتى إذا كان اليوم الذى أذن فيه للنبى بالهجرة، والخروج من مكة المكرمة من بين ظهرى قومه أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالهاجرة فى ساعة كان لا يأتى فيها، فلما راه أبو بكر، قال: ما جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى هذه الساعة إلا لأمر حدث.... قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأبى بكر: إن الله قد أذن لى فى الخروج والهجرة، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال رسول الله: الصحبة» .

قالت راوية الخبر: فو الله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكى من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي، ثم قال: يا نبى الله، إن هاتين راحلتان كنت أعددتهما لهذا.

كان هذا فى الليلة التى أعلم الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم بما يأتمر به القوم، وأذن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما خرج، وقد غشى الله تعالى على أبصارهم كانت الرحلة الشاقة، وكانت الهجرة المباركة، وقد أخذت لها الأهبة، وأعدت لها العدة.

عندما أخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر بإذن ربه له بالهجرة، وأخبره عليه الصلاة والسلام بالصحبة تجمعهما، قال الصديق: «يا نبى الله إن هاتين راحلتان كنت أعددتهما لهذا»

وقد استأجر أبو بكر عبد الله بن أريقط، وكان لا يزال على الشرك، وأبوه من بنى بكر، وأمه من بنى سهم بن عمرو، قد استأجره أبو بكر ليكون دليلهما فى الرحلة، وقد دفع إليه أبو بكر الراحلتين، فكانتا عنده يعدهما ويرعاهما حتى يحل ميعاد الخروج عليهما، ويروى أنه أهدى فضلاهما لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام عن ثمنها، فذكره، وقال هى لك.

وكان الميعاد بينهما وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو وأبو بكر، خرج من خوخة لأبى بكر فى ظهر بيته. وذلك للإمعان فى الاستخفاء حتى لا تتبعهما قريش، وتمنعهما من تلك الرحلة المباركة، وقد اتعدا مع الدليل على أن يلقاهما فى غار ثور بعد ثلاث ليال.

وقد دعا النبى صلّى الله عليه وسلّم فيما روى ابن نعيم قائلا: «الحمد لله الذى خلقني، ولم أك شيئا، اللهم أعنى على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالى والأيام، اللهم اصحبنى فى سفري، واخلفنى فى أهلي، وبارك لى فيما رزقتنى، ولك فأذلني، وعلى صالح خلقى فقومني، وإليك ربى فحببني، وإلى الناس فلا تكلني، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، أعوذ بوجهك الكريم الذى أشرقت له السماوات والأرض وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والاخرين أن تحل على غضبك، وتنزل بى سخطك، أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك، لك العتبى عندى خير ما استطعت، ولا حول ولا قوة الا بك» .

ومن قوله عليه الصلاة والسلام حين خرج من مكة المكرمة، ونظر إلى البيت «إنك لأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت» وإخراجهم كان بالأذى ومنع الدعوة.

بهذا الدعاء الضارع ابتدأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحلته المباركة التى اتت أكلها للإنسانية كلها، لأنها كانت ابتداء عموم الدعوة.

وقد كانت فكرة الهجرة بعد العقبة الثانية وفى عامها، فقد انتهى الحج، وابتدأ التفكير فى الهجرة النبوية، وقد هاجر المؤمنون قبله، وقالوا إن هجرته عليه الصلاة والسلام لم تكن فى المحرم ولا فى صفر، ولكن قد ابتدأت، ولعلها ابتدأت مع ابتدائه، وقد وصلوا إلى المدينة المنورة فى الثانى عشر من ربيع الأول على أصح الروايات، وكانت فى يوم الاثنين.

ولقد روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: «ولد نبيكم يوم الاثنين، ونبيء يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وتوفى يوم الاثنين» .



كلمات دليلية: