651- كان من أولئك الذين ائتمروا بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليطرحوه من فوق القمة أو من التقوا معهم فى قلوبهم، من أنشأوا مسجد الضرار، وقد ذكروا إنشاءه قبل سفر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو يجهز الجيش، ويجمع النفقة والرواحل، ويدعو الجميع أن يخرجوا معه.
جاؤا إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وهو فى هذه الحال، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجد الذى العلة والحاجة، والليلة المطيرة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلى فيه، فقال عليه الصلاة والسلام إنى على جناح سفر، وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله تعالى لصلينا لكم فيه.
وبينما هو فى عودته، وهو (بذى أوان) موطن بينه وبين المدينة المنورة نحو ساعة جاء خبر هذا المسجد من السماء، ونزل فيه القرآن الكريم إذ يقول سبحانه وتعالى فى بنائه ومن بنوه وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ، فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(التوبة: 107: 110) .
نزل ذلك القول الحكيم من عند علام الغيوب الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
والواضح أن الذى بناه طائفة من المنافقين وليسوا من الأنصار، إلا أن يكونوا من الأوس والخزرج الذى كان المنافقون ينتمى كثير منهم إلى الخزرج، ولا يمكن أن يكونوا من أنصار الله الذين آووا ونصروا، الذين يؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة.
والآية الكريمة واضحة فى البواعث التى بعثتهم لبنائه إنما اتخذوه ليضاروا المؤمنين الذين يلازمون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى مسجده والمساجد التى بناها كقباء وغيره، التى أسست على تقوى من الله ورضوان، إنهم يريدون بذلك تفريق المسلمين بترويج ما يفرق جماعتهم، وبث الفتن والسوء فيها، وليترصدوا فيه ويترقبوا من يحارب الله تعالى ورسوله، ومن يأتمرون معهم.
ولقد قال بعض الذين لم يدخلوا فى الإسلام «ابنوا مسجدكم، واستعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح، فإنى ذاهب إلى قيصر الروم، فاتى بجنده من الروم، فأخرج محمدا وأصحابه» .
وإن هذا المقصد السيئ واضح من أن البناء كان والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يتجهز، يجمع الجموع للذهاب إلى تبوك، وقد كانوا يتوقعون ما يتمنون، وهو انهزام النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وجيشه أمام الرومان، ولذلك دعا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اثنين من صحابته فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم فاهدماه واحرقاه، فخرجا مسرعين حتى أتيا بنى سالم بن عوف فقال أحدهما لصاحبه، انظر حتى أخرج إليك بنار من أهلى، وهم بنو سالم بن عوف وذهب إلى أهله، فأتى بسعف من النخل، فأشعلا فيه نارا، ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله، فحرقاه وهدماه، فتفرقوا عنه.
ولقد خيب الله ظنهم، فقد تخاذل الرومان عن أن يلتقوا مع جيش الإسلام، وذهب عنهم ما كانوا يتحدثون فيه من كلام منبعث من نفاقهم إذ جاء على لسانهم أن المسلمين لا يستطيعون جلاد الروم، فقد خاف الروم ولم يخف رجال محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الذين قدموا أنفسهم لله تعالي.