withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


غزوة أحـد من كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

غزوة أحـد من كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

اسم الكتاب:
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

غزوة أحد

وفيها كانت وقعة أحد في شوال. وذلك: أن اللَّه تبارك وتعالى لما أوقع بقريش يوم بدر، وترأس فيهم أبو سفيان لذهاب أكابرهم أخذ يؤلب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - وعلى المسلمين. ويجمع الجموع. فجمع قريبا من ثلاث آلاف من قريش،

_________

(1) الحديث رواه أحمد ومسلم كما في منتقى الأخبار.

والحلفاء والأحابيش. وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا. ثم أقبل بهم نحو المدينة. فنزل قريبا من جبل أحد.

فاستشار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - أصحابه في الخروج إليهم. وكان رأيه ألا يخرجوا. فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه السكك والنساء من فوق البيوت ووافقه عبد اللَّه بن أبي - رأس المنافقين - على هذا الرأي. فبادر جماعة من فضلاء الصحابة - ممن فاته بدر - وأشاروا على رسول اللَّه بالخروج. وألحوا عليه.

فنهض ودخل بيته ولبس لأمته وخرج عليهم فقالوا: استكرهنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - على الخروج. ثم قالوا: إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين عدوه.

فخرج في ألف من أصحابه واستعمل على المدينة عبد اللَّه بن أم مكتوم. وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - رأى رؤيا: رأى أن في سيفه ثلمة وأن بقرا تذبح. وأنه يدخل يده في درع حصينة. فتأول الثلمة برجل يصاب من أهل بيته والبقر بنفر من أصحابه يقتلون والدرع بالمدينة فخرج وقال لأصحابه عليكم بتقوى اللَّه والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو. وانظروا ماذا أمركم اللَّه به فافعلوا.

فلما كان بالشوط - بين المدينة وأحد - انخذل عبد اللَّه بن أبي بنحو ثلث العسكر وقال عصاني. وسمع من غيري ما ندري: علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس؟

فرجع وتبعهم عبد اللَّه بن عمرو - والد جابر - يحرضهم على الرجوع. ويقول قاتلوا في سبيل اللَّه أو ادفعوا، قالوا:

لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع فرجع عنهم وسبهم. وسأل نفر من الأنصار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - أن يستعينوا بحلفائهم من يهود. فأبى، وقال من يخرج بنا على القوم من كثب؟ . فخرج به بعض الأنصار، حتى سلك في حائط لمربع بن قيظي من المنافقين - وكان أعمى - فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول لا أحل لك أن تدخل في حائطي، إن كنت رسول اللَّه. فابتدروه ليقتلوه. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر.

ونفذ حتى نزل الشعب من أحد، في عدوة الوادي الدنيا. وجعل ظهره إلى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم.

فلما أصبح يوم السبت تعبأ للقتال. وهو في سبعمائة منهم خمسين فارسا. واستعمل على الرماة - وكانوا خمسين - عبد اللَّه بن جبير. وأمرهم ألا يفارقوا مركزهم ولو رأوا الطير تختطف العسكر. وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم. وظاهر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - بين درعين.

وأعطى اللواء مصعب بن عمير، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام وعلى الأخرى: المنذر بن عمرو. واستعرض الشباب يومئذ. فرد من استصغر عن القتال - كابن عمر وأسامة بن زيد والبراء وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت، وعرابة الأوسي - وأجاز من رآه مطيقا.

وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف وفيهم مائتا فارس فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد. وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل.

ودفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - سيفه إلى أبي دجانة.

وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر - عبد عمرو بن صيفي - الفاسق. وكان يسمى الراهب. وهو رأس الأوس في الجاهلية. فلما جاء الإسلام شرق به وجاهر بالعداوة. فذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه. فلما ناداهم وتعرف إليهم قالوا: لا أنعم اللَّه بك عينا يا فاسق. فقال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا. ثم أرضخهم بالحجارة.

وأبلى يومئذ أبو دجانة وطلحة وحمزة وعلي والنضر بن أنس وسعد بن الربيع بلاء حسنا. وكانت الدولة أول النهار للمسلمين. فانهزم أعداء اللَّه وولوا مدبرين. حتى انتهوا إلى نسائهم. فلما رأى ذلك الرماة قالوا: الغنيمة الغنيمة. فذكرهم أميرهم عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - فلم يسمعوا. فأخلوا الثغر وكر فرسان المشركين عليه فوجدوه خاليا. فجاءوا منه وأقبل آخرهم حتى أحاطوا بالمسلمين فأكرم اللَّه من أكرم منهم بالشهادة - وهم سبعون - وولى الصحابة.

وخلص المشركون إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - فجرحوه جراحات وكسروا رباعيته. وقتل مصعب بن عمير بين يديه. فدفع اللواء إلى علي بن أبي طالب. وأدركه المشركون يريدون قتله. فحال دونه نحو عشرة حتى قتلوا. ثم جلدهم طلحة بن عبيد اللَّه حتى أجهضهم عنه. وترس أبو دجانة عليه بظهره والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك.

وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان. فأتى بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - فردها بيده. فكانت أحسن عينيه.

وصرخ الشيطان إن محمدا قد قتل فوقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين فمر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقالوا: قتل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - فقال ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه. ثم استقبل الناس ولقي سعد بن معاذ، فقال يا سعد إني لأجد ريح الجنة من دون أحد. فقاتل حتى قتل. ووجد به سبعون جراحة.

وقتل وحشي الحبشي حمزة بن عبد المطلب -رضي اللَّه عنه-. رماه بحربة على طريقة الحبشة.

وأقبل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - نحو المسلمين. فكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك. فصاح بأعلى صوته يا معشر المسلمين هذا رسول اللَّه فأشار إليه أن اسكت. فاجتمع إليه المسلمون. ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه.

فلما أسندوا إلى الجبل أدركه أبي بن خلف على فرس له كان يزعم بمكة أنه يقتل عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - فلما اقترب منه طعنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - في ترقوته فكر منهزما. فقال له المشركون ما بك من بأس. فقال واللَّه لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين. فمات بسرف.

وحانت الصلاة فصلى بهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - جالسا.

وشد حنظلة بن أبي عامر على أبي سفيان. فلما تمكن منه حمل عليه شداد بن الأسود فقتله وكان حنظلة جنبا. فإنه سمع الصيحة وهو على بطن امرأته -: قام من فوره إلى الجهاد فأخبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - أن الملائكة تغسله.

وكان الأصيرم - عمرو بن ثابت بن وقش - يأبى الإسلام. وهو من بني عبد الأشهل. فلما كان يوم أحد قذف اللَّه الإسلام في قلبه للحسنى التي سبقت له. فأسلم وأخذ سيفه. فقاتل حتى أثبتته الجراح ولم يعلم أحد بأمره. فلما طاف بنو عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم وجدوا الأصيرم - وبه رمق يسير - فقالوا: واللَّه إن هذا الأصيرم. ثم سألوه ما الذي جاء بك؟ أحدب على قومك، أم رغبة في الإسلام؟ فقال بل رغبة في الإسلام آمنت باللَّه وبرسوله وأسلمت. ومات من وقته. فذكروه لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - فقال «هو من أهل الجنة ولم يصل للَّه سجدة قط» .

ولما انقضت الحرب أشرف أبو سفيان على الجبل ونادى: أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه. فقال أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه. فقال أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه.

فقال أما هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر نفسه أن قال يا عدو اللَّه إن الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى اللَّه لك معهم ما يسوءك. ثم قال اعل هبل فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - ألا تجيبوه؟ قالوا: ما نقول؟ قال قولوا: اللَّه أعلى وأجل ثم قال لنا العزى، ولا عزى لكم قال ألا تجيبوه؟ قالوا: ما نقول؟ قال قولوا: اللَّه مولانا. ولا مولى لكم ثم قال يوم بيوم بدر. والحرب سجال فقال عمر: لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

وأنزل اللَّه عليهم النعاس في بدر وفي أحد والنعاس في الحرب من اللَّه. وفي الصلاة ومجالس الذكر من الشيطان.

وقاتلت الملائكة يوم أحد عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم -. ففي الصحيحين عن سعد قال «رأيت رسول اللَّه يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عليهما ثياب بيض. كأشد القتال وما رأيتهما قبل ولا بعد» .

ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار - وهو يتشحط في دمه - فقال يا فلان أشعرت أن محمدا قتل؟ فقال الأنصاري إن كان قد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم فنزل {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]- الآية (1) .

وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص اختبر اللَّه عز وجل به المؤمنين. وأظهر به المنافقين. وأكرم فيه من أراد كرامته بالشهادة. فكان مما نزل من القرآن في يوم أحد إحدى وستون آية من آل عمران أولها {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121]- الآيات (2) .

ولما انصرفت قريش تلاوموا فيما بينهم. وقالوا: لم تصنعوا شيئا، أصبتم شوكتهم ثم تركتموهم وقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم. فارجعوا حتى نستأصل بقيتهم.

فبلغ ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم -. فنادى في الناس بالمسير إليهم وقال لا

_________

(1) من الآية 144 من سورة آل عمران.

(2) الآيات 121 - 180 من سورة آل عمران.

يخرج معنا إلا من شهد القتال فقال له ابن أبي: أركب معك؟ قال لا. فاستجاب له المسلمون - على ما بهم من القرح الشديد - وقالوا: سمعا وطاعة. وقال جابر يا رسول اللَّه إني أحب ألا تشهد مشهدا إلا كنت معك. وإنما خلفني أبي على بناته فأذن لي أسر معك. فأذن له.

فسار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد، فبلغ ذلك أبا سفيان ومن معه فرجعوا إلى مكة. وشرط أبو سفيان لبعض المشركين شرطا على أنه إذا مر بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم - وأصحابه أن يخوفهم ويذكر لهم أن قريشا أجمعوا للكرة عليكم ليستأصلوا بقيتكم. فلما بلغهم ذلك قالوا {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]

ثم دخلت السنة الرابعة. فكانت فيها وقعة خبيب وأصحابه في صفر.

[وقعة بئر معونة]



كلمات دليلية: