withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


غزوة بدر الكبرى_1201

غزوة بدر الكبرى من كتاب إمتاع الأسماع بما للنبي من أحوال ومتاع

اسم الكتاب:
إمتاع الأسماع بما للنبي من أحوال ومتاع

غزوة بدر الكبرى

وفي شهر رمضان هذا كانت غزوة بدر، وهي الوقعة العظيمة التي فرق اللَّه

__________

[ (1) ] القول الأول ذكره الطبري بسنده عن سعيد بن المسيب، والقول الثاني ذكره أيضا بسنده عن البراء.

راجع (تفسير الطبري) ج 2 ص 3، و (تفسير القرطبي) ص 532، 533 (ط. الشعب) وذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) ج 3 ص 252 «في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا» .

[ (2) ] راجع (تفسير القرطبي) ص 534.

[ (3) ] ذكر ابن سيد الناس في (عيون الأثر) ج 1 ص 238 أن «عباد بن نهيك بن إساف الشاعر بن عدي ابن زيد بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو النبيت بن مالك الأوس» «هو الّذي صلى مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلتين في الظهر ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة يوم صرفت القبلة، ثم أتى قومه بني حارثة وهم ركوع في صلاة العصر فأخبرهم بتحويل القبلة فاستداروا إلى الكعبة.

[ (4) ] في (خ) «بني سليمة» .

تعالى فيها بين الحق والباطل، وأعز الإسلام ودمغ الكفر وأهله.

,

أول الخروج إلى بدر

وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تحين انصراف العير التي خرج من أجلها إلى

__________

[ (1) ] قتله صبرا: حبسه حتى مات (المعجم الوسيط) ج 1 ص 506.

[ (2) ] زيادة من (ط) .

[ (3) ] من الآية 70/ الأنفال.

العشيرة وإقبالها من الشام، ندب أصحابه للخروج إلى العير وأمر من كان ظهره [ (1) ] حاضرا بالنهوض، ولم يحتفل لها احتفالا كبيرا، وكان قد بعث طلحة بن عبيد اللَّه ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة القرشي التيمي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤيّ القرشي العدوي قبل خروجه من المدينة بعشر ليال يتحسسان [ (2) ] خبر العير فبلغا التجبار [ (3) ] من أرض الحوراء [ (4) ] فنزلا على كشد [ (5) ] الجهنيّ فأجارهما وأنزلهما وكتم [ (6) ] عليهما حتى مرت العير، ثم خرج بهما يخفرهما حتى أوردهما ذا المروة، فقدما المدينة ليخبرا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبر العدو فوجداه قد خرج. وكان قد ندب المسلمين وخرج بمن معه يوم السبت الثاني عشر من رمضان بعد تسعة عشر شهرا من مهاجره، [وقيل: خرج لثمان خلون من رمضان وذلك بعد ما وجه طلحة بن عبد اللَّه وسعيد بن زيد بعشر ليال] فخرج معه المهاجرون وخرجت الأنصار ولم يكن غزا بأحد منهم قبل ذلك.

فنزل بالبقع [ويقال لها بئر أبي عنبة، وهي على ميل من المدينة] ، والتقيا على أربع مراحل من المدينة، وهي بيوت السقيا، يوم الأحد لثنتي عشرة خلت من رمضان.

عرض المقاتلة وردّ الصغار

فضرب عسكره هناك وعرض المقاتلة [ (7) ] ، فرد عبد اللَّه بن عمرو، وأسامة بن

__________

[ (1) ] الظهر: ما يركب.

[ (2) ] في (خ) «يتحسسان» . وفي (تاريخ الطبري) ج 2 ص 433 «يتجسسان» ، وفي (المغازي) ج 1 ص 19 والتحسس بالحاء: أن تتسمع الأخبار بنفسك، والتجسس بالجيم: هو أن تفحص عنها بغيرك،

وفي الحديث: «لا تجسسوا ولا تحسسوا» (ابن هشام) ج 2 هامش ص 182.

[ (3) ] كذا في (ط) وفي (ابن سعد) ج 2 ص 11.

[ (4) ] الحوراء: مرفأ سفن مصر إلى المدينة، وفي قول الأصمعي: ماء لبني نبهان من طيِّئ قرب ماء يقال له القلب لبني ربيعة من بني نمير (معجم البلدان) ج 2 ص 316 وفي (المغازي) «بالنخبار» ج 1 ص 19.

[ (5) ] في (خ) «كشد» بالشين والدال (والمغازي) ج 1 ص 19 وفي الإصابة ج ص 287 «كسد» بالسين المهملة ترجمة رقم 7398.

[ (6) ] في (خ) «وكتمه» .

[ (7) ] في (خ) «المقابلة» .

زيد، ورافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم الأنصاري الخزرجي [ (1) ] ، والبراء بن عازب بن حارث بن عدي بن جشم بن مجدعة [ (2) ] بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري [الأوسي] [ (3) ] الحارثي، وأسيد بن حضير ابن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي، وزيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأغرّ الأنصاري الخزرجي، وزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري، ولم يجزهم. وعرض عمير بن أبي وقاص فاستصغره فقال: ارجع، فبكى، فأجازه. فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة.

وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يستقوا من بئر السقيا وشرب من مائها، وصلى عند بيوت السقيا.

,

أفراس المسلمين ببدر

وكان معهم فرسان، فرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، وفرس للمقداد بن عمرو ابن ثعلبة البهراني، ويقال: فرس للزبير، ولم [يكن معهم] [ (5) ] إلا فرسان، ولا خلاف أن المقداد له فرس يقال له «سبحة» ، ويقال لفرس مرثد «السّيل» ولحقت قريش بالشام في عيرها [ (6) ] .

__________

[ (1) ] الساقة: مؤخرة الجيش (المعجم الوسيط) ج 1 ص 464.

[ (2) ] في (المغازي) ج 1 ص 26 «فأفوّق له بسهم» ، واستغربه محقق (ط) .

[ (3) ] الذكاة: الذبح أو النحر (المعجم الوسيط) ج 1 ص 314.

[ (4) ] الخبر بتمامه في (المغازي) ج 1 ص 26، 27، وقد قال محقق (ط) أنه لم يجد هذا الخبر فيما بين يديه من كتب.

[ (5) ] زيادة للبيان، ونصّ الواقدي: «ولم يكن إلا فرسان» (المغازي) ج 1 ص 27.

[ (6) ] قال (ابن هشام) ج 2 ص 224: «وحدثني بعض أهل العلم أنه كان مع المسلمين يوم بدر من الخيل فرس مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وكان يقال له السّيل، وفرس المقداد بن عمرو البهراني، وكان يقال له بعزجة، ويقال: سبحة، وفرس الزبير بن العوام وكان يقال له اليعسوب» ، «ومع المشركين مائة فرس» .

,

استقسامهم بالأزلام وكراهية الخروج إلى بدر

واستقسم أميّة بن خلف وعتبة وشيبة عند هبل بالآمر والناهي من الأزلام فخرج القدح [ (5) ] الناهي عن الخروج. وأجمعوا [ (6) ] المقام حتى أزعجهم أبو جهل، واستقسم زمعة بن الأسود فخرج الناهي، وكذلك خرج لعمير بن وهب، وخرج حكيم ابن حزام وهو كاره لمسيره، وقد خرج له القدح الناهي، فلما نزلوا مرّ الظهران [ (7) ] نحر أبو جهل جزرا [ (8) ] ، فكانت جزور منها بها حياة فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها. وأخذ عدّاس [ (9) ] يخذل شيبة وعتبة ابني ربيعة

__________

[ (1) ] جمع «صاب» غير مهموز، كقاضي وقضاة، فقد كانت قريش تسمّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصابيء، والمسلمين الصباة.

[ (2) ] زيادة للبيان والتصويب.

[ (3) ] (المغازي) ج 1 ص 33.

[ (4) ] زيادة من تاريخ الطبري ج 2 ص 430 «بتصرف» .

[ (5) ] القدح: قطعة من الخشب كانت تستعمل في الميسر، الاستقسام هو إطاعة ما يخرج في هذه القداح من أمر أو نهي. (المعجم الوسيط) ج 2 ص 717 بتصرف.

[ (6) ] في (خ) «أجمعوا» وفي المغازي «فأجمعوا» ج 1 ص 33، وأجمعوا: عزموا.

[ (7) ] في (خ) «من الظهران» ومرّ الظهران: موضع على مرحلة من مكة (معجم البلدان) ج 5 ص 104.

[ (8) ] جزر: جمع جزور، وهي الناقة المنحورة.

[ (9) ] هو غلام نصراني كان لعتبة وشيبة ابنا ربيعة. والتخذيل: تثبيط الناصر عن النّصرة.

عن الخروج، والعاصي بن منبّه بن الحجاج. وأبى أمية بن خلف أن يخرج فأتاه عقبة ابن أبي معيط وأبو جهل فعنّفاه، فقال: ابتاعوا لي أفضل بعير في الوادي، فابتاعوا له جملا بثلاثمائة درهم من نعم بني قشير فغنمه المسلمون [ (1) ] . وما كان أحد منهم أكره للخروج من الحارث بن عامر.

,

وصول عير قريش إلى بدر

وأقبل أبو سفيان بالعير ومعها سبعون رجلا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص، فكانت عيرهم ألف بعير تحمل المال، وقد خافوا خوفا شديدا حين دنوا من المدينة واستبطئوا ضمضم بن عمرو والنفير [ (4) ] ، فلما كانت الليلة التي يصبحون فيها على ماء بدر، جعلت العير تقبل بوجوهها إلى ماء بدر- وكانوا باتوا [ (5) ] من وراء بدر آخر ليلتهم وهم على أن يصبّحوا بدرا إن لم يعترض لهم- فما انقادت لهم العير حتى ضربوها بالعقل [ (6) ] ، وهي ترجع الحنين تزاور [ (7) ] إلى ماء بدر- وما

__________

[ (1) ] في (خ) «شغلهم» .

[ (2) ] ذكره ابن قتيبة في (المعارف) ص 145 «أسماء المطعمين من قريش في غزوة بدر: العباس بن عبد المطلب، وعتبة بن ربيعة، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عديّ، وأبو البختري ابن هشام، وحكيم بن حزام، والنضر بن الحارث بن كلدة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، فنزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (من الآية 36/ الأنفال) .

[ (3) ] آية 47/ الأنفال، وفي (خ) وَرِئاءَ النَّاسِ الآية.

[ (4) ] النفير: القوم ينفرون للقتال. (المعجم الوسيط) ج 2 ص 940.

[ (5) ] في (خ) «بتوا» .

[ (6) ] في (خ) «العفل» والتصويب من (المغازي) ج 1 ص 40 والعقل: جمع عقال، وهو الرباط الّذي تربط به قوائم الدابة.

[ (7) ] في (خ) «تزاودا» ولعل الصواب ما أثبتناه. وتزاور: أي تميل بأعناقها وتعدل.

بها إلى الماء حاجة، لقد شربت بالأمس- وجعل أهل العير يقولون: هذا شيء ما صنعته معنا منذ خرجنا، وغشيتهم تلك الليلة الظلمة حتى ما يبصر أحد منهم شيئا. فأصبح أبو سفيان ببدر قد تقدم العير وهو خائف من الرصد، فضرب وجه عيره فساحل بها [ (1) ] ، وترك بدرا يسارا وانطلق سريعا، وأقبلت قريش من مكة ينزلون كل منهل، يطعمون الطعام من أتاهم وينحرون الجزر. وهمّ عتبة وشيبة أن يرجعا ثم مضيا وقد عنفهما أبو جهل.

,

نجاة عير قريش وإصرار النفير على البقاء ببدر

وأتاهم قيس بن امرئ القيس من أبي سفيان يأمرهم بالرجوع، ويخبرهم أن قد نجت عيرهم: فلا تجزروا [ (5) ] أنفسكم أهل يثرب، فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك، إنما خرجتم لتمنعوا العير وأموالكم، وقد نجاها اللَّه. فعالج قريشا فأبت الرجوع وردوا القيان من الجحفة. وقال أبو جهل: لا واللَّه لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم

__________

[ () ] قال تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ من الآية 17/ الكهف. أي تميل.

[ (1) ] أي قصد بها الساحل.

[ (2) ] في (ط) «ومعه» .

[ (3) ] في (خ) «لا أظنكم» .

[ (4) ] اللبة من عنق البعير فوق صدره ومنها يذبح.

[ (5) ] أي لا تجعلوا أنفسكم ذبائح لأهل مكة.

ثلاثا، ننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا، فلن تزال العرب تهابنا أبدا. وعاد قيس إلى أبي سفيان وقد بلغ الهدّة [ (1) ]- على تسعة أميال من عقبة عسفان- فأخبره بمضي قريش، فقال: وا قوماه!! هذا عمل عمرو ابن هشام [يعني أبا جهل] [ (2) ] ، كره أن يرجع لأنه ترأس على الناس فبغى، والبغي منقصة وشؤم، إن أصاب محمد النفير ذللنا.

,

رجوع الأخنس ببني زهرة عن بدر

ورجع الأخنس بن شريق [واسمه أبي بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج ابن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة] ببني زهرة من الأبواء [ (3) ]- وكانوا نحو المائة وقيل ثلاثمائة- فلم يشهد بدرا أحد من بني زهرة إلا رجلان هما عمّا مسلم ابن شهاب بن عبد اللَّه [ (4) ] وقتلا كافرين، ويقال: إن الأخنس بن شريق خلا بأبي جهل لما تراءى الجمعان فقال: أترى محمدا يكذب؟ فقال أبو جهل: كيف يكذب على اللَّه وقد كنا نسميه الأمين لأنه ما كذب قط! ولكن إذا كانت في عبد مناف السقاية والرفادة والمشورة، ثم تكون فيهم النبوة، فأي شيء بقي لنا؟ فحينئذ انخنس الأخنس ببني زهرة [ (5) ] ورجعت بنو عدي قبل ذلك من مرّ الظهران.

,

المشورة قبل بدر

ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان دوين بدر أتاه الخبر بمسير قريش، فاستشار الناس، فقام أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قال: يا رسول اللَّه، إنها واللَّه قريش وعزها، واللَّه ما ذلت منذ عزت، واللَّه ما آمنت منذ كفرت، واللَّه لا تسلم عزها أبدا ولتقاتلنك، فاتهب [ (4) ] لذلك أهبته، وأعدّ لذلك عدته، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللَّه، امض لأمر اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها:

__________

[ (1) ] «يساف» و «إساف» .

[ (2) ] في فيه: في فمه.

[ (3) ] في (خ) «ليغفر بهم» .

[ (4) ] كذا في (المغازي) ج 1 ص 48 وفي (ط) «فأتهب» .

وقد أغفلت غالبية كتب السيرة مقالة عمر هذه ولم يزيدوا على قوله: «ثم قام عمر فقال فأحسن» إلا الواقدي في (المغازي) كما أثبتنا.

فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (1) ] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما [ (2) ] مقاتلون، والّذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد [ (3) ] لسرنا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، ودعا له بخير.

,

دلالته على مصارع المشركين يوم بدر

فلما فرغ سعد من المشورة

قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه قد وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه لكأنّي انظر إلى مصارع القوم، ثم أراهم مصارعهم يومئذ: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فما عدا كل رجل مصرعه، فعلم القوم أنهم يلاقون القتال وأن العير تفلت، ورجوا النصر لقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.

,

عدة المشركين يوم بدر

وأنهم ينحرون يوما عشرا ويوما تسعا، واعلموه بمن خرج من مكة،

فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: القوم بين الألف والتسعمائة، وقال: هذه مكة قد ألقت [إليكم] [ (3) ] أفلاذ كبدها.

,

المطر يوم بدر

وبعث اللَّه السماء، فأصاب المسلمين ما لبّد الأرض ولم يمنع من السير، وأصاب قريشا من ذلك ما لم يقدروا أن يرتحلوا منه، وإنما بينهم قوز من رمل [ (1) ] ، وكان مجيء المطر نعمة وقوة للمؤمنين، وبلاء ونقمة على المشركين.

النّعاس الّذي أصاب المسلمين

وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم فناموا حتى إن أحدهم [تكون] [ (2) ] ذقنه بين ثدييه وما يشعر حتى يقع على جنبه، واحتلم رفاعة بن رافع ابن مالك حتى اغتسل آخر الليل. وبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم عمار بن ياسر وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنهما فأطافا بالقوم، ثم رجعا فأخبراه أن القوم مذعورين، وأن السماء تسحّ عليهم [ (3) ] .

بناء عريش رسول اللَّه

وبني لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما نزل القليب- عريش من جريد. وقام سعد ابن معاذ على بابه متوشح السيف. ومشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على موضع الوقعة، وعرض على أصحابه مصارع رءوس الكفر من قريش مصرعا مصرعا، يقول: هذا مصرع فلان، و [هذا] [ (4) ] مصرع فلان، فما عدا واحد منهم مضجعه الّذي حدّ له الرسول. وعدّل صلّى اللَّه عليه وسلّم الصفوف، ورجع إلى العريش فدخل صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر رضي اللَّه عنه، وأصبح ببدر يوم الجمعة السابع عشر، وقيل: الثامن عشر من رمضان قبل أن تنزل قريش، فطلعت قريش وهو يصفهم، وقد أترعوا حوضا.

ودفع رايته إلى مصعب بن عمير فتقدم حيث أمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يضعها، ووقف صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إلى الصفوف فاستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه، وأقبل المشركون فاستقبلوا الشمس، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعدوة [ (5) ] الشامية، ونزلوا بالعدوة اليمانية. فجاء

__________

[ (1) ] القوز: الكثيب العالي من الرمل (المعجم الوسيط) ج 2 ص 766.

[ (2) ] زيادة للسياق.

[ (3) ] السّحّ: الصّب والسيلان من فوق (ترتيب القاموس) ج 2 ص 527.

[ (4) ] زيادة للسياق.

[ (5) ] العدوة: شاطئ الوادي وجانبه الصلب.

رجل فقال: يا رسول اللَّه إني أرى أن تعلو الوادي، فإنّي أرى ريحا قد هاجت من أعلى الوادي، وإني أراها بعثت بنصرك.

فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد صففت صفوفي ووضعت رايتي، فلا أغير ذلك. ثم دعا ربه تعالى

فنزل عليه: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (1) ] يعني بعضهم على إثر بعض.

,

الريح التي بعثت والملائكة

وجاءت ريح شديدة، ثم هبت ريح أشد منها، ثم هبت ريح ثالثة أشد منهما:

فكانت الأولى جبريل عليه السلام في ألف مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والثانية ميكائيل عليه السلام في ألف عن ميمنته، والثالثة إسرافيل في ألف عن ميسرته. ويقال:

جاء جبريل في ألف من الملائكة في صور الرجال، وكان في خمسمائة من الملائكة في الميمنة، وميكائيل في خمسمائة من الميسرة، ووراءهم مدد من الملائكة لم يقاتلوا، وهم الآلاف المذكورون في سورة آل عمران [ (6) ] ، وكان إسرافيل وسط الصف لا يقاتل كما يقاتل غيره من الملائكة. وكان الرجل يرى الملك على صورة رجل يعرفه،

__________

[ (1) ] الآية 9/ الأنفال.

[ (2) ] أقدني: أعطني القود، وهو القصاص.

[ (3) ] في (خ) «عهد» وما أثبتناه من (المغازي) ج 3 ص 271.

[ (4) ] في (تاريخ الطبري) ج 2 ص 447 «فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك» ونحوه في (البداية والنهاية) ج 3 ص 271.

[ (5) ] القداح: جمع قدح.

[ (6) ] الآيات من 123 إلى 127 آل عمران.

وهو يثبته ويقول له: ما هم بشيء، فكر عليهم [ (1) ] ، وهذا معنى قوله تعالى:

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ [ (2) ] ، وفي مثل هذا قال حسان رضي اللَّه عنه:

ميكال معك وجبرئيل كلاهما ... مدد لنصرك من عزيز قادر [ (3) ]

,

ألوية بدر

ويقال كان على الميمنة أبو بكر رضي اللَّه عنه، والثابت أنه لم يكن على الميمنة والميسرة أحد، وكان لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأعظم- لواء المهاجرين- مع مصعب ابن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ.

ومع قريش ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز (بن عمير) [ (4) ] ، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة.

,

خطبته يوم بدر

وخطب صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإنّي أحثكم على ما حثكم اللَّه عليه، وأنهاكم عما نهاكم عنه، فإن اللَّه عظيم شأنه، يأمر بالحق ويحب الصدق، ويعطي على الخير أهله، على منازلهم عنده، به يذكرون وبه يتفاضلون، وإنكم قد أصبحتم بمنزل الحق لا يقبل اللَّه فيه من أحد إلا ما ابتغي به وجهه، وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج اللَّه به الهمّ، وينجي به من الغمّ، وتدركون النجاة في الآخرة، فيكم نبي اللَّه يحذركم ويأمركم، فاستحيوا اليوم أن يطلع اللَّه عز وجل على شيء من أمركم يمقتكم عليه، فإن اللَّه يقول: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [ (5) ] . انظروا الّذي أمركم به من كتابه، وأراكم من آياته، وأعزكم [به] [ (6) ] بعد ذلة، فاستمسكوا به يرض به ربكم عنكم، وابلوا

__________

[ (1) ] الكرّ: الإقدام على العدوّ.

[ (2) ] في (خ) إلى قوله تعالى: الرُّعْبَ والآية 12/ الأنفال.

[ (3) ] في (خ) جبريل، ولم يرد ذكر هذا البيت في الأشعار التي قيلت في غزوة بدر ولا في كتب السيرة ولا في ديوان حسان بن ثابت ولا في كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة عند ترجمته لحسان بن ثابت.

[ (4) ] زيادة للإيضاح.

[ (5) ] من الآية 10/ غافر.

[ (6) ] زيادة للإيضاح.

ربكم في هذه المواطن أمرا تستوجبوا وعدكم به من رحمته ومغفرته، فإن وعده حق وقوله صدق وعقابه شديد. وإنما أنا وأنتم باللَّه الحي القيوم، إليه ألجأنا ظهورنا، وبه اعتصمنا، وعليه توكلنا، وإليه المصير، يغفر اللَّه لي وللمسلمين.

,

دعاؤه على قريش

ولما رأى صلّى اللَّه عليه وسلّم قريشا تصوب من الوادي- وكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلا-

قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إنك أنزلت عليّ الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين، وأنت لا تخلف الميعاد، اللَّهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك [ (1) ] وتكذب رسولك، اللَّهمّ فنصرك الّذي وعدتني، اللَّهمّ أحنهم الغداة [ (2) ] .

,

بعثة عمر إلى قريش يعرض عليهم الرجوع

ولما نزل القوم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إليهم يقول: ارجعوا، فإنه إن يلي هذا الأمر مني غيركم، أحب إلي من أن تلوه مني، [وأن] [ (3) ] أليه من غيركم أحب [إليّ] من [أن] [ (3) ] أليه منكم، فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصفا فاقبلوه، واللَّه لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف [ (4) ] ، فقال أبو جهل: واللَّه لا نرجع بعد أن أمكننا اللَّه منهم، [ولا نطلب أثرا بعد عين، ولا يعترض لعيرنا بعد هذا أبدا] [ (5) ] .

,

النفر الذين شربوا من الحوض

وأقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض- منهم حكيم بن حزام- فأراد المسلمون طردهم

فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوهم، فوردوا الماء فشربوا، فما شرب منهم أحد إلا قتل،

إلا ما كان من حكيم بن حزام نجا [ (6) ] .

__________

[ (1) ] حاده: خالفه وعصاه ونازعه.

[ (2) ] أحنهم: من أحانه اللَّه: أهلكه.

[ (3) ] زيادات يقتضيها السياق.

[ (4) ] النّصف: الإنصاف وإعطاء الحق.

[ (5) ] زيادة من (المغازي) ج 1 ص 61.

[ (6) ] في (تاريخ الطبري) ج 2 ص 441 «نجا على فرس يقال له الوجيه، وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه، فكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والّذي نجاني يوم بدر» وفي (ابن هشام) ج 2 ص 93: «لا والّذي نجاني من يوم بدر» .

,

بعثة عمير بن وهب لحرز المسلمين وما قاله لقريش

وبعثت قريش عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن الجمحيّ ليحرز [ (1) ] المسلمين، فلما لم ير لهم مددا ولا كمينا، رجع فقال: القوم ثلاثمائة إن زادوا [زادوا] [ (2) ] قليلا، معهم سبعون بعيرا وفرسان، ثم قال: يا معشر قريش! البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليست لهم منعة ولا ملجأ [ (3) ] إلا سيوفهم، ألا ترون خرسا لا يتكلمون، يتلمظون تلمظ [ (4) ] الأفاعي، واللَّه ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل منكم رجلا، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم فما خير في العيش بعد ذلك فروا رأيكم.

فبعثوا أبا سلمة الجشمي، فأطاف على المسلمين بفرسه، ثم رجع فقال: واللَّه ما رأيت جلدا ولا عدادا ولا حلقة ولا كراعا، ولكني رأيت قوما لا يريدون أن يؤوبوا إلى أهليهم، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، زرق [ (5) ] العيون كأنها [ (6) ] الحصى تحت الحجف [ (7) ] ، فروا رأيكم.

,

حكيم بن حزام يؤامر قريشا على الرجوع

فمشى حكيم بن حزام في الناس ليرجعوا فوافقه عتبة بن ربيعة، وأبي أبو جهل وهبّ [ (8) ] إلى عامر الحضرميّ أخي المقتول بنخلة، وحثه على أخذه بأثر أخيه، فقام ثم حثا على استه التراب بعد ما اكتشف وصرخ: وا عمراه! فأفسد على الناس الرأي الّذي رآه عتبة ودعاهم إليه.

,

بدء القتال يوم بدر وأول من قتل

ثم حرّش بين الناس، وحمل فناوش المسلمين وشبت الحرب. فخرج إليه مهجع

__________

[ (1) ] في (خ) «ليجوز» ، ويحرز: بقدر العدد بالتخمين.

[ (2) ] زيادة من (ط) ورواية (الواقدي) بغير هذه الزيادة.

[ (3) ] في (خ) مطموسة، وما أثبتناه من (ابن سعد) ج 2 ص 16 (والمغازي) ج 1 ص 63.

[ (4) ] التلمظ: تحريك اللسان في الفم بعد الأكل والتمطق بالشفتين.

[ (5) ] في (خ) «زرق زرق» تكرار من الناسخ.

[ (6) ] في (خ) «كأنهم» .

[ (7) ] الحجف: جمع حجفة، وهي جلود يطارق بعضها ببعض حتى تغلظ فتكون درقة كالدرع.

[ (8) ] في (خ) «ووهب» .

مولى عمر [بن الخطاب] [ (1) ] فقتله عامر، فكان مهجع أول من استشهد يوم بدر، وكان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة قتله حبّان بن العرقة، ويقال: عمير بن الحمام قتله خالد بن الأعلم العقيلي.

مناشدة رسول اللَّه ربه

وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في العريش وأصحابه على صفوفهم، فاضطجع فغشيه نوم غلبه-

وكان قد قال: لا تقاتلوا حتى أوذنكم، وإن كثبوكم [ (2) ] فارموهم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم

- فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه قد دنا القوم، وقد نالوا منا، فاستيقظ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو رافع يديه يناشد ربه ما وعده من النصر

ويقول: اللَّهمّ إن تظهر على هذه العصابة يظهر الشرك ولا يقم لك دين،

وأبو بكر يقول: واللَّه لينصرنك اللَّه وليبيضن وجهك. وقال عبد اللَّه بن رواحة:

يا رسول اللَّه، إني أشير عليك- ورسول اللَّه أعظم وأعلم باللَّه من أن يشار عليه- إن اللَّه أجلّ وأعظم من أن ينشد وعده.

فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ابن رواحة، ألا أنشد اللَّه وعده، إن اللَّه لا يخلف الميعاد.

ولم يذكر ابن إسحاق ولا الواقدي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتل،

وخرّج الفريابي، نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما كان يوم بدر وحضر الناس، أمّنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كان منا أحد أقرب إلى المشركين منه، وكان أشد الناس بأسا [ (3) ] .

,

الأسود بن عبد الأسد: مقتله عند الحوض

فلما تزاحف الناس قال الأسود بن عبد الأسد [ (4) ] المخزومي- حين دنا من الحوض-: أعاهد اللَّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنّه، أو لأموتنّ دونه، فشدّ حتى دنا منه، فاستقبله حمزة بن عبد المطلب فضربه فأطنّ [ (5) ] قدمه، فزحف الأسود حتى وقع في الحوض فهدمه برجله الصحيحة وشرب منه، وحمزة يتبعه

__________

[ (1) ] زيادة للإيضاح.

[ (2) ] كثب وأكثب: إذا دنا من القوم وقاربهم.

[ (3) ] (مسند أحمد) ج 1 ص 126.

[ (4) ] في (خ) «الأسدي» .

[ (5) ] أي ضربه ضربة سريعة بالسيف قطعت رجله، ويسمع للضربة طنين.

فضربه في الحوض فقتله، فدنا بعضهم من بعض وخرج عتبة، وشيبة والوليد، ودعوا إلى المبارزة.

المبارزة وخروج الأنصار وكراهية رسول اللَّه ذلك ودعوته للمهاجرين

فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار فتيان وهم: معاذ ومعوّذ وعوف بنو عفراء، ويقال ثالثهم عبد اللَّه بن رواحة [ (1) ] فاستحيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكره أن يكون أول قتال- لقي فيه المسلمون المشركين- في الأنصار، وأحب أن تكون الشوكة [ (2) ] ببني عمه وقومه، فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم،

وقال لهم خيرا. ثم نادى منادي المشركين: يا محمد، أخرج لنا [ (3) ] الأكفاء من قومنا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بني هاشم، قوموا فقاتلوا بحقكم الّذي بعث به نبيكم، إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور اللَّه.

فقام علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، فمشوا إليهم [ (4) ] . وكان علي رضي اللَّه عنه معلما بصوفة بيضاء، فقال عتبة لابنه: قم يا وليد، فقام فقتله علي، ثم قام عتبة فقتله حمزة، ثم قام شيبة فقام إليه عبيدة فضربه شيبة فقطع ساقه، فكرّ حمزة وعلي فقتلا شيبة واحتملا عبيدة إلى الصف [ (5) ] فنزلت فيهما [ (6) ] هذه الآية:

هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُ

__________

[ (1) ] وهي رواية (الواقدي) ج 1 ص 68 إلا أنه استدرك ذلك بقوله: «والثبت عندنا أنهم بنو عفراء» .

وفي (تاريخ الطبري) ج 2 ص 445 أن ثالثهم ابن رواحة.

[ (2) ] في (المغازي) ج 1 ص 68 «لبني» .

[ (3) ] في (خ) ، (المغازي) «لنا» وفي (ط) «إلينا» .

[ (4) ] في (ابن سعد) «فمشوا إليه» ج 2 ص 17 وفي (المغازي) «فمشوا إليهم» ج 1 ص 58.

[ (5) ]

«فلما أتوا به النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ألست شهيدا يا رسول اللَّه؟ قال: بلى،

قال: لو رآني أبو طالب لعلم إننا أحق منه بقوله:

ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل»

(الكامل لابن الأثير) ج 1 ص 125.

وفي (المغازي) ج 1 ص 70:

«كذبتم وبيت اللَّه نخلي محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وفي (ابن هشام) «كذبتم وبيت اللَّه نبزي محمدا» أي لا يبزي والمعنى لا يقهر.

[ (6) ] في (المغازي) ج 1 ص 70 «ونزلت هذه الآية» .

مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ [ (1) ] .

,

استفتاح أبي جهل

واستفتح أبو جهل يومئذ فقال: اللَّهمّ أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا يعلم، فأحنه الغداة. فأنزل اللَّه تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] . وقال يومئذ:

ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سنّي

لمثل هذا ولدتني أمي [ (3) ]

,

إبليس يذمر المشركين ثم نكوصه على عقبيه

وتصور إبليس في صورة سراقة (بن مالك) [ (4) ] ، بن جعشم (المدلجي) [ (4) ] يذمر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس، فلما أبصر عدوّ اللَّه الملائكة نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون [ (5) ] فتشبث به الحارث بن هشام وهو يرى أنه سراقة، فضرب في صدر الحارث، فسقط، وانطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر، [ورفع يديه وقال: يا رب، موعدك الّذي وعدتني] [ (6) ] .

__________

[ (1) ] الآية 19/ الحج وفي (خ) إلى قوله تعالى فِي رَبِّهِمْ.

[ (2) ] الآية 19/ الأنفال وفي (خ) إلى قوله تعالى: [ «الفتح» ، «الآية» ] .

[ (3) ] في (البداية والنهاية) ج 3 ص 283 «ما تنقم الحرب الشموس مني» .

وفي (ابن هشام) ج 2 ص 200 «ما تنقم الحرب العوان مني» .

والحرب العوان جمع عون: الحرب الشديدة التي قوتل فيها مرة بعد أخرى، والبازل من الإبل الّذي خرج سنه فهو في ذلك يصل لذروة مرحلة الشباب.

[ (4) ] زيادة من نسبه.

[ (5) ] وذلك معنى الآية 48/ الأنفال، وهي قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ....

[ (6) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 71.

,

شعار المسلمين في القتال وإعلامهم

وأقبل أبو جهل يحض المشركين على القتال بكلام كثير [ (1) ] وجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم شعار المهاجرين «يا بني عبد الرحمن» وشعار الخزرج «يا بني عبد اللَّه» والأوس «يا بني عبيد اللَّه» .

ويقال: كان شعار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يا منصور أمت» [ (2) ]

وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن الملائكة قد سوّمت فسوّموا [ (3) ] ، فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقلانسهم، وكان أربعة يعلمون في الزحوف [ (4) ] ،

فكان حمزة معلما بريشة نعامة، وعلي معلما بريشة نعامة «وعليّ معلما بصوفة بيضاء، والزبير معلما بعصابة صفراء- وكان يحدّث أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر- وكان أبو دجانة معلما بعصابة حمراء.

,

خبر قتال الملائكة يوم بدر

وقال سهيل بن عمرو: ولقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين، يقتلون ويأسرون، وقال أبو أسيد الساعدي [بعد أن ذهب بصره] [ (5) ] ، لو كنت معكم الآن ببدر [ومعي بصري] [ (5) ] لأريتكم الشّعب الّذي خرجت منه الملائكة. وكان [ (6) ] ابن عباس يحدّث عن رجل من بني غفار حدثه، قال: أقبلت أنا وابن عم لي يوم بدر حتى أصعدنا في [ (7) ] جبل ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة [ (8) ] ، فننتهب مع من ينتهب، فبينا نحن في الجبل إذ رأيت سحابة دنت منا «فسمعت فيها حمحمة الخيل وقعقعة الحديد، وسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم. فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات، وأما

__________

[ (1) ] من هذا الكلام الكثير: «لا يغرنكم خذلان سراقة بن جعشم إياكم فإنما كان على ميعاد من محمد وأصحابه، سيعلم إذا رجعنا إلى مديد ما نصنع بقومه» من (المغازي) ج 1 ص 71.

[ (2) ] في (ابن هشام) ج 2 ص 201

«أحد أحد» .

[ (3) ] أي اتخذوا سيما وهي العلامة، قال تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ من الآية 29/ الفتح.

[ (4) ] في (خ) «الرجوف» . والزحوف: جمع زحف وهو لقاء العدو، والقلانس: جمع قلنسوة، وهي مما يلبس في الرأس.

[ (5) ] زيادات للإيضاح.

[ (6) ] في (خ) «فكان» . وما أثبتناه من (ط) و (ابن هشام) .

[ (7) ] الخبر في (المغازي) ج 1 ص 76.

[ (8) ] الدّبرة: الهزيمة. وفي (المغازي) ج 1 ص 76 «الدائرة» .

أنا فكدت أهلك، فتماسكت واتبعت البصر حيث تذهب السحابة، فجاءت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، ثم رجعت وليس فيها شيء مما كنت أسمع.

وقال أبو رهم الغفاريّ عن ابن عم له: بينا أنا وابن عم لي على ماء بدر- فلما رأينا قلة من مع محمد وكثرة قريش- قلنا: إذا التقت الفئتان عمدنا إلى معسكر محمد وأصحابه، فانطلقنا نحو المجنّبة اليسرى من أصحابه ونحن نقول: هؤلاء ربع قريش. فبينما نحن نمشي في الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا، فرفعنا أبصارنا إليها، فسمعنا أصوات الرجال والسلاح، وسمعنا رجلا يقول لفرسه: أقدم حيزوم، وسمعناهم يقولون: رويدا تتامّ أخراكم. فنزلوا على ميمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم جاءت أخرى مثل [ذلك] [ (1) ] فكانت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنظرنا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه فإذا هم الضّعف على قريش فمات ابن عمي، وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحسن إسلامه.

وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما رئي الشيطان يوما [هو] [ (2) ] فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة- وما ذلك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز اللَّه عن الذنوب العظام- إلا ما رئي يوم بدر،

وقيل: ما رأى يوم بدر، قال: أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة.

وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: هذا جبريل يسوق الريح كأنه دحية الكلبي، إني نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور.

وقال عبد الرحمن بن عوف: رأيت يوم بدر رجلين، عن يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشد القتال، ثم يليهما ثالث من خلفه، ثم ربعهما رابع أمامه. وعن صهيب: ما أدري كم يد مقطوعة أو ضربة جائفة [ (3) ] لم يدم كلمهما [ (4) ]- يوم بدر- قد رأيتها.

وعن أبي بردة بن نيار قال: جئت يوم بدر بثلاثة رءوس فوضعتهم بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه، أما رأسان فقتلتهما، وأما الثالث فإنّي رأيت رجلا أبيض طويلا ضربه فتدهدى [ (5) ] أمامه فأخذت رأسه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذاك فلان من الملائكة.

وكان ابن عباس يقول: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وعن ابن عباس: كان الملك يتصور في صورة من

__________

[ (1) ] في (المغازي) ج 1 ص 77 «تلك» .

[ (2) ] زيادة من (المغازي) ج 1 ص 77.

[ (3) ] الجائفة: التي تبلغ الجوف.

[ (4) ] الكلم: الجرح.

[ (5) ] تدهدي: تدحرج (النهاية) ج 2 ص 143.

يعرفون من الناس يثبتونهم فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا، ليسوا بشيء. وذاك قول اللَّه تبارك وتعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [ (1) ] .

وعن حكيم بن حزام: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بوادي خلص [ (2) ] بجاد [ (3) ] من السماء قد سد الأفق، فإذا الوادي يسيل نملا، فوقع في نفسي أن هذا شيء من السماء أيّد به محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كانت إلا الهزيمة، وهي الملائكة.

نهي الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قتل بني هاشم ورجال من قريش

ونهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قتل بني هاشم، فقال: من لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله.

ونهى عن قتل العباس بن عبد المطلب، ونادى مناديه:

من أسر أمّ حكيم بنت حزام فليخل سبيلها فإن رسول اللَّه قد أمنها. وكان قد أسرها رجل من الأنصار وكتفها بذؤابتها [ (4) ] فلما سمع المنادي خلى سبيلها. ونهى أيضا عن قتل أبي البختري فقتله أبو داود المازني، ويقال: قتله المجدّر بن ذياد [ (5) ] . ونهى عن قتل الحارث بن عامر بن نوفل، فقتله خبيب بن يساف ولا يعرفه. ونهى عن قتل زمعة بن الأسود، فقتله ثابت بن الجذع [ (6) ] ولا يعرفه.

دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم رميه المشركين بالحصى

ولما التحم القتال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رافعا يديه يسأل اللَّه النصر وما وعده.

وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذ من الحصا كفا فرماهم بها وقال: شاهت الوجوه، اللَّهمّ ارعب قلوبهم، وزلزل أقدامهم.

فانهزم أعداء اللَّه لا يلوون على شيء، وألقوا دروعهم، والمسلمون يقتلون ويأسرون، وما بقي منهم أحد إلا امتلأ وجهه وعيناه، ما يدري أين يتوجه، والملائكة يقتلونهم، وذلك قوله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ

__________

[ (1) ] آية 12/ الأنفال.

[ (2) ] وادي بين مكة والمدينة فيه قرى ونخل (معجم البلدان) ج 2 ص 382.

[ (3) ] البجاد: كساء مخطط (المعجم الوسيط) ج 1 ص 38.

[ (4) ] الذؤابة: الضفيرة من الشعر.

[ (5) ] في (خ) «زياد» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 80.

[ (6) ] في (خ) «الجزع» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 81.

وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (1) ] .

,

أسر عقبة بن أبي معيط وقتله

وجمح بعقبة بن أبي معيط فرسه، فأخذه عبد اللَّه بن سلمة العجلانيّ. فأمر النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فضرب عنقه صبرا،

وصدق اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في قوله لعقبة: إن وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا

. ,

أسر أمية بن خلف

وبينا عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه يجمع أدراعا بعد أن ولّى الناس إذا أمية بن خلف وابنه عليّ، فأخذ يسوقهما أمامه إذ بصر به بلال فنادى يا معشر الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجوت. فأقبلوا حتى طرح أمية على ظهره، فقطع الحباب بن المنذر أرنبة أنفه، وضربه خبيب بن يساف حتى قتله، وقتل عمار بن ياسر عليّ بن أمية بن خلف. وقتل الزبير بن العوام عبيدة ابن سعيد بن العاص، وقتل أبو دجانة عاصم بن أبي عوف بن ضبيرة [ (2) ] السهمي، وقتل عليّ رضي اللَّه عنه عبد اللَّه بن المنذر بن أبي رفاعة، وحرملة بن عمرو وهو يراهما أبا جهل. وقتل حمزة رضي اللَّه عنه أبا قيس بن الفاكه بن المغيرة وهو يراهما أبا جهل، [وكان أبو جهل في مثل الحرجة (وهو الشجر الملتف) والمشركون يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه] .

,

قتل أبي جهل

فصمد معاذ بن الجموح إلى أبي جهل، وأبو جهل يرتجز:

ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سنّي

لمثل هذا ولدتني أمّي

__________

[ (1) ] الآية 17/ الأنفال، وفي (خ) إلى قوله تعالى: رَمى *.

[ (2) ] ويقال: ابن صبيرة، بالصاد المهملة.

فضربه فطرح رجله من الساق، فأقبل عليه عكرمة بن أبي جهل فضربه على عاتقه فطرح يده من العاتق، وبقيت الجلدة، فوضع/ معاذ عليها رجله وتمطى (بها) [ (1) ] عليها حتى قطعها. وضربه مع معاذ معوّذ وعوف ابنا عفراء، فنفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معاذا سيف أبي جهل ودرعه.

ولما وضعت الحرب أوزارها أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يلتمس أبو جهل فوجده عبد اللَّه بن مسعود في آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وضربه فقطع رأسه وأتى به بسلبة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فسرّ به وقال: اللَّهمّ قد أنجزت ما وعدتني فتمم علي نعمتك.

ويقال إن معاذا ومعوّذا ابني عفراء أثبتا أبا جهل، وضرب ابن مسعود عنقه في آخر رمق، وقد رأي في كتفيه آثار السياط.

فوقف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على مصرع ابني عفراء فقال: يرحم اللَّه ابني عفراء، فإنّهما قد شركا في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر، فقيل: يا رسول اللَّه، ومن قتله معهما؟ قال: الملائكة، ودافة [ (2) ] ابن مسعود.

وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد، فأسره جبار ابن صخر، ولقيه علي فقتله، فقال عليه السلام: الحمد للَّه الّذي أجاب دعوتي فيه.

وقتل علي أيضا العاص بن سعيد. وانقطع سيف عكاشة بن محصن فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عودا فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتل به حتى هزم اللَّه المشركين، فلم يزل عنده حتى هلك.

وانكسر سيف سلمة بن أسلم بن حريش فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب [ (3) ] فقال: اضرب به، فإذا سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم خيبر.

,

فرق المسلمين

وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تصافوا للقتال: من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرا فله كذا،

فلما انهزم [المشركون] [ (4) ] كان الناس ثلاث فرق: فرقة قامت عند

__________

[ (1) ] زيادة يتم بها المعنى.

[ (2) ] دافه: أجهز عليه وحرّر قتله، (لسان العرب) ج 9 ص 103 مادة: دأف.

[ (3) ] العراجين: جمع عرجون، وهي شماريخ النخل، وابن طاب: ضرب من النخل بالمدينة (هامش ط) ص 92.

[ (4) ] زيادة يقتضيها السياق.

خيمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر معه فيها، وفرقة أغارت على النهب تنهب، وفرقة طلبت العدو فأسروا وغنموا.

,

اختلاف المسلمين في الغنائم، وما نزل من القرآن في ذلك

وكان سعد بن معاذ ممن أقام على خيمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فقال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] :

ما منعنا أن نطلب العدو زهادة في الأجر ولا جبن [ (2) ] عن العدو، ولكن خفنا أن يرى [ (3) ] موضعك فتميل عليك خيل من خيل المشركين ورجال من رجالهم، وقد أقام عند خيمتك وجوه من المهاجرين والأنصار ولم يشذّ أحد منهم، والناس كثير، ومتى تعط هؤلاء لا يبقى لأصحابك شيء، والأسرى والقتلى كثير، والغنيمة قليلة.

فاختلفوا، فأنزل اللَّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [ (4) ] فرجع الناس وليس لهم من الغنيمة شيء، ثم أنزل اللَّه تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [ (5) ] فقسمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويقال: لما اختلفوا في غنائم بدر أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بها أن [ (6) ] تردّ في القسمة، فلم يبق منها شيء إلا ردّ، فظن أهل الشجاعة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخصهم بها دون أهل الضعف، [ (7) ] ثم أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تقسم بينهم على سواء

فقال سعد: يا رسول اللَّه، أتعطي فارس القوم الّذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثكلتك أمك، وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟

ونادى مناديه: من قتل قتيلا فله سلبه، وأمر بما وجد في العسكر وما أخذوا بغير قتال فقسمه بينهم، ويقال: أمر أن تردّ الأسرى والأسلاب وما أخذوا في المغنم، ثم أقرع بينهم، في الأسرى وقسم الأسلاب التي ينفل [ (8) ] الرجل نفسه في المبارزة، وما أخذوه من العسكر قسمه بينهم. والثبت من هذا: أن كل ما جعله لهم فإنه سلّمه لهم، وما لم يجعل قسمه بينهم.

__________

[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق.

[ (2) ] في (خ) «جنبا» ولعلها «زهادة في الأجر ولا جبنا» .

[ (3) ] أي يخلو ممن يحرسه.

[ (4) ] أول سورة الأنفال.

[ (5) ] الآية 41/ الأنفال.

[ (6) ] في (خ) «بأن» .

[ (7) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 100.

[ (8) ] في (الواقدي) «نفّل» وفي (خ) «لفتل» .

,

جمع الغنائم وقدرها وقسمتها

وجمعت الغنائم واستعمل عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن كعب بن عمرو المازنيّ وقسمها بسير [ (1) ] ، وقيل: بل استعمل عليها خبّاب بن الأرتّ، وكان فيها إبل ومتاع وأنطاع [ (2) ] وثياب، وكانت السّهمان على ثلاثمائة وسبعة عشر سهما، والرجال ثلاثمائة وثلاثة عشر، والخيل فرسان لهم أربعة أسهم، وثمانية نفر لم يحضروا ضرب لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم بسهامهم وأجورهم: ثلاثة من المهاجرين وهم: عثمان بن عفان- خلّفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ابنته رقية فماتت يوم قدم زيد بن حارثة- وطلحة ابن عبيد اللَّه وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بعثهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتحسسان العير تلقاء [ (3) ] الحوراء، ومن الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر خلفه على المدينة، وعاصم بن عديّ، خلّفه على قباء وأهل العالية، والحارث بن حاطب أمره بأمر في بني عمرو بن عوف، وخوّات بن جبير كسر بالروحاء [ (4) ] ، والحارث بن الصّمّة كسر بالروحاء. وروي أن سعد بن عبادة ضرب له بسهمه [ (5) ] وأجره، وضرب لسعد بن مالك الساعدي بسهمه وأجره، وضرب لرجل من الأنصار، ولرجل آخر، وهؤلاء الأربعة لم يجمع عليهم [ (6) ] ، وضرب أيضا لأربعة عشر رجلا قتلوا ببدر.

وكانت الإبل التي أصابوا مائة بعير وخمسين بعيرا، وكان معهم أدم كثير [ (7) ] حملوه للتجارة فغنمه المسلمون، وأصابوا قطيفة حمراء [ (8) ] وكانت الخيل التي غنمت عشرة أفراس، وأصابوا سلاحا وظهرا وجمل أبي جهل فصار للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يزل

__________

[ (1) ] سير: بفتح أوله وثانيه: كثيب بين المدينة وبدر (معجم البلدان) ج 3 ص 296.

[ (2) ] جمع نطع: بساط من الجلد (المعجم الوسيط) ج 2 ص 930.

[ (3) ] في (المغازي) ج 1 ص 101 «بلغا الحوراء» «وراء ذي المروة بينها وبينها ليلتان على الساحل، وبين ذي المروة والمدينة ثمانية برد أو أكثر قليلا» .

[ (4) ] الروحاء، «من عمل الفرع على نحو من أربعين يوما» (معجم البلدان) ج 3 ص 76.

[ (5) ] (المغازي) ج 1 ص 101: «و

قال صلّى اللَّه عليه وسلّم حين فرغ من القتال ببدر: لئن لم يكن شهدها سعد بن عبادة، لقد كان فيها راغبا» .

[ (6) ] في المرجع السابق: «وهؤلاء الأربعة ليس بمجتمع عليهم كاجتماعهم على الثمانية» .

[ (7) ] الطعام خلطة بالإدام (المعجم الوسيط) ج 1 ص 10.

[ (8) ] في (المغازي) ج 1 ص 102 «فقال بعضهم: ما لنا لا نرى القطيفة؟ ما نرى رسول اللَّه إلا أخذها.

فأنزل اللَّه عز وجلّ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ إلى آخر الآية 16/ آل عمران.

عنده يضرب في إبله ويغزو [ (1) ] عليه حتى ساقه في هدي [ (2) ] الحديبيّة. وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صفيّ [ (3) ] من الغنيمة قبل أن يقسم منها شيء، فتنفّل سيفه ذا الفقار وكان لمنبّه بن الحجاج. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم قد غزا إلى بدر بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له العضب، ودرعه ذات الفضول وأحذى [ (4) ] مماليك حضروا بدرا ولم يسهم لهم، وهم ثلاثة: غلام لحاطب بن أبي بلتعة، وغلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لسعد بن معاذ، ويقال: شهد بدرا من الموالي عشرون رجلا. واستعمل صلّى اللَّه عليه وسلّم شقران غلامه على الأسرى فأحذوه من كل أسير، ما لو كان حرا ما أصابه في المقسم.

أسر سهيل بن عمرو وفراره ثم يأسره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم

وأسر سهيل بن عمرو ففرّ بالروحاء من مالك بن الدخشم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من وجده فليقتله،

فوجده النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يقتله، وأمر فربطت يداه إلى عنقه ثم قرنه إلى راحلته فلم يركب خطوة حتى قدم المدينة.

وأسر أبو بردة بن نيار رجلا يقال له معبد بن وهب من بني سعد بن ليث [ (5) ] ، فلقيه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قبل أن يتفرق الناس فقال: أترون يا عمر أنكم قد غلبتم!! كلا واللات والعزى. فقال عمر: عباد اللَّه المسلمين!! أتتكلم وأنت أسير في أيدينا! ثم أخذه من أبي بردة فضرب عنقه، ويقال: إن أبا بردة قتله.

,

أمر الأسرى يوم بدر

ولما أتي بالأسرى كره ذلك سعد بن معاذ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا

__________

[ (1) ] في (خ) «يغزا» .

[ (2) ] الهدي: ما أهدي إلى بيت اللَّه الحرام لينحر.

[ (3) ] الصفيّ: ما يصطفيه الرئيس من الغنيمة قبل قسمتها (المعجم الوسيط) ج 1 ص 518.

[ (4) ] في (خ) «واحدا» وأحذاه: أعطاه (المعجم الوسيط) ج 1 ص 163.

[ (5) ] كذا في (خ) وفي (المغازي) ج 1 ص 105 (وما أثبتناه) ، وفي (ابن هشام) ج 2 ص 256 «قال ابن إسحاق: ومعبد بن وهب، حليف لهم من بني كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث» .

عمرو، كأنه شقّ عليك الأسرى أن يؤسروا؟

فقال: نعم يا رسول اللَّه، كانت أول وقعة التقينا فيها والمشركون، فأحببت أن يذلهم اللَّه، وأن نثخن فيهم القتل.

,

قتل النضر بن الحارث

وأسر المقداد بن الأسود النضر بن الحارث، فعرض على رسول اللَّه بالأثيل [ (1) ] ، وقد سار من بدر فقتله علي رضي اللَّه عنه بالسيف صبرا. وأسر عمرو ابن أبي سفيان بن حرب، فقيل لأبي سفيان: ألا تفدي عمرا! فقال: حنظلة قتل وأفتدي [ (2) ] عمرا، فأصاب بمالي وولدي؟ لا أفعل، ولكن أنتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه.

,

أسر المشركين سعد بن النعمان

فأصاب سعد بن النعمان [بن زيد] [ (3) ] بن أكّال أحد بني عمرو بن عوف جاء معتمرا، فلما قضى عمرته صدر- وكان معه المنذر بن عمرو- فطلبهما [ (4) ] أبو سفيان فأدرك سعدا فأسره وفاته المنذر. ففي ذلك يقول ضرار بن الخطاب:

تداركت سعدا عنوة فأسرته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا

وقال في ذلك أبو سفيان:

أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه ... تفاقدتم، لا تسلموا السيد الكهلا

فإن بني عمرو بن عوف أذلة ... لئن لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا [ (5) ]

ففادوه سعدا بابنه عمرو.

__________

[ (1) ] الأثيل: موضع قرب المدينة، وهناك عين ماء لجعفر بن أبي طالب بين بدر ووادي الصفراء (معجم البلدان) ج 1 ص 94.

[ (2) ] في (خ) «وأقتديه» .

[ (3) ] زيادة من نسبه.

[ (4) ] في (خ) «فطلبهم» .

[ (5) ] هذان البيتان في (ابن هشام) ج 2 ص 213 وفي (ابن الأثير) ج 2 ص 133 هكذا:

أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا

فإن بني عمرو لئام أذلة ... لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا

,

مقالة عمر في سهيل بن عمرو

ولما أسر سهيل بن عمرو قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، انزع ثنيته يدلع [ (1) ] لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا،

فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أمثّل به فيمثّل اللَّه بي وإن كنت نبيا، ولعله يقوم مقاما لا تكرهه،

فقام سهيل بن عمرو حين جاءه وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخطبة أبي بكر رضي اللَّه عنه بمكة كأنه كان سمعها،

فقال عمر رضي اللَّه عنه حين بلغه كلام سهيل: أشهد أنك رسول اللَّه! يريد قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لعله يقوم مقاما لا تكرهه.

تخيير رسول اللَّه في أمر الأسرى

وكان علي رضي اللَّه عنه يقول: أتى جبريل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر فخيره في الأسرى أن تضرب أعناقهم أو يؤخذ منهم الفداء. ويستشهد منهم في قابل عدتهم، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه [ (2) ] فقال ما أعلمه جبريل، فقالوا: بل نأخذ الفدية نستعين بها ويستشهد منا فيدخل الجنة. فقبل منهم الفداء وقتل منهم عدتهم بأحد. ولما حبس الأسرى بعثوا إلى أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما ليكلما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمرهم، فأخذ أبو بكر يكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيهم، ويليّن أن يمنّ عليهم أو يفاديهم، وأخذ عمر يحث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ضرب أعناقهم، فقبل صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم الفداء وأمّن أبا عزّة عمرو بن عبد اللَّه بن عثمان [ (3) ] الجمحيّ الشاعر وأعتقه بعد ما أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ألا يقاتله ولا يكثّر عليه أبدا.

,

طرح قتلى بدر في القلب

وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالقلب فعوّرت [ (4) ] وطرحت القتلى فيها إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمّنا فانتفخ، ولما أرادوا أن يلقوه تزايل [لحمه فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اتركوه] [ (5) ] .

__________

[ (1) ] دلع اللسان دلوعا: خرج من الفم واسترخى (المعجم الوسيط) ج 1 ص 293.

[ (2) ] في (ط) «وأصحابه» .

[ (3) ] في (خ) «عمر بن عبد اللَّه بن عمير» . وفي (المغازي) ج 1 ص 110 «أبا عزّة عمرو بن عبد اللَّه بن عمير الجمحيّ» .

[ (4) ] في المرجع السابق «أن نغور» .

[ (5) ] زيادة من المرجع السابق، وتزايل: تفكك لحمه وتفرق.

موقف رسول اللَّه على قتلى بدر وما قاله

ثم

وقف عليهم فناداهم: يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، هل وجدتم ما وعدكم [ (1) ] ربكم حقا فإنّي قد وجدت ما وعدني ربي حقا؟ بئس القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس! قالوا [ (2) ] : يا رسول اللَّه تنادي قوما قد ماتوا! قال: قد علموا أن ما وعدهم ربّهم حق.

وقال السدّي عن مقسم عن ابن عباس: وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قتلى بدر فقال: جزاكم للَّه عني من عصابة شرا، فقد خوّنتموني [ (3) ] أمينا وكذبتموني صادقا. ثم التفت إلى أبي جهل فقال: هذا أعتى على اللَّه من فرعون، إن فرعون لما أيقن [ (4) ] بالهلكة وحّد اللَّه، وإن هذا لما أيقن بالهلكة دعا باللات والعزّى.

وكان انهزام القوم حين زالت الشمس، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببدر وأمر عبد اللَّه بن كعب ببعض الغنائم وحملها، وندب نفرا من أصحابه أن يعينوه، ثم صلى العصر وراح فمرّ بالأثيّل [ (5) ] قبل غروب الشمس فنزل وبات به. وكان ذكوان بن عبد قيس [ (6) ] يحرس المسلمين تلك الليلة حتى كان آخر الليل ارتحل. فلما كان بعرق الظّبية أمر عاصم بن ثابت ابن أبي الأقلح فضرب عنق عقبة بن أبي معيط، ويقال: بل أمر عليّ بن أبي طالب فضرب عنقه، والأول أشهر.

,

إسلام المنافقين

فأذلّ اللَّه بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين واليهود، فلم يبق بالمدينة يهودي ولا منافق إلا خضع عنقه.

وأسلم حينئذ بشر كثير من أهل المدينة، ومن ثم دخل عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول [ (3) ] وجماعته من المنافقين في دين الإسلام تقيّة [ (4) ] .

,

نوح قريش على قتلاها

وناحت قريش على قتلاها بمكة شهرا، وجزّ النساء شعورهن، وجعل صفوان

__________

[ (1) ] في (خ) «بغرثا» .

[ (2) ] شد الضحى: حين يرتفع قبل الزوال.

[ (3) ] في (خ) «أبي بن سلول» ، وهو خطأ والصواب ما أثبتناه لأن سلول جدته.

[ (4) ] في (خ) «مقيد» ، والتقية: إظهار الصلح والاتفاق وإضمار الخلاف والمعاندة حذرا أو جبنا.

ابن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح لعمير بن وهب بن خلف بن وهب الجمحيّ- وهو المضرّب- إن قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتحمل بدينه ويقوم بعياله، وحمله على بعير وجهّزه.

خبر عمير بن وهب ومقدمه المدينة لقتل رسول اللَّه ثم إسلامه وعودته إلى مكة

فقدم عمير المدينة ودخل المسجد متقلدا سيفه يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأدخله عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما أقدمك يا عمير؟ قال:

قدمت في أسير عندكم تقاربونا فيه، قال: فما بال السيف؟ قال: قبحها اللَّه من سيوف، وهل أغنت من شيء؟ إنما أنسيته [ (1) ] حين نزلت وهو في رقبتي. فقال:

اصدق، ما أقدمك؟ قال: ما قدمت إلا في أسيري، قال: فما شرطت لصفوان ابن أمية في الحجر؟ ففزع عمير، قال: ماذا شرطت له؟ قال: تحملت له بقتلي على أن يقضي دينك ويعول عيالك، واللَّه حائل بينك وبين ذلك. قال عمير:

أشهد أنك رسول اللَّه وأنك صادق. وأسلم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: علموا أخاكم القرآن وأطلقوا له أسيره،

فعاد عمير إلى مكة يدعو الناس إلى الإسلام، فأسلم معه بشر كثير.

,

مقدم جبير بن مطعم في فداء أسرى قريش

وقد جبير بن مطعم في فداء الأسرى، وقدم أربعة عشر من قريش، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فداء الرجل أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف [درهم] [ (2) ] ، ومنهم من منّ عليه لأنه لا مال له.

خبر زينب بنت رسول اللَّه في فداء زوجها

وبعثت زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع بقلادة لها كانت لخديجة رضي اللَّه عنها من جزع ظفار [ (3) ]- مع أخيه عمرو بن الربيع،

__________

[ (1) ] في (خ) و (المغازي) «نسيته» .

[ (2) ] زيادة للإيضاح.

[ (3) ] الجزع: خرز فيه بياض وسواد. وظفار: بلدة باليمن. وذكر (الواقدي) ج 1 ص 130 أن هذه

فرقّ لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا إليها متاعها فعلتم،

قالوا: نعم، فأطلقوا أبا العاص وردّوا القلادة إلى زينب. وأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أبي العاص أن يخلي سبيل زينب فوعده ذلك. وكان الّذي أسره عبد اللَّه بن جبير بن النعمان أخو خوّات بن جبير، وفكّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن السائب بن عبيد، وعبيد بن عمرو بن علقمة بغير فدية، وقد أسرهما سلمة بن أسلم بن حريش الأشهلي لأنه لا مال لهما، ولم يقدم لهما أحد.

,

أسرى قريش وفداؤهم بتعليم الغلمان الكتابة

وكان في الأسرى من يكتب، ولم يكن في الأنصار من يحسن الكتابة، وكان منهم من لا مال له، فيقبل منه أن يعلم عشرة من الغلمان الكتابة ويخلي سبيله.

فيومئذ تعلّم زيد بن ثابت الكتابة في جماعة من غلمان الأنصار. خرّج [ (1) ] الإمام أحمد من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول اللَّه [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، قال: فجاء غلام يبكي إلى أبيه [ (3) ] فقال ما شأنك؟ قال ضربني معلمي، قال: الخبيث!! يطلب بذحل [ (4) ] بدر، واللَّه لا تأتيه أبدا. وقال عامر الشعبي:

كان فداء الأسرى [من] [ (5) ] أهل بدر أربعين أوقية، فمن لم يكن عنده علم عشرة من المسلمين، فكان زيد بن ثابت [ممن] [ (5) ] علّم.

,

عدة من استشهد يوم بدر

واستشهد يوم بدر من المسلمين أربعة عشر: ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون، وقيل: أربعة وسبعون أحصي

__________

[ () ] القلادة كانت خديجة بنت خويلد أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى بها، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القلادة عرفها ورقّ لها، وذكر خديجة ورحم عليها.

[ (1) ] (المسند) ج 1 ص 247.

[ (2) ] في (خ) «النبي» ، وهذا نصّ المسند.

[ (3) ] في (خ) «قال» .

[ (4) ] في (خ) «يدخل» ، والذحل: الثأر أو العداوة والحقد (المعجم الوسيط) ج 1 ص 309.

[ (5) ] زيادة للسياق.

منهم تسعة وأربعون أسيرا [ (1) ] .

,

غزوة بدر الكبرى

ثم خرج إلى غزاة بدر، [وهي البطشة التي أعزّ اللَّه تعالى بها الإسلام، وأهلك رءوس الكفر] [ (1) ] .

قال ابن إسحاق: وبلغ [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [بدارا- ماء كان ليخلد بن النضر، ويقال لرجل من جهينة- وبين بدر والمدينة ثمانية برد] [ (2) ] ، وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أبا سفيان بن حرب، مقبل من الشام، في عير لقريش عظيمة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجارتهم، وفيها ثلاثون رجلا من قريش، أو أربعون، منهم: مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، و [عمرو] بن العاص بن وائل،

فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأبي سفيان مقبلا من الشام، ندب إليهم المسلمين، وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل اللَّه ينفلكموها،

فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلقى حربا.

وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز، يتحسس [ (3) ] الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفا على أمر الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان، أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتى قريشا

__________

[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط في (خ) وأثبتناه من (ج) .

[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) وأثبتناه من (خ) .

[ (3) ] التحسس بالحاء: أن تتسمع الأخبار بنفسك، والتجسس بالجيم: هو أن تفحص عنها بغيرك،

وفي الحديث: «لا تجسسوا ولا تحسسوا» .

فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه.

فخرج ضمضم سريعا إلى مكة، فصرخ ببطن الوادي يقول: يا معشر قريش!! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبى سفيان، قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث.

فتجهز الناس سراعا، فكانوا بين رجلين، إما خارج وإما باعث مكانه رجلا، فلم يتخلف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكان قد لاط [ (1) ] له بأربعة آلاف درهم، كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره بها، على أن يجزئ [عنه] بعثه، فخرج عنه، وتخلف أبو لهب.

وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة [يوم الاثنين] [ (2) ] لثمان ليالي خلون من رمضان، فساروا حتى التقوا مع المشركين ببدر.

وقال الواقدي: ولما [تحين] [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصراف العير من الشام، ندب أصحابه للعير، وبعث طلحة بن عبيد اللَّه، وسعيد بن زيد، قبل خروجه من المدينة بعشر ليال، يتحسسان خبر العير، قال: وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمن معه، حتى انتهى إلى نقب بنى دينار، ثم نزل بالبقيع- وهي بيوت السّقيا- يوم الأحد لثنتى عشرة [ليلة] خلت من رمضان، فضرب عسكره هناك، وعرض المقاتلة.

[قال:] وقدم عدي بن أبى الزغباء، وبسبس بن عمرو، وراح عشية الأحد من بيوت السقيا، وخرج المسلمون معه، وهم ثلاثمائة وخمسة،

__________

[ (1) ] لاط له: أي أربى له، وقال أبو عبيد: وسمى الرّبا لياطا لأنه ملصق بالبيع، وليس بيع، وقيل للربا:

لياطا لأنه لاصق بصاحبه، لا يقتضيه، ولا يوضع عنه.

[ (2) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) .

[ (3) ] في (الأصلين) : «تحقق» وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) .

وثمانية تخلفوا ضرب لهم بسهامهم وأجورهم، وكانت الإبل سبعين بعيرا، وكانوا يتعاقبون الإبل، الاثنين، والثلاثة، والأربعة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، [ومرثد] ، ويقال: زيد بن حارثة، يتعاقبون بعيرا واحدا، واستعمل على الماء قيس [بن] أبي صعصعة عمرو ابن زيد بن عوف بن مبذول، وأمره حين فصل من بيوت السقيا أن يعد المسلمين، فوقف لهم، فعدّهم، وأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.

ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان [دوين] [ (1) ] ماء بدر، أتاه الخبر بمسير قريش،

فأخبرهم [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ]] بمسيرهم، واستشار [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ]] الناس، قال: فلما فرغ سعد من المشورة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:

سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه لكأنّي انظر إلى مصارع القوم،

قال: ونزل بأدنى بدر، عشاء ليلة الجمعة، ولسبع عشرة ليلة من رمضان، واستشار في المنزل، فأشار الحباب بن المنذر بنزوله على قليب بدر، فتحول إليه، وبنى له عريش من جريد، فدخله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر رضى اللَّه عنه [ (3) ] .

وخرّج البخاري من حديث عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو في قبته يوم بدر: اللَّهمّ أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إن تشأ لا تعبد بعد اليوم، فأخذ أبو بكر رضى اللَّه عنه بيده فقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك، فخرج وهو ثبت في الدرع، فخرج وهو يقول:

سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ذكره في كتاب التفسير [ (4) ] ، وفي غزوة

__________

[ (1) ] دوين: تصغير دون، أي على مسافة أقل.

[ (2) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .

[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 19- 49 مختصرا.

[ (4) ] (فتح الباري) : 8/ 796، كتاب التفسير، باب (5) قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ

بدر، في باب ما قيل في درع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .

__________

[ () ] حديث رقم (4875) ، قال الحافظ في (الفتح) : هذا من مرسلات ابن عباس لأنه لم يحضر القصة،

وقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، إن عمر قال: لما نزلت سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ جعلت أقول: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، فكأن ابن عباس حمل ذلك عن عمر، وكأن عكرمة حمله عن ابن عباس عن عمر، وقد أخرج مسلم من طريق سماك بن الوليد عن ابن عباس: حدثني عمر ببعضه.

[ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 364، كتاب المغازي، باب (4) إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ... حديث رقم (3953) .

قوله: «اللَّهمّ إني أنشدك»

- بفتح الهمزة وسكون النون والمعجمة وضم الدّال، أي أطلب منك.

وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: «ما سمعنا منا شدا ينشد ضالة أشدّ منا شدة من محمد لربه يوم بدر: «اللَّهمّ إني أنشدك ما وعدتني» .

قال السهيليّ: سبب شدة اجتهاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ونصبه في الدعاء لأنه رأى الملائكة تنصب في القتال، والأنصار يخوضون في غمرات الموت، والجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء، ومن السنة أن يكون الإمام وراء الجيش، لأنه لا يقاتل معهم فلم يكن ليريح نفسه، فتشاغل بأحد الأمرين وهو الدعاء.

قوله: «اللَّهمّ إن شئت لم تعبد»

إنما قال ذلك لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم علم أنه خاتم النبيين، فلو هلك هو ومن معه حينئذ. لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان، واستمر المشركون يعبدون غير اللَّه، فالمعنى: لا تعبد في الأرض بهذه الشريعة.

قوله: «فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك» قال الخطّابى: لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في تلك الحال، بل الحامل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على ذلك شفقته على أصحابه، وتقوية قلوبهم، لأنه كان أول مشهد شهده، فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة.

فلما قال له أبو بكر ما قال كفّ عن ذلك وعلم أنه استجيب له، لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة، فلهذا عقب بقوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ.

وقال غيره: وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في تلك الحالة في مقام الخوف، وهو أكمل حالات الصلاة، وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لأن وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة، وإنما كان مجملا. (فتح الباري) مختصرا.

وخرج مسلم [ (1) ] والترمذي، من حديث ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك الحنفي قال: قال يونس: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: لما كان يوم بدر. وذكر مسلم من طريق عمر بن يونس الحنفي [قال:] حدثنا عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلة، ثم مدّ يديه، فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهمّ آتني ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض.

فما زال يهتف بربه، مادا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه،

فأتاه أبو بكر رضى اللَّه عنه، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي اللَّه! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللَّه [تعالى:] إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ، فأمده اللَّه [تعالى] بالملائكة [ (1) ] .

زاد مسلم: قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: [بينما] رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخرّ مغشيا، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه بضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال:

صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين [ (1) ] .

قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم

__________

[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 327- 330، كتاب الجهاد والسير، باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإتاحة الغنائم، حديث رقم (1763) .

لأبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: يا نبي اللَّه! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن نأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى اللَّه أن يهديهم للإسلام، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما ترى يا ابن الخطاب: قلت: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ما أرى الّذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان- نسيب لعمر- فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد، جئت فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول اللَّه! أخبرنى من أي شيء تبكى أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبكى الّذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة

- شجرة قريبة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأنزل اللَّه عزّ وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [ (1) ] إلى قوله: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً [ (1) ] فأحل اللَّه تعالى الغنيمة لهم [ (2) ] .

قال الواقدي: كان انهزام القوم وتوليهم حين زالت الشمس، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببدر، وأمر عبد اللَّه بن كعب بقيض الغنائم وحملها، [وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفرا من أصحابه أن يعينوه [ (3) ]] فصلى العصر ببدر، ثم راح فمر

__________

[ (1) ] الأنفال: 67- 69.

[ (2) ] (مسلم الشرح النووي) : 12/ 327- 330، كتاب الجهاد والسير، باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، حديث رقم (1763) .

[ (3) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .

بالأثيل [ (1) ] قبل غروب الشمس، فنزل به، وبات به، وأقبل بالأسرى، حتى إذا كان بعرق الظبية [ (2) ] ، أمر عاصم بن ثابت أن يضرب عنق عقبة بن أبى معيط، فقدمه فضرب عنقه، ولما نزلوا يسيرا بشعب بالصفراء، قسم الغنائم بها بين أصحابه، [وقدم] زيد بن حارثة، وعبد اللَّه بن رواحة، وتلقاه الناس يهنئونه بالروحاء حتى قدم المدينة [ (3) ] [واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر] [ (4) ] .

__________

[ (1) ] الأثيل: واد طوله ثلاثة أميال، بينه وبين بدر ميلان، فكأنه بات على أربعة أميال من بدر. (المرجع السابق) .

[ (2) ] عرق الظبية: موضع بالصفراء، وهناك قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقبة بن أبى معيط. قال ابن هشام: وغير ابن إسحاق يقول: عرق الظّبية- بضم أوله- وكان عقبة بن أبى معيط قد تفل في وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم،

فقال له صلّى اللَّه عليه وسلّم: لئن أخذتك خارج الحرم لأقتلنك، فلما أسره ببدر وبلغ عرق الظبية، ذكر نذره فقتله صبرا، وقتل حين خرج من مضيق الصفراء النضر بن الحارث. (معجم ما استعجم) : 2/ 903.

[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 114- 115.

[ (4) ] زيادة للسياق من كتب السيرة.



كلمات دليلية: