withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


خروج الجيش من كتاب إمتاع الأسماع بما للنبي من أحوال ومتاع

خروج الجيش من كتاب إمتاع الأسماع بما للنبي من أحوال ومتاع

اسم الكتاب:
إمتاع الأسماع بما للنبي من أحوال ومتاع

خروج الجيش

وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه: اللحوق بالعسكر، فانتهى إلى

__________

[ (1) ] مغمور: مغمى عليه.

[ (2) ] لدوه: أعطوه الدواء، واللدود: ما يصب بالسعط من الدواء في أحد شقي الفم (ترتيب القاموس) ج 4 ص 135.

[ (3) ] تسيل دمعهما.

[ (4) ] زيادة.

[ (5) ] في (خ) «ابنه خارجة» ، وهي زوج أبي بكر الصديق والدة أم كلثوم بنت أبي بكر.

[ (6) ] زيادة للسياق.

[ (7) ] السنح: إحدى محال المدينة من أطرافها وكان بها منزل أبي بكر.

معسكره فنزل، وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار.

إبلاغ خبر وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لجيش أسامة

فبينا هو يريد أن يركب من الجرف، أتاه رسول أمّه- أم أيمن- يخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يموت فأقبل إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي اللَّه عنهما، فانتهوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يموت: فتوفي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول.

يوم وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم

وقال السهيليّ: لا يصلح أن تكون وفاته يوم الاثنين إلا في ثاني الشهر، أو ثالث عشرة، أو رابع عشره، (أو خامس عشره) [ (1) ] . وذكر الكلبي وأبو مخنف أنه توفي في الثاني من ربيع [ (2) ] . وقد صححه ابن حزم وغيره. وقال الخوارزمي:

توفي أول ربيع.

,

[غزوة تبوك]

ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة تبوك، في رجب سنة تسع، فأقام بها عشرين ليلة وعاد ولم يلق كيدا، وهي آخر غزوة خرج إليها بنفسه [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم، [واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وقيل: على بن أبى طالب، وقيل: سباع بن عرفطة] [ (2) ] .

وقاتل صلّى اللَّه عليه وسلّم مع هذه في تسع، وهي: بدر المعظمة، وأحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وقيل أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتل في وادي القرى والغابة، ولم يكن في سائرها قتال أصلا.

[تبوك: مكان معروف، وهي نصف طريق المدينة إلى دمشق وهي غزوة العسرة، وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها] [ (2) ] .

[كانت يوم الخميس في رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف، وكان حرا شديدا، وجدبا كثيرا، فلذلك لم يور عنها كعادته صلّى اللَّه عليه وسلّم في سائر الغزوات] [ (2) ] .

[وفي (تفسير عبد الرزاق) ، عن معمر عن ابن عقيل قال: خرجوا في قلة من الظهر وفي حرّ شديد، حيث كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة في الماء، وفي الظهر، وفي النفقة، فسميت غزوة العسرة] [ (2) ] .

__________

[ (1) ] المرجع السابق) : 629.

[ (2) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 625- 638 مختصرا.

[وسببها أنه بلغه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة، أن الروم تجمعت بالشام مع هرقل، فندب صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس إلى الخروج، وأعلمهم بالمكان الّذي يريد، ليتأهّبوا لذلك] .

[وروى عن قتادة أنه قال: حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا] .

[وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة، فنثرها في حجره صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقلبها في حجره وهو يقول: ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم] .

[ولما تأهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للخروج، قال قوم من المنافقين لا تنفروا في الحر، فنزل قوله تعالى: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ] [ (1) ] .

[وأرسل صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة وقبائل العرب يتنفرهم، وجاء البكاءون يستحملونه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أجد ما أحملكم عليه، وهم الذين قال اللَّه فيهم تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ] [ (2) ] .

وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم في التخلف، فأذن لهم، وهم اثنان وثمانون رجلا، وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة، جرأة على اللَّه ورسوله، وهو قوله تعالى: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ] [ (3) ] .

وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن

__________

[ (1) ] [التوبة: 81] .

[ (2) ] [التوبة: 91] .

[ (3) ] [التوبة: 90] .

مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وفيهم نزل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا] [ (1) ] .

[ولما رأى أبا ذر الغفاريّ- وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل في بعض الطريق- فقال:

يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فكان كذلك] [ (1) ] .

[ولما انتهى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى تبوك أتاه صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء، وأذرح [بلدين بالشام بينهما ثلاثة أميال] فأعطوه الجزية وكتب لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا] [ (1) ] .

[وفي هذه الغزوة كتب صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، فقارب الإجابة ولم تجب] [ (1) ] .

[وفي (مسند أحمد) أن هرقل كتب من تبوك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنى مسلم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذب، وهو على نصرانيته] [ (1) ] .

[وفي كتاب (الأموال) لأبى عبيد بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد اللَّه نحوه، ولفظه: فقال: كذب عدوّ اللَّه، ليس بمسلم] [ (1) ] .

[ثم انصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم من تبوك، بعد أن أقام بها بضع عشر ليلة وأقبل حتى نزل بدى أوان [بينها وبين المدينة ساعة] جاءه خبر مسجد الضرار من السماء، فدعا مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي العجلاني فقال: فخرجا فحرّقاه وهدماه، وذلك بعد أن أنزل اللَّه فيه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً] [ (2) ] .

[ولما دنا من المدينة خرج الناس لتلقيه، وخرج الناس والصبيان والولائد يقلن:] [ (1) ] .

__________

[ (1) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 625- 638 مختصرا.

[ (2) ] التوبة: 107.

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ... ما دعا للَّه داع

[وقد وهم بعض الرواة وقال: إنما كان هذا عند مقدمه المدينة وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع [ (1) ] إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام]

[وفي البخاري [ (2) ] : «لما رجع صلّى اللَّه عليه وسلّم من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال:

إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم.

قالوا: يا رسول اللَّه، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر] .

[وهذا يؤيد معنى ما

ورد: «نية المؤمن خير من عمله»

[ (3) ] ، والمسابقة إلى اللَّه تعالى وإلى الدرجات العلا بالنيات والهمم، لا بمجرد الأعمال] .

[وجاء من كان تخلف عنه- فحلفوا له فعذرهم، واستغفر لهم، وأرجأ أمر كعب وصاحبيه، حتى نزلت توبتهم في قوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ

__________

[ (1) ] ثنية الوداع: بفتح الواو، وهو اسم من التوديع عند الرحيل: وهي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة، واختلف في تسميتها بذلك، فقيل: لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة، وقيل:

لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودع بها بعض من خلفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: في بعض سراياه المبعوثة عنه، وقيل: الوداع اسم واد بالمدينة، والصحيح أنه اسم جاهلي قديم، سمي لتوديع المسافرين (معجم البلدان) : 2/ 100، موضع رقم (2846) .

[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 159، كتاب المغازي- باب (82) بدون ترجمة، حديث رقم (4423) .

[ (3) ] قال ابن دحية: لا يصح، وقال البيهقي: إسناده ضعيف، ورواه العسكري في (الأمثال) عن أنس به مرفوعا وسنده ضعيف، وله طريق ضعيف عن النواس بن سمعان، كما ذكره الزركشي.

وإنما كانت نية المؤمن خير من عمله، لأنها بانفرادها تصير عبادة يترتب عليها الثواب، بخلاف أعمال الجوارح، فإنّها إنما تكون عبادة إذا صاحبت النية لخبر: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبها اللَّه عنده حسنه كاملة» ولأن مكانها مكان المعرفة، أعني قلب المؤمن. (الموضوعات لابن الجوزي) : 3/ 375- 376 حديث رقم (568) .

وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ (1) ] .

[وعند البيهقي في (الدلائل) : من حديث ابن عباس في قوله تعالى:

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [ (2) ] . قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، فلما رجع أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد،

وكان ممر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رجع من المسجد عليهم، فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسوارى؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له، تخلفوا عنك يا رسول اللَّه، حتى يطلقهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعذرهم] قال: وأنا أقسم باللَّه لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون اللَّه تعالى هو الّذي يطلقهم: رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين!! فلما أن بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون اللَّه تعالى هو الّذي يطلقنا، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (3) ] فلما نزلت، أرسل إليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأطلقهم وعذرهم، فجاءوا بأموالهم، فقالوا: يا رسول اللَّه! هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، قال:

ما أمرت أن آخذ أموالكم، فأنزل اللَّه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ يقول: استغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (4) ] .

وبمعناه رواه عطية بن سعد عن ابن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما-[ (5) ] .

__________

[ (1) ] التوبة: 117- 118.

[ (2) ] التوبة: 102.

[ (3) ] التوبة: 102.

[ (4) ] التوبة: 103.

[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 272، حديث أبى لبابة وأصحابه.

[,

مدة الإقامة بتبوك

وأقام عليه السلام بتبوك عشرين ليلة- وقيل بضع عشر ليلة- يصلّى ركعتين.

,

ظمأ الجيش بتبوك

فلما انصرف من الصلاة قال: أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا. وذلك أنهما أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما [ (1) ] ، فنزلوا على غير ماء بفلاة [ (2) ] من الأرض.

فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلحق الجيش عند زوال الشمس- ونحن معه-، وقد كادت تقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا.

,

آيات النبوة في الماء بتبوك

فدعا بالرّكوة فأفرغ ما في الإداوة فيها، فوضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا، وفاض الماء حتى تروّوا وأرووا خيلهم وركابهم، وإن كان في العسكر اثنا عشر ألف بعير- ويقال خمسة عشر ألف بعير- والناس ثلاثون ألفا، والخيل عشرة آلاف فرس: وذلك

قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي قتادة احتفظ بالركوة والإداوة.

وكان في تبوك أربعة أشياء [ (3) ] : فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير منحدرا إلى المدينة- وهو في قيظ شديد-

عطش العسكر بعد المرّتين الأوليين عطشا شديدا، حتى لا يوجد للشّفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأرسل أسيد بن حضير- في يوم صائف وهو متلثم- فقال: عسى أن تجد لنا ماء!

فخرج أسيد- وهو فيما بين الحجر وتبوك- فجعل يضرب في كل وجه، فيجد راوية من ماء مع امرأة من بلي، فكلّمها وخبّرها خبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: هذا الماء، فانطلق به، فدعا فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبركة، ثم قال: هلمّوا [ (4) ] أسقيتكم! فلم يبق معهم سقاء إلا ملئوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها حتى نهلت. ويقال إنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بما [ (5) ] جاء به أسيد فصبّه [ (6) ] في قعب عظيم من عساس [ (7) ] أهل البادية، فأدخل فيه يديه وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلّى ركعتين، ثم رفع يديه مدا،

__________

[ (1) ] في (خ) «عليل عليهما» .

[ (2) ] في (خ) «بقلادة» ، والفلاة: الأرض الواسعة التي لا ماء فيها ولا أنيس.

[ (3) ] في (خ) «أشياء» وما أثبتناه من (ط) .

[ (4) ] كذا في (خ) «والأولى «هلم» ، فبها نزل القرآن.

[ (5) ] في (خ) «بماء» .

[ (6) ] في (خ) «وصبه» .

[ (7) ] العساس: جمع عسّ: وهو قدح ضخم.

ثم انصرف وإن القعب ليفور فقال للناس [ (1) ] زوّدوا، فاتسع الماء وانبسط للنّاس، حتى يصفّ عليه المائة والمائتان، فأرووا وإن القعب ليجيش بالرواء. ثم راح مبردا مترويا [ (2) ] من الماء.

كيد المنافقين بإلقاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الثنية

ولما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببعض الطريق مكر به أناس من المنافقين، وائتمروا أن يطرحوه من عقبة، فلما بلغ تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فأخبر خبرهم، فقال للناس [ (1) ] : اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي. وسلك صلّى اللَّه عليه وسلّم العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان يسوق خلفه، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه فغضب وأمر حذيفة أن يردّهم، فرجع إليهم فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأتي حذيفة فسار به. فلما خرج من العقبة ونزل الناس قال: يا حذيفة، هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين فلم أعرفهم من أجل ظلمة الليل.

,

عدة أهل العقبة أصحاب الكيد

وكان أهل العقبة الذين أرادوا ما أرادوا- ثلاثا عشر رجلا، قد سمّاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحذيفة وعمّار. وقيل:. ربعة عشر، وقيل: خمسة عشر، وقيل:

اثني عشر وهو الثّبت.

وقال ابن قتيبة [ (4) ] إن الذين همّوا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن أبي [ابن سلول] ، وسعد بن أبي سرح: [وهو أبو الّذي كان يكتب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان «غفور

__________

[ (1) ] الأنساع: قال في (النهاية) جمع نسعة، وهي سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره.

[ (2) ] في (خ) «وإن أجبت والّذي بعثك بالحق فنبئني بهم فلا تبرح» وهي رواية (الواقدي) وما أثبتناه من (ط) .

[ (3) ] النبيت: لقب عمرو بن مالك جد الأوس.

[ (4) ] راجع كتاب (المعارف) لابن قتيبة بتحقيق الدكتور ثروت عكاشة. طبعة دار المعارف بمصر ص 343 باب [أسماء المنافقين الذين أرادوا أن يلقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الثّنية في غزوة تبوك] ، وما بين الأقواس زيادات منه.

رحيم» ، و «عزيز حكيم» ] ، وأبو حاضر الأعرابيّ، والجلاس بن سويد [ابن الصامت] ، ومجمّع بن جارية [ (1) ] ، ومليح التّيمي: [وهو] الّذي سرق طيب الكعبة وارتد [عن الإسلام] وانطلق فلا يدري أين ذهب، وحصين بن نمير:

[وهو الّذي أغار على تمر الصدقة فسرقه] ، وطعيمة بن أبيرق، ومرّة بن ربيع، [وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة] [ (2) ] . واعترض عليه بأن ابن أبي لم يشهد تبوك، وأن أبا عامر فرّ عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل هذا.

,

المتخلفون عن تبوك

[وقد كان تخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رهط من المنافقين، وتخلف أولئك الرّهط الثلاثة المسلمين من غير شك ولا نفاق:

كعب بن مالك الأنصاريّ السّلميّ، ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أميّة الواقفيّ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تكلمنّ أحدا من هؤلاء الثلاثة! فاعتزل المسلمون كلام أولئك النّفر الثلاثة] [ (2) ] . وأجمع كعب بن مالك أن يصدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.

مقدمة إلى المدينة ودعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم

فقدم صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة في رمضان، فقال: الحمد للَّه على ما رزقنا في سفرنا هذا من أجر وحسبة ومن بعدنا شركاؤنا فيه. فقالت عائشة رضي اللَّه عنها. أصابكم العسر [ (3) ] وشدّة السّفر، ومن بعدكم شركاؤكم فيه؟ فقال: إن بالمدينة لأقواما ما سرنا من مسير، ولا هبطنا واديا إلا كانوا معنا، حبسهم المرض، أو ليس اللَّه يقول في كتابه وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [ (4) ] ؟ فحن غزاتهم وهم قعدتنا [ (5) ] ، والّذي نفسي بيده، لدعاؤهم أنفذ في عدونا من سلاحنا!!.

,

ما نزل من القرآن في تبوك

وأنزل اللَّه في غزوة تبوك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [ (7) ] : الآيات من سورة «براءة» [ (8) ] . وكشفت «براءة» منهم ما كان مستورا، وأبدت أضغانهم ونفاق من نافق منهم.

__________

[ (1) ] أي الآيات 117- 119/ التوبة.

[ (2) ] زيادة لا بد منها من (ابن هشام) ج 4.

[ (3) ] في (خ) «بالنصف» .

[ (4) ] في (خ) «بالثلث» .

[ (5) ] الآيتان 95- 96/ التوبة، وفي (خ) .

[ (6) ] في (خ) «لا تزل» .

[ (7) ] الآية 38/ التوبة، وفي (خ) إلى قوله تعالى: إِلَى الْأَرْضِ.

[ (8) ] براءة: اسم من أسماء سورة التوبة، وأكثرها نزل في تبوك.

,

غزوة تبوك

ثم كانت غزوة تبوك- وتسمي غزوة العسرة [ (1) ]- في غرة رجب، وسببها أن أخبار الشأم كانت بالمدينة عند المسلمين، لكثرة من يقدم من الأنباط بالدّرمك [ (2) ] والزيت، فذكروا أن الرّوم قد جمعت جموعا كثيرة [ (3) ] بالشأم، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأقبلت مع لخم وجذام [ (4) ] وغسّان وعاملة، وزحفوا، وقدموا مقدّماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص.

ولم يكن ذلك، إنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه.

,

الخبر عن الغزو والبعثة إلى القبائل

وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لا يغزو غزوة إلا ورّى بغيرها- لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا- حتى كانت غزوة تبوك فغزاها في حرّ شديد. واستقبل سفرا بعيدا، وعددا كثيرا، فجلى [ (5) ] للناس أمرهم ليتأهّبوا لذلك أهبته، وأخبرهم بالوجه الّذي يريد. وبعث إلى القبائل وإلى مكة يستنفرهم إلى عدوهم. فبعث بريدة ابن الحصيب وأمره أن يبلغ الفرع، وبعث أبا رهم الغفاريّ إلى قومه، وأبا واقد اللّيثيّ إلى قومه، وأبا جعدة الضّمريّ إلى قومه بالساحل، ورافع بن مكيث ابن جندب بن جنادة إلى جهينة، ونعيم بن مسعود إلى أشجع، وبديل بن ورقاء وعمرو بن سالم وبسر بن سفيان إلى بني كعب بن عمرو، والعباس بن مرداس إلى بني سليم. وحضّ على الجهاد ورغّب فيه.

,

صدقات المسلمين للغزو

وأمر بالصدقة فحملت صدقات كثيرة.

وأول من حمل صدقته أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه، جاء بماله كله أربعة آلاف درهم، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. هل أبقيت شيئا؟ قال: اللَّه ورسوله! وجاء عمر رضي اللَّه عنه بنصف ماله، فقال

__________

[ (1) ] في (خ) «العشرة» .

[ (2) ] الدرمك: الدقيق الأبيض الجيد الخالص.

[ (3) ] في (خ) «كبيرة» .

[ (4) ] في (خ) «خدام» .

[ (5) ] في (خ) «وحكى» ، وجلّي الأمر: أظهره وأبانه.

له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هل أبقيت شيئا؟ قال: نعم، نصف مالي ما جئت به. وبلغ عمر ما جاء به أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال: ما استبقنا إلى خير إلا سبقني إليه.

وحمل العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه مالا يقال إنه تسعون ألفا. وحمل طلحة ابن عبيد اللَّه مالا. وحمل عبد الرحمن بن عوف مائتي أوقية. وحمل سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة [ (1) ] مالا. وتصدق عاصم بن عديّ بتسعين وسقا [ (2) ] تمرا، وجهز عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه ثلث ذلك الجيش، فكان من أكثرهم نفقة، حتى كفي ثلث ذلك الجيش مؤنتهم، حتى إن كان ليقال: ما بقيت له حاجة!! فجاء بألف دينار ففرغها في حجر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فجعل يقلبها ويقول صلى اللَّه عليه وسلّم: ما ضرّ عثمان ما فعل بعد هذا اليوم! قالها مرارا.

ورغب عليه السلام أهل الغني في الخير والمعروف، فتبادر المسلمون في ذلك، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين ويقول: هذا البعير بينكما تعتقبانه، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج.

,

صدقات النساء

وأتت النساء بكل ما قدرن عليه، فكن يلقين- في ثوب مبسوط بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم- المسك، والمعاضد والخلاخل، والأقرطة، والخواتيم، والخدمات [ (3) ] .

وكان الناس في حر [ (4) ] شديد، وحين طابت الثمار، وأحبّت الظلال، والناس يحبون المقام ويكرهون الشخوص عنها. وأخذ صلى اللَّه عليه وسلّم الناس بالجد وعسكر بثنية الوداع، والناس كثير لا يجمعهم كتاب.

,

خبر المخلفين

وقال صلى اللَّه عليه وسلّم للجدّ بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عديّ ابن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري: أبا وهب! هل لك العام تخرج معنا لعلك تحتقب من بنات الأصفر [ (5) ] ! قال أو تأذن لي ولا تفتنّي؟ فو اللَّه لقد عرف قومي ما أحد أشدّ عجبا بالنساء منّي، وإني لأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا

__________

[ (1) ] في (خ) «بن سلمة» .

[ (2) ] في (خ) «وستا» .

[ (3) ] سبق شرح معاني هذه الألفاظ.

[ (4) ] في (خ) «في عسر شديد» .

[ (5) ] بنات الأصفر: بنات الروم الكاثوليك.

أصبر عنهنّ. فقال: قد أذنت لك! فجعل يثبط قومه ويقول: لا تنفروا في الحرّ.

فنزل فيه قوله تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (1) ] .

وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [ (2) ] .

,

البكاءون

وجاء البكاءون- وهم سبعة: أبو ليلى المازنيّ، وسلمة بن صخر الزّرقيّ، وثعلبة بن غنمة السّلمي، وعلبة بن زيد الحارثي، والعرباض بن سارية السّلمي، وهرمي بن عمر المزني وسالم بن عمير. [وقيل: وإن فيهم عبد اللَّه بن المغفّل ومعقل ابن يسار. وقيل: البكاءون بنو مقرّن السّيمة، وهم من مزينة]- يستحملون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وكانوا أهل حاجة فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فولّوا يبكون [ (3) ]

فلقي اثنان منهم يامين بن عمير بن كعب [بن عمر بن عمرو بن جحاش النضري] [ (4) ] فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما تتقوى [ (5) ] به على الخروج، ونحن نكره أن تفوتنا غزوة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فأعطاهما ناضحا له [ (6) ] فارتحلاه، وزوّد كلّ واحد صاعين من تمر. وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين، وحمل عثمان ابن عفان منهم ثلاثة.

,

النهي عن خروج أصحاب الضعف

وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: لا يخرجنّ معنا إلا مقو [ (7) ] . فخرج رجل على بكر صعب [ (8) ]

__________

[ (1) ] الآيتين 81- 82 التوبة، وفي (خ) ... وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، الآية.

[ (2) ] الآية 49/ التوبة، وفي (خ) « ... ولا تفتنّي، الآية» .

[ (3) ] خبر البكاءين في سورة التوبة، الآية 90 وما بعدها.

[ (4) ] في (خ) «مكان ما بين القوسين «بن عمرو بن جحاش النضري» ، وما أثبتناه من (ط) .

[ (5) ] في (خ) «تقوى» .

[ (6) ] الناضح: البعير الّذي يحمل عليه الماء.

[ (7) ] في (خ) «نقوى» ، يقال: رجل مقو: أي: ذو دابة قوية.

[ (8) ] الصعب: الّذي لا ينقاد.

فصرعه بالسويداء، فقال الناس: الشهيد!! فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مناديا ينادي: لا يدخل الجنة إلا مؤمن-[وإلا نفس مؤمنة]-، ولا يدخل الجنة عاص.

,

المنافقون

وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من غير علة فأذن لهم، وهم بضعة وثمانون رجلا. وجاء المعذرون [ (1) ] من الأعراب فاعتذروا وهم نفر من بني غفار فيهم خفاف بن إيماء بن رحضة، اثنان وثمانون رجلا فلم يعذرهم اللَّه، وجاء عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول بعسكره- معه حلفاؤه من اليهود والمنافقين- فضربه على ثنية الوداع. فكان يقال: ليس عسكر ابن أبيّ بأقل العسكرين.

وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يستخلف على العسكر أبا بكر رضي اللَّه عنه، فلما أجمع المسير استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ، [وقيل محمد ابن مسلمة] .

,

تخليف علي بن أبي طالب

وخلف علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه علي أهله، فقال المنافقون: ما خلفه إلا استقلالا له! فأخذ سلاحه ولحق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالجرف وأخبره ما قالوا، فقال: كذبوا! إنما خلّفتك لما ورائي! فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبيّ بعدي، فرجع.

,

الأمر بحمل النعال

وسار عليه السلام وقال: استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبا ما دام منعلا.

,

تخلف المنافقين

فلما سار تخلف ابن أبيّ فيمن تخلف من المنافقين وقال: يغزو محمد بني

__________

[ (1) ] المعذرون: الذين يعتذرون، ولا عذر لهم على الحقيقة.

الأصفر- مع جهد الحال والحر والبلد البعيد- إلى مالا قبل له به؟! يحسب محمد أن قتال بني الأصفر اللعب؟! ونافق بمن معه ممن هو على مثل رأيه، ثم قال: واللَّه لكأنّي انظر إلى أصحابه غدا مقرنين في الحبال.

,

الحرس بتبوك

وكان قد استعمل على حرسه بتبوك عبّاد بن بشر. وكان يطوف في أصحابه بالعسكر مدّة إقامته عليه السلام. فسمع صوت تكبير من ورائهم في ليلة، فإذا هو سلكان بن سلامة خرج في عشرة على خيولهم يحرسون الحرس. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم:

رحم اللَّه حرس الحرس في سبيل اللَّه، فلكم قيراط من الأجر على من حرستم من الناس جميعا أو دابة.

,

الصيد في تبوك

واستأذنه رافع بن خديج في الصيد فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن ذهبت فاذهب في عدة من أصحابك، وكونوا على خيل، فإنكم متفرقون من العسكر.

فانطلق في عشرة من الأنصار فيهم أبو قتادة- وكان صاحب طرد بالرّمح، وكان رافع راميا- وأتوا بخمسة أحمرة وظباء كثيرة. فأمر عليه السلام رافعا فجعل يعطى القبيلة بأسرها الحمار والظبي حتى فرّق ذلك، وصار لرسول اللَّه ظبي واحد، فطبخه، ودعا أضيافه فأكلوا.

,

آية الطعام يوم تبوك

وكان عرباض بن سارية يلزم باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحضر والسفر، فرجع ليلة من حاجته بتبوك- وقد تعشّى عليه السلام ومن معه من أضيافه، وهو يريد أن يدخل قبّته على أمّ سلمة- فلما رأى العرباض سأله عن غيبته فأخبره. ثم

جاء جمال بن سراقة وعبد اللَّه بن مغفّل المزني- وهم ثلاثتهم جياع-، فطلب عليه السلام في بيته شيئا يأكله فلم يجده، فنادى بلالا: هل من عشاء لهؤلاء النفر؟

فقال: لا، والّذي بعثك بالحق، لقد نفضنا جربنا وحمتنا [ (1) ] ! قال: انظر، عسى أن تجد شيئا! فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا، فتقع التمرة والتمرتان حتى اجتمع سبع تمرات، فوضعها عليه السلام في صحفة وسمي اللَّه، ثم قال: كلوا باسم اللَّه! فأكلوا، وأحصى عرباض أربعا وخمسين تمرة أكلها يعدها ونواها في يده الأخرى، وأكل كلّ واحد من الآخرين خمسين تمرة، ورفعوا أيديهم، فإذا التمرات السبع [ (2) ] كما هي، فقال: يا بلال، أرفعها في جرابك، فإنه لا يأكل منها أحد حتى نهل شبعا! فبات الثلاثة حول قبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقام يتهجّد على عادته، فلما صلّى بالناس الصّبح جلس بفناء قبته وحوله عشرة من الفقراء، فقال: هل لكم في الغداء؟ فقال عرباض في نفسه: أي غداء؟ فدعا بلال بالتمر فوضع يده عليه في الصّحفة ثم قال: كلوا باسم اللَّه! فأكلوا حتى شبعوا، وإذا التمرات كما هي، فقال عليه السلام لولا أني أستحي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد

__________

[ (1) ] الجرب والحمت: أسماء أوعية من الجلد.

[ (2) ] في (خ) «فإذا السبع الثمرات» .

المدينة من آخرنا! وأخذ التمرات فدفعها إلى غليّم، فولّي الغلام يلوكهنّ.

,

موت ذي البجادين

ومات بتبوك عبد اللَّه [بن عبد نهم المزني] [ (1) ] ذو البجادين [ (2) ] ، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم قبره عشاء وهيأه لشقّه، وقد دلّاه أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما. ثم قال: اللَّهمّ إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه،

فقال عبد اللَّه بن مسعود: ياليتني كنت صاحب هذا اللحد.




كلمات دليلية: