وقد كان أول ما نزل من القران في هذا اليوم المشهود الفذّ خمس ايات من صدر سورة اقرأ، وهي:
__________
(1) الذي فرّق الله به بين الحق والباطل. أي في مثل اليوم الذي التقى فيه الجمعان.
(2) الاية 41 من سورة الأنفال.
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «1» .
وكان ذلك في رمضان حسبما قال عز وجل:
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ (185) «2» .
وكان ذلك في ليلة القدر كما قال عز شأنه:
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) ... «3» .
وهي الليلة المباركة التي ذكرها الله في قوله:
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) «4» .
وقد كانت طلائع الوحي الإلهي فيها إشادة بالقلم وخطره، وبالعلم ومنزلته في بناء الشعوب والأمم، فما أصدقها من طلائع تجعل العلم والمعرفة من أخص خصائص الإنسان.
__________
(1) أي اقرأ مبتدئا باسم الله، لا باسم أحد سواه، لأنه سبحانه هو الذي خلق هذا النوع الإنساني، وفضّله على كثير من خلقه، ثم بيّن لنبيه أن ربه الأكرم سيعلمه ما لم يكن يعلم، ولا تأس إن كنت أميا فإن العلم علمان: علم كسبي وقد أشار الله له بقوله عَلَّمَ بِالْقَلَمِ وعلم وهبي عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ومنه علم الأنبياء والمرسلين.
(2) الاية 185 من سورة البقرة.
(3) سورة القدر، وللعلماء في قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ. قولان: الأول: المراد النزول جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل على النبي مفرقا في نيّف وعشرين سنة، الثاني: أن المراد ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر وكان ذلك في رمضان والنبي يتعبد بغار حراء وتكون ليلة القدر في هذا العام ليلة السابع عشر من رمضان.
(4) الايات 3- 5 من سورة الدخان.
,
وبعد نزول هذه الايات الخمس في قصة مثيرة التقت فيها البشرية بالملائكية على غير عهد سابق رجع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يرتعد من شدة الخوف، حتى أتى السيدة خديجة فأخبرها بما جرى، وقال لها: «لقد خشيت على نفسي» فطمأنته وأكدت له أنه ما كان الله ليخزيه أبدا، وقالت له: «أبشر يا ابن عم، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة» «1» .
,
ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان ممن تنصّر في الجاهلية، وعنده علم بالتوراة والإنجيل، وكان ممن يعبد الله ويواحده، فقص عليه النبي قصته فبشره بالنبوة، وقال له: هذا هو الناموس «2» الذي كان ينزل على موسى، وأخبره بما سيجده من قومه من عنت وأذى، وأنهم سيخرجونه من بلده مكة، وتمنى لو أدركته الرسالة لينصره نصرا مؤزرا، ولكن ورقة لم يلبث أن توفي بعد أن امن بالنبي وصدق به.
,
وإليك ما رواه الشيخان: البخاري ومسلم في صحيحيهما «3» بسندهما واللفظ للبخاري- عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«أول ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة «4» في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح «5» ، ثم حبّب إليه الخلاء، وكان
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 1 ص 238.
(2) الناموس: رسول الخير، والمراد به جبريل- عليه السلام-.
(3) رواه البخاري في باب كيف كان بدء الوحي.. وفي كتاب التفسير «سورة اقرأ» وفي كتاب التعبير، ورواه مسلم في باب بدء الوحي إلى رسول الله.
(4) في رواية «الصادقة» وهي التي ليس فيها أضغاث أحلام، وهما بمعنى بالنسبة لأمور الاخرة، وأما في شؤون الدنيا فقد تكون صالحة وهو الأكثر، وقد تكون غير صالحة كرؤياه قبيل أحد.
(5) فلق الصبح: ضياؤه.
يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التعبد- «1» الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع «2» إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارىء» قال:
فأخذني، فغطّني «3» ، حتى بلغ مني الجهد «4» ، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثالثة «5» ثم أرسلني، فقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) .
فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده «6» فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها- فقال: زمّلوني «7» ، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع «8» ، فقال لخديجة- وأخبرها الخبر-: لقد خشيت على نفسي «9» ، فقالت
__________
(1) أصل التحنث ترك الحنث وهو الإثم ويلزمه التعبد، وهذا التفسير مدرج من الزهري راوي الحديث عن عروة عن عائشة.
(2) يرجع وزنا ومعنى.
(3) عصرني حتى كاد يكتم أنفاسي.
(4) بفتح الجيم والنصب أي المشقة، وبضم الجيم والرفع أي غاية الوسع حتى بلغ مني الجهد مبلغه.
(5) وإنما فعل به ذلك ليبلو صبره، ويختبر احتماله فيرتاض لاحتمال ما كلف به من أعباء النبوة، وأثقال الوحي، ولذلك كان صلّى الله عليه وسلّم إذا أوحي إليه يثقل جسمه، ويغط كما يغط البكر، ويتصبب عرقه، وكأنه يقول له: استعد لما ينتظرك في تبليغ الرسالة من شدائد والام.
(6) يضطرب من الخوف.
(7) غطوني ولفوني بالثياب.
(8) بفتح الراء: الخوف.
(9) أي المرض أو الموت من شدة الضغط والضم، وقد كان ذلك قبل أن يحصل له العلم الضروري بأن الذي جاءه ملك من الله، ولا يصح تفسير الخشية بغير هذا، ولا تلتفت لما يوجد في بعض الكتاب.
خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ «1» ، وتكسب المعدوم «2» وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق «3» - وفي بعض الروايات زيادة- وتصدق الحديث- وفي بعضها- وتؤدي الأمانة «4» .
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عم خديجة، وكان امرا قد تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى «5» ، يا ليتني فيها جذعا»
، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم» ؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا «7» . ثم لم ينشب «8» ورقة أن توفي، وفتر الوحي.
,
وقد أسفّ بعض المبشّرين والمستشرقين، فزعموا أن الحالة التي كانت تعتري النبي عند تلقي الوحي من جبريل، وهو على حالته الملكية، وهي الحالة التي كان يغيب فيها النبي عن الناس، وعما حوله، ويسمع له غطيط، ويتصبّب عرقه، ويثقل جسمه- هي حالة صرع تتمخض عما يخبر به أنه وحي.
وإليك رد هذه الفرية لترى أنهم طعنوا في غير مطعن:
1- إن النبي صلّى الله عليه وسلّم بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء كان أصح الناس بدنا، وأقواهم جسما، وأوصافه التي تناقلها الرواة الثقات تدل على البطولة الجسمانية، وقد بلغ من قوته أنه صارع ركانة بن عبد يزيد فصرعه، وكان ركانة هذا مصارعا ماهرا، ما قدر أحد أن يأتي بجانبه إلى الأرض، ولما عرض عليه النبي الإسلام قال: صارعني فإن أنت غلبتني امنت أنك رسول الله، فتصارعا، فصرعه النبي، فقيل: إنه أسلم عقب ذلك «1» .
والمصاب بالصرع لا يكون على هذه القوة، وقد شهد للنبي رجل غريب عن الإسلام، ولكنه منصف، قال الكاتب الأجنبي (بودلي) في كتابه «الرسول، حياة محمد» مفندا هذا الزعم: (لا يصاب بالصرع من كان في مثل الصحة التي كان يتمتاع بها محمد، حتى قبل وفاته بأسبوع واحد، وأن كل من تنتابه حالات الصرع كان يعتبر مجنونا، ولو كان هناك من يوصف بالعقل ورجاحته فهو محمد) !!
__________
(1) الإصابة في تاريخ الصحابة، ج 1 ص 205؛ والاستيعاب، ج 1 ص 531.
2- إن مريض الصرع يصاب بالام حادة في كافة أعضاء جسمه، يحس بها إذا ما انتهت نوبة الصرع ويظل حزينا كاسف البال بسببها، وكثيرا ما يحاول مرضى الصرع الانتحار من قسوة ما يعانون من الام في النوبات، فلو كان ما يعتري النبي عند الوحي صرعا لأسف لذلك وحزن لوقوعه، ولسعد بانقطاع هذه الحالة عنه، ولكن الأمر كان على خلاف ذلك.
لقد انقطع الوحي عن الرسول مدة فحزن لذلك حزنا شديدا، وكان يذهب إلى غار حراء وقمم الجبال عسى أن يعثر على الملك الذي جاءه بحراء، وبقي محزون النفس من هذه الحالة، حتى سرّى عنه ربه بوصل ما انفصم من الوحي، وعادت المياه إلى مجاريها.
3- إن الوحي لم يكن يأتي النبي صلّى الله عليه وسلّم على هذه الحالة التي قالوا عنها إنها صرع إلا أحيانا، وأحيانا كان يأتيه وهو في حالته الطبيعية، فلا غيبوبة، ولا عرق، ولا غطيط، وذلك حينما كان يأتيه جبريل في صورة رجل، وذلك كما حدث في حديث جبريل المشهور.
ويدل على هاتين الحالتين الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها- أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟» ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي
الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» «1» قالت عائشة: «ولقد رأيته حين ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصّد «2» عرقا» «3» .
4- إن الثابت علميا أن المصروع أثناء الصرع يتعطل تفكيره وإدراكه تعطلا تاما، فلا يدري المريض في نوبته شيئا عما يدور حوله، ولا ما يجيش في
__________
(1) ذكر النبي في هذا الحالتين اللتين كان يكثر مجيء الوحي عليهما، وفي بعض الأحيان كان يسمع عند ما يأتيه الوحي دويّ كدويّ النحل.
(2) يسيل.
(3) صحيح البخاري- باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
نفسه، كما أنه يغيب عن صوابه وتعتريه تشنجات تتوقف فيها حركة الشعور، ويصبح المريض بلا إحساس.
ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان بعد الوحي يتلو على الناس ايات بيّنات، وتشريعات محكمات، وعظات بليغات، وأخلاقا عالية، وكلاما بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة، تحدّى به الناس أن يأتوا بأقصر سورة منه فعجزوا وما استطاعوا، فهل يعقل من المصروع أن يأتي بشيء من هذا؟! اللهم إن هذا أمر لا يجوز إلا في عقول المجانين إن كانت لهم عقول!!
5- لما تقدّمت وسائل الطب، واستخدمت الأجهزة والكهرباء في التشخيص والعلاج، إذا بالطب يقدّم دليلا لا ينقض، ويقيم حجة لا تحتاج إلى مناقشة على كذب فرية الصرع، ويؤكد أن ما كان يعتري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما هو وحي من الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يكون شيئا اخر، لقد ثبت أن نوبات الصرع ناتجة عن تغيرات فسيولوجية عضوية في المخ، والدليل على ذلك أنه أمكن تسجيل تغيرات كهربائية في المخ في أثناء النوبات الصرعية مهما كان مظهرها الخارجي، وعلى أية صورة كانت هذه النوبات، ومهما ضعفت حدة هذه النوبات، ولقد أثبت الطب الحديث أخيرا بعد الاستعانة بالأجهزة والرسم الكهربائي على أن هناك مظاهر عديدة ومختلفة للنوبات الصرعية، وذلك تبعا لمراكز المخ التي تبدأ فيها التغيرات الكهربائية، وطريقة وسرعة انتشارها، وأهم أنواع الصرع ما يسمى بالنوبات الصرعية النفسية، وهو ما يشبه أن يكون النوع الذي افتراه الخصوم على الرسول بأنه مصاب به، وفي هذه الحالة تمر بذهن المريض ذكريات، أو أحلام مرئية، أو سمعية، أو الاثنان معا، وتسمى «بالهلاوس» ، وقد أثبت الطب أيضا أن الذكريات التي تمر بالمريض لا بدّ أن يكون قد عاش فيها المريض نفسه حتما إذ أن النوبة الصرعية ما هي إلا تنبيه لصورة أو صوت مرّ بالإنسان ثم احتفظ به في ثنايا المخ، وقد أمكن طبيا إجراء عملية التنبيه هذه بوساطة تيار كهربائي صناعي سلّط على جزء خاص في المخ، فشعر المريض بنفس «الهلاوس» التي تنتابه في أثناء نوبة الصرع، وكلما تكررت نوبة الصرع تكررت نفس الذكريات أو الهلاوس. فهذا مريض يسمع أغنية،
أو قطعة من شعر، أو حديثا من أي نوع كان في نوبة صرعه، ويتكرر سماعه لها في كل نوبة، ولا بدّ أن يكون ما سمعه من النوبة قد سمعه يوما ما في طفولته، أو شبابه، أو قبل مرضه، وكذلك إذا كانت النوبة تثير منظرا لا بدّ أن يكون قد مرّ عليه.
وبتطبيق ما قرره الطب الحديث في حقائق الصرع على ما كان يعتري النبي صلّى الله عليه وسلّم نجده يردّد ايات لا يمكن إطلاقا أن يكون قد سمعها من قبل في حياته، فهي ايات واردة من عند الحق سبحانه وتعالى قبل أن يعمر البشر الأرض، مثل قوله سبحانه:
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) «1» .
وايات أخرى فيها قول الله يوم القيامة مثل:
حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) «2» .
وقوله سبحانه:
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) » .
وكذلك الايات التي تحكي عصور ما قبل الإسلام، والمقاولات، والمحاورات التي جرت بين أقوام عاشوا قبل الرسول بالاف السنين وذلك مثل قوله سبحانه:
__________
(1) الايتان 34، 35 من سورة البقرة.
(2) الاية 84 من سورة النمل.
(3) الاية 119 من سورة المائدة.
كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) «1» .
وقوله سبحانه:
قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (24) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (25) «2» .
إلى غير ذلك من الايات التي تحكي قصص الأولين، أو تصف أحوال القيامة واليوم الاخر.
ولما كانت هذه الأحاديث والأحوال لم تمر بالرسول قطعا فهي لم تختزن بالتالي في المخ لتثيرها نوبات صرعية فيتذكرها، وبذلك يقرر الطب الحديث في أحدث اكتشافاته بالنسبة للصرع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يمكن أن يكون هناك أدنى شبهة في إصابته بالصرع إطلاقا، وأن ما كان إنما هي حالة نفسية وجسدية لتلقّي الوحي الإلهي، هذا الوحي الذي أخبر الله فيه عما مضى، وعما يستقبل «3» .
6- ثم ما رأي هؤلاء الطاعنين، وفيهم من ينتمي إلى بعض الأديان في أنهم لا ينالون من نبي الله محمد واحده، وإنما ينالون من جميع أنبياء الله ورسله الذين كانت لهم كتب أو صحف أوحي بها من عند الله سبحانه!! فهل تطيب نفوسهم أن يخربوا بيوتهم قبل أن يخربوا بيوت غيرهم؟!! وما رأيهم فيما جاء في كتب العهد القديم والجديد من إيحاات ونبوات؟! وهل يقولون في وحي نبي الله موسى وعيسى- عليهما السلام- ما يقولون في وحي خاتم الأنبياء محمد؟
__________
(1) الاية 37 من سورة ال عمران.
(2) الايتان 24، 25 من سورة المائدة.
(3) من مقال للأستاذ عبد الرزاق نوفل نشر بمجلة «منبر الإسلام» العدد 9 السنة 19 رمضان سنة 1381 هـ فبراير 1964 م.
اللهم إن هذا الطعن لا يفوه به إلا أحد رجلين: إما رجل مادي مخرّف، وإما رجل مخرّب مدمر يريد هدم الأديان!!
إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليس ببدع من الرسل في باب الوحي، وإنه أوحي إليه كما أوحي إليهم، وصدق الحق تبارك وتعالى حيث يقول:
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) «1» .
وقال:
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) «2» .