withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


تمهيد من كتاب حدائق الانوار في السيرة

تمهيد من كتاب حدائق الانوار في السيرة

اسم الكتاب:
حدائق الانوار في السيرة

تمهيد

بقلم: عبد الله بن محمّد الحبشى* بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم. أمّا بعد:

فأطلعني الأستاذ- الناشر لهذا الكتاب المبارك- على مخطوطتين من هذا الكتاب القيّم.

كلاهما تحمل اسم العلّامة المتبحّر الكبير (محمّد بن عمر بحرق الحضرميّ) المتوفّى سنة 930 هـ.

وفي كلتيهما ما لا يدع مجالا للشّكّ في نسبة الكتاب للمذكور.

ويصدق القول في ذلك الإهداء الّذي صدّر المؤلّف مقدّمته به، وهو إلى سلطان الهند العالم (شمس الدّين مظفّر بن محمود شاه) ؛ ممّا يعطي دليلا آخر إلى نسبة الكتاب إلى (بحرق) ، حيث إنّ المذكور دخل الهند واستوطن بها، وكان ممّا أتحف به هذا الملك كتابنا هذا، لشغف المذكور بالعلم وأهله وتقريب العلماء.

وقد أشار إلى صلة المؤلّف بالمذكور صاحب «النّور السّافر» ؛ فقال: (ولمّا عزم إلى الهند، ووفد على السّلطان مظفّر، فقرّبه السّلطان وعظّمه؛ ولمّا خبر علمه وفضله زاد في تعظيمه وتبجيله، وأنزله المنزلة الّتي تليق به) «1» .

ويزيدنا إيضاحا حول هذا الموضوع العلّامة (عبد الحيّ اللكنوي) ، صاحب كتاب «نزهة الخواطر» ؛ يقول في أثناء كلامه حول دخول العلّامة (بحرق) الهند: (ووفد على سلطانها (مظفّر بن محمود بيكره) - بايقرا-، فعظّمه وقام به، وقدّمه ووسّع عليه، والتفت إليه وأدناه منه، وأخذ عنه؛ فاشتهر بجاهه، وصنّف له «تبصرة الحضرة الشّاهيّة الأحمديّة بسيرة الحضرة النّبويّة الأحمديّة» «2» .

فدلّنا جميع هذا.. على صحّة نسبة الكتاب إلى علّامتنا (بحرق) . وبدليل أنّ جميع

__________

* باحث يمني، يعمل حاليا في (المجمّع الثقافي) بأبو ظبي.

(1) تاريخ النّور السّافر عن أخبار القرن العاشر، ص 136.

(2) نزهة الخواطر، ج 4/ 306.

المخطوطات الموجودة تحمل اسم العلّامة (بحرق) .

ولكن يشكّك على ذلك التّواتر، ويجعل هناك في نفس الباحث بعض السّؤال أنّ النّسخة المطبوعة من هذا الكتاب تحمل اسم العلّامة المحدّث (أبي محمّد عبد الرّحمن بن عليّ ابن الدّيبع الزّبيديّ) المتوفّى سنة 944 هـ. وقد قام بنشرها في سنة 1403 هـ العلّامة الفاضل (عبد الله بن إبراهيم الأنصاريّ) ، وقد بذل في تحقيقها جهدا يشكر عليه؛ إلّا أنّه لم يرجع في تحقيق المخطوطة إلّا إلى نسخة واحدة، وأوحى كلامه في المقدّمة إلى الشّكّ في نسبة الكتاب إلى (ابن الدّيبع) المذكور فقال: (ولم أجد أحدا ممّن ترجمه قد ذكر كتاب سيرته «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار» ، ولعلّ هذا الكتاب قد غفل عن ذكره مترجموه، أو لم يشتهر أمره) .

قلت: والرّجوع في تحقيق كتاب مثل هذا إلى مخطوطة واحدة لا يخلو من بعض المجازفة، إضافة على ذلك سقم النّسخة الّتي رجع إليها علّامتنا (الأنصاريّ) - رحمه الله- وكما أشار إلى ذلك هو بنفسه.

ولكن تبقى أمامنا الحقيقة الماثلة، وهي أنّ جميع المخطوطات المتوفّرة لدينا الآن تجمع على نسبة الكتاب إلى العلّامة (بحرق) ، باستثناء تلك النّسخة السّقيمة الّتي رجع إليها (الأنصاريّ) ، والّتي تشير إلى نسبة تأليفها إلى (ابن الدّيبع) .

ولا يخلو الأمر من أنّ هناك يدا عابثة أو تعمّدا أدخل تلك النّسبة إلى المخطوطة المذكورة، حيث إنّ هناك أسطر بقيت فارغة، ترك فيها ناسخها عنوان الكتاب واسم المهدى إليه الكتاب المذكور؛ وهو سلطان الهند، الّذي اتّصل به العلّامة (بحرق) واجتمع به، ولا يعرف لابن الدّيبع رحلة إلى الهند، بل بقي أثر من اسم المهدى إليه في الأبيات الّتي أوردها المؤلّف في مدح السّلطان المذكور، وهي قوله:

فأحمد أسمى من بنى اسما وكنية ... وفعلا ووصفا ملكه من أساسه

شهاب فخذ من علمه واقتباسه ... سنا النّور واخش النّار في وقت باسه

إلى قوله:

فلا زال محمودا حميدا مظفّرا ... شهابا على أعدائه كأناسه

وأيضا بقيّة من اسم الكتاب، حيث جاء في طبعة (الأنصاريّ) قوله: (فوسمت باسمه هذا الكتاب الكريم، ورسمته برسمه ... فسمّيته تبصرة- (في مطبوعة الأنصاريّ بصيرة.. خطأ) - الحضرة، ثمّ تأتي نقط في المطبوعة هي موضع السّقط المتعمّد من قبل النّاسخ أو غيره.

وإذا كان طرأ التشكيك- عند من يرى هذا- في- نسبة الكتاب إلى (بحرق) ، فإنّ العنوان كذلك يختلف عمّا أورده العلّامة (العيدروس) في «النّور السّافر» ، حيث ذكر أنّ عنوانه هو كتاب «تبصرة الحضرة الشّاهيّة الأحمديّة بسيرة الحضرة النّبويّة الأحمديّة» «1» .

وأيّد هذا المؤلّف نفسه، حيث نصّ صراحة على هذا العنوان في مقدّمة كتابه فقال:

(فوسمت باسمه هذا الكتاب الكريم، ورسمته برسمه، وإنّه بسم الله الرّحمن الرّحيم؛ فسمّيته: «تبصرة الحضرة الأحمديّة الشّاهيّة بسيرة الحضرة الأحمديّة النّبويّة» .

ولكنّ المخطوطات الّتي بأيدينا تحمل عنوانا مغايرا للعنوان الّذي ارتضاه المؤلّف، بما فيها تلك المخطوطات الّتي نصّ فيها المؤلّف على عنوانه الأوّل. وهذا يدخل أيضا في باب الاستفهام حول العنوان والمؤلّف، ولكن يقع لبعض المؤلّفين أن يغيّروا في أسماء كتبهم، بل وفي المؤلّفات نفسها؛ إمّا بالزّيادة أو النّقصان، ولا يستبعد أن العلّامة (بحرق) - رحمه الله- لمّا كتب كتابه أوّل مرّة وأهداه إلى السّلطان السّابق ذكره جعله يحمل اسمه، لشرف هذا السّلطان وورعه، حيث عرف عند من ترجم له بالصّلاح وكثرة العبادة، ولكن رأى بعد ذلك تكريما للمقام الشّريف أن يحمل عنوانا آخر يتناسب مع عظيم الموضوع، ومع أذواق طلبة العلم، فأسماه: «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النّبيّ المختار صلى الله عليه وسلم» .

وهو الاسم الّذي تحمله طبعتنا هذه وطبعة الشّيخ (الأنصاريّ) - رحمه الله-

وهذا ما أردنا التّنبيه عليه، وفوق كلّ ذي علم عليم ...

عبد الله بن محمّد الحبشى

أبو ظبي-

في 25/ 7/ 1418 هـ 25/ 11/ 1997 م

__________

(1) تاريخ النّور السّافر عن أخبار القرن العاشر، ص 136.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة التحقيق

إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [سورة آل عمران 3/ 102] .

يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [سورة النّساء 4/ 1] .

يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) [سورة الأحزاب 33/ 71- 71] .

أمّا بعد:

فإنّ خير ما يتدارسه النّاشئة وطلّاب العلم، ويعنى به الباحثون والمؤلّفون دراسة السّيرة النّبويّة، إذ هي خير وسيلة للتّعلّم والتّهذيب والتّأديب، وفيها ما يرجوه المؤمن من دين ودنيا، وعلم وعمل، وآداب وأخلاق، ورحمة وعدل، وجهاد واستشهاد في سبيل الله، ثمّ نشر العقيدة والشّريعة، والقيم الإنسانيّة النّبيلة.

إنّ السّيرة النّبويّة نور ساطع وهّاج، أفضى إلى ظلمات الجهل والوثنيّة، فانجابت كما ينجاب الغمام، وهدى من الله أرسله إلى الإنسانيّة الضّالّة، فانتشلها من ضياع، وانتاشها من هلاك، وأنقذها ممّا كانت تتخبّط فيه من دياجير الظّلام، وعقابيل الضّلال.

وإذا كانت السّيرة في اللّغة بمعنى: الطّريقة والسّنّة، فإنّها يراد بها التّعرّف على حياة الرّسول صلى الله عليه وسلم قرّة العين وريحانة القلب؛ منذ ظهور الإرهاصات الّتي مهّدت لرسالته، وما سبق مولده من ظواهر وأحداث تلقي أضواء رحمانيّة على طريقة الدّعوة المحمّديّة، ثمّ مولده صلى الله عليه وسلم،

ونشأته حتّى مبعثه، وما جاء بعد ذلك من دعوة النّاس إلى الدّين القيّم، وما لقي صلى الله عليه وسلم في سبيل نشر هذا الدّين من عنت ومعارضة، وما جرى بينه عليه الصّلاة والسّلام وبين من عارضوه من صراع بالبيان والسّنان، وذكر من استجاب له، حتّى علت راية الحقّ، وأضاءت شعلة الإيمان.

تاريخ التّأليف في السّيرة وأشهر كتبها:

إنّ أوّل ما يلفت الانتباه في سير الأنبياء أنّ السّيرة النّبويّة أصحّ سيرة لتاريخ نبيّ مرسل، ولم نعرف على مدى التّاريخ البشريّ كلّه أمّة من أمم الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، سعدت بمثل ما جاء في القرآن الكريم عن الرّسالة والرّسول، ولا حظيت بمثل تلك المجموعة الثّمينة من الأحاديث النّبويّة، ذلك السّجل الخالد، بل كانت هناك حلقات مفقودة في حياة رسلها، لا يمكن البحث عنها، والاهتداء إليها.

أمّا خاتم الرّسل محمّد صلى الله عليه وسلم فهو الرّسول الّذي نعرف عنه كلّ دقيق وجليل، ونعرف عنه من دقائق الأخلاق والصّفات، والميول والرّغبات، والقول والعمل، ما لا نعرفه عن غيره من النّبيّين عليهم الصّلاة والسّلام.

ومن رحمة الله تعالى أن كانت هذه الأمّة تملك قوّة الذّاكرة، وسرعة الحفظ والاستظهار، ممّا يسّر لها الجمع والاستحضار، ولا عجب في ذلك فقد بهرهم الوحي بقوّة بيانه، وأخذ عليهم مشاعرهم بسطوة سلطانه، واستأثر بكريم مواهبهم في لفظه ومعناه، فكان الحفظ في الصّدور، والتّدوين في السّطور، وكانت الصّبغة الّتي شاء الله أن تكون.

لقد اهتمّ المسلمون الأوائل اهتماما كبيرا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه الفعليّة والقوليّة، قبل أن تدوّن الأحاديث تدوينا عامّا في آخر القرن الأوّل الهجري- ولم يكن قد دوّن في تاريخ العرب أو السّيرة شيء إلى أن مضت أيّام الخلفاء الرّاشدين- فكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على المدينة أبي بكر بن محمّد بن حزم- وهو من كبار المحدّثين- طالبا منه أن يدوّن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب وزّعه على البلاد الإسلاميّة.

وقد قام المحدّثون بعدها بجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب لا تلتزم منهجا معيّنا في التّرتيب والتّصنيف، ولم تخل كتبهم من ذكر ما يتعلّق بسيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وحياته ومغازيه ومناقبه وما إلى ذلك. وقد استمرّ هذا المنهج حتّى بعد انفصال السّيرة عن الأحاديث في التّأليف.

ثمّ صنّفت في السّيرة النّبويّة مصنّفات خاصّة بها. وقد كان في مقدّمة المؤلّفين في السّيرة أربعة:

1- عروة بن الزّبير (المتوفّى سنة 93 هـ) ، وكان فقيها، محدّثا، عالما بالحديث، معروفا

بتدوينه العلم والحديث، أسلم قديما، وشهد الغزوات والمشاهد كلّها. ولم يصل كتابه إلينا.

2- أبان بن عثمان بن عفّان (المتوفّى سنة 105 هـ) ، كان فقيها، محدّثا. وقد كتب ما سمع من أخبار السّيرة في مصنّف لم يصل إلينا.

3- وهب بن منبّه (المتوفّى سنة 114 هـ) ، كان مؤرّخا، وكانت له معرفة بأخبار الأوائل، وأحوال الأمم السّابقة. وقد أكثر من الرّواية عن الإسرائيليات.

4- شرحبيل بن سعد الخطمي المدني (المتوفّى سنة 123 هـ) ، كان عالما بالمغازي والبدريّين.

ويعدّ هؤلاء الأربعة الطّبقة الأولى الّتي صنّفت في السّيرة النّبويّة.

ثمّ جاء بعد هؤلاء طبقة أخرى، عاشت في العصر الأموي، اشتهر منها في كتابة السّيرة النّبويّة ثلاثة:

1- عاصم بن عمر بن قتادة (المتوفّى سنة 120 هـ) ، وهو راوية للعلم، عالم بالمغازي والسّيرة، وقد أمره الخليفة عمر بن عبد العزيز أن يجلس في مسجد دمشق فيحدّث النّاس بالمغازي ومناقب الصّحابة، ففعل. وقد اعتمد ابن إسحاق والواقدي على مصنّفاته، وجعلوها من مراجعهم المهمّة.

2- محمّد بن شهاب الزّهريّ (المتوفّى سنة 124 هـ) ، عالم محدّث، وهو أوّل من دوّن الحديث، وقيل: إنّ سيرته أوّل سيرة صنّفت في الإسلام، وهي من أوثق السّير وأفضلها، وقد اعتمد ابن إسحاق عليها في سيرته.

3- عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاريّ (المتوفّى سنة 125 هـ) ، وقد كان عالما، محدّثا، ثبتا، وكان من أهل العلم والبصر، وقد نقلت عنه روايات كثيرة، اعتمدها ابن إسحاق وابن سعد والطّبريّ في كتبهم.

ثمّ جاء بعد هؤلاء طبقة أخرى، عاشت في العصر العبّاسيّ الأوّل، وكان من أشهرهم أربعة:

1- موسى بن عقبة (المتوفّى سنة 141 هـ) ، كان عالما بالسّيرة النّبويّة، وقد صنّف كتابا في المغازي، اعتمد عليه ابن سعد والطّبريّ في كتبهم. ولم يصل كتابه إلينا.

2- محمّد بن إسحاق المطلبي (المتوفّى سنة 151 هـ) ، وهو من أصل فارسيّ، صنّف كتابه «المغازي» بناء على طلب الخليفة المنصور، جمع فيه تاريخ الخليقة من آدم عليه السّلام إلى

زمنه، وقد أطال فيه فلم يرضه المنصور وأمره باختصاره فاختصره. وهو أوّل كتاب وصل إلينا.

3- معمر بن راشد (المتوفّى سنة 150 هـ) ، فقيه، حافظ، متقن. صنّف كتابا في المغازي لم يصل إلينا، ما خلا نقولا أوردها الواقديّ وابن سعد في كتبهم.

4- محمّد بن عمر الواقديّ (المتوفّى سنة 207 هـ) ، وقد كان عالما بالمغازي واختلاف النّاس وأحاديثهم. صنّف كتاب «المغازي» ، ونهج فيه منهجا تاريخيا علميّا جغرافيا. وقد كان هذا الكتاب الأساس الّذي بنى عليه المؤلّفون في السّيرة كتبهم.

ثمّ جاء بعدهم طبقة أخرى، من أشهرهم:

1- أبو محمّد عبد الملك بن هشام (المتوفّى سنة 218 هـ) ، كان مؤرّخا، عالما بالسّير والأنساب واللّغة وأخبار العرب، روى لنا سيرة ابن إسحاق بعد أن هذّبها، وحذف منها الكثير ممّا ليس فيه صلة بسيرته صلى الله عليه وسلم، فجاء على نحو مخالف تماما لما وضعه ابن إسحاق، لكن دون أن يغيّر منه كلمة واحدة. ولهذا فقد نسي ابن إسحاق، وذكر ابن هشام. ولم يعد الكتاب مقرونا إلّا باسم ابن هشام.

ثمّ جاء بعد هؤلاء الأعلام علماء كثيرون صنّفوا في السّيرة، منهم من أطال، ومنهم من اقتصر، ومنهم من اعتنى بذكر الأسانيد، ومنهم من حذفها.

ومن أشهر هذه المصنّفات:

1- عيون الأثر في فنون المغازي والشّمائل والسّير، لابن سيّد النّاس الأندلسيّ، (المتوفّى سنة 734 هـ) .

2- جوامع السّيرة، لابن حزم الأندلسي، (المتوفّى سنة 456 هـ) .

3- المواهب اللّدنيّة. للقسطلّانيّ، (المتوفّى سنة 923 هـ) .

4- سبل الهدى والرّشاد في سيرة خير العباد، للصالحي، (المتوفى سنة 942 هـ) .

5- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، المعروف بالسيرة الحلبية، للحلبي، (المتوفّى سنة 1044 هـ) .

ومن بين هؤلاء الأئمة الأعلام- صاحب هذا الكتاب الّذي بين أيدينا- محمّد بن عمر بن مبارك (بحرق) الحضرمي. حيث نهج في تأليف هذا الكتاب نهج من سبقه من علماء السّير، فصنّفه في وقت كثر فيه التّأليف في السّيرة. وكانت مؤلّفات المحدّثين في السّيرة تحظى بالقبول والتّقدير، لأنّها من أفضل الكتب صحّة، وأروعها تأليفا، وأصدقها لهجة، على حين كانت

مؤلّفات المؤرّخين وأصحاب المغازي والملاحم لا تصل إلى تلك الرّفعة الّتي حظيت بها كتب المحدّثين؛ ذلك لأنّ المحدّثين كانوا لا ينقلون في كتبهم إلّا عن الثّقات، ويطرحون ما لم يصحّ عندهم من الرّوايات، ويذكرون الأحاديث الصّحيحة، ويبتعدون عن تدوين الأحاديث الضّعيفة، ويهجرون الرّوايات الموضوعة والمنحولة.

لقد كان المؤلّف- رحمه الله تعالى- أحد أولئك المحدّثين، حيث نهج في كتابه هذا منهجهم، فانتقى الأحاديث الصّحيحة، والأخبار الثّابتة، واختار موضوعاته من أمّهات كتب السّيرة النّبويّة الّتي قرأها وتعلّمها. ولا عجب في ذلك، فهو ممّن عرف بطول اليد في علم الحديث وفنونه.

فجاء الكتاب جليل النّفع، عظيم الفائدة، عزير المعلومات، واضح الأسلوب، جزل العبارة.




كلمات دليلية: