withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


فتح مكة من كتاب السيرة النبوية دروس و عبر

فتح مكة من كتاب السيرة النبوية - دروس و عبر

اسم الكتاب:
السيرة النبوية دروس و عبر

الوقائع التاريخية - غزوة الفتح

وهي فتح مكة، وكانت في رمضان للسنة الثامنة من الهجرة، وسببها أن صلح الحديبية أباح لكل قبيلة عربية أن تدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاءت، أو تدخل في عقد قريش، فارتضت بنو بكر أن تدخل في عقد قريش، وارتضت خزاعة أن تدخل في عقد سول الله صلى الله عليه

وسلم، وفي تلك السنة (الثامنة) اعتدت بنو بكر على خزاعة، فقتلت منها نحو عشرين رجلا، وأمدت قريش بني بكر بالمال والسلاح، فلما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا، وتجهز لقتال قريش إلا أنه لم يرد أن يخبر الناس عن وجهته، لئلا تستعد قريش، فتستباح حرمة البلد الحرام، وتمتلئ أرجاؤه بأشلاء القتلى، ولكن حاطب بن أبي بلتعة البدري أرسل كتابا سريا إلى مكة يخبرهم فيه بتوجيه الرسول إليهم، فأطلع الله رسوله على أمر الكتاب، فأرسل إلى المرأة التي تحمله بعض أصحابه ليفتشوها، فعثروا على الكتاب، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا، فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول الله أما إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكني كنت امرءا ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليه. فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لعشر مضين من رمضان، وفي الطريق أفطر وأفطر الناس معه لما لقوا من الجهد والمشقة في سفرهم، وكان عددهم حين خروجهم من المدينة عشرة آلاف، ثم انضم إليهم في الطريق عدد من قبائل العرب، وفي (مر الظهران) عثر حرس رسول الله على أبي سفيان واثنين معه، فأسروهم وجاؤوا بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم أبو سفيان، وقال العباس- الذي

لقيه الرسول في الطريق مسلما مهاجرا إلى المدينة-: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئا يفتخر به، فقال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»، ثم وصل الجيش مكة، فأعلن منادي الرسول: من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن واستثنى من ذلك خمسة عشر رجلا عظمت جريرتهم في حق الإسلام ورسوله، ثم دخل رسول الله مكة وهو راكب راحلته، منحن على الرحل، حتى لتكاد جبهته تمس قتب الراحلة شكرا لله على هذا الفتح الأكبر، ثم طاف الرسول بالبيت، وأزال ما حولها من أصنام بلغت ثلاثمائة وستين، ثم دخل الكعبة وصلى ركعتين فيها، ثم وفق على بابها وقريش تنظر ما هو فاعل بها، فقال فيما قال ساعتئذ: «يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا؛ أخ كريم وابن أخ كريم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليوم اقول لكم ما قال أخي يوسف من قبل: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92] اذهبوا فأنتم الطلقاء».

ثم اجتمع الناس حول الصفا ليبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فجلس إليهم الرسول على الصفا، وأخذ بيعتهم على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، بايع الرجال أولا، ثم النساء، ولم يصافح واحدة منهن، وكان فيمن بايعهن هند زوجة أبي سفيان التي أهدر الرسول دمها فيمن أهدر يوم الفتح، فلما علمها، عفا عنها بيعتها.

وفي يوم الفتح أمر رسول الله بلالا أن يؤذن لصلاة الظهر على ظهر الكعبة، فاستعظم ذلك الحاضرون من قريش ولم يسلموا بعد، ولكن رسول الله أراد ذلك عمدا لسر عظيم وحكمة بالغة.

الفصل الخامس - في معارك الرسول الحربية

,

تحطيم الأصنام

كان إبراهيم عليه السلام - وهو أبو الأنبياء بعد نوح - ممن حارب الوثنية في قومه، حتى حاول قومه إحراقه بالنار. كما يحكي القرآن الكريم، ولما جاء إلى مكة أودع ولده إسماعيل عليه السلام فيها مع أمه، فلما شب اسماعيل عليه السلام بنيا الكعبة معاً لتكون بيتاً يعبد الله عنده، ويحج الناس اليه، وتكاثر ولد اسماعيل - وهم العرب المستعربة، كما يسميهم المؤرخون - واستمروا لا يعرفون عبادة الأوثان

والأصنام (1)، ثم كان من عبادتهم أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن، إلا احتمل معه حجراً من حجارة الحرم، تعظيماً للحرم، وصبابة بمكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة، تيمناً منهم بها، وحباً منهم للحرم، وشوقاً اليه، واستمروا كذلك حتى أدخل فيهم عمروابن لحي عبادة الأوثان - وكان ذلك قبل البعثة النبوية بخمسائة سنة على ما يقولون - فهو أول من غيّر دين إسماعيل عليه السلام، وكان من أمره أن تولى حجابة البيت بعد إجلاء جرهم عن مكة وما حولها، ثم مرض مرضاً شديداً، فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة - وهي التي يقال لها الحَمة الآن - إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا، فقدم بها مكة، ونصبها حول الكعبة (2) , وانتشرت بعد ذلك عبادة الأصنام في جزيرة العرب، حتى كان لأهل كل دار في مكة صنم يعبدونه في دارهم، فإذا أراد أحدهم السفر، كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفره، كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضاً.

ثم أولعت العرب بعبادة الأصنام، فمنهم من اتخذ بيتاً، ومنهم من

_________

(1) الاصنام: هي ما كان من المعبودات على هيئة تماثيل، والانصاب: هي أحجار يعبدونها وينحرون عندها.

(2) كتاب الاصنام لهشام بن محمد بن السائب الكلبي: ص 8.

اتخذ صنماً، ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت، نصب حجراً أمام الحرم، وأمام غيره مما استحسن، ثم طاف به كطوافه بالبيت، وكان الرجل إذا سافر فنزل منزلاًَ، أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه رباً، وجعل ثلاث أثافي لقدره، وإذا ارتحل تركه، فإذا نزل منزلاً آخر فعل مثل ذلك (1).

وكانت للعرب ثلاثة أصنام كبرى تعظمها، وتحج إليها، وتنحر لها الذبائح: أقدمها مناة وكان منصوباً على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد، بين المدينة ومكة، وكانت العرب جميعاً تعظمه، وأشدهم إعظاماً له الأوس والخزرج، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، أرسل إليه عليَّاً رضي الله عنه، فهدمه، وأخذ ما كان له، وأقبل به الى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان فيما أخذ: سيفان، كان الحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان أهداهما له، والحارث هذا هو الذي قتل شجاع بن وهب الأسدي رضي الله عنه حين سلمه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه للاسلام، ولم يقتل للنبي صلى الله عليه وسلم رسول غيره.

وثانيهما اللات وكانت بالطائف، وهي صخرة مربعة، وكانت قريش وجميع العرب تعظمها، فلما جاء وفد ثقيف بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من فتح مكة إلى المدينة، طلب وفدها منه عليه الصلاة والسلام أن يدع لهم اللات ثلاث سنين لا يهدمها، فأبى ذلك عليهم،

_________

(1) الأصنام للكلبي ص 33.

فما برحوا يسألونه سنة سنة وهو يأبى عليهم، حتى سألوا شهراً واحداً، فأبى عليهم.

قال ابن هشام: وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم، ونسائهم، وذراريهم، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها، فلما أخذ المغيرة يضربها بالمعول، خرج نساء ثقيف حسراً يبكين عليها ويقلن:

لتُبكينَّ دُفَّاع ... أسلمها الرُّضَّاع ... لم يُحسنوا المِصَاع

يردن بذلك: واحسرتا على التي كانت تدافع عنا أعداءنا، وتدفع عنا البلاء، قد أسلمها اللئام للهدم، فلم يدافعوا عنها، ولم يجالدوا بالسيوف في سبيلها.

وثالثتها العزى كانت عن يمين المسافر من مكة إلى العراق، وكانت قريش تخصها بالإعظام، فلما نزل القرآن يندد بها وبغيرها من الأصنام، اشتد ذلك على قريش، ولما مرض أو أحيحة وهو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف مرضه الذي مات فيه، دخل عليه أبو لهب يعوده، فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا أبا أحيحة؟ أمن الموت تبكي ولا بد منه؟ قال: لا، ولكني أخاف ألا تعبد العزى بعدي! قال أبو لهب: والله ما عبدت حياتك لأجلك، ولا تترك

عبادتها بعدك لموتك، فقال أبو أحيحة: الآن علمت أن لي خليفة! .. وأعجبه شدة نصبه في عبادتها (1).

فلما كان عام الفتح دعا النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وأمره أن ينطلق بهدمها، فلما جاءها خالد، قال سادنها ديبة بن حرمي الشيباني:

أعُزاء شدِّي شدة لا تكذبي ... على خالد أَلقي الخمار وشمري

فانك إلا تقتلي اليوم خالدا ... تبوئي بذلٍّ عاجل وتنصرَّي

فقال خالد:

يا عُزَّ كفرانك لا غفرانك ... إني رأيت الله قد أهانك

وقد زعموا أنها كنت حبشية، نافشة شعرها، واضعة يدها على عاتقها في داخل شجرة كان قد قطعها خالد، فبرزت له بهذا الشكل، فضربها ففلق رأسها، فاذا هي حممة (أي كالفحم) فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء مهمته، قال عليه الصلاة والسلام: تلك العزى، ولا عزى بعدها للعرب، أما إنها لن تعبد بعد اليوم. تلك هي أشهر أصنام العرب في الجاهلية، وهي التي ذكرها القرآن الكريم بقوله: ?أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى? [النجم: 19 - 20].

ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت الحرام يوم فتح مكة، رأى صور الملائكة وغيرهم، فرأى ابراهيم عليه السلام مصوراً في يده الأزلام يستقسم بها، فقال: قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم

_________

(1) الأصنام للكلبي: ص 23.

بالأزلام، ما شأن إبراهيم والأزلام؟ ?وما كان ابراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين?، [آل عمران: 68] ثم أمر بتلك الصور كلها، فطمست.

قال ابن عباس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب في يده الى الأصنام ويقول: ?جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً? [الاسراء: 81] فما أشار الى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع.

ولم تمض على فتح مكة إلا شهور، حتى كانت أصنام جزيرة العرب كلها قد سقطت عن عروشها، وكفر بها عبَّادها، وأصبح من كان يعبدها بالأمس يخجل من تفاهة رأيه إذ كان يعبد حجراً لا يضر ولا ينفع ولا يغني عن حوادث الدهر شيئاً.

لقد قامت رسالة الإسلام أول ما قامت على التشهير بهذه الأصنام الآلهة، والتشنيع على عبادتها والدعوة إلى دين الفطرة: عبادة الله خالق الكون ورب العالمين، وقاومت جزيرة العرب وفي مقدمتها قريش هذه الدعوة، ورأت فيها عجباً عجاباً ?أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب? [ص:5].

وماجت جزيرة العرب واضطربت لهذا الدين الجديد، وحاولت وأْده والقضاء على رسوله بكل وسيلة، ولكن النصر كان أخيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نضال استمر إحدى وعشرين سنة،

فافتتح عاصمة الوثنية، وحطم آلهتها، وهزم جيوشها، وتغلب على مؤامرات زعمائها، هل يصدق العقل آن ذلك كله قد تم خلال هذه الفترة القصيرة، ولم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ابتدأ هذه الدعوة إنسان لولا أن يكون الله من ورائها، يهيء كتائبها، ويوجه معاركها؟ ?وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى? [الأنفال: 17].

لقد أنهى محمد بن عبد الله مأساة العرب الفكرية التي استمرت زهاء خمسمائة عام أو تزيد، وحرر العقل العربي من أغلال الوثنية وخرافاتها، وأنقذ الكرامة العربية من مهانة الوثنية وحقارتها، وفتح أبواب الخلود للعرب يدخلون منه ثم لا يخرجون، ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: لا عزى بعدها للعرب، إما إنها لن تعبد بعد اليوم فقد ودعت جزيرة العرب حياة الوثنية إلى الأبد، وبلغ العقل العربي سن الرشد، فلم يعد يرضى بعودته إلى طفولته: طفولة الوثنية التي تحمل صاحبها على أن يضع جبهته عند أقدام حجارة صماء بكماء، ولقد قامت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حروب وفتن، وادعى النبوة من ادعاها، وعارض القرآن من عارضه، ولكنا لم نسمع أن عربياً واحداً فكر في العودة إلى الوثنية وآلهتها، ذلك أن الراشد لن يعود طفلاً، وكل ذلك إنما تم بفضل محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، فله على كل عربي إلى انتهاء الدنيا فضل الإنقاذ والتحرير، ثم فضل زيادة الهدى لشعوب الأرض من اتبع الهدى ومن أعرض عنه، وجل الله حين يقول: ?هو الذي بعث في الأميين رسولاً

منهم يتلو عليهم آياته، ويزكّيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين? [الجمعة: 2].

الفصل السادس - في أهم الأحداث التي وقعت بعد فتح مكة إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم



كلمات دليلية: