withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


معركة مؤتة_9280

معركة مؤتة من كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

اسم الكتاب:
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

غزوة مؤتة

وقد كانت في شهر جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة. ومؤتة قرية على مشارف الشام، وهي التي تسمى اليوم: الكرك.

وسببها ما ذكرناه من مقتل الحارث بن عمير الأزدي، رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى ملك بصرى، ولم يقتل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم رسول غيره. فندب الناس للخروج إلى الشام، وسرعان ما اجتمع من المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل قد تهيؤوا للخروج إلى مؤتة.

ولم يخرج النبي صلّى الله عليه وسلم معهم، وبذلك تعلم أنها في الحقيقة ليست بغزوة وإنما هي سرية، ولكنّ عامة علماء السيرة أطلقوا عليها اسم الغزوة لكثرة عدد المسلمين فيها ولما كان لها من أهمية بالغة.

وقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أمير الناس زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فليرتض المسلمون منهم رجلا فليجعلوه عليهم «39» .

وأوصاهم صلّى الله عليه وسلم أن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا، وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتلوهم» .

قال ابن إسحاق: «ودّع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه المسلمين وأمراءهم عند خروجهم من المدينة، وفي تلك الأثناء بكى عبد الله بن رواحة، فقالوا له: ما يبكيك؟ قال: أما والله ما بي حبّ الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله تعالى يذكر فيها

__________

(36) انظر مغني المحتاج: 2/ 218

(37) رواه مسلم.

(38) مسلم: 5/ 60 وروى البخاري نحوه.

(39) رواه البخاري، وأحمد وابن سعد في طبقاته، ولكن ليس في البخاري: فإن قتل فليرتض المسلمون منهم رجلا.

النار: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود.

وناداهم المسلمون وهم يسيرون: صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين. فقال عبد الله بن رواحة:

لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات قرع تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حرّان مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مرّوا على جدثي ... أرشده الله من غاز، وقد رشدا

ولما فصلوا من المدينة سمع العدو بمسيرهم، فجمعوا لهم: جمع هرقل لهم أكثر من مئة ألف مقاتل من الروم، وجمع شرحبيل بن عمرو مئة ألف مقاتل آخر من قبائل لخم وجذام والقين وبهراء.

وسمع المسلمون بذلك فأقاموا في معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا. فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال لهم: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، ولا كثرة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور أو شهادة.

والتقى المسلمون بأعدائهم قبيل الكرك، وقد اجتمع منهم ما لا قبل لأحد به من العدد والسلاح والعتاد، فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل وقاتل المسلمون معه حتى قتل رضي الله عنه طعنا بالرماح. ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فأبلى بلاء عظيما، حتى إذا ألحمه القتال نزل عن فرسه فعقرها ثم انطلق يشتد في قتال القوم وهو يرتجز:

يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها

والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إذ لاقيتها ضرابها

وظل يقاتل حتى قتل رضي الله عنه، ضربه رجل من الروم فقدّه نصفين، فوجد في جسمه خمسون طعنة، ليس منها شيء في ظهره «40» ! .. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة وانطلق يرتجز قائلا:

أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... لتنزلن أو لتكرهنّه

إن أجلب الناس وشدوا الرنة ... ما لي أراك تكرهين الجنّة

__________

(40) رواه البخاري.

قد طال ما قد كنت مطمئنة ... هل أنت إلا نطفة في شنّة

ولم يزل يقاتل حتى قتل رضي الله عنه. ثم اتفق الناس على إمرة خالد بن الوليد فأخذ اللواء، وقاتل المشركين حتى انهزموا، فانحاز بجيشه حينئذ عائدا إلى المدينة» .

روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفر وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب- وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم» .

وهذا الحديث يدل كما ترى، على أن الله أيد المسلمين بالنصر أخيرا، وليس كما قال بعض رواة السيرة أن المسلمين انهزموا وتفرقوا، وعادوا بعد ذلك إلى المدينة. ولعل مقصود الذين قالوا هذا، أن المسلمين لم يتبعوا الروم ومن معهم في هزيمتهم، واكتفوا بانكشافهم عن مواقعهم، خوفا على المسلمين، وانقلبوا عائدين إلى المدينة، ولا شك أنه تدبير حكيم من خالد بن الوليد رضي الله عنه.

قال ابن حجر: وقع في المغازي لموسى بن عقبة- وهي أصح المغازي- قوله: «ثم أخذه (يعني اللواء) عبد الله بن رواحة فقتل، ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد، فهزم الله العدو وأظهر المسلمين» . قال العماد بن كثير: «ويمكن الجمع بأن خالدا حاز المسلمين وبات، ثم أصبح وقد غير هيأة العسكر فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، ليتوهم العدو أن مددا قد جاء المسلمين. فحمل عليهم خالد فولّوا فلم يتبعهم ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى «41» .

ولما دنوا من المدينة، تلقاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولقيهم الصبيان يسرعون، فقال: خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر!. فأتي بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه.. وجعل الناس يصيحون بالجيش: يا فرار، فررتم في سبيل الله.. فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله» .




كلمات دليلية: