withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


مراسلة النبي صلى الله عليه وسلم الملوك يدعوهم إلى الإسلام. _9275

مراسلة النبي صلى الله عليه وسلم الملوك يدعوهم إلى الإسلام.  من كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

اسم الكتاب:
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

سرايا إلى القبائل.. وكتب إلى الملوك

ثم أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبعث السرايا من أصحابه إلى مختلف قبائل الأعراب المنتشرة في الجزيرة العربية لتقوم بوظيفة الدعوة إلى الإسلام فإن لم يستجيبوا قاتلوهم على ذلك.

ولقد كانت هذه السرايا خلال العام السابع للهجرة، وتبلغ عدتها عشرة سرايا أرسلها النبي صلّى الله عليه وسلم بإمرة مختلف الصحابة.

وفي هذه الفترة نفسها، بدأ النبي عليه الصلاة والسلام يبعث كتبا إلى مختلف ملوك ورؤساء العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام ونبذ ما هم عليه من الأديان الباطلة.

روى ابن سعد في طبقاته: «أنه صلّى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست، أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وكتب إليهم كتبا، فقيل: يا رسول الله، إن الملوك لا يقرؤون كتابا إلا مختوما. فاتخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ خاتما من فضة نقشة ثلاثة أسطر: محمد رسول الله، وختم به الكتب. فخرج ستة نفر في يوم واحد، وذلك في المحرم سنة سبع، وكان كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم.

فكان أول رسول بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فأخذ كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه ونزل من سريره، فجلس على الأرض تواضعا ثم أسلم وشهد شهادة الحق، وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته» «26» .

وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل ملك الروم، فدفع دحية بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، فقرأه وكان فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين «27» ، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون» «28» .

قال ابن سعد في طبقاته: «فقال هرقل بعد أن قرأ الكتاب لجمع من عظمائه وحاشيته:

يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت لكم ملككم وتتبعون ما قال عيسى بن مريم، قالت الروم: وما ذاك أيها الملك؟ قال: تتبعون هذا النبي العربي. قالوا فحاصوا حيصة حمر الوحش، وتناجزوا ورفعوا الصليب. فلما رأى هرقل ذلك منهم يئس من إسلامهم وخاف على نفسه وملكه، فسكّتهم ثم قال: إنما قلت لكم ما قلت لأختبركم لأنظر كيف صلابتكم في دينكم، فقد رأيت منكم الذي أحب. فسجدوا له.

وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام، وأرسل معه إليه كتابا، قال: فدفعت إليه الكتاب، فقرئ عليه، ثم أخذه فمزقه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: مزق الله ملكه. وكتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن أن ابعث من عندك برجلين جلدين إلى هذا الرجل فليأتياني به، فبعث إليه برجلين جلدين، وكتب إليه معهما كتابا، فقدما المدينة ودفعا كتاب باذان إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال: ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني الغد فأخبركما بما أريد. فجاءاه من الغد فقال لهما: «أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربه كسرى في هذه الليلة لسبع ساعات مضت منها» - قال ابن سعد- وهي ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الأولى سنة سبع «وأن الله تبارك وتعالى سلط عليه ابنه شيرويه

__________

(26) طبقات ابن سعد: 2/ 23 باختصار.

(27) الأريسيين، قال ابن حجر: جمع أريسي وهو منسوب إلى أريس، وهو الفلاح، والمقصود بالكلمة الأتباع وعامة الشعب.

(28) متفق عليه عند البخاري ومسلم.

فقتله» ، فرجعا إلى باذان بذلك، فأسلم هو والأبناء الذين باليمن» «29» .

وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي إلى عظيم بصرى من قبل الروم شرحبيل بن عمرو الغساني، فأوثقه رباطا وقتله، قالوا ولم يقتل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم رسول غيره «30» .

وبعث صلّى الله عليه وسلم برسل وكتب أخرى كثيرة إلى كثير من الأمراء العرب المتفرقين في مختلف المناطق، فأسلم منهم الكثير، وعاند البعض منهم.

وفي هذه الفترة أيضا تلاحقت الوفود تفد على رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مختلف الجهات تعلن إسلامها وتدخل في دين الله تعالى. وممن أسلم في هذه الفترة من كبار العرب وقادتهم: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص» .

روى ابن إسحاق، عن عمرو بن العاص، قال: «خرجت عامدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلقيت خالد بن الوليد، وذلك قبل الفتح، وهو مقبل من مكة. فقلت: أين تريد يا أبا سليمان؟ قال: أذهب والله لأسلم، فحتى متى؟! قلت له: وما جئت إلا لأسلم، فقدمنا جميعا، فتقدم خالد فأسلم وبايع، ثم دنوت فبايعته» .

,

حكمة مشروعية هذه المرحلة:

ولعلك تسأل الآن، فما هي الحكمة من أن يساق المشرك أو الملحد إلى الإسلام سوقا؟

وكيف يمكن أن تفهم عقلية القرن العشرين مثل هذه الشرعة؟! ..

والجواب أنا نتساءل: فما الحكمة من أن يحمل الفرد الواحد من الدولة حملا على الخضوع لنظامها وفلسفتها، رغم ما يملكه من الحرية الحقيقية وما يتمتع به من حقيقة المساواة مع غيره من عامة أفراد الدولة حكاما ورعايا؟! ..

إن الإنسان إنما خلق فوق هذه الأرض ليقيم عليها دولة الله تعالى وحكمه فتلك هي حكمة وجوده وهي المعنى المقصود بالخلافة في قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً

[البقرة 2/ 30] . وفلسفة هذه الدولة قائمة على حقيقة العبودية لله تعالى وحده، ونظامها قائم على الإذعان بأن الحاكمية هي لله وحده، لأنه وحده مالك الإنسان ومالك كل شيء لأنه هو وحده قيوم السموات والأرض.

فكيف يعقل أن يكون لدولة يقوم عليها عبيد مملوكون لله، حق إلزام رعاياهم بالخضوع لما يرونه لهم من النظم والمبادئ والأحكام، ثم لا يكون لخالق هؤلاء كلهم الحق في أن يلزمهم بالخضوع

لسلطانه والتحول عن كل عقيدة ودين إلى دينه؟! .. وإذا كان الإنسان هو خليفة الله تعالى في تطبيق أوامره وأحكامه في الأرض، فهل يكون الإلزام بالخضوع لسلطانه وحكمه إلا بواسطة الإنسان إذ يدخل في دينه ويبايع الله تعالى على بذل النفس والمال في سبيل إقامة الحكم والمجتمع الإسلامي اللذين إنما خلق الإنسان لإقامتهما.

وليس من المهم بعد أن تفهم هذا، أن يكون في القرن العشرين عقول لا تريد أن تستسيغ هذا أو تفهمه، لأن من الطبيعي أن تكون ثمة عقول من هذا النوع، ما دام أن هناك أمشاجا وأخلاطا من الناس يحترفون مهمة الغزو الفكري بغية حقن الشعور الإسلامي في العالم بالحقن المتوالية المخدرة والمنومة. وهم ليسوا مشفقين على الحرية الإنسانية بمقدار ما يتربصون بها.

وليت شعري أي قيمة توجد للحرية عند أولئك الذين يظلون يكذبون على أنفسهم وعلى شعوبهم، إذ يصورون لهم الإسلام بالصور الكاذبة المنفرة، ويصورون لهم المسلمين همجا من الناس لا يزالون يعيشون في البوادي مع الإبل والأنعام، كي يصدوا بذلك تطلعاتهم الفكرية إلى فهم الإسلام ويحبسوا دوافع البحث عندهم ضمن خيوط عنكبوتية حقيرة. حتى لا يطلعوا على حقيقة الإسلام فيؤمنوا به، فتدول بذلك دولة البغي على الإنسان في أتعس أشكاله القذرة.

على أنه ينبغي أن لا يفوتك أن الدعوة السلمية بالحكمة والمناقشة والموعظة الحسنة في كل مجال ومكان، أمر لا بد منه إلى أمد طويل قبل ذلك وحينما ينفذ المسلمون أمر هذه الدعوة على حقيقتها ستزداد يقينا بأن الإسلام دين الفطرة وأن الناس- من أي قوم كانوا- سيجدون في هذا الدين ضالتهم المنشودة. ولن يستمر على التخلف عنه إلا الحاقدون، وذلك أكبر دليل على عدوان مبيت في نفوسهم على الإسلام ودعاته.

كما ينبغي أن لا يفوتك أن أمر هذا الإلزام الذي ذكرناه، إنما هو خاص بالملحدين والمشركين والوثنيين ومن لف لفهم. أما أهل الكتاب فلا يلزمون- كما تعلم- إلا بالخضوع لنظام المجتمع الإسلامي، اعتمادا على أن إيمانهم بالله تعالى مع احتكاكهم بالمسلمين ومعايشتهم له سينبههم إلى جادة الصواب ويحملهم على تقويم العقيدة.

ثم إن في قصة الكتب التي أرسلها صلّى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء دلالات وأحكاما كثيرة نجملها فيما يلي:

أولا: أن الدعوة التي بعث بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إنما بعث بها إلى الناس كافة، لا إلى قوم بأعيانهم، وأن رسالته إنما هي إنسانية شاملة ليس لها طابع عنصرية أو قومية أو جماعة معينة، ولذلك اتجه صلّى الله عليه وسلم بدعوته يبلغها إلى كل حكام الأرض وملوكها، روي عن أنس رضي الله عنه:

«أن النبي صلّى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار، يدعوهم إلى الله تعالى» .

ثانيا: يدلك موقف هرقل مع أتباعه الذين كانوا يزعمون أنهم كانوا على دين عيسى عليه الصلاة والسلام، على مدى التكبر على الحق والتعنت في الباطل عند كثير من أهل الكتاب، وهم الذين تحول الدين في تصورهم إلى تقاليد وعصبية، فلا ينظرون إليه من حيث إنه حق أو باطل بمقدار ما يتمسكون به من حيث إنه جزء من تقاليدهم ومظهر لعصبيتهم وشخصيتهم وليكن بعد ذلك إذا شاء حقا أو باطلا. ولقد بدى موقف هرقل بادئ الأمر في مظهر المتدبر المقدر لحقائق الأمور، ولكن يبدو أنه كان يسوس بذلك رعيته وحاشيته ويجس نبضهم، ليطمئن إلى ما ينبغي أن يفعله حفظا على ملكه وسلطانه حيال هذا الأمر.

ثالثا: دلّ عمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا على مشروعية اتخاذ الخاتم، وكان خاتمه صلّى الله عليه وسلم من فضة، كما دلّ على مشروعية نقش اسم صاحبه عليه وقد استدل كثير من العلماء بذلك على استحباب وضع خاتم من فضة في الأصبع التي كان صلّى الله عليه وسلم يضع خاتمه فيها، وهي أصبع الخنصر.

رابعا: ويدل أيضا عمله صلّى الله عليه وسلم على أنه ينبغي على المسلمين أن يهيئوا للدعوة الإسلامية في كل أرجاء الأرض وسائلها وأسبابها. ومن أهم أسباب ذلك، المعرفة بلغة الأمم والأقوام الذين يقومون بدعوتهم إلى الإسلام، وتعريفهم بمبادئه وأحكامه. فقد رأينا أنه صلّى الله عليه وسلم بعث ستة رجال من أصحابه في يوم واحد ليتفرقوا إلى الملوك الذين أرسلهم النبي صلّى الله عليه وسلم إليهم وكان كل واحد منهم يتقن لغة القوم الذين بعثه إليهم.

خامسا: يدل عمله صلّى الله عليه وسلم هذا، مع ملاحظة التوقيت الذي جاء فيه على أن على المسلمين أن يقوموا أولا بمسؤولية الدعوة فيما بينهم، وأن يصلحوا من أنفسهم، حتى إذا قطعوا من ذلك شوطا كبيرا وفرغوا من تطبيق نظام الإسلام على حياتهم وسلوكهم، آن لهم حينئذ أن يقوموا بهذا الواجب الثاني. وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم قادرا أن يرسل عددا من أصحابه إلى هؤلاء الرؤساء والملوك قبل هذا التاريخ بكثير، غير أن ذلك ينطوي على الإخلال بهذا الواجب الذي ذكرناه. وينبغي أن نعلم أن إصلاح المسلمين أنفسهم هو نفسه جزء عظيم من دعوة غيرهم إلى الإسلام، فالناس كانوا ولا يزالون يبحثون عن المثل الصالح في السلوك والخلق، ليقتفوا أثره ويتبعوه. ولو أن المسلمين اليوم كانوا معتزين بإسلامهم مطبقين مبادئه وأحكامه لرأيت ذلك الشعاع الهادي متوغلا بضيائه في مجاهل إفريقيا وأقاصي أوروبا.

هذا وقد كان زمن إرسال هذه الرسائل والكتب، خلال العام السابع للهجرة، كما ذكرنا، أي قبل الفتح، وذلك هو الحين الذي أجمع عليه عامة علماء السيرة. ولا يخلّ بذلك ما دلّ عليه

صنيع الإمام البخاري في صحيحه، فقد أورد خبر كتبه صلّى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك، وذلك يدل على أنه إنما كان في العام التاسع.

قال ابن حجر: «إن الجمع بين القولين أنه صلّى الله عليه وسلم، كاتب قيصر مرتين وهذه الثانية قد وقع التصريح بها في مسند الإمام أحمد، وكاتب النجاشي الذي أسلم، وصلى عليه لما مات، ثم كاتب النجاشي الذي ولّي بعده، وكان كافرا» .




كلمات دليلية: