صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوق جبل الصفا مناديًا: «يَا بَنِي فُلَانٍ.. يَا بَنِي فُلَانٍ» ليجمع القبائل؛ فأتوا إليه جميعًا؛ حتى إنه من كان لا يستطيع أن يأتي، أرسل رسولًا عنه، فلما تجمَّعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَلْفَ هَذَا الْجَبَلِ خَيْلًا تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟».
،فيعلنها القومُ صريحةً مدويَّةً قائلين: «ما جرَّبنا عليكَ كَذِبًا قط»!! هنا صدَعَ النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم بما أُمِر من إبلاغ الرسالة والجهر بها فقال للقوم: «إِنِّي نَذِيرٌ إِلَيْكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»، فيردُّ أبو لهبٍ قائلًا: «تَبًّا لكَ ألهذا جمعتنا؟!!»
(رواه مسلم).
تأمل.. حتى بعد قوله إنه نبي، كان ردُّ أبي لهب: تبًا لك! ولم يجرؤ أن يُكَذِّبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ..!! نعم فكفار قريش في قرارة أنفسهم يعلمون صدقه، بل أقروا له بذلك، لكنهم لم يؤمنوا به لمصالح وأهواء خاصة بهم.
وخير شاهد على صدق رسول الله حديث أبي سفيان -قبل إسلامه- مع هرقل عظيم الروم، ومنها سؤال هرقل لأبي سفيان:
«.. فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قال: قلت: لا..»، وفي آخر القصة يقول هرقل لأبي سفيان: «وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى» [فتح الباري].
لم تكن شهادة أبي سفيان بن حرب وحدها من عَدُوٍّ عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنصفه، بل كانت هناك شهادة أكثر أعداء رسول الله كُرْهًا له.. إنه أبو جهل! لقد شهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق والنُّبُوَّة.
حينما سأله الأخنسُ بن شُريق يومَ بدر: يا أبا الحكم، أَخْبِرْنِي عن محمد؛ أصادقٌ هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش أحدٌ غيري وغيرك يسمع كلامنا.
فقال أبو جهل: ويحك! والله إن محمدًا لصادقٌ، وما كذب محمدٌ قطُّ، ولكن إذا ذهبتْ بنو قُصَيٍّ باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟» [هداية الحيارى لابن القيم].
إنه اعتراف قاطع ودليلٌ واضح على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وممن؟! من أبي جهل العدُوِّ الأوَّل للدعوة الإسلامية، ولا شك أن لشهادة الأعداء وزنها؛ إذ تدل على مدى الصدق الذي كان يتصف به صلى الله عليه وسلم عند الجميع.
على الرغم من كثرة أعداء النبي صلى الله عليه وسلم منذ بدء دعوته: ما بين يهود، ونصارى، وكفار من قريش ومن غيرها، إلا أنه لم يقدح أحد في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمانته.
فهاهو النضر بن الحارث من ألد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي خطابًا على جمع من قريش فيقول: «يا معشر قريش، إنه واللهِ قد نزل بكم أمر ما أتيتم به بحيلة بعد، كان محمد فيكم غلامًا حدثًا، أرضاكم خلقًا، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاء بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا واللهِ ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة وعقدهم، وقلتم: كاهن، لا واللهِ ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا واللهِ ما هو بشاعر، لقد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها، هَزَجَهُ وَرَجَزَهُ، وَقُلْتُمْ مَجْنُونٌ، لَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلَا وَسْوَسَتِهِ، وَلَا تَخْلِيطِهِ، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه واللهِ قد نزل بكم أمر عظيم» [السيرة النبوية لابن هشام].
كانت هذه شهادة من عربي معادٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، فانظر كيف أجبر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءه على الاعتراف به.
كيف ترى موقف قريش وشهادة زعماء المشركين في حق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؟