withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest

فتح مكة_6429

فتح مكة


الفصل الأول: الأسباب التي دعت إلى فتح مكة

,

المبحث الأول: سبب الفتح

في السنة الثامنة من الهجرة نقضت قريش عهدها (عهد صلح الحديبية)، فأصبح لاغياً؛ لأنها ظلت جامدة على كفرها وعنادها، غير واعية للأحداث الخطيرة في جزيرة العرب التي غيَّرت الأحداث والأحوال، وتوشك أن تغير العالم كله، [و] في ذلك العام اعتدت قبيلة بني بكر (حلفاء قريش) على خزاعة (حلفاء المسلمين) (1)، فقتلوا منهم

_________

(1) قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ((وكان السبب الذي جرَّ إليه وحدا إليه، فيما ذكر إمامُ أهل السير والمغازي والأخبار محمد بن إسحاق بن يسار، أن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عَدَتْ على خزاعة، وهم على ماء يُقال له: الوتير، فبيَّتوهم وقتلوا منهم، وكان الذي هاج ذلك أن رجلاً من بني الحضرمي يقال له: مالك بن عبَّاد خرج تاجراً، فلما توسّط أرض خزاعة، عَدَوْا عليه فقتلوه، وأخذوا ماله، فعدت بنو بكر على رجل من بني خُزاعة فقتلوه، فعدت خُزاعة على بني الأسود، وهم سَلْمى، وكلثوم، وذُؤيب، فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم [حجارة تجعل علامات بين الحل والحرم]، هذا كله قبل المبعث، فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاء الإسلام، حجز بينهم، وتشاغل الناس بشأنه، فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش، وقع الشرط: أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده، فَعَلَ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم، فعل، فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم، ودخلت خُزاعة في عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده، فلما استمرت الهدنة، اغتنمها بنو بكر من خزاعة، وأرادوا أن يصيبوا منهم الثأر القديم، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في جماعة من بني بكر، فبيت خُزاعة وهم على الوتير، فأصابوا منهم رجالاً، وتناوشوا، واقتتلوا، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل مستخفياً ليلاً، ذكر ابن سعد منهم: صفوان بن أمية، وحُويطب بن عبد العزى، ومِكْرز بن حفص، حتى حازوا خُزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه، قالت بنو بكر: يا نوفل! إنا قد دخلنا الحرم، إلهك، إلهك. فقال كلمة عظيمة: لا إله له اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرِقُون في الحرم، أفلا تُصيبون ثأركم فيه؟! فلما دخلت خزاعة مكة، لجؤوا إلى دار بُديل بن ورقاء الخُزاعي، ودار مولى لهم يقال له: رافع، ويخرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قَدِمَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فوقف عليه، وهو جالس في المسجد بين ظهراني أصحابه، فقال:

يا ربِّ إني ناشدُ محمّداً ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا ... ))

[زاد المعاد لابن القيم، 3/ 395 - 396]، وذكر الأبيات الكاملة، ويأتي ذكرها بعد قليل.

عدداً كبيراً، وقريش تمدهم بالسلاح وتعينهم على البغي في الحرم سراً.

وعلى الرغم من أن العقلاء من بني بكر حذّروا زعيمهم من القتال في الحرم، وقالوا: إلهك، إلهك، إلا أنه تمادى، وقال: لا إله لي اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فَلَعَمْري إنكم لتسرقون فيه، أفلا تُصيبون ثأركم فيه (1)؟

واستمرت المقاتلة في الحرم باشتراك رجال من قريش، وفزعت خزاعة مما حلّ بها، وبعثت وفداً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنشد عمرو بن سالم قصيدة أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، [فَذُكِرَ عنه أنه - صلى الله عليه وسلم -] قال: ((نُصرتَ يا عمرَو بنَ سالمٍ)) (2).

_________

(1) انظر: السيرة النبوية لابن هشام، 4/ 46 - 47، ط مكتبة المنار، والفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لابن كثير، ص173، ط مكتبة المعارف، وط دار الصفا، ص122، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، 7/ 519 - 520، ط مكتبة المعارف، دار الفيحاء، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية، 3/ 395، ط مؤسسة الرسالة.

(2) ذكر ابن هشام في السيرة، 4/ 10 - 11 الأبيات التي قالها عمرو بن سالم الخزاعي أمام رسول - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ...

يا ربّ إني ناشد محمّداً ... حلفَ أبيه وأبينا الأتلدا

قد كنتم وُلداً وكنا والِدا ... ثَمَّت أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصر اً أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجرّدا ... إن سِيم خسفاً وجهه تربَّدا

في فيلق كالبحر يجري مُزبداً ... إن قريشاً أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكَّدا ... وجعلوا لي في كَدَاءٍ رُصَّدا

وزعموا أن لست أدعو أحداً ... وهم أذلّ وأقلّ عددا

هم بيَّتونا بالوتير هُجَّدا ... وقتَّلونا ركَّعاً وسُجَّدا

وذكر هذه الأبيات أيضاً ابن القيم في الزاد، 3/ 396، وأضاف للبيت الرابع: أبيض مثل البدر يسموا صُعُدا، وجعل عجز البيت الرابع صدر البيت الخامس، وهكذا حتى نهاية الأبيات، فجاء عجز البيت الأخير في سطر مستقل، كما ذكر أن صدر البيت الأول: فانصر هداك الله نصراً أبداً.

قال الأرنؤوط في تحقيقه لزاد المعاد لابن القيم، 3/ 396: في قصة عمرو بن سالم وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نصرت يا عمرو بن سالم)) أخرجه ابن هشام عن ابن إسحاق بلا سند، ووصله الطبراني في الصغير، ص 222 من حديث ميمونة بنت الحارث رَضْيَ اللَّهُ عنْهَا بإسناد ضعيف)).

كما أن الحافظ ابن حجر ذكر الأبيات مختصرة، وفيها تقديم وتأخير، انظر: الفتح، 7/ 519 - 520، وانظر أيضاً: عمر بن عبد العزيز العبيدي، من معارك المسلمين في رمضان، ص27، 28.

شرح الكلمات الغريبة:

* ومعنى ناشد: طالب، ومذكّر.

* والأتلد: القديم.

* ونصراً أعتداً: أي حاضراً.

* والمدد: العون.

* وتجرّدا: شمّر، وتهيّأ لحربهم.

* وسيم خسفاً، معناه: طلب منه، وكلفه.

* وتربدا: تغيرا [حاشية سيرة ابن هشام، 4/ 11].

,

المبحث الثاني: قصود أبي سفيان المدينة للمفاوضات

أحست قريش بخطأٍ فادح وقعت فيه، غير واعية للأحداث التي غيّرت مجرى الأحوال، وذلك بعدد أن أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليها بقبول

أحد الشروط الآتية:

أ - إما أن تدفع ديات من قتل من خزاعة.

ب - إما أن تحلّ نفسها من عهد بني بكر.

ج - إما أن تعلن أن صلح الحديبية أمسى لاغياً.

فردّت قريش بقبول الشرط الأخير.

وقد أسرع أبو سفيان للمدينة، يحاول أن يصلح ما وقع فيه

القرشيون من النقض الصارخ للصلح (1)، بيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يغفل

_________

(1) قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وقد بعثته قريش [يعني أبا سفيان] إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليشدّ العقد، ويزيد في المدّة، وقد رهبوا الذي صنعوا، ثم خرج أبو سفيان حتى قدم المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، طوته عنه، فقال: يا بُنيّة، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ فقالت: بل هو فِراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت مشركٌ نجسٌ، فقال: والله لقد أصابك بعدي شرّ [لا والله بل أصابها الخير].

ثم خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلّمه، فلم يردّ عليه شيئاً، ثم ذهب إلى أبي بكر، فكلمه أن يكلّم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلَّمه، فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فوالله لو لم أجد إلا الذِّرَّ لجاهدتكم به، ثم جاء فدخل على عليٍّ بن أبي طالب، وعنده فاطمة، وحسنٌ غلام يدبّ بين يديهما، فقال: يا عليّ، إنك أمسُّ القوم بي رحماً، وإني قد جئت في حاجة، فلا أرجعنَّ كما جئت خائباً، اشفع لي إلى محمد، فقال: ويحك يا أبا سفيان، والله لقد عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر ما نستطيع أن نكلّمه فيه، فالتفت إلى فاطمة فقال: ((هل لك أن تأمري ابنك هذا، فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما يبلغ ابني ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد اشتدّت عليَّ، فانصحني، قال: والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجِرْ بين الناس، ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً، قال: لا والله ما أظنه، ولكني ما أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيها الناس! أني قد أجرتُ بين الناس، ثم ركب بعيره، فانطلق، فلمّا قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمداً فكلَّمته، فوالله ما ردَّ عليّ شيئاً، ثم جئت ابن أبي قُحافة، فلم أجد فيه خيراً، ثم جئت عمر بن الخطاب، فوجدته أعدى العدو، ثم جئت عليّاً فوجدته ألين القوم، قد أشار عَليَّ بشيء صنعته، فوالله ما أدري، هل يغني عني شيئاً، أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بن الناس، ففعلت، فقالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: ويلك، والله إن زاد الرجل على أن لعب بك. قال: لا والله، ما وجدت غير ذلك)) [زاد المعاد، 3/ 397 - 398].

المكيدة، فلم يقبل المساومة (1).

_________

(1) قال ابن كثير في الفصول، ص174 - 175: وذهب أبو سفيان حتى قدم المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورَضْيَ اللَّهُ عنْهَا، فذهب ليقعد على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمنعته، وقالت: إنك رجل مشرك نجس. فقال: والله يا بنيّة لقد أصابك بعدي شرٌّ. ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرض عليه ما جاء له، فلم يجبه - صلى الله عليه وسلم - بكلمة واحدة، ثم ذهب إلى أبي بكر - رضي الله عنه -، فطلب منه أن يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأبى عليه، ثم جاء إلى عمر - رضي الله عنه -، فأغلظ له، وقال: أنا أفعل ذلك؟! والله لو لم أجد إلا الذّرّ لقاتلتكم به، وجاء علياً - رضي الله عنه -، فلم يفعل، وطلب من فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورَضْيَ اللَّهُ عنْهَا أن تأمر ولدها الحسن أن يجير بين الناس، فقالت: ما بلغ بني ذلك، وما يجير أحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأشار عليه علي - رضي الله عنه - أن يقوم هو فيجير بين الناس، ففعل، ورجع إلى مكة، فأعلمهم بما كان منه ومنهم، فقالوا: والله ما زاد - يعنون علياً - أن لعب بك.

وانظر: السيرة النبوية لابن هشام، 4/ 55 - 56، وزاد المعاد لابن القيم، 3/ 397 - 398، وانظر أيضاً: أحمد السايح، معارك حاسمة في حياة المسلمين، ص88، و89.

,

الفصل الثاني: الإعداد للفتح

,

المبحث الأول: عزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على التجهز والحشد

لما خاب أمل أبي سفيان، انقلب إلى مكة خائب الرجاء، وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بالاستعداد والتهيؤ للمسير، ودخل - صلى الله عليه وسلم - على عائشة، وقال: جهِّزينا، وأخفي أمرك (1)، ودخل أبو بكر على ابنته وهي تجهز الرسول عليه الصلاة والسلام، تعمل دقيقاً وسويقاً.

وسألها الأب الصَدِّيق عن عزم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ فقالت: ما أدري، واستعجمت عليه حتى دخل رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال له: يا رسول الله: أردت سفراً؟ قال: نعم، قال: أفأتجهز؟ قال: نعم.

_________

(1) روى البخاري، ومسلم عن ابن عباس رَضْيَ اللَّهُ عنْهمَا: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة الفتح في رمضان)).

قال الزهري: وسمعت سعيد بن المسيب يقول: مثل ذلك.

وفي رواية له ولمسلم: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج [في رمضان] من المدينة، ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد - وهو ما بين عُسفان وقُديد - أفطر وأفطروا ((إلا أن لفظ البخاري أتم وأطول)).

[أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان، برقم 4275، وفي كتاب الصوم، باب إذا صام أياماً من رمضان ثم سافر، برقم 1944، وفي كتاب الجهاد، باب الخروج في رمضان، برقم 2953، ومسلم، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في نهار رمضان، برقم 1113، وانظر الأحاديث برواياتها في صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح: صحيح البخاري برقم 1944، و1948، و2953، 4275، و4276، و4277، و4278، و4279].

قال أبو بكر: فأين تريد يا رسول الله؟

قال: قريشاً، وأخفِ ذلك يا أبا بكر.

وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بالجهاز، وأخفى عنهم الوجه الذي يريده.

واستمع المسلمون لأمر القيادة العليا، فمضوا يعبئون قواهم ويستعدون للسير مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - (1)، ولما كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد كتم النبأ، فقد ظن بعض أصحابه أنه كان يُخطّط لغزو الروم، ومنهم من اعتقد أنه يُخطط لهوازن وثقيف وهكذا.

وفي تكتمه ذلك أرسل عليه الصلاة والسلام لسكان البادية ومن دخل في الإسلام من حوله بالقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة، وقد لاقت دعوته قبولاً واستجابة.

وقد عقد الرسول عليه الصلاة والسلام مجلساً مع خاصة أصحابه، فأشار عليه أبو بكر بما كان يرغب فيه من التأني، في حين كان عمر بن الخطاب يرى ضرورة المضي بقرار فتح مكة؛ لأنه لا وسيلة لضم القبائل

_________

(1) قال ابن هشام في السيرة، 4/ 56 - 57: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجهاز، وأمر أهله أن يجهّزوه، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رَضْيَ اللَّهُ عنْهَا وهي تحرك بعض جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أي بنيّة أأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجهّزوه؟ قالت: نعم، فتجهّز. قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: لا، والله ما أدري. ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال: ((اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها)) فتجهز الناس.

انظر: زاد المعاد، 3/ 398، والفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ص175، وحديث: ((اللهم خذ العيون)) صححه محقق سيرة ابن هشام، وانظر أيضاً: أحمد السايح، معارك حاسمة في حياة المسلمين ص89.

الوثنية إلا بضم قريش للمعسكر الإسلامي.

وقد التزم بالكتمان عن الجند، رغم التشاور مع خاصة أصحابه، علماً بأنه جمع عشرة آلاف مقاتل وأكثر، وهم لا يعلمون مكان اتجاههم إلا عندما وصلوا إلى (مرّ الظهران) (1) حيث علموا فقط بأن وجهتهم مكة؛ لإنهاء الوجود الوثني إلى الأبد.

كما أنهم أمِروا بالتكتم، وزيادة على ذلك فقد تمّ التخطيط للتعمية على العدو، وقد أرسل - صلى الله عليه وسلم - سرايا إلى نجد وغيرها للتعمية على قريش.

ويُروى أنه بالحراسة المكثفة على الطرق المؤدية إلى مكة فقد تم النجاح في خطة الكتمان إلى أقصى حد (2).

,

المبحث الثاني: محاولة نقل نبأ الغزو

عندما قرر عليه الصلاة والسلام المسير أخبر صحابته بأن وجهته مكة، فكتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى ثلاثة من قريش، وهم: سهيل بن عمرو، صفوان بن أمية، عكرمة بن أبي جهل.

كتب إليهم؛ ليخبرهم بالذي أجمع عليه الرسول عليه الصلاة والسلام من الأمر في المسير إليهم، ثم أعطاه لامرأة مشركة اسمها: سارة، وجعل حاطب لسارة جُعلاً على أن تبلغه قريشاً، فجعلته في رأسها، ثم فتلت

_________

(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح، 8/ 7: مَرَّ الظهران: بفتح الميم وتشديد الراء: مكان معروف. والعامة تقول له بسكون الراء وزيادة الواو. والظهران: بفتح المعجمة وسكون الهاء بلفظ تثنية الظهر.

(2) زاهية الدجاني. فتح مكة نصر مبين، ص47 - 51.

عليه قرونها، وقال لها: أخفيه ما استطعتِ، ولا تمرّي على الطريق، فإنّ عليه حراساً (1).

_________

(1) روى البخاري ومسلم وأبو داود، والترمذي قصة حاطب - رضي الله عنه -، فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال عٌبيد الله بن أبي رافع - وكان كاتباً لعلي - سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: ((بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنا والزبير والمقداد، فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ - هي بين مكة والمدينة، بقرب المدينة - فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها، فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتخرِجِنَّ الكتاب، أو لنلقينَّ الثياب، فأخرجته من عقاصها، قال: فأتينا به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

يا حاطب، ما هذا؟ فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إني كنت امرأ ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسهم [في نسخ البخاري ومسلم المطبوعة: من أنفسها] فكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون بها أموالهم وأهليهم بمكة، فأحببت - إذا فاتني ذلك من النسب فيهم - أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه قد صدقكم))، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم))، قال: فأنزل الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (الممتحنة: 1).

وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي [عن علي] قال: ((بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والزبير بن العوام وأبا مرثد - وكلنا فارس .. ثم ساقه بمعناه))، ولم يذكر نزول الآية، ولا ذكرها في حديث عبيد الله بعض الرواة، وجعلها بعضهم من تلاوة سفيان، وقال سفيان: لا أدري الآية في الحديث، أو من قول عمرو - يعني ابن دينار.

وفي رواية نحوه، وفيه: ((حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسير على بعير لها، فقلنا: أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي من كتاب فأنخنا بعيرها، فابتغينا في رحلها، فما وجدنا شيئاً، فقال صاحباي: ما نرى معها كتاباً، فقلتُ: لقد علمنا ما كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما كذبَ، والذي يُحلف به لتخرِجنّ الكتاب، أو لأجرِّدنَّك، فأهوت إلى حجزتها، وهي محتجزة بكساء، فأخرجت الصحيفة من عِقاصها، فأتينا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وذكر الحديث)).

أخرجه البخاري، ومسلم، وأخرج أبو داود، والترمذي الرواية الأولى، رواه البخاري، 7/ 400 في المغازي، باب فتح مكة، وباب فضل من شهد بدراً، وفي الجهاد، باب الجاسوس، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن، وفي تفسير سورة الممتحنة في فاتحتها، وفي الاستئذان، باب من نظر في كتاب من يحذر من المسلمين ليستبين أمره، وفي استتابة المرتدين، باب ما جاء في المتأولين، ومسلم، برقم 2494 في فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر - رضي الله عنهم -، وقصة حاطب بن أبي بلتعة، وأبو داود، برقم 2650، و2651 في الجهاد، باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلماً، والترمذي، برقم 3302 في تفسير القرآن، باب ومن سورة الممتحنة.

شرح الغريب:

* (الظعينة) في الأصل: المرأة ما دامت في الهودج، ثم جُعلت المرأة إذا سافرت ظعينة، ثم نقل إلى المرأة نفسها، سافرت أو أقامت، وظعن يظعن: إذا سافر.

* (عقاصها): العقاص: الخيط الذي تعقص - أي تشد - به المرأة أطراف ذوائبها، وأصل العقص: الضفر والليُّ، هكذا شرحه الحميدي في غريبه، وفيه نظر، فإن العقاص: جمع عقصة أو عقيصة، وهي الضفيرة من الشعر إذا لويت وجعلت مثل الرمانة، أو لم تلو، والمعنى: أخرجت الكتاب من ضفائرها المعقوصة.

* (مُلصقاً): الملصق: هو الرجل المقيم في الحي، وليس منهم بنسب.

* (ابتغينا): الابتغاء: الطلب.

* (حجزة) احتجز الرجل: شدّ إزاره على وسطه، والحجزة: موضع الشدّ. [جامع الأصول لابن الأثير 8/ 361].

وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ((كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، فأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فبعث عليّاً والزبير في أثر الكتاب، فأدركا المرأة على بعير، فاستخرجاه من قرونها، فأتيا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إلى حاطب، فقال: يا حاطب، أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم

يا رسول الله، قال: فما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول الله، أما والله إني لناصح لله ولرسوله، ولكني كنت غريباً في أهل مكة، وكان أهلي بين ظهرانيهم، وخشيت عليهم، فكتبت كتاباً لا يضر الله ورسوله شيئاً، وعسى أن يكون منفعة لأهلي، قال عمر: فاخترطت سيفي، ثم قلت:

يا رسول الله، أمكني من حاطب، فإنه قد كفر، فأضرب عنقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا ابن الخطاب، ما يدريك؟ لعل الله قد اطّلع على هذه العصابة من أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد)، 9/ 303، و304، ونسبه لأبي يعلى في (الكبير)، والبزار، والطبراني في (الأوسط)، وقال الهيثمي: ورجالهم رجال الصحيح.

* (ظهرانيهم): فلان بين ظهراني القوم بفتح النون: أي بينهم وعندهم.

وجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخبر من السماء، فبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب، والزبير وقال لهم: أدركوا المرأة، قد كتب معها حاطب كتاباً إلى قريش، يحذّرهم ما قد أجمعنا من أمرنا.

فخرجوا حتى أدركوها، وحاولت إخفاء الكتاب، لكنهم أرغموها بإخراجه، فأخرجته من ضفائرها.

وعاتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - حاطب [بن أبي بلتعة - رضي الله عنه -] على ما فعله، وقال: ((وما يدريك يا عمر! لعلّ الله قد اطّلع على أصحاب بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)) (1).

_________

(1) متفق عليه: البخاري، برقم 4274، ومسلم، برقم 2494، وتقدم تخريجه، وانظر: شوقي أبو خليل: الفتح الأعظم، ص39 - 43.

الباب الثاني

مسيرة الجيش النبوي

الفصل الأول: توزيع الجيش، وزحفه، وتحرّكه، والوضع المكي.

المبحث الأول: توزيع الجيش عسكرياً.

المبحث الثاني: زحف الجيش، وتحرّكه، والوضع المكي.

الفصل الثاني: تجسّس قريش للأخبار.

المبحث الأول: إسلام العباس، وتجسّس قريش للأخبار النبوية.

المبحث الثاني: إسلام أبي سفيان، والعرض العسكري أمامه.

,

الفصل الأول: توزيع الجيش، وتحركه، والوضع المكي

,

المبحث الأول: توزيع الجيش عسكريا

ً

[نأخذ] بالرواية التي تقول بأن جيش الرسول - صلى الله عليه وسلم - الزاحف إلى مكة بلغ عشرة آلاف مقاتل (1)، فقد يكون التوزيع كالآتي:

- أربعة آلاف مقاتل من الأنصار.

- سبعمائة مقاتل من المهاجرين.

- ألف مقاتل من قبيلة مزينة.

- أربعمائة مقاتل من أسلم.

- ثمانمائة مقاتل من قبيلة جهينة.

- خمسمائة مقاتل من بني كعب.

- أما الفرسان [فـ] يقال: إنهم شكلوا ألفين وثمانين فارساً (2).

وهذا توزيع مجدول مختصر لجيش الرسول عليه الصلاة والسلام

_________

(1) انظر صحيح البخاري، برقم 4275، ورقم 1944، و2953، ومسلم، برقم 1113، وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن هشام، 4/ 60.

(2) قال ابن هشام في السيرة، 4/ 60: قال ابن إسحاق: ثم مضى حتى نزل مرّ الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، فسبَّعت سليم، وبعضهم يقول ألَّفت سليم. وألّفت مزينة. وأوعب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف عنه منهم أحد. وانظر: الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ص175، وزاد المعاد، 3/ 400، وانظر أيضاً: زاهية الدجاني، فتح مكة نصر مبين، ص55.

القبيلة أو الكتيبة ... أفرادها ... عدد الألوية ... حاملو الألوية

بنو سليم بقيادة خالد بن الوليد ... 700 - 1000 ... 2 ... العباس بن مرداس

خفاف بن ندبة

المهاجرون بقيادة الزبير بن العوام ... 700 + 300 فرس ... 1 ... الزبير بن العوام

بنو غفار ... 400 ... 1 ... أبو ذر الغفاري

أسلم ... 400 + 30 فرساً ... 2 ... بريدة بن الحصيب

ناجية بن الأعجم

خزاعة (بنو كعب بن عمرو) ... 500 ... 1 ... بشير بن سفيان

مزينة ... 1003 + 100 فرس ... 3 ... النعمان بن بشير،

عمرو بن عوف،

بلال بن الحارث

جهينة ... 800 + 50 فرساً ... 4 ... معبد بن خالد،

سويد بن صخر،

رافع بن مكيث،

عبد الله بن بدر

كنانة، بنو ليث، ضمرة، سعد بن بكر ... 200 ... 1 ... أبو واقد الليثي

أشجع ... 300 ... 2 ... معقل بن سنان،

نعيم بن مسعود

قضاعة، بنو تميم، بنو فزارة، سعد بن هزيم ... 1000 ... عدة ألوية ... عدة أبطال

الكتيبة الخضراء: كبار المهاجرين + الأنصار ... 4000 + 500 فرس ... عدة ألوية ... عدة أبطال (1)

_________

(1) قال ابن هشام في السيرة/ 4/ 91: ... قال ابن إسحاق: وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف. من بني سليم سبعمائة. ويقول بعضهم: ألف. ومن بني غفار أربعمائة. ومن أسلم أربعمائة. ومن مزينة ألف وثلاثة نفر، وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد. وانظر أيضاً: شوقي أبو خليل، فتح مكة، الفتح الأعظم، ص52 - 53.

,

المبحث الثاني: زحف الجيش، وتحركه، والوضع المكي

هذا وتحرك الجيش، وقد وصل إلى منطقة تابعة لثقيف، ناحية الطائف، وهذا يعني أنه انحرف ذات اليمين تاركاً مكة عن يساره بعض الوقت، ثم عاد واستوى على الطريق الرئيس متجهاً إلى مكة عبر وادي الظهران، ولما كانوا بمنطقة العرج، يقال بأن وحدة عسكرية تابعة لطلائع الجيش الإسلامي ألقت القبض على جاسوس كان يعمل لحساب قبيلة هوازن، ولدى استجوابه عُلِمَ أن هوازن كانت تُعدُّ لحربه. وقد أسلم ذلك الجاسوس، مع العلم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد خاض لاحقاً معركة مع هوازن، وهي حنين (1).

ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم، والناس صيام، حتى كانوا بالكديد، فأفطر، وأفطر الناس، ووصل الجيش الإسلامي إلى مرّ

_________

(1) عن أبي إسحاق أنه سمع البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: لكنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر. كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم فاستُقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها، وهو يقول: أنا النبي لا كذب.

أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} برقم 4317.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح، 8/ 27: ((ولأبي داود بإسناد حسن من حديث سهل ابن الحنظلية أنهم ساروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين فأطنبوا السير، فجاء رجل فقال: إني انطلقت من بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم، ونعمهم، وشائهم قد اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله تعالى)). وانظر: زاهية الدجاني، فتح مكة نصر مبين، ص56، 57.

الظهران (1).

وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام جميع العسكر بأن يوقدوا النار في كل خيمة ومعسكر، وهذا فيه أثر نفسي على المكيين (2).

_________

(1) عن ابن عباس رَضْيَ اللَّهُ عنْهمَا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد – وهو ماء بين عسفان وقديد – أفطر وأفطروا. أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان، برقم 4276، ومسلم في كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، برقم 1113، وانظر: عبد العزيز العبيدي، من معارك المسلمين في رمضان، ص29.

(2) قال ابن القيم في زاد المعاد، 3/ 401: فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ الظهران نزله عشاء، فأمر الجيش فأوقدوا النيران، فأوقدت عشرة آلاف نار. وانظر: أحمد السايح، معارك حاسمة في تاريخ المسلمين، ص93.

,

الفصل الثاني: تجسس قريش للأخبار

,

المبحث الأول: إسلام العباس، وتجسسات قريش للأخبار النبوية

وقد أسلم جمع من قريش بعدما عمَّى الله الأخبار عنها، ومنهم العباس بن عبد المطلب، وعياله (1).

وما إن توصل زعماء قريش إلى الأخبار حتى رأوا ضرورة استقصاء ما يجري، أو ما قد جرى من جانب المسلمين.

ويروى أن أبا سفيان اجتمع مع حكيم بن حزام (2)، بإضافة إلى بديل بن

_________

(1) انظر: زاد المعاد، لابن القيم، 3/ 440، وانظر أيضاً: عبد العزيز العبيدي، من معارك المسلمين في رمضان، ص29.

(2) روى البخاري عن عروة بن الزبير رَضْيَ اللَّهُ عنْهمَا قال: ((لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فبلغ ذلك قريشاً، خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبُديل بن ورقاء، يلتمسون الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبلوا يسيرون، حتى أتوا مرَّ الظهران، فإذا هم بنيران، كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنها نيران عرفة، فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو، فقال: أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك، فرآهم ناس من حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم أبو سفيان، فلما سار قال للعباس: احبس أبا سفيان عند خطم الجبل، حتى ينظر إلى المسلمين، فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان، فمرت كتيبة، فقال: يا عباس، من هذه؟ قال: هذه غفار، قال: ما لي ولغفار، ثم مرت جهينة، فقال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم، فقال مثل ذلك، ثم مرت سُليم، فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان ((اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس، حبذا يوم الذمار، ثم جاءت كتيبة، وهي أجل الكتائب، فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وراية النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الزبير، فلما مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان، قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: ما قال؟ قال: قال كذا وكذا، فقال: كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة، [ويوم تكسى فيه الكعبة] قال: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركز رايته بالحجون، قال عروة: فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير [بن العوام]: يا أبا عبد الله، أهاهنا أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركز الراية؟ قال: نعم، قال: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من كُدى، فقُتل من خيل خالد بن الوليد يومئذ رجلان: حبيش بن الأشعر، وكرز بن جابر الفهري))، [أخرج البخاري في المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح، برقم 4280]، قال الحافظ في (الفتح)، 8/ 10: قوله: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء، أي: بالمد، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من كُدى، أي: بالقصر، قال الحافظ: وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالداً دخل من أسفل مكة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلاها، وكذا جزم ابن إسحاق أن خالداً دخل من أسفل مكة، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلاها، وضربت له هناك قبة، وقد ساق ذلك موسى بن عقبة سياقاً واضحاً، فقال: وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم، وأمره أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأمره أن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه، وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيره وأمره أن يدخل من أسفل مكة، وأن يغرز رايته أدنى البيوت، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرهم أن يكفوا أيديهم، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم. [وقد جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم فتح مكة من أعلاها من كداء، انظر: البخاري، برقم 4290، و1575، و1577 - 1581، ومسلم، برقم 1257 - 1260].

شرح الغريب:

* (خطم الجبل) هذه اللفظة قد جاءت في كتاب الحميدي (خطم الجبل)، وفسرها في غريبه فقال: الخطم والخطمة: رعن الجبل، وهو الأنف النادر منه، والذي جاء في كتاب البخاري - فيما قرأناه - وفي غيره من النسخ (حطم الخيل) مضبوطاً هكذا، وذلك بخلاف رواية الحميدي، فإن صحت الرواية، ولم تكن خطأ من الكتاب، فيكون معناه - والله أعلم - أنه يقف به في الموضع المتضايق الذي تتحطم فيه الخيل، أي: يدوس بعضها بعضاً، ويحطم بعضها بعضاً، فيراها جميعاً، وتكثر في عينه، بكونها في ذلك الموضع الضيق، بخلاف ما إذا كانت في موضع متسع، وكذلك أراد بوقوفه عند خطم الجبل على ما شرحه الحميدي، فإن الأنف النادر من الجبل يضيق الموضع الذي يخرج فيه، والله أعلم.

* (كتيبة) الكتيبة: واحدة الكتائب، وهي العساكر المرتبة.

* (الملحمة): الحرب والقتال الذي لا مخلص منه.

* (الذمار): ما لزمك حفظه، يقال: فلان حامي الذمار: يحمي ما يجب عليه حفظه.

* (بالحجون): الحجون: أحد جبلي مكة من جهة الغرب والشمال.

* (من كداء) كداء بالفتح والمد: ثنية من أعلى جبل مكة، مما يلي المقبرة، وكُدى - بالضم والقصر - ثنية من أسفل مكة. [جامع الأصول، 8/ 366].

وعن عبد الله بن عباس رَضْيَ اللَّهُ عنْهمَا قال: ((لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ الظهران، قال العباس: قلت: والله، لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه، إنه لهلاك قريش، فجلست على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: لعلِّي أجد ذا حاجة يأتي [أهل] مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوا إليه، فيستأمنوه، فإني لأسير [إذا] سمعت كلام أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، فقلت:

يا أبا حنظلة، فعرف صوتي، فقال: أبو الفضل؟ قلتُ: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي؟ قلت: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، قال: فما الحيلة؟ [قال]: فركب خلفي، ورجع صاحبه، فلما أصبح غدوت به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم، قلتُ: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئاً، قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، قال: فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد)).

وفي رواية مختصرة: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب، فأسلم بمرّ الظهران، فقال له العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فلو جعلت له شيئاً؟ قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن)) أخرجه أبو داود، برقم 3021، و3022 في الخراج والإمارة، باب ما جاء في خبر مكة، ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - برقم 3024، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 256.

ورقاء، في دار الندوة، وامتثلوا لاقتراح أبي سفيان، وهو الخروج إلى الصحراء لترصد الطرق واستقصاء الأخبار (1).

_________

(1) قال ابن القيم في زاد المعاد، 3/ 400: ((ثم مضى حتى نزل مرّ الظهران، وهو بطن مرِّ، ومعه عشرة آلاف، وعمَّى الله الأخبار عن قريش، فهم على وجل وارتقاب، وكان أبو سفيان يخرج يتحسّس الأخبار، فخرج هو وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار، وكان العباس قد خرج قبل ذلك بأهله وعياله مسلماً مهاجراً، فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجحفة، وقيل: فوق ذلك)). وانظر: سيرة ابن هشام، 4/ 60 - 61، والفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ص175 - 176.

وخرجوا، وبخروجهم ذلك، فقد ساروا حتى أشرفوا على معسكر المسلمين في سهل مرّ الظهران، فرأوا نيراناً عظمية، وقباباً كثيرة تشير إلى كثافة النازلين هناك، وهنا قال أبو سفيان:

ما رأيت كالليلة نيراناً قط.

فقال بديل: هذا والله خزاعة حمشتها الحرب (1).

فقال أبو سفيان: خزاعة أقلّ وأذلّ (2) أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، وفي تلك الأثناء، وصل العباس نحو مكان يقرب منهم: فسمع ما كان يدور من كلام، وتعرف على صوت أبي سفيان، فناداه، فردّ أبو سفيان: لبّيك، فداك أبي وأمي، فما وراءك؟! قال العباس: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورائي قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به، بعشرة آلاف مقاتل من المسلمين (3).

_________

(1) قوله: حمشتها الحرب: معناه أحرقتها. ومن قال: حمستها بالسين المهملة فمعناه: اشتدت عليها، وهو مأخوذ من الحماسة وهي الشدة والشجاعة. نقلاً من حاشية السيرة النبوية، 4/ 63.

(2) عن هشام عن أبيه قال: لمّا سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فبلغ ذلك قريشاً، خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مرَّ الظهران، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة. فقال: أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنها نيران عرفة. فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو. فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك .. الخ. أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح؟، برقم 4280.

(3) انظر الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (ص176 - 177)، وزاد المعاد (3/ 401 - 402)، والسيرة النبوية، 4/ 63، وانظر أيضاً: زاهية الدجاني، فتح مكة نصر مبين، ص58، 59.

,

المبحث الثاني: إسلام أبي سفيان، والعرض العسكري أمامه

عرض العباس على أبي سفيان أن يركبه معه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسارا على بغلته البيضاء، لا يعترضها المسلمون، وفي الصباح قابل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان فقال له:

((ويحك يا أبا سفيان، أما آن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟)).

- فقال أبو سفيان: بأبي أنت ما أكرمك، وما أوصلك، لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً.

- فقال عليه الصلاة والسلام: ((ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟!)).

- فقال: أما هذه، فإن في النفس شيئاً منها حتى الآن.

- فقال له العباس: ويحك أسلم!!

فأسلم، وشهد شهادة الحق.

فقال أبو الفضل (العباس): يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً.

قال: نعم: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن)) (1).

وقد تم العرض العسكري أمام أبي سفيان.

_________

(1) أخرجه البخاري، برقم 4280 مختصراً، وغيره، ويأتي تخريجه، وانظر: عبد العزيز العبيدي، من معارك المسلمين في رمضان، ص31، 32.

يقول العباس: فخرجت بأبي سفيان حتى حبسته بمضيق الوادي، فكلما تمر قبيلة يقول: يا عباس من هؤلاء؟ فأقول قبيلة كذا وكذا، فيقول: ما لي ولبني فلان (1).

_________

(1) أخرجه البخاري كما تقدم، ويأتي تخريجه، وانظر: أحمد السايح، معارك حاسمة في حياة المسلمين، ص94، 95.

قصة العباس مع أبي سفيان أخرجها البخاري مختصرة في كتاب المغازي في باب: أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح؟، برقم 4280. بينما ساق هذه القصة بطولها الحافظ ابن حجر في المطالب العالية، 4/ 418 - 420، وقال: ((هذا حديث صحيح)).

وقال محقق المطالب: ((قال البوصيري، 7/ 39، برقم 5251: رواه إسحاق بن راهويه بسند صحيح. ورواه أحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وأبو داود في سننه مختصراً، ولم يسقه أحد من الأئمة الستة، وأحمد بن حنبل بتمامه، والسياق الذي هنا حسن جداً)).

الباب الثالث

دخول مكة المكرمة

الفصل الأول: ترتيبات العسكر الإسلامي في الدخول.

المبحث الأول: ترتيبات الدخول.

المبحث الثاني: مشابكات مع فرسان خالد بن الوليد.

الفصل الثاني: دخول المسجد الحرام.

المبحث الأول: دخول المسجد الحرام وتحطيم الأصنام.

المبحث الثاني: أخبار المهدرة دماؤهم.

,

الفصل الأول: ترتيبات العسكر الإسلامي في الدخول

,

المبحث الأول: ترتيبات الدخول

في ذي طوى، المنطقة التي تدعى اليوم في مكة بـ (الزاهر) قسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الجيش إلى خمس فرق، وقد ترأس الفرقة الأولى عليه الصلاة والسلام، أما الفرق الأخرى فهي على النحو الآتي:

1 - الزبير بن العوام، ومهمة فرقته السيطرة على البقعة الشمالية من مكة.

2 - خالد بن الوليد، كلفت مجموعته دخول مكة من الناحية الجنوبية (1).

3 - أبو عبيدة بن الجراح، وقد أعطيت فرقته السيطرة على الجهة الشمالية الغربية.

4 - قيس بن سعد بن عبادة، وقد كلفت مجموعته بالدخول إلى مكة من الناحية الجنوبية الغربية.

وقد تحركت الفرق بالوقت المطلوب على النحو الآتي:

1 - الزبير بن العوّام: تحرّك رتله من الشمال، وقد أمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يتوقّف بفرقته، ويركز رايته عند الحجون (2).

_________

(1) قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ((كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وجعل الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي)) مسلم، كتاب الجهاد، باب فتح مكة، برقم 86 - (1780، والبياذقة: هم الرجَّالة.

(2) أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركز رايته عند الحجون، قال عروة: وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله، هاهنا أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركز الراية. أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح؟، برقم 4280.

2 – بالنسبة لخالد بن الوليد فقد تحرّك بمجموعته المكونة من المشاة، لكي يدخل مكة من الجنوب (المسفلة) اليوم.

3 – أما أبو عبيدة، فقد تحرّك بمجموعته المكونة من المشاة؛ لكي يدخل مكة من زاويتها الشمالية الغربية.

4 – أما قيس بن سعد، فقد اندفع ليدخل مكة من غربها (1) الجنوبي (2).

_________

(1) قال ابن كثير في الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، 178: وقد جعل - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - على المقدمة، وخالد بن الوليد - رضي الله عنه - على الميمنة، والزبير بن العوّام - رضي الله عنه - على الميسرة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القلب، وكان أعطى الراية سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، فبلغه أنه قال لأبي سفيان حين مرّ عليه: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلّ الحرمة، والحُرمة: هي الكعبة، فلما شكا أبو سفيان ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بل هذا يوم تعظَّم فيه الكعبة))، فأمر بأخذ الراية من سعد، فتعطى علياً، وقيل: الزبير، وهو الصحيح. اهـ. وانظر: زاهية الدجاني، فتح مكة نصر مبين، ص71 - 73.

(2) روى الإمام مسلم، وأبو داود عن عبد الله بن رباح، قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان - فكان يصنع بعضنا لبعض طعاماً، فكان أبو هريرة - رضي الله عنه - مما يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاماً فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يُصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشي، فقلت: الدعوة عندي الليلة، فقال: سبقتني؟ فقلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أُعلِمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة، فقال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالداً على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر، فأخذ [وا] بطن الوادي، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبةٍ، قال: فنظر فرآني، فقال: أبو هريرة؟ قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: اهتف، لا يأتيني إلا أنصاري – ومن الرواة من قال: اهتف لي بالأنصار، قال: فأطافوا به، ووبشت قريش من أوباش لها وأتباع، وفي رواية: ووبشت قريش أوباشها وأتباعها، فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سلبنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟ ثم قال بيديه – إحداهما على الأخرى – ثم قال: حتى توافوني بالصفا، قال: فانطلقنا، فما شاء أحد منا أن يقتل أحداً إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئاً، قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي – وكان إذا جاء [الوحي] لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ينقضي الوحي – فلما قضي الوحي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته؟ قالوا: قد كان ذلك، قال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضنّ بالله وبرسوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله ورسوله يصدقانكم، ويعذرانكم، قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس عليهم أبوابهم، قال: وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت قال: فأتى على صنم إلى جانب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوس، وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه، ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} فلما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه، فجعل يحمد الله، ويدعو ما شاء أن يدعو)).

وفي رواية بهذا الحديث، وزاد في الحديث: ((ثم قال بيديه، إحداهما على الأخرى: احصدوا حصداً)) قال: وفي الحديث: ((قالوا: ذاك يا رسول الله، قال: فما اسمي إذاً؟ كلا، إني عبد الله ورسوله)).

وفي رواية أخرى قال: ((وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان، وفينا أبو هريرة، وكان كل رجل منا يصنع طعاماً يوماً لأصحابه، فكانت نوبتي، فقلت: يا أبا هريرة، اليوم يومي، فجاءوا إلى المنزل، ولم يدرك طعامنا، فقلت: يا أبا هريرة، لو حدثتنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يدرك طعامنا؟ فقال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي، فقال: يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فجاءوا يهرولون، فقال: يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟ قالوا: نعم، قال: انظروا إذا لقيتموهم غداً: أن تحصدوهم حصداً، وأحفى بيده، ووضع يمينه على شماله، وقال: موعدكم الصفا، قال: فما أشرف لهم يومئذ أحد إلا أناموه، قال: وصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفا [وجاءت الأنصار، فأطافوا بالصفا]، فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أُبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال أبو سفيان: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، فقالت الأنصار: أما الرجل: فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، ونزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: قلتم: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته؟ ألا فما اسمي إذا؟ – ثلاث مرات – أنا محمد عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم، قالوا: والله، ما قلنا إلا ضناً بالله ورسوله، قال: فإن الله ورسوله يصدقانكم، ويعذرانكم)). أخرجه مسلم.

وفي رواية أبي داود عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة قال: ((إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة سرَّح الزبير بن العوام، وأبا عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد على الخيل، وقال: يا أبا هريرة، اهتف لي بالأنصار، فلما اجتمعوا قال: اسلكوا هذا الطريق، فلا يشرفنّ لكم أحد، إلا أنمتموه، فنادى منادٍ: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من دخل داراً فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، فعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة، فغص بهم، وطاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى خلف المقام، ثم أخذ بجنبتي الباب، فخرجوا، فبايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام)). [رواه مسلم، برقم 1780 في الجهاد، باب فتح مكة، وأبو داود رقم 3024 في الخراج والإمارة باب ما جاء في خبر مكة].

شرح الغريب:

* (المجنبتين) المجنبة: جانب العسكر، وله مجنبتان: ميمنة، وميسرة.

* (على الحُسَّر) جمع حاسر، وهو الذي لا درع عليه، ولا مغفر، وقد روي في كتب الغريب (الحُبَّس) وهم الرَّجَّالة، سموا بذلك لتأخرهم عن الركبان، قال: وأحسب الواحد حبيساً، فعيل بمعنى مفعول، ويجوز أن [يكون] حابساً، كأنه يحبس من يسير الركبان بمسيره. قال الحميدي: والذي رأيناه من رواية أصحاب الحديث (الحسَّر)، والله أعلم.

* (وبَّشت أوباشها) الأوباش: الجموع من قبائل شتى، والتوبيش: الجمع، أي: جمعت لها جموعاً من أقوام متفرقين في الأنساب والأماكن.

* (أُبيدت خضراء قريش) أي: استؤصلت وأُهلكت، وخضراؤها: سوادها ومعظمها، والعرب تعبر بالخضرة عن السواد، وبالسواد عن الكثرة.

* (الضِّنُّ): البخل والشحّ، ضَنِنْتُ، وضَنَنْتُ أَضِنُّ.

* (فاستلمه): استلام الحجر الأسود: لمسه باليد.

* (سِيَة القوس) مخفقاً: طرفها إلى موضع الوتر.

* (زهق الباطل) أي: اضمحلّ، وذهب ضائعاً.

* (البياذقة): الرَّجًّالة، سموا بذلك لخفة حركتهم، وأنهم ليس معهم ما يثقلهم، وهذا القول ما يعضد رواية أصحاب الغريب في (الحُبَّس) موضع (الحُسَّر)، فإن الحبَّس: هم الرجَّالة على ما فسروه، فقد اتفقت الروايتان في المعنى، فقال مرة: (الحبَّس)، وقال مرة: (البياذقة) أراد بهما: الرَّجَّالة، بخلاف (الحسَّر)، وقد يمكن أن يجمع بين (الحسر)، و (البياذقة)، فإن (الحسر) هم الذين لا سلاح معهم، أو لا درع عليهم، ولا مِغفر، والغالب من حال الدَّارعين: أنهم الفرسان، وأن الرَّجَّالة: لا يكون عليهم دروع، لأمرين: أحدهما: أن الراجل يثقله الدرع، والآخر: أن الراجل لا يكون له درع لضعفه ورقة حاله، والله أعلم.

* (احصدوهم) الحصد: كناية عن الاستئصال، والمبالغة في القتل.

* (أحفَى) قال الحميدي: أحفى بيده: أشار بحافَّتِها، وصفاً للحصد والقتل.

* (أناموه) أي: قتلوه، ومنه سُمّي السيف مُنيماً، أي: مُهلكاً. [جامع الأصول، 8/ 373].

,

المبحث الثاني: اشتباك مع فرسان خالد بن الوليد:

تمكّن كل قائد من القادة تنفيذ السيطرة على منطقته بسلام، إلا خالد بن الوليد، إذ تجمع جنوبي مكة يومئذ فئة من القرشيين المتطرفين برئاسة صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، واختاروا من أجل ذلك مضيقاً سيطروا عليه من مرتفعات تشرف على الموقع، وهو الطريق الرئيس لمجموعة خالد. واسم هذا المضيق الخندمة.

ولما وصلوه تلقّوا وابلاً من السهام، وإزاء ذلك أصدر خالد أوامره بالتوقف، لعلّه أن يتمكّن من إقناع المهاجمين بإلقاء السلاح، بيد أن هؤلاء المهاجمين رفضوا من خالد، فقاومهم، وقتل منهم ثمانية وعشرين، وتمكن خالد من سحقهم (1).

_________

(1) انظر في ذلك فتح الباري، 8/ 10 - 11، وسيرة ابن هشام، 4/ 70 - 72، وزاد المعاد، 3/ 404 - 405، وقيل في يوم الخندمة شعر، قال حماس بن قيس بن خالد البكري، قال ابن هشام: ويقال هي للرعاش الهذلي يخاطب امرأته حين لامته على الفرار من المسلمين:

إنِكِ لو شهدتِ يوم الخندمة ... إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة

وأبو يزيد قائم كالموتمة ... واستقبلتهم بالسيوف المسلمة

يقطعن كل ساعد وجمجمة ... ضرباً فلا يسمع إلا غمغمة

لهم نهيت خلفنا وهمهمة ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة

وانظر: زاهية الدجاني، فتح مكة نصر مبين، ص73، 74.

,

الفصل الثاني: دخول المسجد الحرام، وتحطيم الأصنام

,

المبحث الأول: دخول المسجد الحرام، وتحطيم الأصنام

بعد إكمال السيطرة على مكة، والتقاء القادة بعامة جنودهم؛ حيث كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - معسكِراً هناك، وقد تحرّكوا نحو المسجد الحرام، ووصلوا الحجون، ومن هناك توجّهوا صوب الكعبة لإنهاء الوجود الوثني، وبرؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكعبة كبّروا عدة تكبيرات ارتجَّت لها مكة، ثم سكتوا بإشارة من الرسول الكريم (1) - صلى الله عليه وسلم -.

_________

(1) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، وحول الكعبة ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]. {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49]. أخرجه البخاري، في المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح، وفي المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر، أو تخرق الزقاق، وفي تفسير سورة بني إسرائيل، باب {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}، ومسلم، برقم 1781 في الجهاد، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة، والترمذي، برقم 3137 في التفسير، باب ومن سورة بني إسرائيل.

شرح الغريب:

* (نُصُب) النصب بضم الصاد وسكونها: الصنم، وجمعها أنصاب. [جامع الأصول، 8/ 377].

وعن جابر بن عبد الله رَضْيَ اللَّهُ عنْهمَا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح وهو بالبطحاء، أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى محيت كل صورة فيها، [أخرجه أبو داود، برقم 4156 في اللباس، باب في الصور، وإسناده حسن].

قال في بذل المجهود: والظاهر أن ما أمره - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب كان مختصّاً بما نقش من الصور في الجدران، فأمره بمحوها، وأما الأصنام وذي الأجرام منها فبقيت فيها حتى دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة، فأزالها بنفسه، كما ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخلها وفيها ثلاثمائة وستون نصباً، فيطعن فيها ويقول: جاء الحق، وزهق الباطل.

بيد أنه مع دخول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - فكان أول ما بدأ به الطواف حول الكعبة، [وحطم الأصنام - صلى الله عليه وسلم -] (1).

,

المبحث الثاني: أخبار المهدرة دماؤهم

كان قد عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أمرائه حين أمَّرهم أن يدخلوا مكة، أن لا يقاتلوا إلا من قاتَلهم، إلا أنه عهد في نَفَرٍ سمّاهم، أمر بقتلهم وإن وجدوا

_________

(1) قال ابن القيم في زاد المعاد، 3/ 406 - 407: ثم نهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد، فأقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس، وحوله البيت، وعليه ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بالقوس، ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]. {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49]. والأصنام تتساقط على وجوهها.

وكان طوافه على راحلته، ولم يكن محرماً يومئذ، فاقتصر على الطواف، فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت فدخلها، فرأى فيها الصور، ورأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام فقال: ((قاتلهم الله، والله إن استقسما بهما قط)). ورأى في الكعبة حمامة من عيدان فكسرها بيده، وأمر بالصور فمحيت، ثم أغلق عليه الباب، وعلى أسامة وبلال، فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب حتى إذا كان بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع وقف وصلى هناك، ثم دار في البيت، وكبّر في نواحيه، ووحَّد الله، ثم فتح الباب، وقريش قد ملأت المسجد صفوفاً ينتظرون ماذا يصنع، فأخذ بعضادتي الباب وهم تحته، فقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ... )) إلى أن قال: ((يا معشر قريش: ما ترون أني فاعل بكم؟))، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: ((فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء)).

وانظر السيرة النبوية، 4/ 77 - 78، وفتح الباري، 8/ 18،، والفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ص180، وانظر أيضاً: زاهية الدجاني، فتح مكة نصر مبين، ص74، 75.

والحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح؟ برقم 4287، و 4288.

متعلقين بأستار الكعبة (1).

_________

(1) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: ((اقتلوه)) أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، برقم 1846، ومسلم، برقم 1357 بغير هذا اللفظ. وانظر: خليل هنداوي، يوم فتح مكة، ص 94.

وقال في الموطأ: ولم يكن فيما نرى يومئذ – والله أعلم – محرماً، وقال أبو داود: اسم ابن خطل: عبد الله، وكان أبو برزة الأسلمي قتله. وروى أبو داود، والنسائي عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: ((لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين، فسمّاهم، وابن أبي سرح، فذكر الحديث، قال: وأما ابن أبي سرح، فإنه اختبأ عند عثمان، فلما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة، جاء به حتى أوقفه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا نبي الله، بايع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثاً، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: ما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ قالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)).

قال أبو داود: وكان عبد الله أخا عثمان من الرضاعة، هذه رواية أبي داود.

و [في] رواية النسائي قال: ((لمّا كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلا أربعة، وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن أبي سرح، فأما عبد الله بن خطل، فُأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيدٌ عماراً – وكان أشب الرجلين – فقتله، [وأما مقيس بن صبابة، فأدركه الناس في السوق فقلتوه]، وأما عكرمة [بن أبي جهل] فركب البحر، فأصابتهم عاصف، فقال أهل السفينة: أخلصوا: فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً هاهنا، فقال عكرمة: والله، لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص، لا ينجيني من البر غيره، اللهم لك عهد إن عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً، حتى أضع يدي في يده، فلأجدنَّه عفوّاً غفوراً كريماً، فجاء فأسلم، وأما عبد الله بن أبي سرح، فإنه اختبأ عند عثمان، فلما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله ... وذكر الحديث إلى آخره مثل أبي داود، رواه أبو داود، برقم 2683 في الجهاد، باب قتل الأسير، ولا يعرض عليه الإسلام، والنسائي، 7/ 105، و106 في تحريم الدم، باب الحكم في المرتد، وهو حديث حسن. [انظر: جامع الأصول بتحقيق الأرنؤوط، 8/ 376].

شرح الغريب:

* (رشيد) رجل رشيد، أي: لبيب عاقل، له فطنة.

* (خائنة الأعين) كناية عن الرمز والإشارة، كأنها مما تخونه العين، أي: تسرقه، لأنها كالسرقة من الحاضرين.

* (عاصف) ريح عاصف، أي: شديد الهبوب. [جامع الأصول، 8/ 376].

عن عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي قال: حدثني جدي عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال يوم فتح مكة: ((أربعة لا أؤمنهم في حِلٍّ ولا حرم – وسمّاهم – وقال: وقينتين كانتا لمقيس بن صبابة، فقتلت إحداهما، وأفلتت الأخرى، فأسلمت)). [أخرجه أبو داود، برقم 2684 في الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، من حديث محمد بن العلاء، عن زيد بن الحباب، عن عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي، وعمرو بن عثمان لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، قال أبو داود: لم أفهم إسناده من ابن العلاء كما أحب، قال في بذل المجهود: ولعله أقام له إسناد هذا الحديث بعض تلامذة الشيخ محمد بن العلاء] قال في بذل المجهود في حلّ سنن أبي داود: ((هذا الذي رواه أبو داود من أنهما كانتا لمقيس مخالف كما قال أهل السير، فإنهم قالوا: إن القينتين اللتين أهدر دمهما كانتا لابن خطل، فيمكن أن يكون كلاهما شركاء فيهما، أو كانتا أولاً في ملك أحدهما، ثم في ملك الآخر، والله أعلم.

وكان ممن أمر بقتله: عبد الله بن سعد؛ لأنه أسلم وكتب الوحي ثم ارتدّ، فأتى به عثمان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابن سعد وقال للرسول عليه الصلاة والسلام أمِّنه، فأمَّنه.

ومن المهدرة دماؤهم: صفوان بن أمية، وقد هرب، ولما رجع أمنه الرسول عليه الصلاة والسلام على نفسه.

وغير ذلك، ارجع لكتب التاريخ لمعرفة من هم المهدرة دماؤُهم (1).

_________

(1) قال ابن القيم في زاد المعاد، 3/ 411: ولما استقرّ الفتح أمَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس كلهم إلا تسعة نفر، فإنه أمر بقتلهم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، وهم: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، وعبد العزى بن خطل، والحارث بن نفيل بن وهب، ومقيس بن صُبابة، وهبَّار بن الأسود، وقينتان لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسارة مولاةٌ لبعض بني عبد المطلب. وانظر: الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ص179، ط مكتبة المعارف، وص128، دار الصفا، وجاء في الطبعتين: الحويرث بن نقيذ بدل الحارث بن نفيل. وانظر خليل هنداوي. يوم فتح مكة، ص105.

الباب الرابع

الآثار الاستراتيجية للفتح ومقومات الانتصار

الفصل الأول: الآثار الاستراتيجية للفتح ودروس منه.

المبحث الأول: الآثار الاستراتيجية للفتح.

المبحث الثاني: دروس من الفتح.

الفصل الثاني: مقومات الانتصار في الفتح.

المبحث الأول: الهدف.

المبحث الثاني: الوسيلة.

,

الفصل الأول: الآثار الاستراتيجية للفتح، ودروس منه

,

المبحث الأول: الآثار الاستراتيجية للفتح

1 - تحقيق الدرع الدفاعي (1): وهو النظرية الاستراتيجية للحرب في

_________

(1) أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر رَضْيَ اللَّهُ عنْهمَا ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، مردفاً أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة، حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت - زاد في رواية رزين: فذهب عثمان إلى أمه، فأبت أن تعطيه المفتاح، فقال: والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبي، قال: فأعطته إياه، ثم اتفقا - فجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [زيادة رزين هذه رواها مسلم كما سيأتي في تخريج الحديث، وعبد الرزاق، وأحمد في المسند، 6/ 15]. [ففتح] ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت، ومعه أسامة، وبلال، وعثمان، فمكث فيه نهاراً طويلاً، ثم خرج فاستبق الناس، فكان عبد الله أول من دخل، فوجد بلالاً وراء الباب قائماً، فسأله أين صلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فأشار إلى المكان الذي صلى فيه، قال عبد الله: فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة؟)) أخرجه البخاري، 6/ 92 في الجهاد، باب الردف على الحمار، وفي القبلة، باب {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، وفي المساجد، باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد، وفي سترة المصلي، باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، وفي التطوع، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، وفي الحج، باب إغلاق البيت، وباب الصلاة في الكعبة، وفي المغازي، باب حجة الوداع، ورواه أيضاً تعليقاً 8/ 15 في المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - رايته يوم الفتح، ورواه أيضاً مسلم بروايات مختلفة، برقم 1329 في الحج، باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء في نواحيها كلها.

وأخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود عن أبي هريرة رَضْيَ اللَّهُ عنْهمَا ((أن خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة، بقتيل منهم قتلوه، فأُخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فركب راحلته، فخطب، فحمد الله وأثنى عليه.

وفي رواية قال: لما فتح الله - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مكة قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحلّ لأحد كان قبلي، وإنها إنما أحلّت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحلَّ لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يُختلى شجرها، ولا تحلّ ساقطتها إلاّ لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يُعقل، وإما أن يقاد أهل القتيل، فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إلا الإذخر، فقال رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اكتبوا لأبي شاه)) قال الأوزاعي: يعني هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري، ومسلم. [ويأتي تخريجه].

وأخرجه أبو داود، وأسقط من أوله حديث (القتيل)، وأول حديثه قال: ((لما فتح الله على رسوله مكة قام فيهم، فحمد الله، وذكر الحديث))، وأسقط منه أيضاً: ((ومن قُتل له قتيل - إلى قوله: أهل القتيل)). رواه البخاري، 1/ 183، و184 في العلم، باب كتابة العلم، وفي اللقطة، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة، وفي الديات، باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، ومسلم، برقم 1355 في الحج، باب تحريم مكة وصيدها، وأبو داود، برقم 2017 في المناسك، باب تحريم مكة.

شرح الغريب:

* (الحجبة): جمع حاجب، وهو سادن البيت.

* (ولا يُختلى) الخلا: العشب، واختلاؤه: قطعه.

* (ساقطتها إلا لمنشد) الساقطة: هي اللقطة، وهو الشيء الذي يُلقى على الأرض لا صاحب له يعرف، وقوله: ((لا تحل إلا لمنشد)) يعني لمعرّف، وهو من نشدت الضالة: إذا طلبتها، فأنت ناشد، وأنشدتها: إذا عرّفتها، فأنت منشد، واللقطة في جميع البلاد لا تحل إلا لمن أنشدها سنة، ثم يتملكها بعد السنة، بشرط الضمان لصاحبه إذا وجده، فأما مكة فإن في لقطتها وجهين، أحدهما: أنها كسائر البلاد، والثاني: لا تحل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحلّ لقطتها إلا لمنشد))، والمراد به: منشد على الدوام، وإلا فأي فائدة لتخصيص مكة بالإنشاد؟

* (بخير النظرين) خير النظرين: أوفق الأمرين له، فإما أن يدوا، أي: يعطوا الدية، وهي العقل، وإما أن يقاد، أي: يُقتل قصاصاً، فأي الأمرين اختار ولي الدم كان له، وهو مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: من وجب له القصاص لم يجز له تركه وأخذ الدية. [جامع الأصول، 8/ 378 - 380].

وأخرج أبو داود عن وهب بن منبه قال: ((سألت جابراً: هل غنموا يوم فتح مكة شيئاً؟ قال: لا))، أخرجه أبو داود، برقم 3023 في الخراج والإمارة، باب ما جاء في خبر مكة، وإسناده حسن. [جامع الأصول، تحقيق الأرنؤوط، 8/ 381].

وأخرج الترمذي وأبو داود عن جابر بن عبد الله رَضْيَ اللَّهُ عنْهمَا ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة ولواؤه أبيض))، رواه أبو داود، برقم 2592 في الجهاد، باب الرايات والألوية، والترمذي، برقم 1679 في الجهاد، باب ما جاء في الألوية، من حديث يحيى بن آدم عن شريك بن عبد الله النخعي القاضي، عن عمار الدهني، عن أبي الزبير، عن جابر، وشريك يخطئ كثيراً، تغيّر حفظه منذ ولي القضاء، وقد قال الترمذي: ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك، وقال: حدثنا غير واحد عن شريك، عن عمار، عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه عمامة سوداء، قال: (يعني البخاري) والحديث هو هذا، أي الحديث المحفوظ هو هذا الحديث (دخل مكة وعليه عمامة سوداء)؛ لأنه رواه غير واحد عن شريك، وأما حديث يحيى بن آدم عن شريك بلفظ: دخل مكة ولواؤه أبيض، فليس بمحفوظ لتفرّد يحيى بن آدم به، ومخالفته لغير واحد من أصحاب شريك. [جامع الأصول، تحقيق الأرنؤوط، 8/ 381].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين أراد حُنيناً: ((منزلنا غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا الكفر)).

وفي رواية: ((منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف، حيث تقاسموا على الكفر)). أخرجه البخاري، 8/ 12، و13 في المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، والصلاة به، برقم 1314.

الإسلام.

2 – تحقيق الهدف الاستراتيجي بلا خسائر.

3 – مقومات نجاح الردع الإسلامي.

أ – تملك عنصر المبادأة.

ب – تملك القدرة الهجومية.

ج – استغلال عنصري الحركة والمفاجأة.

د – تجريد إرادة العدو المقاومة والقتال.

4 – الردع الإسلامي يؤدي إلى السلام الدائم.

5 – الإسلام دين قوة وسلام (1).

,

المبحث الثاني: دروس من الفتح

1 – حركة المسلمين وفعاليتهم مع الدعوة المتحركة التي لا تعرف الجمود والخمول والكسل.

2 – التفاف الجنود حول القيادة دافع قوي من دوافع الخير التي يطمئن إليها القائد.

3 – حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على سرِّيَّة حركة الجيش الإسلامي.

4 – التخطيط الدقيق القائم على الوعي، واليقظة دليل على كبر الهمة، وبعد النظر.

5 – أول ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين دخول مكة هو: تحطيم الأصنام.

6 – الإسلام دين السلام، وهو يسعى إليه، ويعمل من أجله (2).

_________

(1) اللواء ركن محمد محفوظ، ((الآثار الاستراتيجية لفتح مكة))، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، ع17، (شعبان 1407هـ) ص91 - 95.

(2) قال ابن القيم في زاد المعاد، 3/ 419 - 464:

فصل في الإشارة إلى ما في الغزوة من الفقه واللطائف:

1 – كان صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم، أمن الناس به.

2 – أن أهل العهد إذا حاربوا من هم في ذمة الإمام وجواره وعهده صاروا حرباً له بذلك.

3 – انتقاض عهد جميعهم بذلك ردئهم ومباشريهم إذا رضوا بذلك وأقروا عليه ولم ينكروه.

4 – جواز صلح أهل الحرب على وضع القتال عشر سنين. ويجوز فوق ذلك للحاجة والمصلحة.

5 – الإمام وغيره إذا سئل ما لا يجوز بذله أو لا يجب فسكت، لم يكن سكوته بذلاً له.

6 – أن رسول الكفار لا يقتل.

7 – جواز تبييت الكفار ومباغتتهم في ديارهم إذا بلغتهم الدعوة.

8 – جواز قتل الجاسوس وإن كان مسلماً.

9 – جواز تجريد المرأة وتكشيفها للحاجة والمصلحة العامة ..

10– أن الرجل إذا نسب المسلم إلى النفاق والكفر متأولاً وغضباً لله ورسوله ودينه، لا لهواه وحظه، فإنه لا يكفر بذلك، بل لا يأثم به، بل يثاب على نيته وقصده.

11 - أن الكبيرة العظيمة مما دون الشرك قد تكفَّر بالحسنة الكبيرة الماحية.

12 - جواز مباغتة المعاهدين إذا نقضوا العهد.

13 - جواز، بل استحباب كثرة المسلمين وقوتهم وشوكتهم وهيئتهم لرسل العدو إذا جاءوا إلى الإمام كما يفعل ملوك الإسلام.

14 - جواز دخول مكة للقتال المباح بغير إحرام، كما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون.

15 - مكة فتحت عنوة كما ذهب إليه جمهور أهل العلم، ولا يعرف في ذلك خلاف إلا عن الشافعي وأحمد في أحد قوليه.

16 - مكة لا تملك، فإنها دار النسك، ومتعبد الخلق، وحرم الرب تعالى الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد، فهي وقف من الله على العالمين، وهم فيها سواء. [هكذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، وسمعت الإمام ابن باز يقول أثناء تقريره على ذلك على زاد المعاد، 3/ 345: ((والصواب أنها تملك، وتورث، وتباع أصلها ونفعها وأرضها وبناؤها وهذا هو الصواب، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -].

17 - أن مكة حرّمها الله ولم يحرّمها الناس، ولا يحلّ لأحد أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجر، ولا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا يلتقط ساقطتها إلا من عرَّفها، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل وإما أن يأخذ الدية.

18 - جواز قطع الإذخر للانتفاع به.

19 - الإذن في كتابة العلم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اكتبوا لأبي شاه)).

20 - كراهة الصلاة في المكان المصور فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل البيت ولم يصلِّ فيه حتى مُحيت الصور منه.

21 - جواز لبس الأسود أحياناً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه عمامة سوداء.

22 - جواز متعة النساء في غزوة الفتح، ثم حرّمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل خروجه من مكة، فهي حرام إلى يوم القيامة بإجماع المسلمين.

23 - جواز إجارة المرأة وأمانها للرجل والرجلين [وأكثر من ذلك على الصحيح].

24 - جواز قتل المرتد الذي تغلظت ردته من غير استتابة.

35 - استحباب صلاة ثمان ركعات بعد الفتح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها بعد الفتح، ضحى في بيت أم هانئ، وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا بلداً صلوا عقب الفتح هذه الصلاة، وهي شكراً لله تعالى [والحديث متفق عليه] [زاد المعاد، 3/ 410].

26 - القضاء على آثار الشرك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث السرايا إلى الأصنام التي حول الحرم، فكسرها كلها [زاد المعاد، 3/ 413 - 416].

27 - استحباب الصلاة داخل الكعبة والتكبير في نواحيها، ومن صلى داخل الحجر فقد صلى داخل البيت؛ لأنه من البيت.

انتهى مخلصاً من زاد المعاد. وانظر: أحمد السايح، معارك حاسمة في حياة المسلمين، ص100 - 109.

,

الفصل الثاني: مقومات الانتصار في الفتح

,

المبحث الأول: الهدف

1 - الكعبة مهبط [الوحي].

2 - الكعبة [رمز الوحدة الإسلامية].

3 - الكعبة [حرماً آمناً].

4 - فتح مكة: فتح للقلوب.

,

المبحث الثاني: الوسيلة

1 - إعداد القوة قدر الاستطاعة.

2 - نقض العهد إيذان بالفتح.

3 - ولاء الطاعة، وحفظ السر.

4 - السلام والعفو (1).

_________

(1) محمد فهمي عبد الوهاب، مقومات الانتصار في بدر الكبرى، وفتح مكة، ص65 - 80.




كلمات دليلية: