withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


غزوة بدر الكبرى_20665

غزوة بدر الكبرى


معركة بدر الكبرى

وقد بدأت الأسباب الواقعية التاريخية التي قادت إلى المعركة الحاسمة تتجمع إلى بعضها منذ اللحظة التي أبلغ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أن قافلة كبيرة لقريش تضم ألف بعير قادمة من الشام صوب مكة يقودها أبو سفيان في ثلاثين أو أربعين تاجرا مكيا «1» ، وبمبادرة لا تردد فيها قال لأصحابه: (هذه عير قريش، فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها) «2» .

ونظرا إلى أن نداء الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أمرا ملزما بل كان ندبا، ونظرا إلى أن أحدا لم يكن يتوقع أن لقاء مسلحا حاسما سيتمخض عن التحدي الجديد هذا، فقد خرج بعض المسلمين بقيادة رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم لمهاجمة القافلة، وتخلّف بعضهم الآخر، كما أن هؤلاء خرجوا ولم يأخذوا أهبتهم الكاملة من السلاح والتأهب.. «3» وما أن سمع أبو سفيان بنبأ تحرك المسلمين لمجابهة قافلته حتى أرسل إلى مكة على جناح السرعة ضمضم بن عمرو الغفاري وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد تعرّض لها في الطريق..

وما إن وصل ضمضم إلى مكة حتى جدع بعيره، وحوّل رحله، وشق قميصه وراح يصرخ: يا معشر قريش!! اللطيمة اللطيمة!! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث!! وسرعان ما استجاب الناس لندائه وهرعوا إلى الكعبة وهم يقولون: أيظن محمد وأصحابه أن

__________

(1) وقيل سبعين «من قبائل قريش كلها» : الطبري: تاريخ 2/ 421 وعن حجم القافلة انظر: الواقدي 1/ 27- 28 ابن حزم: جوامع ص 104- 106 المقدسي 4/ 182- 184 ابن الأثير: الكامل 2/ 113- 115 ابن كثير 3/ 248 252.

(2) ابن هشام ص 148 وانظر: الطبري: تاريخ 2/ 421، 427، ابن سعد 2/ 1/ 6 الواقدي 1/ 20.

(3) ابن سعد 2/ 1/ 6 الواقدي 1/ 20- 21 البلاذري: أنساب 1/ 288.

تكون كعير ابن الحضرمي (الذي كان قد قتل في سرية ابن جحش) كلا.. والله ليعلمن ذلك. فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا.. وتجمعت قريش كلها تسعمائة وخمسين مقاتلا تصحبهم مائة فرس ولم يتخلف من أشرافها أحد خلا أبا لهب الذي يبدو أن مرضه وكبره أقعده عن اللحاق بالمستنفرين «1» ، واستطاع أبو سفيان خلال ذلك أن يفلت من قبضة المسلمين بإسراعه وتجنبه الطريق الداخلي صوب الساحل. وما أن اطمأن على قافلته حتى أرسل إلى رفاقه في مكة: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم ورجالكم فقد نجّاها الله فارجعوا. إلا أن أبا جهل ابن هشام كان أبعد نظرا منه عندما أصرّ على الخروج والنزول في بدر حيث ان للعرب هناك سوقا يجتمعون له كل عام ثلاثة أيام «ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها» «2» . فما دامت سرايا المسلمين قد حققت للدولة الجديدة في المدينة طيلة الأشهر السابقة نصرا عسكريا وإعلاميا ونفسيا ضد قريش وثبتت كلمة الإسلام ورايته في أعماق الصحراء فإنه لا بد لقريش أن تردّ بنفس الأسلوب وتعلم العرب الذين ينتمون إليها أن الكلمة كلمتها وأن الصحراء ستظل موطىء أقدامها دون منازع.

وفي الجبهة الآخرى كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد انطلق بأصحابه البالغ عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا مستخلفا على المدينة (أبا لبابة) ومقيما (عمرو بن أم مكتوم) إماما على الصلاة بالناس، ودفع اللواء الأبيض إلى مصعب بن عمير الداعية الشاب، وأما الرايتان السوداوان فقد حمل علي إحداهما وتدعى العقاب، أما الآخرى فقد حملها بعض الأنصار. ووزع الرسول صلى الله عليه وسلم السبعين بعيرا التي كانت بحوزة المسلمين على أصحابه كل ثلاثة يتناوبون واحدا منها، ولم يكن معهم من الخيول سوى اثنتين. وعندما وصلوا قريبا من بدر حيث طريق القوافل بين مكة وبلاد الشام بعث الرسول إلى هناك اثنين من أتباعه ليتحسسا له الأخبار عن قافلة أبي

__________

(1) ابن هشام ص 148- 151 الطبري: تاريخ 2/ 421- 422، 427- 431 ابن سعد 2/ 1/ 7 الواقدي 1/ 28- 30 البلاذري: أنساب 1/ 290- 291.

(2) ابن هشام ص 155- 156 الطبري: تاريخ 2/ 424، 438 ابن سعد 2/ 1/ 7 الواقدي 1/ 43- 45 البلاذري: أنساب 1/ 290- 291.

سفيان التي كانوا يظنون أنها لا زالت في المنطقة، وانطلق هو وأصحابه في أعقابهما «1» وما لبث الرسول صلى الله عليه وسلم أن عسكر بأصحابه قريبا من ماء بدر، وعندما حلّ المساء بعث ثلاثة من رجاله المعتمدين هم الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص على رأس جماعة من المسلمين ليستطلعوا جلية الأخبار ويعرفوا شيئا عن مصير القافلة، فاستطاعوا إلقاء القبض على اثنين من سقاة قريش جاؤوا بهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم معتقدين أنهما من أتباع أبي سفيان، إلا أنهما أكدا انتماءهما للجيش القرشي الذي يعسكر الآن قريبا من المسلمين تحجبهم التلال والكثبان عنهم، فقال الرسول: أخبراني عن قريش. قالوا: هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى. فقال لهم: كم القوم؟ قالا: لا ندري. قال:

كم تنحرون كل يوم؟ قالا: يوما تسعا ويوما عشرا، فقال صلى الله عليه وسلم: القوم بين التسعمائة والألف، ثم سألهما: فمن فيها من أشراف قريش؟ فطفقا يستعرضان عددا من قادة قريش فيهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود وغيرهم، وحينذاك أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه وقال:

هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ كبدها «2» ، وقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رغم ضياع الهدف القريب المتمثل بقافلة أبي سفيان فإن عليه أن يقود أصحابه إلى هدف أبعد: أن تظل كلمتهم تتردد في جنبات الصحراء، وألايتراجع وجودهم العسكري الذي بنته السرايا السابقة صوب المدينة فتكون الهزيمة بعينها في نظر العرب جميعا. ورغم قلة السلاح ونقص الاستعداد فإن الرسول كان يجد أنه لا مناص من التوغل في الصحراء لتحقيق هذا الهدف البعيد وكأنه، بإحساسه الصادق العميق، كان يرى الهدف الذي خرجت قريش من أجله والذي تجاوز منطق الدفاع عن مصالحها التجارية المتمثلة بحماية قافلة أبي سفيان إلى تحدي المسلمين. فإن لم يتصدّ لها الإسلام في أوّل تحد حاسم فإن نكسة خطيرة ستصيب الدعوة والدولة الإسلامية على السواء.

استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وأذاع عليهم تفاصيل ما ورده من أنباء عن قريش فقام أبو بكر الصديق فقام وأحسن، وقام عمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: «يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله

__________

(1) ابن هشام ص 151- 152 ابن سعد 2/ 1/ 6- 7 الواقدي 1/ 23- 27.

(2) ابن هشام ص 154- 155، 156- 157 الطبري: تاريخ 2/ 422- 424، 425، 436- 437 ابن سعد 2/ 1/ 8- 9 الواقدي 1/ 52- 53.

لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى.. فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ «1» ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى (برك الغماد) (مدينة في الحبشة) لجالدنا معك من دونها حتى تبلغها» . وبهذا عبّر المهاجرون على لسان قادتهم عن رغباتهم العميقة في القتال دون الدعوة، وإطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رأى وجوب أخذ رأي الأنصار بعد ذلك سيما وأنهم في بيعتهم له في العقبة لم يلتزموا بقتال خارج مدينتهم، فسألهم الرسول صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أيها الناس! فقام سعد بن معاذ فقال: «قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا إنما جئت به هو الحق. فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف عنك رجل واحد، فسر على بركة الله» . فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم «2» . وتقدم بأصحابه حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به، فسأله الحباب بن المنذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل؟ أمنزلا أنزلك الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغوّر ما وراءه ثم نبني عليها حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي، ثم أمر بتنفيذ خطته. وعرض عليه سعد بن معاذ أن يقام له عريش يتولى منه قيادة المعركة، فنفذ الرسول رأيه. وما لبثت السماء أن أمطرت مطرا خفيفا فلبدت أرض الصحراء بما يتيح للمسلمين الحركة السريعة فوقها، وراح الرسول يدعو الله: اللهم هذي قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني. وعند ما حلّ الفجر صلّى بالمسلمين وراح ينظمهم صفوفا ويحرضهم على القتال «3» .

ما لبث الرسول أن أرسل عمّار بن ياسر وابن مسعود رضي الله عنهما فأطافا

__________

(1) سورة المائدة: الآية 24.

(2) ابن هشام ص 152- 153 الطبري: تاريخ 2/ 434- 435 ابن سعد 2/ 1/ 8 الواقدي 1/ 48- 49 وانظر البخاري: التجريد 2/ 76.

(3) ابن هشام ص 154- 155، 156- 157 الطبري: تاريخ 2/ 425، 440- 441 الواقدي 1/ 53- 54، 56، 58- 59 البلاذري: أنساب 1/ 293 ابن سعد 2/ 1/ 9.

بالمشركين ثم رجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله القوم مذعورون فزعون، إن الفرس ليريد أن يصهل فيضرب وجهه مع أن السماء تسحّ عليهم.. وفي معسكر قريش حدث خلاف بين قادتها، وطرح بعضهم، وعلى رأسهم حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة، رأيا بالتخلي عن القتال والعودة إلى مكة بعد ما عرفوا من نزول المسلمين قريبا منهم، إلا أن أبا جهل أصرّ على الحرب واستثار عامر بن الحضرمي بتذكيره بمقتل أخيه عمرو في سرية عبد الله بن جحش فصرخ واعمراه واعمراه الأمر الذي استفز قريشا جميعا ودفعها إلى اتخاذ موقف القتال.

وفي صبيحة الجمعة السابع عشر من رمضان تقدم الأسود بن عبد الأسد المخزومي الذي عرف بشراسة الطبع وسوء الخلق وقال: أعاهد الله لأشربنّ من حوضهم أو لأهدمنه أو أموتنّ دونه! فتصدى له حمزة بن عبد المطلب وتمكن من قتله في الحوض نفسه. وبرز عتبة بن ربيعة يحف به أخوه شيبة وابنه الوليد ودعا إلى المبارزة فخرج إليه ثلاثة من فتيان الأنصار فسألهم القرشيون: من أنتم؟ قالوا:

رهط من الأنصار. قالوا: ما لنا بكم حاجة، ونادى مناديهم يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فاستجاب الرسول لهذا التحدي وأمر عبيدة بن الحارث وحمزة وعليا رضي الله عنهم أن يتصدوا لهم. وسرعان ما تمكن حمزة من قتل شيبة وفعل علي ذلك بغريمه الوليد، أما عبيدة فقد جرح غريمه وأصابه هو الآخر بجرح مميت فانقضّ علي وحمزة على الفتى القرشي وأجهزا عليه وحملا عبيدة إلى معسكر المسلمين حيث توفي هناك «1» .

استفزت هذه البداية كلا المعسكرين فزحفا نحو بعضهما، وأصدر الرسول أوامره إلى أصحابه ألا يهاجموا حتى يأذن لهم وأن يبعدوا مهاجميهم القرشيين بالنبال، وسوّى صفوفهم، ورجع إلى العريش يصحبه أبو بكر رضي الله عنه وراح يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد) فيرد عليه أبو بكر: يا نبي الله بعض مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك! وما لبث الرسول صلى الله عليه وسلم أن انتبه فجأة وقال والبشر يكسو وجهه: (أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله!! هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع) «2» .. وانطلق الرسول صلى الله عليه وسلم يحضهم على القتال (والذي نفسي بيده لا يقاتلهم

__________

(1) ابن هشام ص 158- 160 الطبري: تاريخ 2/ 425- 426، 442- 446 ابن سعد 2/ 1/ 10- 11 الواقدي 1/ 52، 62- 70.

(2) عن دور الملائكة في المعركة انظر: الطبري: تاريخ 2/ 453- 454، 462، 463 والواقدي 1/ 70- 80.

اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر إلّا أدخله الله الجنة) فقال عمير ابن الحمام وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه وقاتل القوم حتى قتل «1» .

وراح الرسول صلى الله عليه وسلم يجالد المشركين بنفسه ويتقدم الصفوف حتى أن عليا رضي الله عنه قال فيما بعد: لما أن كان يوم بدر وحضر البأس التقينا برسول الله وكان أشد الناس بأسا وما كان منا أحد أقرب إلى العدو منه «2» ، ثم ما لبث أن أخذ حفنة من الحصباء واستقبل قريشا بها وصاح: شاهت الوجوه، وضربها بوجوههم ونادى أصحابه: شدوا، فحمل المسلمون حملة صادقة تسوقهم إلى أعدائهم موجة من الإيمان العارم ورغبة عميقة في الاستشهاد، وراحوا يحصدون صناديد قريش ويأسرون أبطالها.. وحمل معاذ بن عمرو بن الجموح على أبي جهل وقد لجأ إلى مجموعة كثيفة من الأشجار يحيط به عدد من أتباعه فضربه فقطع ساقه.

ويتحدث معاذ عما تبع ذلك فيقول «ضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطيت بها حتى طرحتها. ثم مرّ بأبي جهل وهو جريح معوّذ فضربه حتى أصابه بجرح لم يستطع معه حراكا وظل معوّذ يقاتل حتى قتل. ومرّ عبد الله بن مسعود بأبي جهل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة فوضع رجله على عنقه وقال: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ فأجاب أبو جهل: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا! فاحتزّ عبد الله رأسه «3» . وما لبثت الهزيمة أن حاقت بالمشركين الذين فرّوا من ساحة القتال لا يلوون على شيء مخلفين وراءهم ما يربو على سبعين قتيلا ومثلهم أسرى «4» . أما خسائر المسلمين فقد بلغت أربعة عشر شهيدا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، والتمس الرسول صلى الله عليه وسلم رأس أبي جهل فجاء بها عبد الله بن مسعود فحمد الله ثم أمر

__________

(1) ابن هشام ص 160- 161 الطبري: تاريخ 2/ 446- 448 الواقدي 1/ 67، 70- 71، 81 وانظر البخاري 2/ 77.

(2) الطبري: تاريخ 2/ 426.

(3) الطبري: تاريخ 2/ 254- 256 وانظر الواقدي 1/ 86- 91.

(4) الطبري: تاريخ 2/ 474 ابن سعد 2/ 1/ 11 الواقدي 1/ 138- 144، 147- 152 وانظر: المسعودي: التنبيه ص 205 اليعقوبي: تاريخ 2/ 37. أما خسائر المسلمين فقد بلغت أربعة عشر شهيدا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار: الطبري 2/ 477 ابن سعد 2/ 1/ 11 الواقدي 1/ 102، 145- 147. وعن قوائم مسلمي بدر انظر ابن كثير: البداية 2/ 315- 325.

أن يطرح قتلى المشركين في قليب قريب.. وسمعه أصحابه في جوف الليل وهو يقول: (يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أميّة بن خلف ويا أبا جهل هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا) ؟

فسأله أصحابه: يا رسول الله أتنادي قوما قد جيّفوا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني «1» . بعت الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وزيد بن الحارثة إلى المدينة ليبشروا أهلها بانتصار المسلمين، وأقبل في أعقابهما بعد تسعة عشر يوما من غيابه عنا مستصحبا معه أسرى المشركين بعد أن قسّم الغنائم على المسلمين على السواء. وعند الروحاء قريبا من المدينة لقيه المسلمون الذين لم يخرجوا للقتال يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين،.. وما أن وصل المدينة حتى فرّق الأسارى بين أصحابه وقال: استوصوا بالأسارى خيرا، وما لبثت قريش أن بعثت في فداء أسراهم، ففودي كل أسير بين الألف والأربعة آلاف درهم ومن لم يكن منهم يملك شيئا منّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم «2» .

[,

أسباب انتصار المسلمين في معركة بدر الكبرى

]

ثمة أسباب عديدة تمخضت عن انتصار القلة على الكثرة في معركة بدر الحاسمة، ولا بأس هنا أن نلخص أهم هذه الأسباب التي عرضها (خطّاب) في كتابه (الرسول القائد) لأنها يمكن أن تعد الأسباب النموذجية التي تفسر لنا الكثير من الانتصارات التي حققها المسلمون ضد أعدائهم الذين يفوقونهم عددا وعدة، ليس في عصر الرسول فقط بل فيما تلاه من عصور وأول هذه الأسباب:

,

القيادة الموحدة:

كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائد العام للمسلمين في معركة بدر، وكان المسلمون يعملون كيد واحدة تحت قيادته يوجههم في الوقت الحاسم للقيام بعمل حاسم، وهذا هو واجب القائد الكفء. وكان ضبط المسلمين في تنفيذ أوامر قائدهم مثالا رائعا للضبط الحقيقي المتين، وإذا كان الضبط أساس الجنديّة، وإذا كان الجيش الممتاز هو الذي يتحلى بضبط ممتاز، فقد كان جيش المسلمين جيشا ممتازا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، وأن معنى الضبط هو إطاعة الأوامر وتنفيذها

__________

(1) ابن هشام ص 161- 163 الطبري 2/ 449- 450، 456- 457 الواقدي 1/ 81، 111- 112.

(2) ابن هشام ص 163- 168 الطبري 2/ 458- 459 ابن سعد 2/ 1/ 12 والواقدي 1/ 114- 116.

بحرص وأمانة وعن طيبة خاطر، وقد فعل المسلمون ذلك لأن قائدهم يتحلى بصفات القائد المثالي.. ضبطا للأعصاب في الشدائد، شجاعة نادرة في المواقف، مساواة لنفسه مع أصحابه، استشارة في كل عمل حاسم. أما المشركون فلم يكن لهم قائد عام، كان أكثر سراة قريش مع قوات المشركين ولكن البارزين من هؤلاء على ما يظهر رجلان هما عتبة بن ربيعة وأبو جهل، ولم يكونا على رأي واحد وليس لهم هدف موحد، لذلك طغت الأنانية الفردية على المصلحة الموحدة أثناء القتال.

,

التعبئة الجديدة:

طبّق الرسول صلى الله عليه وسلم في (مسير الاقتراب) من المدينة إلى بدر تشكيلة لا تختلف بتاتا عن التعبئة الحديثة في حرب الصحراء، كان لهم مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة، واستفاد من دوريّات الاستطلاع للحصول على المعلومات، وتلك هي الأساليب الصحيحة لتشكيلات مسير الاقتراب في حرب الصحراء حتى في العصر الحاضر. أما في المعركة فقد قاتل المسلمون بأسلوب الصفوف بينما قاتل المشركون بأسلوب الكر والفر وهو أسلوب قديم لا يلائم الأوضاع المستجدة.

,

العقيدة الراسخة:

رأينا كيف كان جواب المهاجرين والأنصار للرسول حين استشارهم في قتال قريش، فقد كان للمسلمين أهداف معينة يعرفونها ويؤمنون بها هي أن تترك الحرية الكاملة لهم لبث دعوتهم حتى تكون كلمة الله العليا، فما هي أهداف قريش من حربها إلا أن تنحر الجزور وتطعم الطعام وتشرب الخمر وتعزف القيان فتسمع العرب بمسيرها فيهابونها أبدا بعدها؟ وهل نستطيع تسمية ذلك أهدافا أم أن ذلك طيش وغرور وعصبية جاهلية؟

,

المعنويات العالية:

شجع الرسول أصحابه قبل القتال وأثناءه وقوّى معنوياتهم حتى لا يكترثوا بتفوق قريش عليهم عددا، ولم تكن معنويات الذين مارسوا الحرب وعرفوها من المسلمين عالية فحسب إنما كانت معنويات الأحداث الصغار الذين لم يمارسوا حربا ولا قتالا عالية أيضا ... لقد أثبتت كافة الحروب في كافة أدوار التاريخ أن

التسليح والتنظيم الجيدين والقوة العددية غير كافية لنيل النصر ما لم يتحلّ المقاتلون بالمعنويات العالية بالإضافة إلى كل ذلك «1» ، ولقد تمخضت معركة بدر عن نتائج مهمة، فقد هددت طرق تجارة المكيين وهي عصب حياتهم وأضعفت هيبة مكة ونفوذها على العرب، ونمّت قوة الإسلام وعززت دولته الجديدة في المدينة، وانفسح المجال لنشر دعوته وازداد التضامن بين المهاجرين والأنصار قوة وتماسكا. وكان تشريع خمس الغنائم في أعقاب بدر ذا خطورة عظيمة نظرا لأنه أول تشريع قرآني مالي رسمي غير الزكاة توطد به بيت المال في الإسلام وتيسر تحقيق ما دعا إليه القرآن من مساعدة الطبقات المحتاجة والإنفاق في سبيل مصالح المسلمين العامة بأسلوب رسمي غير قائم على التبرّع «2» .

__________

(1) انظر بالتفصيل: شيت خطاب: الرسول القائد ص 78- 84.

(2) عزة دروزة: سيرة الرسول 2/ 329- 330. وعن الآيات المتعلقة بمعركة بدر انظر: سورة الأنفال: الآيات 1 4، 5- 14، 17- 19، 20- 28، 36- 44، 45- 49، 67- 72.




كلمات دليلية: