withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


سرية قتل كعب الأشرف من كتاب مرويات الإمام الزهري في المغازي

سرية قتل كعب الأشرف من كتاب مرويات الإمام الزهري في المغازي

اسم الكتاب:
مرويات الإمام الزهري في المغازي

المبحث الثاني: في مقتل كعب بن الأشرف

52- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس1، أن الحكم ابن نافع2 حدثهم قال: أخبرنا شعيب3، عن الزهري، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه، وكان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، وكان كعب بن الأشرف4 يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون؛ يعبدون الأوثان، واليهود؛ وكانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم

__________

1 قد ذكر ابن إسحاق أن مقتل كعب بن الأشرف كان قبل أحد. انظر: ابن هشام 2/ 273، وذكر الواقدي أن قتله كان على رأس خمسة وعشرين شهراً في ربيع الأول، المغازي 1/ 184، وذكر ابن سعد في الطبقات 2/ 31، أن مقتله كان لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2 هو: الحكم بن نافع البهراني بفتح الموحدة، أبو اليمان الحمصي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، يقال: إن أكثر حديثه عن شعيب ... ، من العاشرة، توفي سنة اثنتين وعشرين، ع، التقريب 176 رقم (1464) .

3 شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم، واسم أبيه دينار، أبو بشر الحمصي، ثقة عابد، قال ابن معين: من أثبت الناس في الزهري، من السابعة، توفي سنة اثنتين وستين أو بعدها، ع، التقريب 267 رقم (2798) .

4 هو: كعب بن الأشرف، من بني طيء، ثم أحد بني نبهان، ولكن أمه من بني النضير، البداية 4/ 5.

وأصحابه: فأمر الله عزوجل نبيه بالصبر والعفو، ففيهم أنزل الله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} 1 الآية، فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطاً يقتلونه، فبعث محمد بن مسلمة 2، وذكر قصة قتله3، فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون فغدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: طُرِق4 صاحبنا فقتل، فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول، ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه وبينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة5.

__________

1 سورة البقرة آية (33) .

2 محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الحارثي، أبو عبد الرحمن المدني حليف بني عبد الأشهل، ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة في قول الواقدي وهو ممن سمي في الجاهلية محمداً، شهد بدراً وما بعدها إلا تبوك. الإصابة 3/ 383.

3 ستأتي قصة قتله في الرواية الآتية رقم (53) .

4 طرق: أي جاؤوه ليلاً، وكل آت بالليل طارق. النهاية 3/ 121.

5 سنن أبي داود 3/ 154 رقم (300) وقد قال عنه الألباني في صحيح أبي داود 2/581- 582، صحيح الإسناد، ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 198، وأخرجه أيضاً من طريق عبد الكريم بن الهيثم قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري فذكره بلفظ أتم مما عند أبي داود، ولكنه مرسل وسيأتي. انظر: دلائل النبوة 3/ 196- 198، والسنن الكبرى 9/ 183،

__________

وتاريخ الإسلام للذهبي، قسم المغازي 161، قال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 337، وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك عن أبيه: (أن كعب بن الأشرف ... ) فذكر طرفاً منه.

يرجح الدكتور أكرم العمري في السيرة النبوية الصحيحة (1/ 276- 277) أن الوثيقة في الأصل وثيقتان، ثم جمع المؤرخون بينهما، إحداهما تتناول موادعة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود، والثانية توضح التزامات المسلمين من مهاجرين وأنصار، وحقوقهم وواجباتهم، ثم ذكر ان الراجح عنده أن وثيقة اليهود كتبت قبل موقعة بدر الكبرى، وقد استند في ترجيحه هذا إلى روايات ذكرها أبو عبيد في الأموال (رقم 518) والبلاذري في أنساب الأشراف (1/ 286) ، أما طلب اليهود من النبي صلى الله عليه وسلم بعد مقتل ابن الأشرف أن يكتب لهم صحيفة كما في رواية أبي داود الصحيحة فإنه لا مانع بعد مقتل كعب أن تعاد كتابة الصحيفة تأكيداً أو تجديداً لتعود الطمأنينة إلى النفوس بعد هذه الحادثة التي أرعبت يهود والمشركين. ويذكر الدكتور العمري أن الوثيقة بين المهاجرين والأنصار قد كتبت بعد وثيقة موادعة يهود. المصدر السابق.

ورواية أبي داود هذه أصح من تلك الروايات التي تدل على أن وثيقة موادعة يهود كانت قبل بدر، لكن لا بد من التوفيق الذي ذكره العمري؛ لأن بني قينقاع قد أجلوا قبل حادثة مقتل كعب بن الأشرف، وقد كان سبب إجلائهم كما ذكر ابن إسحاق أنهم أول يهود نقضوا ما بينهم ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأُحد.

انظر: ابن هشام (2/ 47) .

53- وقال ابن شبة1: قال الحزامي2، حدثنا ابن وهب، عن حيوة بن شريح3 وابن لهيعة4، عن عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه،

__________

1 تاريخ المدينة لابن شبة 2/459، بسند صحيح إلى عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 76 رقم (154) .

وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً} قال: هو كعب بن الأشرف، ثم ذكر قصة مقتله بألفاظ مقاربة لما عند ابن شبة، انظر: تفسير عبد الرزاق 1/ 142، وأخرج الواقدي عن الزهري، عن كعب بن مالك، فذكر نحوه، المغازي (1/ 184) ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 33، من طريق الزهري مختصراً، ومن طريق ابن سعد ذكره ابن سيد الناس في عيون الأثر 1/ 452.

2 هو إبراهيم بن المنذر، تقدم في الرواية رقم (1) .

3 حيوة بن شريح، بفتح أوله وسكون التحتانية، وفتح الواو، بن صفوان التجيبي، أبو زرعة المصري، ثقة ثبت فقيه زاهد، من السابعة، مات سنة ثمان وقيل تسع وخمسين، ع، التقريب 185، رقم (1600) .

4 هو عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء ابن عقبة الحضرمي، أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة أربع وسبعين، وقد ناف على الثمانين، م د ت ق، التقريب 319 رقم (3563) .

ويحرض عليهم كفار قريش في شعره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهي أخلاط: منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم المشركون الذين يعبدون الأوثان، ومنهم اليهود أهل الحلقة، والحصون، وهم حلفاء الحيّين الأوس والخزرج، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم استصلاحهم وموادعتهم، وكان الرجل يكون مسلماً وأبوه مشركاً، والرجل يكون مسلماً وأخوه مشركاً، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذونه أشد الأذى، فأمر الله نبيه والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزل تبارك وتعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} 1 وفيهم أنزل الله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 2 فلما أبى كعب أن ينزع عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذى المسلمين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ في خمسة3 رهط، فأتوه عشية في مجلسه

__________

1 سورة آل عمران آية (186) .

2 سورة البقرة آية (109) .

3 ذكر الطبراني في روايته أربعة هم: 1- سعد بن معاذ، 2- محمد بن مسلمة، 3- وأبو عيسى بن حبر الأنصاري، 4- والحارث بن أخي سعد بن معاذ. معجم الطبراني الكبير 19/ 77 رقم (154) .

بالعوالي1، فلما رآهم كعب أنكر شأنهم، وكاد يذعر منهم، فقال لهم: ما جاء بكم؟

قالوا: بنا حاجة إليك.

قال: فليدن إلي بعضكم فليحدثني بها، فدنا إليه بعضهم، فقال: جئناك لنبيعك أدراعاً لنا نستعين بأثمانها.

فقال لهم: والله لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم ثم جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل، ثم واعدهم أن يأتوه عشاءً حين يهدأ عنه الناس، فجاؤوه فناداه رجل منهم، فقام ليخرج إليهم، فقالت له امرأته: ما طرقوك ساعتهم هذه لشيء مما تحب.

قال: بلى، إنهم قد حدثوني حديثهم، فخرج إليهم، فاعتنقه محمد بن مسلمة2، وقال لأصحابه: لا تستنكروا إن قتلتموني وإياه جميعاً، قال: وطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته، فلما قتلوه فزعت اليهود ومن كان

__________

1 المقصود بالعوالي: عالية المدينة، وهي ما كان في الجهة الجنوبية من المدينة وأدناها إلى المسجد النبوي يبعد ميلاً، انظر: وفاء الوفاء للسمهودي 4/ 1260- 1262، ويطلق على تلك الجهات (العوالي) إلى يومنا هذا، انظر: معجم المعالم الجغرافية 197.

2 محمد بن مسلمة، تقدم التعريف به في الرواية رقم (50)

معهم من المشركين، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا، فقالوا: قد طُرق صاحبنا الليلة، وهو سيد من ساداتنا فقتل غيلة1، فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوله في أشعاره ويؤذيهم به، ودعاهم إلى أن تكتب بينهم وبين المسلمين صحيفة فيها جماع أمر الناس، فكتبها صلى الله عليه وسلم.

54- وأخرج ابن شبّ َة من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان كعب ابن الأشرف اليهودي أحد بني النضير قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء، وفد على قريش فاستعان بهم عليه، فقال أبو سفيان بن حرب: أناشدك، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه، وأننا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق فإنا نطعم الجزور الكوماء2، ونسقي اللبن ونطعم ما هبت الشمال.

قال: أنتم أهدى سبيلاً، ثم خرج مقبلاً قد أجمع رأي المشركين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم معلناً بعداوته وهجائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لنا من ابن الأشرف؟ قد استعلن بعداوتنا وهجائنا وقد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا، وقد أخبرني الله بذلك، ثم قدم على أخبث ما كان ينتظر قريشاً أن تقدم فينا طبائعهم3، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين ما

__________

1 غيلة: أي خفية واغتيال: وهو أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد، النهاية 3/ 403.

2 الجزور الكوماء: أي مشرفة السنام عاليته. النهاية 4/ 211.

3 هكذا في المطبوع من تاريخ ابن شبة 2/ 455، والصواب: [أن يقدم فيقاتلنا معهم] . كما في مغازي موسى بن عقبة، جمع ودراسة وتخريج: محمد باقشيش أبو مالك، ص: 181.

أنزل الله فيه أن كذلك، والله أعلم، قال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} 1 وآيات معها فيه وفي قريش2.

__________

1 سورة النساء آية (51) .

2 تاريخ المدينة 2/ 454- 455، وهو مرسل.

وقصة مقتل كعب بن الأشرف ذكرها البخاري في صحيحه، انظر: الفتح 7/ 336 رقم (4037) ، ومسلم رقم (1801) ، وأبو داود كما مر رقم (3000) ، وابن هشام في السيرة 2/ 51، والواقدي في مغازيه 1/ 184، وابن سعد 2/ 33، والمعجم الكبير للطبراني 19/ 76 رقم (154) ، والبيهقي في الدلائل 3/ 187، وفي السنن له 9/ 81- 82 كما مر، وتفسير عبد الرزاق 1/ 142، وتفسير الطبري 8/ 466 الأثر رقم (9786) فما بعده، وتاريخه 2/ 495، وعيون الأثر لابن سيد الناس 1/ 142، وتاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي 161.

المبحث الثالث: في سرية مقتل ابن أبي الحُقيق

55- عبد الرزاق1 عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن

__________

1 مصنف عبد الرزاق (5/ 407) رقم 9747.

وقد اختلف المؤرخون في تحديد السنة التي وقعت فيها هذه السرية، فذكر البخاري عن الزهري معلقاً قال: وقال الزهري: هو بعد كعب بن الأشرف، الصحيح مع الفتح (7/ 340) ، قال الحافظ: وقد وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عن حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري. الفتح (7/ 342) ، وتغليق التعليق 4/ 107، وقد استقرأت تاريخ الفسوي ولم أجده، أما ابن إسحاق فقد ذكرها عقب الخندق وقريظة. ابن هشام (2/ 273) .

وقد كانت الخندق وقريظة في السنة الخامسة.

وقد وافق الواقدي ابن إسحاق وأضاف لها تحديداً أدق فقال: خرجوا ليلة الاثنين في السحر لأربع خلون من ذي الحجة على رأس ستة وأربعين شهراً وغابوا عشرة أيام. المغازي (1/ 391) ، وقال بعد أن ساق الخبر: ويقال: كانت السرية في شهر رمضان سنة ست. المصدر السابق (1/ 395) .

أما ابن سعد فقد جعلها سنة ست في رمضان. الطبقات الكبرى (2/ 91) .

وأرخها الطبري في النصف من جماد الآخرة من السنة الثالثة. تاريخ الطبري (3/ 6) .

والسبب في إرسال تلك السرية أنَّ أبا رافع كان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه. البخاري رقم (4039) . وفي رواية أبي الأسود عن عروة التي أخرجها البيهقي في الدلائل (4/ 38) : أن سلام بن أبي الحقيق أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب يدعوهم إلى قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعل لهم الجعل العظيم.

كعب بن مالك1 قال: إن مما صنع الله لنبيه أن هذين الحيين من الأنصار - الأوس والخزرج - كانا يتصاولان2 في الإسلام كتصاول الفحلين لا يصنع الأوس شيئاً إلا قالت الخزرج: والله لا تذهبون به أبداً فضلاً علينا في الإسلام، فإذا صنعت الخزرج شيئاً، قالت الأوس مثل ذلك، فلما أصابت الأوس كعب بن الأشرف، قالت الخزرج: والله لا ننتهي حتى نجزئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي أجزأوا عنه، فتذاكروا أوزن3 رجل من اليهود، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في قتله، وهو سلاَّم بن أبي الحقيق4 الأعور، أو أبو رافع بخيبر، فأذن لهم في قتله، وقال: "لا تقتلوا وليداً ولا

__________

1 عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري أبو الخطاب المدني، ثقة من كبار التابعين، ويقال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، توفي في خلافة سليمان، ع، التقريب (ص: 349) .

2 الصولة: الحملة والوثبة، والمعنى: أي لا يفعل أحدهما شيئاً إلا فعل الآخر معه شيئاً مثله. النهاية (3/ 61) .

3 أوزن القوم: أوجههم. القاموس. وزن.

4 اختلف المؤرخون في اسم أبي الحقيق. فذكر البخاري، أن اسمه: عبد الله بن أبي الحقيق، ويقال: سلاّم بن أبي الحقيق. انظر: الصحيح مع الفتح (7/340) ، أما عروة بن الزبير فذكر أن اسمه: سلام بن أبي الحقيق. انظر: دلائل البيهقي (4/38) ، وكذلك قال الزهري كما في هذه الرواية، وابن إسحاق (ابن هشام 2/273) وابن سعد في الطبقات (2/91) ، وكنيته أبو رافع، والحقيق: بمهملة وقاف مصغر. الفتح (7/342) .

امرأة"1، فخرج إليهم رهط2 فيهم عبد الله بن عتيك3 وكان أمير القوم أحد بني سلمة، وعبد الله بن أنيس4، ومسعود بن سنان5، وأبو قتادة6، وخزاعي بن أسود7 - رجل من أسلم - حليف لهم، ورجل

__________

1 نَهْيُ النبي صلى الله عليه وسلم سرية ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان: أخرجها مالك في الموطأ، كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو، حديث رقم 3، وأبو عبيد في الأموال رقم (99) وابن زنجويه في الأحوال رقم (151) ، كلهم من طريق ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مرسلاً.

وأخرجه الشافعي في المسند (2/118) رقم (394) والحميدي في مسنده (2/385) رقم (874) وابن أبي شيبة (12/381-382) رقم (14061) وسعيد بن منصور في سننه رقم (2627) والبخاري في التاريخ الكبير (5/310) ، والبيهقي في السنن (9/77، 78) ومعرفة السنن والآثار له (13/225) والطحاوي في شرح معاني الآثار (10/221) كلهم من طريق الزهري عن ابن كعب بن مالك عن عمه. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (10/ 221) من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك.

2 الرهط من الرجال ما دون العشرة. النهاية 2/283.

3 عبد الله بن عتيك: - بفتح المهملة وكسر المثناة - ابن قيس بن الأسود من بني سلمة بكسر اللام. الفتح (7/343) .

4 عبد الله بن أنيس الجهني، أبو يحيى حليف بني سلمة من الأنصار. الفتح (7/343) . الإصابة 2/278) .

5 مسعود بن سنان الأسلمي، حليف بني سلمة، شهد أحداً، واستشهد باليمامة. الفتح (7/343) .

6 أبو قتادة: ربعي الأنصاري، المشهور أن اسمه الحارث، وستأتي ترجمته في غزوة تبوك.

7 خزاعي بن أسود، وقيل: أسود بن خزاعي الأسلمي، حليف بني سلمة من الأنصار.. وذكره موسى بن عقبة عن ابن شهاب في قتلة ابن أبي الحقيق. الإصابة (1/42-43) ، والفتح (7/343) .

آخر يقال له: فلان بن سلمة1، فخرجوا حتى جاءوا خيبر، فلما دخلوا البلد عمدوا إلى كلّ بيت منها فغلقوا من خارجه على أهله، ثم أسندوا إليه في مشربة2 له في عجلة من نخل3، فأسندوا فيها حتى ضربوا عليه بابه، فخرجت إليهم امرأته، فقال: ممن أنتم؟ فقالوا: نفر من العرب أردنا الميرة4، قالت: هذا الرجل ادخلوا عليه، فلما دخلوا عليه5، أغلقوا عليهم الباب ثم ابتدروه بأسيافهم، قال قائلهم: والله ما دلني عليه إلا بياضه على الفراش في سواد الليل، كأنه قبطية6 ملقاة، قال: وصاحت بنا

__________

1 لم أقف على اسمه.

2 المشربة: - بالضمّ ,الفتح - الغرفة. النهاية (2/455) .

3 في عجلة من نخل: هو أن ينقر الجذع ويجعل فيه مثل الدرج ليصعد فيه إلى الغرف وغيرها.

وأصل العجلة: خشبة معترضة على البئر والغرب معلق بها. النهاية (3/186) .

وقال الحافظ: "العجلة: - بفتح المهملة والجيم ـ: السلم من الخشب". الفتح (7/344) .

4 المِيرة: - بالكسر - جلب الطعام. القاموس (مير) .

5 الذي في صحيح البخاري رقم (4039) و (4040) من حديث البراء أن الذي دخل هو عبد الله بن عتيك وحده، حيث جاء فيه: "فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أن ادخل..".

6 كأنه قبطية: القبطية: الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء. النهاية (4/ 6) .

امرأته، قال: فيرفع الرجل منا السيف ليضربها به، ثم يتذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولولا ذلك فرغنا منها بليل، قال: وتحامل عبد الله بن أنيس1 بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وكان سيئ البصر، فوقع من فوق العجلة، فوثيت2 رجله وثياً منكراً، قال: فنزلنا فاحتملناه، فانطلقنا به معنا حتى انتهينا إلى مَنْهَر3 عين من تلك العيون، فمكثنا فيه.

قال: وأوقدوا النيران وأشعلوها في السعف وجعلوا يلتمسون ويشتدون، وأخفى الله عليهم مكاننا، قال: ثم رجعوا، قال: فقال بعض أصحابنا أنذهب فلا ندري أمات عدو الله أم لا؟ فخرج رجل منا حتى حشر في الناس، فدخل معهم، فوجد امرأته مكبة وفي يدها المصباح، وحوله رجال يهود، فقال قائل منهم: أما ولله لقد سمعت صوت ابن عتيك، ثم أكذبت نفسي، فقلت: وأنّى ابن عتيك بهذه البلاد؟ فقالت شيئاً ثم رفعت رأسها، فقال: فاض4 وإله يهود - تقول مات -، قال: فما سمعت كلمة كانت ألذّ منها في نفسي، قال: ثم خرجت فأخبرت

__________

1 الذي في صحيح البخاري رقم (4039) و (4040) أن عبد الله بن عتيك هو الذي قتله.

2 الوثء: وصم يصيب اللحم ولا يبلغ العظم، أو هو توجع في العظم بلا كسر. اللسان: (وثأ) . وعند البخاري رقم (4040) فانكسرت ساقي فعصبتها.

3 المنهر: شق في الحصن يجري منه الماء. القاموس (نهر) .

4 فاض: أي مات. القاموس (فاض) .

أصحابي أنه قد مات، فاحتملنا صاحبنا، فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بذلك.

قال: وجاؤوه يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على المنبر يخطب، فلما رآهم قال: " أفلحت1 الوجوه" 2.

56- وقال ابن شبة: حدثنا محمد بن سليمان بن أبي رجاء3 قال:

__________

1 الفلاح: البقاء والفوز والظفر. النهاية (3/ 469) .

2 وقد أخرج ابن إسحاق نحوه من طريق الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك (ابن هشام 2/ 273) .

وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري في التاريخ (2/ 495) ، والبيهقي في الدلائل (4/33) ، وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 98) مختصراً.

ومن طريق ابن إسحاق أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 462) عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك والذي في سيرة ابن هشام (2/ 273) عن عبد الله بن كعب بن مالك مصرحاً فيها بالتحديث.

وأخرج نحوه ابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 464) من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب مرسلاً.

وقد أخرجه البخاري في الصحيح من غير طريق الزهري، وذلك من حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه. انظر: البخاري مع الفتح (7/ 340- 342) رقم (4039، 4040) .

3 هو: محمد بن سليمان بن أبي رجاء الهاشمي، أبو سليمان، يروي عن ابن أبي الزناد، الثقات لابن حبان 9/ 95.

حدثنا إبراهيم بن سعد1، عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أنه أخبره أن الرهط الذين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل ابن أبي الحقيق قتلوه ثم أتوا يوم الجمعة، والنبي قائم على المنبر، فلما رآهم قال: (أفلحت الوجوه) ، قالوا: أفلح وجهك يا رسول الله2، قال: "أقتلتموه؟ " قالوا: نعم. قال: فدعا بالسيف الذي قتلوه به وهو قائم على المنبر فسله، ثم قال: “أجل هذا طعامه في ذباب السيف” وكان الرهط الذين قتلوه: عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن أنيس، وأسود الخزاعي - حليفاً لهم - وأبا قتادة فيما يظن إبراهيم3 - قال إبراهيم: ولا أحفظ الخامس4.

__________

1 إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد، ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح من الثامنة، ت سنة خمس وثمانين، ع، التقريب 89.

2 قوله: "أفلح وجهك يا رسول الله" أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 464) من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب.

3 في سنن البيهقي (3/ 221- 222) من طريق إبراهيم بن سعد: فيما يظن الزهري، ولا يحفظ الزهري الخامس ... ) .

4 تاريخ المدينة (2/ 467) ، وهو: حديث مرسل.

والحديث أخرجه البيهقي في السنن (3/ 221- 222) ، من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري به، وأخرجه البيهقي في الدلائل (4/ 34) من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال ابن كعب ... فذكره.



كلمات دليلية: