withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


بداية الاضطهادات ضد الرسول وأصحابه_17803

بداية الاضطهادات ضد الرسول وأصحابه


الكلام على منابذة قريش له حين أمره الله باظهار الدعوة وان يصدع بما يؤمر

]

ثم ان الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه وأن ينادي الناس بأمره وأن يدعو اليه وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستسر به الى أن أمره الله باظهاره ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه ثم قال له اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وقال وأنذر عشيرتك الاقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقل إنى أنا النذير المبين وقال وقل إني برىء مما تعملون وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبى وقاص في نفر معه يصلون إذ ظهر عليهم نفر من المشركين فناكروهم حتى قاتلوهم فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا من المشركين بلحيي بعير فشجه فكان أوّل دم أهريق في الاسلام. ولما أظهر النبى صلى الله عليه وآله وسلم دعوة الحق لم يتفاحش أمرهم حتى ذكر عيب آلهتهم فاشتدوا عليه وأجمعوا الشر له فحدب عليه عمه أبو طالب وعرض نفسه عيطلة بفتح العين والطاء المهملتين بينهما تحتية ساكنة وأصل العيطلة الطويلة العنق في حسن الجسم قاله في القاموس (بادواء) مصروف وهو جمع داء (متنوعة) أى نوع داء كل واحد غير نوع داء الآخر قال الواحدي في التفسير أومأ جبريل بأصبعه الى ساق الوليد والى عين أبي زمعة والى رأس الاسود والى بطن الحارث والى قدم العاص بن وائل وقال للنبي صلى الله عليه وسلم كفيت أمرهم فمر الوليد على قين الخزاعة وهو يجر ثيابه فعلقت بثوبه شوكة فمنعه الكبر ان يخفض رأسه فينزعها فجعلت تضرب ساقه فخدشته حتى قطعت كساءه فلم يزل مريضا حتى مات ووطيء العاص على شبرقة فحكت رجله فلم يزل يحكها حتى مات وعمي أبو زمعة وأخذت الاكلة رأس الاسود وأخذ الحارث ألم في بطنه فمات حينا (ارسالا) أي أفواجا (فشا) بالفاء والمعجمة أي ظهر (وتحدث به) مبني للمفعول (وأنذر) أي أعلم مع تخويف (واخفض جناحك) أي ألن جنابك (واستخفوا) من الاستخفاء ضد الاستظهار (فبينا) قال في القاموس هي بين اتسعت فتحتها فجذبت الفا وبين أو بينما من حروف الابتداء والاصمعي يخفض بعد بينا اذا صلح موضعه بين وغيره يرفع ما بعدها على الابتداء والخبر (فناكروهم) أي أنكروا ذلك عليهم (بلحيي) تثنية لحي بفتح اللام أفصح من كسرها (فكان أوّل) بالنصب خبر كان واسمها مضمر فيها أي فكان ذلك الضرب (أهريق) بضم الهمزة وفتح الهاء وسكونها أى صب (فحدب) بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين قال الجوهري حدب عليه يحدب أي يعطف (أبو طالب) اسمه عبد مناف على الصحيح وقيل اسمه كنيته (وعرض نفسه) أي جعل نفسه

للشر دونه

[,

خبر اشتداد قريش على أبي طالب ووثوب كل قبيلة على من اسلم منها يعذبونه

]

فلما رأت قريش ذلك اجتمع أشرافهم ومشوا الي أبى طالب وقالوا له ان ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فاما أن تكفه عنا واما أن تخلى بيننا وبينه فانك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما هو عليه فشرى الأمر بينهم وبينه حتى تولدت احن وضغائن ثم مشوا الى أبى طالب مرة أخرى وأعذروا اليه في أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم واشتد قولهم في ذلك فعظم على أبي طالب فراق قومه ولم يطب نفسا بخذلانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قد بدا لعمه تركه والعجز عن نصرته فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يسارى على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا فقال له يابن أخى قل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبدا ثم مشوا الى أبى طالب مرة أخرى بعمارة بن الوليد بن المغيرة وكان من أنهد شبانهم وأجملهم وعرضوا عليه أن يتخذه ولدا بدلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم بئسما تسومونني به أتعطونى ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابنى تقتلونه هذا والله ما لا يكون ابدا فتنابذوا وتذامروا للحرب ووثبت كل قبيلة على من اسلم منهم دونه عرضا يقيه بها المكاره (وسفه) أي نسب الى السفاهة (أحلامنا) جمع حلم بكسر الحاء وسكون اللام وهو العقل (وضلل آباءنا) أي نسبهم الى الضلالة (قولا رفيقا) بفاء ثم قاف أي لينا (فشري) بفتح المعجمة وكسر الراء أي ثار وعظم (إحن) جمع إحنة كمحنة وهي الضغن (وضغائن) بمعجمتين جمع ضغن بكسر أوله وهو البغض والعداوة (فعظم) مثلث الظاء والضم أشهر (ولم يطب نفسا) أي لم تطب نفسه (قد بدا) بغير همز (والله لو وضعوا الشمس في يميني الى آخره) علق ترك هذا الامر بأعلى درجات الاستحالة تنبيها على ان ترك ذلك الامر بهذه المثابة وفيه اشارة الى ان الامر الذي أراده أظهر من الشمس والقمر فكانه قال الامر الظاهر لا يحال عليه الا الى ما هو أظهر منه وجعل الشمس في يميني والقمر في يساري تنحط درجته في الظهور عن ذلك الامر (أو أهلك) بكسر اللام (ثم استعبر) أي أظهر العبرة (باكيا) حال (اسلمك) بضم الهمزة وسكون المهملة مخفف (أنهد) أي أقوى كما مر (تسومونني) أي ما تعرضون على من سام السلعة اذا عرضها للبيع (أتعطوني) بهمزة الاستفهام الانكاري وضم أوله رباعي (اغذوه) بالمعجمتين من الغذاء أي اربيه (فتنابذوا) أي تطارحوا العهود التي بينهم وأعلم كل منهم الآخر انه حرب له (وتذامروا للحرب) بالمعجمة تفاعلوا من الذمار وهو الغضب أو الهلاك (ووثبت)

يعذبونه ثم اخذ ابو طالب يحشد بطون قريش خصوصا بني عبد مناف لكونه أخص بهم وهم أربعة بطون بنو هاشم وبنو المطلب وبنو عبد شمس وبنو نوفل فاجابه وقام معه بنو هاشم وبنو المطلب وخذله البطنان الآخران وانسلخ معهم أبو لهب فلذلك يقول أبو طالب في قصيدته المشهورة:

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شر عاجلا غير آجل

بميزان قسط لا يخيس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عايل

وقال في قصيدة أخرى:

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... وتيما ومخزوما عقوقا ومأثما

ولما ثبّت الله بني المطلب دخلوا مع بنى هاشم في خصائصهم التى اختصوا بها بقرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكفاءة وسهم ذوى القربي وتحريم الزكاة فلم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام دليله ما ثبت عن جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذوي القربى بين بنى هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بنى المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وشبك بين أصابعه* ولما رأى أبو طالب من قومه ما أعجبه قال فيهم:

اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرها وصميمها

أي قامت بسرعة (يحشد) باهمال الحاء واعجام الشين أى يحرش ويجمع (لكونهم أخص) بالنصب اما خبر واما حال والثاني على ان الكون بمعنى الوقوع (في قصيدته) هى كلمات يقصد بها الشاعر بيان مقصوده فهي فعيلة بمعنى مفعولة أي مقصود ما فيها (عبد شمس ونوفلا) أي بينهما (عاجلا) صفة للعقوبة ذكره على ان المراد بالعقوبة العقاب أو المصدر محذوف أي جزاء عاجلا أو حال لشر على لغة مجيء الحال بعد النكرة (لا يخيس) باعجام الخاء واهمال السين من خاس أي غدر قال الشمني ويقال يخوس (دليله ما ثبت) في صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي (جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل بن عبد مناف أسلم بعد الحديبية قبل الفتح وقيل أسلم في الفتح مات سنة سبع وخمسين أو ثمان وخمسين أو تسع وخمسين أقوال (أنا وعثمان) بالرفع للعطف والنصب على انه مفعول معه (شيء واحد) روي بالمعجمة مع الهمز وبالمهملة المكسورة وتشديد الياء والسى المثل (اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر) أي للتفاخر بآبائها والتبذح بانسابها واحسابها (فعبد مناف سرها) أي خيارها وسر كل شيء خياره (وصميمها)

فان حصلت أشراف عبد منافها ... ففي هاشم أسرارها وقديمها

وإن فخرت يوما فان محمدا ... هو المصطفى من سرها وكريمها

تداعت قريش غثها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها

وكنا قديما لا نقر ظلامة ... اذا ما ثنوا صعرى الخدود نقيمها

ونحمى حماها كل يوم كريهة ... ونضرب عن أحجارها من يرومها

بنا انتعش العود الذواء وإنما ... باكنافنا تندى وتنمى أرومها

[خبر اجتماع قريش الى الوليد بن المغيرة وتآمرهم فيما يرمونه به صلي الله عليه وسلم]

ثم ان قريشا اجتمعوا الى الوليد بن المغيرة وتآمروا بينهم فيما يرمون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حضور الموسم لتكون كلمتهم فيه واحدة فعرضوا على الوليد الشعر والكهانة والجنون والسحر كل ذلك لا يلوقه لهم وقال والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا هو من كلام الجن وان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق بالمهملة والصميم الخالص من كل شيء (فان حصلت) بتشديد المهملة مبني للمفعول أي جمعت (وقديمها) أي الذي له القدم في خصال الشرف (وكريمها) بالضم معطوف على هو المصطفى (غثها) بمعجمة فمثلثة أى هزيلها (وسمينها) ضده واستعار ذلك للفقير والغني والوضيع والشريف (وطاشت) باهمال الطاء واعجام السين أي خفت (حلومها) أي عقولها (لا تقر) بضم أوله رباعي (اذا ماثنوا) أي أمالوا كبرا (صعر الخدود) بصاد مضمومة وعين ساكنة مهملتين وهو من اضافة الصفة الى الموصوف أي الخدود الصعر وهي المائلة (نقيمها) هو جار على رفع الجزاء بعد الشرط الماضي قال ابن مالك

* وبعد ماض رفعك الجزا حسن* (ونحمى حماها) الحما ما يحميه السلطان من الكلا لرعي مواشيه فلا يستطيع رعيه أحد من الناس (كل يوم كريهة) أي حرب عظيمة تكرهها النفوس لشدتها (عن أحجارها) بتقديم المهملة على الجيم أى حصونها وروى عكسه أى بيوتها ومساكنها (من يرومها) يطلبها بسوء (بنا انتعش) أى قام (العود الذوا) بالمعجمة المفتوحة والمد أى الذاوى وهو الذابل اليابس واستعير هنا (باكنافنا) بالنون أى جوانبنا (تندى) بفتح الفوقية وسكون النون أى تترطب ومنه الارض الندية (وتنمى) بوزن الاول أى يكثر (أرومهاء) بضم الهمزة والراء جمع أرومة وهي من أسماء الاصل كما مر (وتآمروا) تشاوروا وزنا ومعنا (في حضور الموسم) بوزن المجلس مشتق من السمة وهي العلامة لانه جعل علامة للاجتماع (والكهانة) بكسر الكاف وفتحها مر ذكرها (لا يلوقه) بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه بعده قاف أى لا يراه لائقا (آنفا) بمد الهمزة وقصرها أى قريبا وقيل أوّل وقت كنا فيه وقيل الساعة. قال ابن حجر وكله بمعنى وهو من الاستئناف (لحلاوة) بالنصب اسم ان والحلاوة ضد المرارة (لطلاوة) بضم المهملة وفتحها أى حسنا وبهجة وقبولا (وان أسفله لمغدق) ولابن هشام لغدق بفتح

وانه يعلو ولا يعلى وكان قد سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوّل حم غافر وكاد الوليد أن يسلم لولا ما سبق عليه من تحتم الشقاء ثم قالوا وكيف نقول ففكر في نفسه ثم قال ان أقرب القول أن تقولوا ساحر يفرق بين الرجل وأهله وزوجته ومواليه فتفرقوا على ذلك وجعلوا يلقونه الى من يقدم عليهم من العرب ونزل في الوليد قوله تعالى ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً الآيات كلها وفيما صنفوه من القول في القرآن الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ

الغين المعجمة وكسر الدال المهملة من الغدق وهو الماء الكثير ولابن اسحق بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة والعذق النخلة بجملتها قال السهيلي وهي أحسن لان بها آخر الكلام يشبه أوله (وكان قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس وذكره ابن اسحق والمفسرون في كتبهم وابن عبد البر في الاستيعاب من غير اسناد وفي الاحياء في أدب التلاوة ان القصة كانت مع خالد بن عقبة (أول حم غافر) الى قوله الْمَصِيرُ كذا ذكره البغوي وغيره في سورة المدثر وذكر في سورة النحل ان مسموع الوليد ان الله يأمر بالعدل والاحسان الآية فيحمل على تعدد القصتين وقد جرى لعتبة بن ربيعة قريب مما جرى للوليد بن المغيرة وكان مسموعه أوّل حم فصلت الى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أخرجه البغوي من حديث جابر (وكاد) أي قرب (ان يسلم) لانه لما سمع الآيات انصرف الى منزله فقالت قريش صبأ والله الوليد والله لتصبون قريش كلها وكان يقال للوليد ريحانة قريش فقال لهم أبو جهل أنا أكفيكموه فانطلق فقعد الى جنب الوليد حزبنا فقال له الوليد مالي أراك حزينا يابن أخى قال وما يمنعني ان لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون انك زينت كلام محمد وتدخل على ابن أبى كبشة وابن أبى قحافة لتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد وقال ألم تعلم قريش إنى من أكثرهم مالا وولدا وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل ثم قام مع أبى جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم أتزعمون ان محمدا مجنون فهل رأيتموه يجن قط قالوا اللهم لا قال تزعمون انه كاهن فهل رأيتموه يكهن قالوا اللهم لا قال تزعمون انه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط قالوا اللهم لا قال تزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيأ من الكذب قالوا لا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمي الامين قبل النبوة من صدقه فقالت قريش للوليد فما هو ففكر في نفسه ثم نظر أي في طلب ما يدفع به القرآن ويرده ثم عبس وبسر أي كلح وكره وجهه ونظر بكراهية شديدة كالمهتم المتفكر في نفسه (تنبيه) دخول ان على كاد لغة ضعيفة والمشهور حذفها فكان ينبغي ان يقول وكاد الوليد يسلم (يلقونه) بضم أوله رباعي (يقدم) بفتح أوله وثالثه من قدم بمعنا جاء وقدم (ذرني) أي اتركني وهو متضمن للوعيد البليغ والتهديد الشديد (ومن خلقت) أي خلقته في بطن أمه (وحيدا) منفردا لا مال له ولا ولد وكان يسمي الوحيد في قومه (و) نزل (فيما صنفوه) اي نوعوه (من القول في القرآن الذين) بدل من المقتسمين وهم

عِضِينَ* ولما كان ذلك وخشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التى يعوذ فيها بالحرم وبمكانه منه وتودد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم أنه غير مسلم لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتى يهلك دونه وجملتها أحد وثمانون بيتا تركناها ايثارا للاختصار وعدم الاكثار وانما نشير الى أصول القصص ومقاصدها دون فضولاتها وزوائدها وسنذكر ما استحسنا من القصيدة المذكورة فيما بعد ان شاء الله تعالى* ولما شاع في البلاد تشاجر قريش وبلغ الاوس والخزرج بالمدينة قال في ذلك أبو قيس بن الاسلت الواقفي قصيدة وبعث بها اليهم يذكرهم نعم الله عليهم ويحذرهم شؤم الحرب وعواقبها ووخيم مشاربها وكان أبو قيس صهرا لهم ذامودة وحياطة لهم ومنعنا من ذكرها ما ذكرنا في قصيدة أبي طالب*

[,

مطلب في مناواة قريش له صلى الله عليه وسلم بالذي وذكر طرفا مما آذوه به

]

ثم ان قريشا لم ينجع فيهم شئ من ذلك ولم يؤثر لما وقع في قلوبهم من الشنآن والبغض لامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولما تحتم لهم في علم الله من دائرة الشقاء المشار اليه بقوله تعالى وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يألو داعيا الى سبيل ربه مرة بالترغيب ومرة بالترهيب ومرة بالقول اللين وأخرى بالتبكيت والقول ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقار مكة وطرقها وقعدوا على انقابها يقولون لمن جاء من الحجاج لا تغتروا بهذا الرجل الخارج الذي يدعى النبوة يقول طائفة منهم انه مجنون وطائفة انه كاهن وطائفة انه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فاذا سئل عنه قال صدق (أولئك) يعنى المقتسمين قاله مقاتل وقيل ان الآية نزلت في اليهود والنصارى حكى عن ابن عباس ومجاهد (عضين) قيل هو جمع عضو مأخوذ من قولهم عضيت الشيء أعضيه اذا فرقته وقيل هي جمع عضه على وزن وجه وقيل عدة وهو الكذب والبهتان (ولما كان ذلك) أي وقع (دهماء العرب) بفتح المهملة وسكون الهاء وبالمد أى غائلتهم (غير مسلم) بالتخفيف (القصص) بالكسر جمع قصة وأما بالفتح فمصدر (مقاصدها) أي المواضع المقصودة منها (فضولاتها) جمع فاضلة (ما استحسنا) بهمز وصل ثم مهملة ساكنة من الاستحسان (فيما بعد) بالبناء على الضم (شاع) أي ظهر (تشاجر قريش) بالمعجمة والجيم أي أي تخالفهم وتنازعهم والشجر بالفتح الامر المختلف (وبلغ الاوس والخزرج) هما القبيلتان المشهورتان من الانصار وسيأتي ذكرهما فيما بعد (ابن الاسلت) بالمهملة والفوقية (الواقفى) نسبة الى واقف كفاعل من الوقوف فخذ من الاوس وهو لقب مالك بن امرئ القيس (شؤم الحرب) بالهمز وهو نقيض اليمن (ووخيم مشاربها) بالمعجمة اي وبيء (وحياطة) بمهملة مكسورة ثم مثناة وبعد الالف مهملة أى نصرة وصيانة (لم ينجع) بفتح التحتية والجيم اي لم يؤثر (من الشنآن والبغض) مترادفان وفي نون الشنآن التحريك والسكون (المشار) بالكسر (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) أي فمن كفر منهم كفر لسابق علم الله فيه (لا يألو) أى لا يقصر ومنه لا يألونكم خبالا (داعيا) حال (بالتبكيت) بفوقية فموحدة وبعد الكاف تحتية ثم فوقية هو والتقريع

الخشن فسبحان من شدد عزائمه وقوى دعائمه وشرح صدره وأعلى قدره وسدده بتسديده وأيده بتأييده وكفاه وحماه حيث نصب وجهه وقام وحده يدعو الى أمر مستغرب لا يعرف الا من جهته ولا يسمع الا منه ولولا كفاية العزيز الوهاب لما أغنى عنه سطته في عشيرته ولا شرف أبي طالب* ومع ذلك فقد نالوه بضروب من الاذى في بعض الاحيان وكان في ذلك سر تحقيق الامتحان الذى هو مدرجة التعبد ومظنة الصبر ومضمار التكليف ورأس التأسى وعنوان الايمان وتحقيق مقام النبوة الذين هم أشد الناس بلاء وبذلك تتبين جواهر الرجال فمن أعظم ما بلغنا في ذلك ما رويناه بسندنا السابق صدر الباب الى أبى عبد الله البخارى رحمه الله قال حدثني عياش بن الوليد بن مسلم حدثني الاوزاعى حدثني يحيى بن أبى كثير عن محمد ابن ابراهيم التيمي حدثني عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت اخبرنى والتوبيخ متقارب (الخشن) ضد اللين (شدد) بالمعجمة أي قوي (وسدده) بالاهمال اي وفقه (وأيده) أي قواه ونصره (حيث) مبنية على الضم (سطة) بكسر السين وفتح الطاء المهملتين اي توسطه (سر) بالرفع (مدرجته) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح الراء وهي الطريق والمذهب (ومظنة) بفتح الميم وكسر المعجمة ومظنة الشيء الموضع الذي يظن حصوله فيه (ومضمار) أي محل جريان (التكليف) والمضمار في الاصل موضع جري الفرس (التأسى) أي الاقتداء (وعنوان) بضم المهملة وكسرها هو ما يكتب على رأس الكتاب من اسم المكتوب اليه (الذين هم أشد الناس بلاء) أخرج أحمد والبخارى والترمذى من حديث سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض وما عليه خطيئة وأخرجه البخاري في التاريخ من حديث أزواج النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي. وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث أخت حذيفة وأخرجه ابن ماجه وأبو يعلى والحاكم من حديث أبي سعيد بلفظ أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلي بالفقر حتى ما يجد الا العباءة يحويها فيلبسها ويبتلي بالفقر وبالقمل حتى يقتله ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء (عياش بن الوليد) بالتحتية والمعجمة هو الرقام مات سنة ست وعشرين ومائتين (الوليد بن مسلم) هو الحافظ أبو العباس عالم أهل الشام مات سنة مائة وخمس وتسعين (الاوزاعى) اسمه عبد الرحمن بن عمرو امام الشام في عصره. قال الذهبي كان رأسا في العلم والعبادة مات في الحمام في صفر سنة سبع وخمسين ومائة. قال النووي وهو منسوب الى موضع بباب الفراديس يقال له الاوزاع وقيل الى قبيلة وقيل غير ذلك (يحيى بن أبي كثير) هو الامام أبو نصر اليمني الطائي مولاهم قال أيوب ما بقى على وجه الارض مثل يحيى بن أبي كثير وكان عابدا عالما ثبتا مات سنة مائة وتسع وعشرين (محمد بن ابراهيم التيمى) هو المدني أبو عبد الله الفقيه ثقة قال أحمد روي مناكير مات سنة اثنتي عشرة ومائة (عبد الله بن عمرو بن العاص) ابن وائل السهمي يكنى أبا محمد وأبا عبد الرحمن أسلم قبل أبيه

بأشد شئ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلى في حجر الكعبة اذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فاقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله الآية* وبه قال حدثنا أحمد بن اسحق حدثنا عبد الله بن موسي قال حدثنا اسرائيل عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال بينما رسول الله صلى وكان فاضلا عالما قرأ القرآن والكتب المتقدمة. قال أبو هريرة ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني الا عبد الله بن عمرو فانه كان يكتب ولا أكتب قال سعى بن مانع قال لى عبد الله حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل توفي بالطائف وقيل بمصر سنة خمس وستين (ابن أبي معيط) بمهملتين مصغر (خنقا) بكسر النون وسكونها (احمد بن اسحاق) هو السلمي السرماري البخاري من يضرب بسخائه المثل. وقال الذهبى وغيره قتل ألفا من الترك توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قال أبو محمد الاصيلي ينسب الى قرية تدعي سرمار بفتح السين ويقال بكسرها (عبيد الله بن موسي) هو ابو محمد العبسي الحفاظ وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي وعثمان بن أبي شيبة وآخرون. قال ابن سعد كان ثقة صدوقا حسن الهيئة على تشيعه وبدعته. وروى أحاديث في التشيع منكرة فمن ثم ضعفه كثير وعاب عليه أحمد غلوه في التشيع مع تقشفه وعبادته مات في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ومائتين (اسرائيل) هو ابن يونس بن أبى اسحاق الشيعى أحد الاثبات. قال أحمد ثقة وتعجب من حفظه وقال مرة هو وابن معين وأبو داود كان أثبت من شريك وقال أبو حاتم هو من أتقن أصحاب أبي اسحاق وضعفه ابن المدنى توفي سنة اثنتين وستين ومائة (أبي اسحاق) اسمه عمرو بن عبد الله الهمذانى الشيعي أحد الاعلام. قال الذهبي وكان صواما قواما عاش خمسا وتسعين سنة ومات سنة سبع وعشرين ومائة وهو منسوب الى سبيع بوزن سميع. ابن سبيع بطن من العرب قاله في القاموس (عمرو بن ميمون) هو الاودي أبو عبد الله ادرك الجاهلية وأسلم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره فهو معدود من كبار التابعين وكان كثير الحج والعبادة مات سنة أربع وسبعين (عن عبد الله بن مسعود) هو ابن غافلة بالمعجمة والفاء ابن غنم بن سعد بن قريم بن صاهلة بن كاهل بن سعد بن هذيل بن مدركة قديم الاسلام شهد بدرا والمشاهد كلها قال صلى الله عليه وسلم لو كنت مؤمرا أحدا على أمتى من غير مشورة لامرت عليهم ابن أم عبد أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث على وأم عبد أمه هى بنت عبد ود من هذيل. أيضا قال الذهبى روي ان عبد الله خلف تسعين ألف دينار سوى الرقيق والمواشى وكانت وفاته بالمدينة كما سبق قال فيه عمر رضي الله عنه كنيف ملئ علما. قال النووى في التهذيب الكنيف تصغير كنف وهو الوعاء الذى يجعل فيه الخياط أداته كانه أشار الى قصر ابن مسعود وكان قصيرا حتى يكاد الجالس يوازيه وهو تصغير تحبب وتعظيم لا تصغير تحقير. ونقل بعضهم عن أهل التواريخ ان طول عبد الله كان ذراعين

الله عليه وآله وسلم قائم يصلى عند باب الكعبة وجمع قريش في مجالسهم اذ قال قائل منهم ألا تنظرون الى هذا المرائى أيكم يقوم الى جزور آل فلان فيعمد الى فرثها ودمها وسلاها فيجئ به ثم يمهله حتى اذا سجد وضعه بين كتفيه فانبعث أشقاهم فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضعه بين كتفيه فثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساجدا فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك فانطلق منطلق الى فاطمة وهي جويرية فاقبلت تسعى وثبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساجدا حتى ألقته عنه وأقبلت عليهم تسبهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة قال اللهم عليك بقريش ثلاثا ثم سمى اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبى معيط وعمارة ابن الوليد قال عبد الله والله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا الى القليب قليب بدر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتبع أهل القليب لعنة. وبه قال حدثنا الحميدى حدثنا سفيان (عند باب الكعبة) لمسلم عند البيت (وجمع قريش في مجالسهم) له وأبو جهل في أصحاب له جلوس وقد نحروا جزورا بالامس (اذ قال قائل منهم) فيه انه أبو جهل (جزور) بفتح الجيم (فيعمد) بفتح الميم في المستقبل وكسرها في الماضي أفصح من عكسه (فرثها) بفتح الفاء وسكون الراء ثم مثلثة أى رجيعها (وسلاها) بفتح المهملة وتخفيف اللام والقصر اللفافة التى يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوانات وهي من الآدميين المشيمة (فانبعث أشقاهم) في احدي روايات مسلم انه عقبة بن أبي معيط (فوضعه بين كتفيه) قال في الديباج. فان قيل كيف لم يخرج من الصلاة بهذه النجاسة. أجاب النووي بانه لم يعلم ما هي (حتي مال) أي سقط (من) شدة (الضحك) زاد مسلم والبخاري في رواية وانا قائم أنظر لو كانت لى منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم (فانطلق) أى ذهب (جويرية) اي صبية تسعي أي تعدو (اللهم عليك بقريش ثلاثا) زاد مسلم والبخاري في رواية وكان اذا سأل سأل ثلاثا وانه رفع صوته وانهم لما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ففيه ندب تثليث الدعاء ورفع الصوت به اذا ترتب على ذلك ارهاب للكفار (بعمرو بن هشام) يعنى أبا جهل وبدأ به لانه كان السبب في ذلك كما مر (والوليد بن عتبة) ووقع في مسلم عقبة بالقاف وهو غلط (فو الله لقد رأيتهم) أي معظمهم فان عمارة بن الوليد هلك بالحبشة وعقبة بن أبي معيط حمل من بدر أسيرا وقتل بعرق الظبية كما سيأتي (صرعى) جمع صريع بالاهمال بوزن سميع أي هالك زاد مسلم والبخاري في بعض الروايات قد غيرتهم الشمس وكان يوما حارا (ثم سحبوا) أي ما عدا أمية بن خلف فانه تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر (الفليب) بالقاف والموحدة البئر التي لم تطو (الحميدي) مصغر هو عبد الله بن الزبير القرشي الاسدي المكي الفقيه أحد الاعلام. قال الفسوي ما لقيت أنصح للاسلام وأهله منه مات سنة تسع عشرة ومائتين (سفيان) هو ابن عيينة أبو محمد الهلالي مولاهم الكوفي الاعور أحد الاعلام ثقة ثبت حافظ امام

حدثنا بيان واسماعيل قالا سمعنا قيسا يقول سمعت خبابا يقول أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت ألا تدعو الله تعالى فقعد وهو محمر وجهه فقال لقد كان من قبلكم ليمشط بامشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمنّ الله عز وجل هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت ما يخاف الا الله عز وجل او الذئب على غنمه. وهذا من احسن الاحاديث الدالة على التأسى وهو في ضمن قوله تعالى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ

على تدليس فيه مات في رجب سنة سبع وتسعين ومائة (بيان) بفتح الموحدة والتحتية هو ابن نسر المؤذن يكنى أبا بشر (واسمعيل) هو ابن أبي خالد الكوفي الحافظ الطحان توفي سنة ست وأربعين ومائة (قيسا) هو ابن أبي حازم أبو عبد الله البجلي الاخمسي أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره وهو من كبار التابعين روي عن العشرة الا عبد الرحمن بن عوف وثقوه الا يحيى بن سعيد فانه قال هو منكر الحديث ثم ذكر له حديث نباح كلاب الحوأب مات سنة سبع وتسعين (خبابا) هو ابن الارت أبو عبد الله التميمى ويقال الخزاعي حليف بني زهرة قال الكاشغري وهو عربي سبي في الجاهلية فبيع بمكة وهو ممن سبق الى الاسلام سادس ستة وعذب في الله تعالى مات سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وصلى عليه علي بن أبى طالب (برده) نوع من أكسية اليمن اسود مربع فيه صغر يلبسه الاعراب وجمعه برد قاله الجوهري (فقعد وهو محمز وجهه) قيل من النوم وقيل من الغضب (بامشاط) في رواية للبخاري بمشاط جمع مشط كرمح ورماح وارماح (المنشار) بكسر الميم مع الهمز وقد يترك همزه وقد يبدل نونا (من صنعاء) بالمد قصبة اليمن قيل هي أوّل مدينة بنيت بعد الطوفان بناها سام بن نوح (حضرموت) مدينة باليمن يجوز فيها بناء الاسمين وبناء الاول واعراب الثاني قيل سميت بذلك لان هودا أو صالحا لما دخلها حضره الموت وقيل ان صالحا مات بمكة وبين حضرموت وصنعاء نحو اثنتي عشرة مرحلة والمراد من ذلك بيان انتفاء الخوف عن المسلمين من الكفار فانتفاء ما قيل من عدم المبالغة في الامن لقرب المسافة بينهما ويحتمل ان المراد صنعاء الروم أو صنعاء دمشق (تنبيه) أخرج هذا الحديث أيضا من حديث خباب مسلم وأبو داود والنسائى (ما يخاف الا الله الى آخره) هذا من اعلام النبوة قيل يقع في آخر الزمان وقيل بل وقع (التأسى) هو الاقتداء والاتباع (أم حسبتم) أى حسبتم والميم صلة قاله الفراء أو بل حسبتم قاله الزجاج ومعناه أظننتم أيها المؤمنون (ولما) أي ولم وما صلة (مثل) أي شبه (خلوا) أي مضوا وسلفوا (من قبلكم) أي من النبيين والمرسلين (مستهم) أي أصابتهم (البأساء) أى الفقر والشدة والبلاء (والضراء) أي المرض والزمانة (وزلزلوا) أي حركوا بأنواع البلايا والرزايا وخوفوا (حتى يقول) أي حتى قال فمن ثم قرأ نافع برفع اللام لان حتى تستعمل في المستقبل الذى بمعنى الماضى على أحد وجهين له (متى نصر الله)

أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ وقوله تعالى وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ الآيات الثلاث وقوله تعالى فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ والآيات في هذا المعنى كثيرة مشهورة. ومن ذلك ما رويناه في صحيح مسلم بروايتي له عن شيخي الامام الحافظ المسند تقى الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد القرشى الهاشمى العلوى عرف بابن فهد إجازة مشافهة بالمسجد الحرام سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وهو ما سمعته على غيره قال انا الشيخ الامام العلامة زين الدين ابو بكر بن الحسين بن عمر العثماني المراغي ثم المدنى سماعا عليه انا به ابو الفتح عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد المقدسى انا به ابو العباس احمد بن عبد الدائم المقدسي انا به ابو عبد الله محمد بن علي بن صدقة الحراني انا به مسند الآفاق محمد بن الفضل الفراوي ما زال بهم البلاء حتى قالوا ذلك استبطاء للنصر (الا ان نصر الله قريب) لان كل ما سيجيء فهو قريب وكان نزول هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة البرد والخوف وضيق العيش وأنواع الاذى كما قال تعالى وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ قاله قتادة والسدي وقيل بل في شأن الهجرة وما تركوا لله عز وجل من الاموال والديار بمكة في أيدي المشركين ووقعوا فيه من المحنة باليهود قاله عطاء بن أبي رباح وقيل نزلت في حرب أحد (وقوله) بالجر عطف على الاول (وَكَأَيِّنْ) قرأه الجمهور بوزن كعين وقرأه ابن كثير على وزن فاعل ومعناه وكم (قاتَلَ مَعَهُ) وقاتل قراءتان مشهورتان (رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) أى جموع كثيرة (فَما وَهَنُوا) أى فما جبنوا (أُولُوا الْعَزْمِ) أي ذوو الحزم والجد والصبر (مِنَ الرُّسُلِ) تبعيضية وأولو العزم هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الانعام وهم الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ان يقتدى بهم وقيل هم ستة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى المذكورون على النسق فى سورة الاعراف والشعراء وقال مقاتل هم ستة نوح صبر على أذى قومه وابراهيم صبر على النار واسحاق صبر على الذبح ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ويوسف صبر على البئر والسجن وأيوب صبر على الضر وقال ابن زيد هم جميع الرسل ما عدا يونس وقال ابن عباس وقتادة وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى أصحاب الشرائع فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة وسيأتي ذكرهم في كلام المصنف (المسند) اسم فاعل من الاسناد وهو ان تنسب الحديث الى غيرك (تقي الدين) بالفوقية (عرف) بالتخفيف والتشديد (بابن فهد) على لفظ الفهد المعروف (المقدسي) بكسر الدال نسبة الى بيت المقدس (صدقة) بالمهملتين والقاف بوزن شجرة (الحرانى) بفتح المهملة وتشديد الراء وبعد الالف نون كمامر (الفراوي) بفتح الفاء وتخفيف الراء.

قال النووي منسوب الى فراوة بليدة من ثغر خراسان قال وهو بفتح الفاء وضمها فاما الفتح فهو المشهور المستعمل بين أهل الحديث وغيرهم ونقل عن السمعاني وغيره انه ضبطه بفتح الفاء فقط وكانت وفاته في

انابه أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي انا به ابو احمد الجلودى حدثنا ابو اسحق ابراهيم بن محمد بن سفيان (ح) وكما يرويه شيخنا تقى الدين اعلا من هذه الدرجة عن شيخه المسند ابراهيم بن محمد بن صديق الدمشقى عن ابي النون يونس بن ابراهيم ان ابا الحسن على بن عبد الله انبأه عن الحافظ ابى الفضل محمد بن ناصر ان الحافظ ابا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منده أنبأه عن محمد بن زكرياء النيسابوري ثنا به مكى بن عبدان قال وابن سفيان ثنا به الحافظ ابو الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى رحمه الله. قال وحدثني ابو الطاهر احمد بن عمرو بن سرح وحرملة بن يحيى وعمر بن سواد العامرى والفاظهم متقاربة قالوا انا ابن وهب أخبرنى يونس عن ابن شهاب حدثنى عروة بن الزبير ان عائشة زوج العشر الاواخر من شوال سنة ثلاثين وخمسمائة (عبد الغافر الفارسي) هو ابن أحمد بن محمد بن سعيد الفارسي الفسوي النيسابورى التاجر كان شيخا ثقة صالحا محفظوظا دينا ودنيا عاش خمسا وتسعين سنة وألحق احفاد الاحفاد بالاجداد. وتوفي يوم الثلاثاء ودفن يوم الاربعاء السادس من شهر شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة على الصحيح (أبو أحمد) هو محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن بن عمرويه بن منصور النيسابوري (الجلودى) بضم الجيم منسوب الى الجلود المعروفة أو الى حلة الجلوديين بنيسابور الدارسة قولان. وغلط ابن السكيت وابن قتيبة فقالا ان الجلودى بفتح الجيم منسوب الى جلود اسم قرية بافريقية أو بالشام الا أن يريدا من نسب الى هذه القرية فهو مفتوح وقد مر ان الجلودي ليس منسوبا اليها وكان الجلودى شيخا صالحا زاهدا من كبار عباد الصوفية صحب أكابر المشايخ من أهل الحقائق وكان ينسخ الكتب ويأكل من كسب يده وكان متمذهبا بمذهب سفيان الثوري مات يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذى الحجة سنة ثمان وستين وثلثمائة عن ثمانين سنة. قال الحاكم أبو عبد الله وختم بوفاته سماع صحيح مسلم (أبو اسحق ابراهيم بن محمد بن سفيان) النيسابوري الفقيه الزاهد العابد المجتهد المستجاب الدعوة مات فى رجب سنة ثمان وثلاثمائة (صديق) بالتشديد (ابن منده) بفتح الميم والمهملة بينهما نون ساكنة (زكريا) بالمد والقصر (ابن عبدان) بفتح المهملة وكسرها ثم موحدة (قال وابن سفيان) أي قال مكى بن عبدان المذكور في السند الثاني ومحمد بن سفيان المذكور في السند الاول (أحمد بن عمرو) بن عبد الله بن عمرو (ابن سرح) بمهملات هو المصرى مولي بني أمية توفي سنة خمس وعشرين ومائتين (حرملة بن يحيى) ابن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي. قال فيه سفيان كان صندوقا من أوعية العلم. وقال أبو حاتم لا يحتج به مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين عن سبع وسبعين سنة (عمرو بن سواد) بفتح المهملة وتشديد الواو هو العامري كان ثقة مأمونا مات سنة خمس وأربعين ومائتين (ابن وهب) بفتح الواو وسكون الهاء ثم موحدة هو أبو محمد الفهري مولاهم أحد الاعلام. قال يونس بن عبد الاعلى طلب للقضاء فجنن نفسه وانقطع توفي سنة سبع وتسعين ومائة (يونس) بن يزيد الايلي أحد الاثبات توفي سنة تسع وخمسين

النبى صلى الله عليه وآله وسلم حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة اذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني الى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهى فلم أستفق الا بقرن الثعالب فرفعت رأسى فاذا أنا بسحابة قد اظلتنى فنظرت فاذا فيها جبريل عليه السلام فنادانى فقال يا محمد ان الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم على فقال يا محمد ان الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثنى ربك اليك لتأمرنى بما شئت إن شئت ان اطبق عليهم الاخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيأ وابن عبد ياليل هذا وإخوته رؤساء أهل الطائف وكان هذا حين قدم عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم الى الله تعالى فأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون خلفه حتي اجتمع عليه الناس وسيأتى خبرهم فيما بعد ان شاء الله تعالى عند ذكر عرض نفسه على القبائل صلى الله عليه وآله وسلم.

ومائة (وكان أشد) بالضم والفتح (ياليل) بالتحتية بوزن هابيل (كلال) بضم الكاف وتخفيف اللام واسم ابن عبد ياليل هذا كنانة أسلم وحسن اسلامه على الصحيح وقيل لم يسلم ومات بأرض الروم (مهموم) أي قد غشينى الهم (فلم أستفق) أى لم أتفطن لنفسى (بقرن الثعالب) هو قرن المنازل ميقات أهل نجد على مرحلتين من مكة أضيف الى الثعالب لكثرتها به (أظلتني) بالمعجمة فقط (ملك الجبال) أي الموكل بها.

قال ابن حجر ولم يسم (الاخشبين) تثنية أخشب بمعجمتين وموحدة بوزن أحمد والاخشبان جبلا مكة أبو قبيس ومقابله المشرف على قعيقعان سمى الجنحتان أو الخط بضم المعجمة بعدها مهملة. وقال أبو وهب الاخشبان الجبلان اللذان تحت العقبة بمنى تحت المسجد (ارجوان يخرج الله من أصلابهم الى آخره) فيه مع صبره وحلمه وشفقته ورأفته ورحمته وحرصه على هداية أمته صلى الله عليه وسلم معجزة له فقد وقع الامر كما رجا أسلم كثير ممن خرج من أصلابهم وهذا الحديث في صحيح البخاري وغيره أيضا (الطائف) بلد على مرحلتين أو ثلاث من مكة من جهة المشرق. قال في التوشح قيل ان أصلها ان جبريل اقتلع الجنة التي كانت لاصحاب الصريم فسار بها الى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حول الطائف فسمى الموضع بها وكانت أولا بنواحي صنعاء انتهى. قال السهيلي وكانت تلك الجنة بحوران على فراسخ من صنعاء فمن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما حولها من الارضين انتهى وقيل سميت بذلك لان رجلا من كندة من حضرموت أصاب دما من قومه فلحق بثقيف فأقام فيهم وقال لهم ألا أبني لكم حائطا يطيف ببلدكم فبناه فسمى به الطائف ذكره البكري وغيره وفي تفسير البغوى وغيره ان جبريل اقتلع أرض الطائف من الاردن وفلسبطين والله أعلم (فأغروا) من الاغراء وهو التحريش (يسبونه) السب هو ذكر الشخص بما ليس فيه

ولما نزل قوله تعالى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد صلى الله عليه وآله وسلم على الصفا فجعل ينادى يا بنى فهر يا بنى عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل اذا لم يستطع ان يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرأيتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي تريد ان تغير عليكم أكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك الا صدقا قال فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت تبت يدا ابى لهب وتب ما اغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا الآية رواه البخارى وفي رواية فيه قال يا معشر قريش او كلمة نحوها اشتروا انفسكم لا أغنى عنكم من الله شيأ يا بنى عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيأ يا عباس بن عبد المطلب لا أغنى عنك من الله شيأ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ زاد البخارى ومسلم وغيرهما في بعض الروايات ورهطك منهم المخلصين وكان ذلك قرآنا ثم نسخ (صعد) بكسر العين في الماضى وفتحها في المستقبل (فجعل ينادي يا بني عدي الى آخره) للبغوي وغيره انه نادى يا صباحاه (أبو لهب) اسمه عبد العزى وكني بذلك لان وجهه كان يتلهب جمالا.

قال بعضهم وذلك لما علم الله انه من أهل النار ذات اللهب (أرأيتكم) أي ارأيتم والكاف للتأكيد معناه الاستخبار أى أخبرونى وفوقيته مفتوحة في الواحد والمثنى والجمع ويقال للمؤنث بكسر الفوقية والكاف وفي الجمع كجمع المذكر لكن بنون بدل الميم (لو اخبرتكم الى آخره) فان قلت لم قدم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قبل الابلاغ (قلت) جعله توطئة له وليعلم بذلك أنهم لا يتهمونه بالكذب وان كفرهم مجرد جحود (خيلا) اسم جنس لا واحد له من لفظه (بالوادي) فيه الاشارة الى قرب العذاب الذى جعل هذا مثلا له (ان تغير) بضم أوله رباعى وفي رواية صحيحة لو أخبرتكم ان العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا بلى (مصدقى) بتشديد الياء مكسورة أو مفتوحة (نعم) بفتح العين وكسرها قرئ بهما في القرآن والرواية بالفتح (تبت) أى خابت وخسرت والتباب الهلاك والخسار (يدا أبي لهب) أى هو واليدان صلة (وتب) قرئ شاذا وقد تب الاول دعاء والثاني خبر كما يقال أهلكه الله وقد فعل (رواه) من حديث ابن عباس (البخارى) ومسلم والترمذي (يا معشر قريش) المعشر الجماعة (أو) قال (كلمة) شك من الراوى اشتروا أنفسكم أى آمنوا فاشتروا بالايمان نفوسكم لا أغنى عنكم من الله شيأ معنى ذلك اني لا أنفع بمحض القرابة من لم يؤمن منكم كابى طالب وأبى لهب والتخفيف من العذاب عنهما في النار ليس هو لمحض القرابة بل لامر آخر مذكور في نص الحديث وهذا يوافق معنى قوله صلى الله عليه وسلم من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه أخرجه مسلم وغيره ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم أوّل من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الاقرب فالاقرب من قريش ثم الانصار ثم من آمن بي واتبعنى من اليمن ثم من سائر العرب ثم الاعاجم ومن أشفع له أولا أفضل أخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن عمرو لان هذا فيمن تتأتى فيه الشفاعة وأما من لم يؤمن ولو كان في أعلا درجات القرب منه صلى الله عليه وسلم فليس بهذه المثابة

ويا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا أغنى عنك من الله شيأ ويا فاطمة بنت محمد سلينى ما شئت من مالى لا أغنى عنك من الله شيأ

[,

تتمة لهذا المطلب في العوارض البشرية التى لحقته صلى الله عليه من جراء ذلك

]

(قال المؤلف) كان الله له جميع ما ذكرناه مما اصابه صلى الله عليه وآله وسلم من الامتحان على تبليغ الرسالة قال في معناه القاضى عياض رحمه الله وفيما أصابه أيضا من الاوجاع والاسقام قال وهذا كله ليس بنقيصة فيه لان الشىء انما يسمى ناقصا بالاضافة الى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه وقد كتب الله على أهل هذه الدار فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون وخلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واشتكي وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقه الغضب والضجر وناله الاعياء والتعب ومسه الضعف والكبر وسقط فجحش شقه وشجه الكفار وكسروا رباعيته وسقي السم وسحر وتداوى واحتجم وتنشر وتعوذ ثم قضى نحبه ولحق بالرفيق الاعلى وتخلص من دار الامتحان والبلوى وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها وأصاب غيره من الانبياء ما هو أعظم منها فقتلوا قتلا ورموا في النار ونشروا ولا ينافي الحديث الآخر قوله صلى الله عليه وسلم كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة الا نسبي وصهرى أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر لان معناه عدم ظهور آثار النسب يومئذ الا اليه صلى الله عليه وسلم فان أثره يظهر في شفاعته لقرابته قبل باقى الامة كما مر (يا بني عبد) بالجر بالاضافة (يا عباس ابن) بنصب ابن وفي الاول الرفع والنصب وكذا يا صفية عمة ويا فاطمة بنت (وخلق البشر) هو من أسماء بنى آدم (بمدرجة) بالدال المهملة والراء بوزن ترجمة هى المذهب والمسلك والطريق كما مر (الغير) بكسر المعجمة وفتح التحتية. قال الشمنى هو الاسم من قولك غيرت الشيء فتغير (والقر) بضم القاف هو البرد (فجحش) بضم الجيم وكسر المهملة ثم معجمة أي خدش (وسقى السم) بتثليث السين والفتح والضم أفصح (وتنشر) من النشرة وهي الرقية والتعويذ وسميت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها أى تجلي عنه. قال ابن الانصارى وفي كتب وهب بن منبه ان النشرة ان يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي وذوات قل أى قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد والمعوذتين ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به فانه يذهب كل عاهة ان شاء الله وهو جيد للرجل اذا حبس عن أهله. وذكر النووى خلافا للسلف في جوازها وان الصحيح الجواز. قال السهيلي وذكر البخاري عن سعيد بن المسيب انه سئل عن النشرة للذى يؤخذ عن أهله فقال لا بأس لم ينه عن الصلاح انما نهي عن الفساد ومن استطاع ان ينفع أخاه فلينفع انتهى وأخرج أبو داود حديثا مرفوعا ان النشرة من عمل الشيطان وذلك محمول على نشرة فيها شئ من الاسماء العجمية والطلاسم التي لا برهان عليها فقد صرح العلماء بتحريم استعمال ما كان من الاسماء بهذه المثابة (وتعوذ) أى استرقى (بالرفيق الاعلى) قال ابن الاثير هم الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون وقيل هو مرتفق الجنة وقيل الرفيق الاعلى الله سبحانه وتعالى لانه رفيق بعباده. وقال ابن قرقول أهل اللغة لا يعرفون هذا ولعله تصحيف من الرفيع (سمات البشر) علاماتهم جمع سمة وهى العلامة (فقتلوا قتلا) أى كزكريا ويحيى (ونشروا)

بالمناشير ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض الاوقات ومهم من عصمه الله كما عصم نبينا صلي الله عليه وآله وسلم بعد نزول قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فلئن لم يكف نبينا ربه يد ابن قميئة يوم أحد ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوته أهل الطائف فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه الى ثور وأمسك عنه سيف غورث بن الحارث وحجر أبى جهل وفرس سراقة* ولئن لم يقه من سحر ابن الاعصم فلقد وقاه الله ما هو أعظم منه من سم اليهودية وهكذا سائر أنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه مبتلى ومعافي وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات ويبين أمرهم وتتم كلمته فيهم وليحقق بامتحانهم بشريتهم ويرفع الالتباس (بالمناشير) أي ككالب بن نوفيا ولفظ الشفا ونشروا بالمناشير وقد تقدم ان المناشير بالهمز وتركه وبالنون (ومنهم من وقاه الله ذلك) أي كابراهيم وموسى وقاهم الله عز وجل شر عدويهما نمروذ وفرعون مع حرص كل منهما على قتل كل منهما من يوم ولادته الى بلوغ أمد رسالته (والله يعصمك) اى يحفظك ويمنعك (من الناس) أي ممن أرادك منهم بسوء وقيل معناه والله يخصك بالعصمة من بين الناس نزلت بعد أحد بل سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن فلا يحتاج الى الجواب عما أصابه قبل ذلك وأخرج الترمذي وغيره من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان يحرس حتى نزلت هذه الآية والله يعصمك من الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله (نبيا) مفعول (يد) فاعله (ابن قميئة) بفتح القاف وكسر الميم ثم همزة ممدودة على وزن فعيلة وسيأتي ذكره في غزوة أحد (عداه) بكسر العين والقصر أي أعدائه (الى ثور) كاسم الثور المعروف جبل من أسفل مكة مكث فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يوم الهجرة كما سيأتي (غورث بن الحرث) بمعجمة مفتوحة وقد تضم فواو ساكنة فراء مفتوحة فمثلثة. قال البغوي والشمني وغيرهما أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولم يذكره ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم في الصحابة وستأتي قصته (وحجر أبي جهل) أي الذي أراد ان يرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ رآه يصلي كما في سيرة ابن اسحاق وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لاطأن على رقبته أولا عفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته فما فجئه منه الا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك قال ان بيني وبينه لخندقا من النار وهولا وأجنحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا (وفرس سراقة) الفرس يقع على الذكر والانثى وكانت فرس سراقة أنثى كما يدل عليه لفظ الحديث وسيأتى خبره في حديث الهجرة (سحر ابن الاعصم) هو لبيد بن الاعصم من يهود بني زريق بالتصغير وتقديم الزاي وقصته مشهورة في الصحيحين وغيرهما وكان ذلك في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية (اليهودية) هي زينب بنت الحرث امرأة سلام بن مشكم وسيأتي ذكرها في كلام المصنف (بشريتهم)

على أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى بن مريم ولتكون في محنتهم تسلية لاممهم ووفور لاجورهم عند ربهم تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ اليهم

[,

مطلب في الكلام على تعذيب قريش للمستضعفين من المؤمنين

]

قال أهل السير ولما امتنع صلى الله عليه وآله وسلم بوقاية الله له ثم بعمه أبي طالب وامتنع ذوو الاقدار بعشائرهم وحلفهم وجوارهم وبقى قوم من الضعفاء والموالى في أيدى المشركين يعذبونهم أنواع العذاب فكانوا يأخذون عمار بن ياسر وأباه وأمه وأخته فيقلبونهم فى الرمضاء ظهرا لبطن فيمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فيقول صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة وماتت سمية أم عمار بذلك فكانت أوّل قتيل في الاسلام في ذات الله ومات ياسر وابنته بعدها وكان أمية بن خلف يخرج بلالا أي كونهم بشرا (ضلال النصارى) سموا به لقول الحواريين نحن أنصار الله أو لانهم نزلوا قرية تسمى ناصره أو لاغرابهم الى نصرة وهي قرية كان ينزلها عيسى (بعيسى بن مريم) وكان سبب ضلالهم به ما ظهر على يديه من الخوارق ولكونه خلق من غير أب فقالوا هو ابن الله كما أخبر الله عنهم قال أهل التاريخ حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وولدته ببيت لحم من أرض أورشليم لمضي خمس وستين سنة من غلبة الاسكندر على أرض بابل فأوحى الله اليه على رأس ثلاثين سنة ورفعه الله من بيت المقدس ليلة القدر في شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكانت نبوته ثلاث سنين وعاشت أمه مريم بعد ان رفع ست سنين (فائدة) بيت لحم بالعبرانية هو بيت المقدس وهو بكسر اللام وسكون المهملة وأما أورشليم فقال ابن الاثير في النهاية هو بيت المقدس أيضا ومثله في القاموس ورواه بعضهم بالمهملة وكسر اللام كانه عربه بالعبرانية السلام وروى عن كعب ان الجنة في السماء السابعة بازاء بيت المقدس والصخرة لو وقع حجر منها لوقع على الصخرة فمن ثم دعيت أورشليم ودعيت الجنة دار السلام (تسلية) بالرفع اسم يكون (بوقاية الله) هي بكسر الواو مصدر (ثم بعمه) أتي بثم لدفع الشريك المنهي عنه في المشيئة وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ما شاء الله ثم ما شاء فلان أخرجه أبو داود من حديث حذيفة والنهي للتنزيه في حق سليم العقيدة والا فللتحريم بل قد يفضي الى الكفر والعياذ بالله (وحلفهم) بكسر المهملة أى أهل حلفهم (أنواع) منصوب بنزع الخافض (ابن ياسر) بالتحتية والمهملة والراء بوزن فاعل وهو مصروف (وأمه) اسمها سمية بنت خياط وكانت سابع سبعة في الاسلام (وأخته) لم أقف على اسمها (في الرمضاء) بفتح الراء وسكون الميم مع المد هي الارض الشديدة الحر (صبرا) مصدر أي اصبروا صبرا (آل ياسر) بالنصب لانه منادى حذفت أداته (سمية) بالمهملة وتشديد التحتية مصغر (أمية بن خلف) بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى والد صفوان رضي الله عنه قتل يوم بدر كافرا وأخو أبي الذى قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد (يخرج بلالا) هو ابن رباح بفتح الراء والموحدة واسم أمه حمامة هو المؤذن كان صادق الاسلام طاهر القلب شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة حيث قال يا بلال أخبرني

فيضع الصخور على صدره ويتركها كذلك حتى يخشى أن يموت فيرفعها وبلال يقول أحد أحد وكان ورقة بن نوفل يمر عليه فيقولى أحد أحد والله يا بلال ثم يقول ورقة والله لئن قتلتموه على هذا لاتخذنه حنانا فاشتراه أبو بكر منه فأعتقه وأعتق أبو بكر على مثل ذلك ست رقاب سابعهم عامر بن فهيرة فقال له أبوه يا بني لو أعتقت رجالا جلداء يمنعونك فقال يا أبت انما أريد ما أريد فيقال ان هذه الآية نزلت فيه فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى الى قوله وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى

بأرجى عمل عملته في الاسلام فاني سمعت دق نعليك قبلي في الجنة أخرجه الشيخان وغيرهما وأخرج ابن عساكر عن الاوزاعي مفصلا خبر السودان أربعة طهمان وبلال والنجاشى ومهجع وأخرجه ابن ماجه بدون ذكر النجاشي وذكر ابن حزم انه لا يكمل حسن الحور العين في الجنة الا بسواد بلال فانه يعرف سواده بشامتين في خدودهن شهد رضي الله عنه بدرا والمشاهد كلها وتوفى بدمشق ودفن بباب الصغير سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة وقيل مات سنة سبع عشرة وقيل ثماني عشرة وقيل مات بحلب ودفن على باب الاربعين (فيضع الصخور) في سيرة ابن اسحاق كان أمية يطرح بلالا على ظهره ببطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع (على صدره) ثم يقول لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد (فكان يمر عليه ورقة بن نوفل) هذا وهم تبع فيه ابن هشام وابن اسحاق وغيرهما لان ورقة يومئذ لم يكن حيا (أحد أحد) خبر مبتدأ محذوف أي الله أحد وكرره تأكيدا (حنانا) بفتح المهملة ثم نونين بينهما ألف هو العطف قاله الجوهرى أو الرحمة قاله ابن الاثير. وفي سيرة ابن سيد الناس أى لأتمسحن به وهو هنا أليق (فاشتراه أبو بكر) قيل ببردة وعشر أواق وقيل بغلام له كما سيأتى قريبا وفي سيرة ابن اسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال مر به أبو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك فقال لامية الاتتقى الله في هذا المسكين قال أنت أفسدته فانقذه مما تري قال أبو بكر أفعل عندي غلام اسود أجلد منه وأقوى وهو على دينك أعطيكه قال قد فعلت فاعطاه أبو بكر غلامه واسمه سبطاس وأخذ بلالا فاعتقه (ست رقاب) وهم بلال وأم عميس وزبيرة وهي التي ذهب بصرها ثم رده الله اليها والنهدية وابنتها وريحانة بني المؤمل (سابعهم عامر بن فهيرة) بالف وراء مصغر هو البدرى الاحدى يكنى أبا عمرو وكان من مولدى الازد ومن السابقين الى الاسلام كان قبل أبي بكر للطفيل بن عبد الله واستشهد يوم بئر معونة كما سيأتي (يا بنى) بالتصغير وفي يائه الكسر والفتح (جلداء) بضم الجيم وفتح اللام فمهملة فمد جمع جليد وهو القوى الشديد ويقال في جمعه جلاد وأجلاد (يا أبت) بكسر آخره وفتحه (انما أريد) بعتقي هؤلاء (ما أريد) أي الذي أريده وهو طلب رضي الله تعالى والدار الآخرة (فيقال ان هذه الآية نزلت فيه) وقيل في قصة أبي الدحداح وهى قصة مشهورة ذكرها أهل التفسير والنووي في شرح مسلم على قول النبي صلى الله عليه وسلم كم من عذق في الجنة معلق لابي الدحداح أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث جابر بن سمرة (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) أى أنفق ماله في سبيل الله (وَاتَّقى) ربه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) أي بلااله الا الله أو بالجنة أو بموعود الله أقوال (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ) أي يد (تُجْزى) أي يجازيه

إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى * قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يعذرون به في ترك دينهم قال نعم والله ان كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من الضر حتى يقولوا له اللات والعزى إلهك من دون الله فيقول نعم وكذلك فعل معهم عمار حين غطوه في بئر ميمون وقالوا له اكفر بمحمد فاعطاهم ذلك فاخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كلا ان عمارا ملئ إيمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاخبره فقال كيف وجدت قبلك قال مطمئنا بالايمان فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح دمعه وقال ان عادوا لك فعد لهم بما قلت ونزل فيه وفي أمثاله قوله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ الآية.

[مطلب في الكلام على الهجرة الأولى الى الحبشة وبيان من هاجر إليها من الأصحاب]

وفي رجب في الخامسة من المبعث كانت هجرة الحبشة. وقد ذكر ابن اسحق وغيره فيها أخبارا عجيبة عليها نزلت حين قال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر لبلال الاليد كانت له عنده (الا) أى لكن فعل ذلك (ابتغاء) أي طلب (وجه ربه الاعلى) وطلب رضاه (ولسوف يرضي) في الآخرة بما يعطيه الله عز وجل من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل. واذا كانت الآية في أبي بكر كان فيه معنى لطيف وهو مشاكلة موعوده وهو ولسوف يرضي بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ولسوف يعطيك ربك فترضى ويكون فيه اشارة الى مقام الشفاعة وان أبا بكر يكون له فيها أثرة على الصديقين كما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أثرة على سائر المرسلين والله أعلم (قال سعيد بن جبير) هو الوائلى مولاهم يكني أبا محمد وأبا عبد الله أحد اعلام الدين قتل بشعبان شهيدا سنة خمس وتسعين (من الضر) بضم الضاد وفتحها (كلا) هو نفى وابعاد (ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه) للنسائي من حديث عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبى ملئ عمار ايمانا من قرنه الى مشاشه وهو بضم الميم ثم بمعجمتين بينهما ألف ساكنة جمع مشاشة وهي رؤس العظام وهذا للمبالغة في وصف قوة ايمان عمار أي لو كان الايمان جسما لملأ ما ذكر وخالط لحمه ودمه (ثم انى رسول الله صلي الله عليه وسلم) في تفسير البغوي وغيره قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما وراءك قال شر يا رسول الله نلت منك وذكره (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح دمعه) فيه ما كان عليه صلي الله عليه وسلم من شدة الرحمة والشفقة (ان عادوا لك) أي بالاكراه على الكفر (فعدلهم) بمقالتك فإنها لا تضرك مع كون قلبك مطمئنا بالايمان والامر فيه للاباحة والا فمن اكره على الكفر فالترك في حقه أولى (فائدة) أخرج الترمذي والحاكم من حديث عائشة ما خير عمار بين شيئين الا اختار أيسرهما فلعل الاشارة منه الى الواقع له في هذه القصة وفيه منقبة له فان ذلك من وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في شمائله (ونزلت فيه وفي أمثاله) أي كصهيب وبلال وخباب وسالم (من كفر بالله من بعد ايمانه) جوابه فعليهم غضب والاستثناء متوسط بينهما وعدم كفر المكره بالاجماع. حديث هجرة

والملخص مما قالوه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى ما بأصحابه من البلاء ولم يكن أمر بالجهاد حينئذ أمرهم بالمهاجرة الى الحبشة وقال لهم ان بها معايش وسعة وملكا عادلا لا يسلم جاره فخرج اليها أولا سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والزبير وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الاسد وامرأته أم سلمة التي صارت أم المؤمنين آخرا وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبى حثمة وحاطب بن عمرو وسهيل بن بيضاء وكان عليهم عثمان بن مظعون واستأجروا سفينة بنصف دينار ثم خرج جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه وتتابع المسلمون حتى بلغوا اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان وهي أوّل الحبشة (عادلا) للبغوي في التفسير صالحا (لا يسلم جاره) أى لا يخذله وللبغوي لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا اليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا (أبو حذيفة) اسمه كنيته (سهلة بنت سهيل) بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى احدى المستحاضات في زمنه صلى الله عليه وسلم وكن احدي عشرة سودة بنت زمعة وزينب بنت جحش واختاها حمنة وأم حبيبة بنتا جحش وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة وأسماء بنت عميس وأسماء بنت مرثد وفاطمة بنت قيس وبادية بنت غيلان وسهلة المذكورة (ومصعب بن عمير) بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى (وأبو سلمة) بن عبد الاسد مضى ذكر نسبه وان الاسد بالمهملة والمعجمة (أم سلمة) هند بنت أبي أمية بن المغيرة ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب (وعثمان بن مظعون) باعجام الظاء واهمال العين الجمحي أبو السائب الصائم القائم أوّل ميت بالمدينة من المسلمين سنة اثنتين من الهجرة (بنت أبي حثمة) بمهملة مفتوحة فمثلثة ساكنة اسمها ليلى وهى أم عبد الله بن عامر أخرج ابن منده وأبو نعيم من حديث عبد الله هذا قال دعتنى أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا فقالت تعال أعطك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه قالت تمرا فقال لها اما انك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة (سهيل) بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن مالك بن منبه بن الحارث بن فهر القرشى الفهري توفي سهل بالمدينة سنة تسع من الهجرة وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد أخواه سهل وصفوان توفي سهل بالمدينة أيضا وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد أيضا كما في صحيح مسلم وغيره من حديث عائشة ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل وأخيه ابني (بيضاء) الا في المسجد وسيأتى ان صفوان استشهد ببدر وأمهم بيضاء من بنى الحارث بن فهر واسمها دعد لقبت البيضاء لشدة جمالها ذكرها ابن شاهين فيمن له صحبة من النساء

هجرة في الاسلام ولما وصلوا الحبشة واستقرت بهم الدار وأحسن لهم النجاشي الجوار

[



كلمات دليلية: