withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


الخطبة الثانية عشرة: أذية قريش لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

الخطبة الثانية عشرة: أذية قريش لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


الخطبة الثانية عشرة: أذية قريش لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

أيها الإخوة عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.

وحديثنا في هذا اللقاء سيكون عن أسلوب جديد من أساليب الصد عن دين الله ألا وهو أذية قريش لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

عباد الله! رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في مكة يدعو الناس جهراً إلى (لا إله إلا الله) وإلى عبادة الله، ويحذرهم من الشرك، وكفار مكة يعملون بالليل والنهار؛ ليصدوا الناس عن هذا الدين الجديد، فهم ينتقلون من أسلوب إلى أسلوب؛ لمنع الناس من الدخول في هذا الدين الجديد.

عباد الله! بيّنا في الجمعة الماضية كيف اعتدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصدوه عن دعوته الجديدة ولكنهم فشلوا في ذلك.

وها هم ينتقلون إلى أسلوب جديد ألا وهو الاعتداء على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصدوهم عن هذا الدين الجديد.

عباد الله! تعالوا بنا لنستمع إلى صور من الاعتداءات على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة.

أولاً: عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، وألبسوهم أدرع الحديد،

وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا؛ إلا بلالاً؛ فإنه هانت عليه نفسه في الله تعالى، وهان على قومه، فأخذوه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب (مكة) وهو يقول: أحد أحد" (1).

ثانياً: عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال: "أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة" (2).

عباد الله! وفي عمار بن ياسر - رضي الله عنه - ومن مثله أنزل الله -عز وجل-: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106]، فهؤلاء كانوا معذورين بما حصل لهم من الإهانة والعذاب البليغ (3).

ثالثاً: وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً، فمرّ به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله، لوددنا أنا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت، فاستغضب، فجعلت أعجب! ما قال إلا خيراً! ثم أقبل إليه فقال: ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضراً غيبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه!؟ والله؟ لقد حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقوامٌ أكبهم الله على مناخرهم في جهنم، لم يجيبوه ولم يصدقوه، أولا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم، مصدِّقين لما جاء به نبيكم، قد كفيتم البلاء بغيركم؟! والله؟ لقد بعث الله

__________

(1) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص 154).

(2) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص 154).

(3) صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص 155).

النبي - صلى الله عليه وسلم - على أشد حال بُعث عليها فيه نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية؛ ما يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى أن الرجل ليرى والده وولده أو أخاه كافراً، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان- يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار، وأنها للَّتي قال الله -عز وجل- {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)} [الفرقان: 74] (1).

الشاهد من كلام المقداد، أنه طلب من الرجل أن يحمد الله -عز وجل-، فإنه كان في أول الإِسلام من الناس من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهده، ومع ذلك لم يتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يجبه وأكبهم الله على مناخرهم في النار، ومن الناس من تعرض للبلاء بسبب إيمانه فيقول لهم (احمدوا الله) بأنكم لم تتعرضوا للبلاء الذي تعرضنا له في أول الإِسلام.

رابعاً: وعن قيس بن أبي حازم - رحمه الله- قال: "سمعت سعيد بن زيد في مسجد الكوفة يقول: "والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإِسلام قبل أن يسلم عمر" (2).

وقوله (وإن عمر لموثقي على الإِسلام): أي: إن عمر - رضي الله عنه - ربطه بسبب إسلامه، إهانة له، وإلزاماً بالرجوع عن الإِسلام، وكان ذلك قبل إسلام عمر.

شدة .. عذاب .. ابتلاء لا يعلمه إلا الله.

__________

(1) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص140).

(2) رواه البخاري (رقم 3862).

خامساً: وعن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: "كنت قيناً (1) بـ (مكة)، فعملت للعاصي بن وائل سيفاً، فجئت أتقاضاه فقال: لا والله؛ لا أقضيك حتى تكفر بمحمد! فقلت: لا والله؛ لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث قال: فإني إذا مت ثم بعثت؛ جئني ولي ثم مال وولد فاعطيك، فأنزل الله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)} [مريم: 77 - 80] (2).

سادساً: وعن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب إلى عمر فقال: "ادن، فما أحد أحق بهذا الجلس منك إلا عمار. فجعل خباب يريه آثاراً بظهره مما عذبه المشركون" (3).

سابعاً: وعن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردةً في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيُجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليُتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" (4).

عباد الله! في هذا الحديث دروس وعظات وعبر منها:

__________

(1) القين: هو الحداد والصائغ (نهاية).

(2) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 2901)، ومسلم (رقم 2795).

(3) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص 157).

(4) رواه البخاري (رقم 6943).

أولاً: الابتلاء سنة من سنن الله في هذا الكون ليميز الله الخبيث من الطيب، وليمحص الله الذين آمنوا، ويمحق الكافرين. قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2 - 3]، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)} [البقرة: 214]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)} [الأحزاب: 9 - 11]، وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران: 186].

عباد الله! ومن فوائد الابتلاء تمحيص المؤمنين ومحق الكافرين {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)} [الأنفال: 42].

ولذلك قال تعالى للمؤمنين الصادقين: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ

الصَّابِرِينَ (142)} [آل عمران: 139 - 142].

عباد الله! من أجل ذلك ربى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وأمته على الصبر على البلاء، فقال لخباب بن الأرت - رضي الله عنه -: "قد كان من كان قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشي بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه".

تربية على الصبر على النبلاء.

وكان - صلى الله عليه وسلم - يمر على أصحابه وهم يعذبون فيقول لهم: "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة" (1).

الصبر وعدم الاستعجال هو طريق النصر.

ولذلك بعد أن ربى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على الصبر على البلاء؛ بأن ضرب لهم مثلاً بالمسلمين الأولين من الأمم السابقة، وما نالهم من التعذيب؛ ليكونوا أسوة لهم، وبعد أن بشرهم بأن النصر والتمكين والعاقبة لهم، حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه من الاستعجال "لأن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه".

ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخباب بن الأرت: "ولكنكم تستعجلون".

وقال - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس -رضي الله عنهما-: "واعلم أن النصر مع الصبر" (2).

__________

(1) صحيح، انظر تعليق الشيخ الألباني على "فقه السيرة" (ص 107).

(2) هو قطعة من حديث: "احفظ الله يحفظك" انظر "رياض الصالحين" (رقم 63) بتحقيق الشيخ الألباني - رحمه الله -.

عباد الله! وبالصبر وعدم الاستعجال أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما أمر الأنبياء من قبله.

قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: 35]، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)} [مريم: 83 - 84]، وقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)} [غافر: 77].

عباد الله! الصبر وعدم الاستعجال هو الطريق إلى النصر والتمكين في الأرض، أما الطرق العوجاء التي ابتدعها دعاة الاستعجال، فهي لا تسمن ولا تغني من جوع وهي لا تزيد المسلمين إلا ضعفاً.

س: هل يجوز للمسلم أن يطلب البلاء ويحرص عليه ويسعى إليه؟

كثير من الشباب يظنون أنهم إذا صعدوا المنابر، وإذا وقفوا في الأسواق أمام الناس، وسبوا على الحكام وعلى أولياء الأمور، وأخذوا ووضعوا في السجون، يظنون أنهم بذلك قد خدموا الدين، ودل ذلك على كمال إيمانهم.

الجواب: لا، لا يجوز للإنسان أبداً أن يسعى إلى البلاء، وأن يتعرض للبلاء؛ لأنه لا يدري إذا نزل به البلاء أيثبت على دينه أم لا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك.

لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - العدو في بعض أيامه فانتظر حتى إذا مالت الشمس قام فخطب في أصحابه فقال: "أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا" (1).

__________

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم 2966)، ومسلم (رقم 1742).

وعن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قام يوماً على المنبر ثم بكى ثم قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أول على هذا المنبر ثم قال: "سلوا الله العفو والعافية، فما أُعطي أحدٌ عطاءً بعد اليقين خيراً من العافية" (1).

وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح ولا يمسي إلا ويدعو بهذه الكلمات: اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، اللهم إني أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي" (2).

فيا معشر الشباب! هوِّنوا على أنفسكم، ليس الاضطهاد والتعذيب شرطاً لصحة الإيمان، ولا شرطاً لكماله حتى تنشدوه وتسعوا إليه، ويقوم قائمكم بين ظهراني الناس فيسبُّ الحاكم أو يشتمه، أو يحرض الناس عليه، ويدعو الناس للخروج عليه حتى يؤخذ ويودع في السجون، ويعذب يظن أنه قد عمل شيئاً أرضى الله، لا والله، قد نُهيت عن ذلك، وما يدريك إذا تعرضت للبلاء أتصبر أم لا؟ ما يدريك إذا تعرضت للبلاء فوقع عليك أن تفتن عن دينك وترجع عن الإِسلام بعد أن هُديت إليه. أما علمت أن الله تعالى قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)} [العنكبوت: 10 - 11].

والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه"، قالوا: وكيف يذل

__________

(1) "صحيح سنن الترمذي" (3558).

(2) "صحيح سنن أبي داود" (4239).

نفسه يا رسول الله؟ قال: "يتعرض لما لا يطيق من البلاء" (1).

ثانياً: ومن الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من هذا الحديث العظيم - النصر للمؤمنين، والعاقبة للمتقين، والمستقبل لهذا الدين.

رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في مكة يدعو الناس إلى عبادة الله، ويحذرهم من الشرك، والصحابة الكرام - رضي الله عنهم - يعانون أشد ألوان الأذى، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يمر على أصحابه، وهم يعذبون بأيدي الكفار فيأمرهم بالصبر ويبشرهم بالجنة ويخبرهم أن النصر لهم وأن العاقبة لهم وأن المستقبل لهذا الدين.

1. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخباب - رضي الله عنه -: "والله ليتمنّ الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه".

ويبشرهم - صلى الله عليه وسلم - وهم في هذه اللحظة يعذبون فيقول لهم: "إنكم ستفتحون مصر والشام والعراق واليمن" بل بشرهم أنكم ستفتحون الدنيا من مشرقها إلى مغربها، وقد صحت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحقق ما وعد به وما زال يتحقق حتى تقوم الساعة.

2. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها" (2).

3. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإِسلام، وذلاً يذل به الكفر" (3).

__________

(1) "صحيح سنن الترمذي" (2254).

(2) رواه مسلم (رقم 2889).

(3) صحيح، انظر "تحذير الساجد" الألباني (ص 119).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت" (1).

والله -عز وجل- بشر المؤمنين الصادقين، أن العاقبة لهم، وأن النصر لهم، وأن المستقبل للإسلام.

قال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)} [القصص: 83]، وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} [غافر: 51]، وقال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} [الصافات: 171 - 173]، وقال تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} [القمر: 45]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)} [الفتح: 28].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض" (2).

فيا عباد الله! الصبر الصبر؛ وإياكم والاستعجال، فإنه يدمر، وإياكم ودعاة الاستعجال.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

__________

(1) "السلسلة الصحيحة" (5).

(2) "صحيح الجامع" (2822).



كلمات دليلية: