withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


سرية أبي سفيان والمغيرة بن شعبة 9هـ من كتاب السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة

سرية أبي سفيان والمغيرة بن شعبة 9هـ من كتاب السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة

اسم الكتاب:
السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة

بعث خالد بن الوليد،وأبي سفيان بن حرب إلى اللات

...

بعث أبي سفيان بن حرب وخالد بن الوليد لهدم وتحطيم اللات

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ..}

[النجم/19]

قال الله تعالى {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ} 1 قرأها الجمهور بتخفيف التاء2 وقرأها ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم، وتابعهما بعض التابعين3 بتشديد التاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان اللات رجلا4 يلت السويق الحاج"5.

وقد اختلفوا في مكانه بالتحديد فقيل: بالطائف، وقيل: بنخلة، وقيل: بعكاظ، والراجح الأول6.

أما صفته فقد ذكر ابن إسحاق وغيره: أنه عبارة عن صخرة بيضاء مربعة منقوشة، عليها بيت له أستار وكسوة، وحوله فناء، وله سدنة

__________

1 النجم (19) .

2 ذكر ذلك الشوكاني وقال: فقيل: هو مأخوذ من اسم الله سبحانه، وقيل: أصله لات يليت، فالتاء أصلية، وقيل: هي زائدة وأصله لوى يلوي؛ لأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها أي يلتوون عليها ويطوفون بها. الشوكاني، فتح القدير (5/108) ، وقال في الصحاح: وبعض العرب يقف عليها بالتاء، وبعضهم بالهاء، وجوز سيبويه أن يكون لاه أصل اسم الله تعالى. (الجوهري، الصحاح، باب الهاء، فصل اللام) .

3 مثل مجاهد، والربيع بن أنس، ومنصور بن المعتمر، وأبي الجوزاء، وأبي صالح، وحميد. انظر الشوكاني، فتح القدير (5/108) .

4 اختلفوا في اسم هذا الرجل فزعم البعض أنه عامر بن الظرب العدواني، وذكر ابن حجر عن ابن الكلبي: أن اسمه صرمة بن غنم. انظر ابن حجر، فتح (8/612) ، ولكن الشوكاني ذكر عن الكلبي: إنه رجل من ثقيف يقال له صرمة بن غنم. انظر الشوكاني، فتح القدير (5/108) ، ولكن ابن الكلبي في كتابه "الأصنام" يذكر أنه يهودي كان يلت السويق. ابن الكلبي، الأصنام (16) .

وحكى السهيلي: إنه عمرو بن لحي الخزاعي. انظر السهيلي، الروض (1/357) .

والصحيح أن اللات غير عمرو بن لحي، فقد أخرج الفاكهي من وجه آخر عن ابن عباس أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت، ولكنه دخل الصخرة، فعبدوها وبنوا عليها بيتا. انظر الفاكهي، أخبار مكة (5/164) ، وابن حجر، فتح (8/612) .

5 أخرجه البخاري موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر ابن حجر أن ابن أبي حاتم أخرجه أيضا من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه فيه زيادة "كان يلت السويق على الحجر، فلا يشرب منه أحد إلا سمن، فعبدوه". انظر ابن حجر، فتح (8/611-612) .

6 قاله ابن حجر، فتح (8/612) ، وروى أبو داود والبيهقي بسنديهما عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كان طاغيتهم". انظر أبا دود، سنن (1/311) ، والبيهقي، دلائل (5/306) .

قال ابن الكلبي: "إنها كانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم" ابن الكلبي، الأصنام (16) .

وحجبة1، وكان معظما عند أهل الطائف، وهم ثقيف ومن تابعها، يفتخرون به على من عداهم من العرب، وكانوا يسيرون إلى ذلك البيت ويحرمون واديه يضاهئون به الكعبة2.

ويذكر ابن الكلبي: أن قريشا وجميع العرب كانوا يعظمونها أيضا وبها كانت العرب تسمى زيد اللات، وتيم اللات3وهكذا ظلت اللات طاغوتا من طواغيت العرب المعظمة حتى ظهر الحق، وانتشر الإسلام ودخل العرب في دين الله أفواجا، ومنهم ثقيف التي أرسلت وفدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون الصلح، والقضية حين رأوا أن قد فتحت مكة، وأسلمت عامة العرب"4.

__________

1 اختلف في سدنة اللات، فابن إسحاق يقول: هم بنو معتب من ثقيف. انظر ابن هشام، سيرة (1/85) ، ويذكر ابن الكلبي: إنهم بنو عتاب بن مالك. ابن الكلبي، الأصنام (16) ، لكن الواقدي يقول: هم بنو العجلان بن عتاب بن مالك وصاحبها منهم عتاب بن مالك بن كعب، ثم بنوه من بعده. الواقدي، مغازي (3/972) ، أما ابن حبيب فيقول: كان سدنته آل أبي العاص بن أبي يسار بن مالك. انظر الحموي، معجم، باب اللام والألف.

2 انظر ابن هشام، سيرة (1/85) ، وابن كثير، تفسير (4/53) ، والجوهري، الصحاح باب الهاء، فصل اللام.

3 ابن الكلبي، الأصنام (16) .

4 أخرجه البيهقي من مراسيل عروة من طريق ابن لهيعة، وعمر بن شبه من مراشيل الزهري من طريق موسى بن عقبة، والبيهقي عن موسى بن عقبة واللفظ له. انظر عمر بن شبه، تاريخ (2/501) ، والبيهقي، دلائل (5/300) , وباقشيش، مرويات (2/502) .

هذا وقد اختلف أئمة المغازي في تاريخ قدوم وفد ثقيف الذي يقودنا بالتالي إلى تاريخ السرية، فابن إسحاق والواقدي ذكرا أن الوفد قدم المدينة في رمضان سنة تسع مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وذكر أن الوفد صام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من شهر رمضان، ولكنهما اختلفا في كيفية خروج السرية، فابن إسحاق يذكر أنها خرجت مع الوفد عند توجههم إلى بلادهم، أما الواقدي فيذكر أنهم بقوا يومين أو ثلاثة بعد خروج الوفد ثم انطلقوا. انظر ابن هشام، سيرة (4/537-540-541) ، والواقدي مغازي (3/922) ، وأخرج البيهقي عن عروة وموسى بن عقبة أن قدوم وفد ثقيف كان بعد مقتل عروة بن مسعود الثقفي الذي قتل بعد صدور أبي بكر، وعلي رضي الله عنهما من الحج. انظر البيهقي، دلائل (5/299) .

قال ابن كثير: وهذا بعيد والصحيح أن ذلك قبل حجة أبي بكر كما ذكره ابن إسحاق والله أعلم.. ابن كثير، بداية (3/27) ، كما أخرج عمر بن شبه رواية عن عروة: يذكر فيها أنه كتب إلى الوليد بن عبد الملك يخبره أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وحنين وانصرافه إلى المدينة". انظر=

كان وفد ثقيف وهم يحاورون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون في قرارة أنفسهم أنه لا بقاء لطاغوتهم اللات بعد هدم العزى، وتكسير هبل وإساف ونائلة، بل كانوا يتوقعون أن يكلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدمها، لذلك حاولوا ي ائسين مساومة رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبقاء الربَّة –كما يسمونها- مدة من الزمن علهم يمهدون لذلك الأمر الخطير الذي كان في اعتقادهم فيه جرح لمشاعر ثقيف التي تعلقت بحب الرَّبة وتعظيمها كل هذه السنين، ومن ثم يحاولون إقناع ثقيف بقبوله كأمر واقع لا بد منه، وإن كانوا لحداثة عهدهم بالإسلام يخافون من انتقام الرَّبة لمجرد علمها بنيتهم في هدمها.

"قالوا له: أرأيت الرَّبة، ماذا تصنع فيها؟، قال: اهدموها، قالوا: هيهات، لو تعلم الرَّبة أنك تريد هدمها قتلت أهلينا"1.

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض مساومتهم بإصرار موضحًا لهم بالحسنى ربَّتهم الجاهلية اعتقاد زائف لا يسمح الإسلام باستمراره بعد الآن، وأن ما يخافون انتقامه وغضبه إنما هو حجر جامد لا يضر ولا ينفع، بل لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الأذى.

وبعد محاورات وتداول للرأي فيما بينهم اقتنع الوفد، وأذعنوا لتعاليم الإسلام بل قاموا بأداء بعض تكاليفه والتي كانوا يساومون رسول الله صلى الله عليه وسلم على تركها2.

وكان ذلك مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيتصدقون، ويجاهدون إذا أسلموا" 3.

__________

=عمر بن شبه، تاريخ (2/507) ، وفي سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني، صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد. ابن حجر، تقريب (340) .

1 المصادر السابقة.

2 تذكر بعض الروايات أنهم بدأوا يصلون مع المسلمين ويصومون بقية شهر رمضان. انظر ابن هشام، سيرة (4/540-541) ، والواقدي، مغازي (3/968) ، والبيهقي، دلائل (5/305) .

3 رواه أبو داود، سنن، كتاب الخراج والفيء، باب ما جاء في خبر الطائف (3/163) .

ولكنهم مع ذلك تحرجوا من تولي هدمها بأنفسهم وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم من يهدمها بعد رحيلهم1.

وفعلا جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، ومشاركة المغيرة بن شعبة2 رضي الله عنه، وأبي سفيان بن حرب رضي الله عنه3. وبعثهم في أثر الوفد4.

وبينما نجحت مساعي الوفد في إقناع ثقيف بالدخول في الإسلام وأخبروهم بمصير اللات، وإذا بالسرية قد وصلت إلى الطائف "ودخل المغيرة بن شعبة في بضعة عشر رجلا يهدمون الربة"5، كما يذكر الواقدي،وذلك تحت حراسة مشددة من قومه بني معتب الذين قاموا دونه "خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة"6. وخرجت ثقيف عن بكرة أبيها رجالها ونساؤها وصبيانها حتى الأبكار من خدورهن، وكانوا لقرب عهدهم بالشرك

__________

1 يذكر ابن إسحاق في روايته أن السرية التي وجهها خرجت مع الوفد. ابن هشام، سيرة (2/541) .

2 المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبو عيسى أو أبو محمد.

وقال الطبري: يكنى أبا عبد الله، قال: وكان ضخم القامة، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، أصهب الشعر جعده وكان لا يفرقه. أسلم قبل عمرة الحديبية وشهدها وبيعة الرضوان وله فيها ذكر، وحدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقال له: مغيرة الرأي، وشهد اليمامة وفتوح الشام والعراق.

وقال الشعبي: كان من دهاة العرب وكذا ذكره الزهري، ولاه عمر البصرة ففتح ميسان وهمذان وعدة بلاد إلى أن عزله.

قال البغوي: كان أول من وضع ديوان البصرة.

وقال ابن حبان: كان أول من سلم عليه بالإمرة، ثم ولاه عمر الكوفة، وأقره عثمان ثم عزله، فلما قتل عثمان اعتزل القتال إلى أن حضر مع الحكمين، ثم بايع معاوية بعد أن اجتمع الناس عليه ثم ولاه الكوفة فاستمر في إمرتها حتى مات سنة خمسين عند الأكثر ونقل فيه الخطيب الإجماع، وقيل: مات قبل سنة، وقيل بعدها بسنة. انظر ابن سعد، طبقات (4/284-285) ، وابن حجر، إصابة (3/452-453) .

3 لم يرد ذكر خالد في روايتي عروة وابن إسحاق. انظر البيهقي، دلائل (5/304) ، وابن هشام، سيرة (4/541) ، بينما لم يرد ذكر أبي سفيان في رواية موسى بن عقبة. انظر البيهقي، دلائل (5/303) . ويضيف إليهم الواقدي: أبا مليح بن عروة، وقارب بن الأسود.

انظر الواقدي، مغازي (3/971) .

4 كما وقع في رواية عروة، وموسى بن عقبة. انظر البيهقي، دلائل (5/303-304) .

5 الواقدي، مغازي (3/971) .

6 أخرجه البيهقي من مرسل عروة من طريق ابن لهيعة. انظر البيهقي، دلائل (5/304) .

"لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة"1.

وكان المغيرة رضي الله عنه رجلا فيه دعابة وظرف فقال لأصحابه "والله لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرزين2 ثم سقط يركض، فارتج الطائف بصيحة واحدة، وقالوا: أبعد الله المغيرة قد قتلته الربة، وفرحوا حين رأوه ساقطا"3وقالوا مخاطبين أفراد السرية: "من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها فوالله لا تستطاع أبدا، فوثب المغيرة بن شعبة، وقال:قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع4 حجارة ومدر، فاقبلوا عافية الله واعبدوه"5.

لقد كان المغيرة رضي الله عنه محقًّا في قوله ذلك، فالإنسان العاقل اللبيب لا يتصور أن يكون ربه حجرا أصم لا يعقل أو يسمع، ولكنها سخافة الجاهلية وأدرانها التي تذهب بالعقول اللبيبة، فالحمد لله على نعمة الإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

أكمل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ومن معه هدم الطاغية حتى سووها بالأرض، وكان سادنها واقفا على أحر من الجمر ينتظر نقمة الربة وغضبها على هؤلاء العصاة، فما أن وصلوا إلى أساسها حتى صاح قائلا كما يذكر الواقدي "سترون إذا انتهى إلى أساسها يغضب الأساس غضبًا يخسف بهم"6.

__________

1 أخرجه عمر بن شبة من مرسل الزهري من طريق موسى بن عقبة، انظر ابن شبة، تاريخ (2/501-505-507) ، والبيهقي عن موسى بن عقبة. انظر البيهقي، دلائل (5/303) .

2 الكرزين: الفأس، ويقال له أيضا كرزن بالفتح والكسر والجمع كرزان وكرازين. انظر ابن الأثير، نهاية (4/163) .

3 أخرجه عمر بن شبة من مرسل الزهري من طريق ابن عقبة. انظر عمر بن شبة، تاريخ (2/506) ، والبيهقي عن موسى بن عقبة، واللفظ له. انظر البيهقي، دلائل (5/303) .

4 اللكع عند العرب: العبد ثم استعمل في الحمق والذم. يقال للرجل لكع وللمرأة لكاع، وقد لكع الرجل يلكع لكعا، وأكثر ما يقع في النداء وهو اللئيم، وقيل: الوسخ. انظر ابن الأثير، نهاية (4/268) .

5 أخرجه عمر بن شبة من مرسل الزهري. انظر ابن شبة، تاريخ (2/506) ، والبيهقي عن موسى بن عقبة واللفظ له. انظر البيهقي، دلائل (5/303) .

6 الواقدي، مغازي (3/972) .

فلما سمع المغيرة رضي الله عنه السخف قال لقائد السرية: "دعني أحفر أساسها فحفره حتى أخرجوا ترابها وانتزعوا حليتها، وأخذوا ثيابها، فبُهتت ثقيف"1. وأدركت الواقع الذي كانت تحجبه غشاوة على أعينهم.

تقول عجوز منهم وهي تتأوه حزنًا وحسرة "أسلمها الرضاع وتركوا المصاع"2.

وأقبل الوفد حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليتها وكسوتها، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، وحمدوا الله عز وجل على نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم وإعزاز دينه"3.

وتم القضاء على ثاني أكبر طواغيت الشرك في الجزيرة العربية، وحل محلها بيت من بيوت الله عز وجل يوحد فيه الربُّ الذي لا إله إلا هو، وذلك بتوجيه كريم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن أبي العاص4 رضي الله عنه عامله على الطائف حيث أمره "بأن يجعل مسجد الطائف حيث كان طاغيتهم"5 6 ولله الحمد.

__________

1 أخرجه عمر بن شبة من مرسل الزهري. انظر عمر بن شبة، تاريخ (2/506) ، والبيهقي عن موسى بن عقبة واللفظ له. انظر البيهقي، دلائل (5/303) .

2 الرضاع: جمع راضع وخو اللئيم، والمصاع المضاربة بالسيوف. ابن الأثير، نهاية (2/230) .

3 أخرجه عمر بن شبة من مرسل الزهري. انظر عمر بن شبة، تاريخ (2/507) ، والبيهقي عن موسى بن عقبة واللفظ له. انظر البيهقي، دلائل (5/303-304) .

4 عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد بن دهمان الثقفي، أبو عبد الله، نزيل البصرة. أسلم في وفد ثقيف، فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف، وأقره أبو بكر، ثم عمر، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين سنة خمس عشرة، ثم سكن البصرة حتى مات بها في خلافة معاوية، قيل سنة خمس، وقيل سنة إحدى وخمسين، وكان هو الذي منع ثقيفا عن الردة، خطبهم فقال: كنتم آخر الناس إسلاما فلا تكونوا أولهم ارتدادا. ابن حجر، إصابة (2/460) .

5 أخرجه أبو داود، سنن (1/311) ، والبيهقي، دلائل (5/306) واللفظ له.

6 خبر السرية من مراسيل عروة من طريق ابن لهيعة. انظر البيهقي، دلائل (5/299-304) ، وهو من مرسل الزهري عن طريق موسى بن عقبة. انظر عمر بن شبة، تاريخ (2/501، 505-507) ، كما رواه البيهقي عن موسى بن عقبة. انظر البيهقي، دلائل (5/299-303) ، ورواه ابن إسحاق بلا سند. انظر ابن هشام، سيرة (4/540-542) كما رواه الواقدي، مغازي (3/970-972) .

وهكذا ترى الخبر مداره على أهل المغازي وأئمتهم، وقد اختلفت طرقهم وأجمعوا عليه. ومرسل عروة=

هذا وقد أخرج البيهقي بسند ضعيف1 عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: "أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسارى من اللات والعزى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل دعوهم إلى الإسلام؟، فقالوا: لا، قال: خلوا سبيلهم حتى يبلغوا مأمنهم، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتين الآيتين {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} 2، {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} 3 4.

وفي القصة وما قبلها من الفقه: أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا، فإنها شعائر الكفر والشرك، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة ألبتة. وهذا حكم المَشَاهِد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تُعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك، والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى. أو أعظم شركا عندها وبها، والله المستعان.

ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق وتميت وتحيي، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة

__________

=وإن كان من طريق ابن لهيعة الذي اختلط بعد احتراق كتبه، لكن روايته هنا عن أبي الأسود، وهي في الغالب نسخة معروفة لمغازي عروة مما يقلل من تخوفنا من عدم ضبطه.

كما أن الزهري وموسى بن عقبة إمامان لهما شأنهما في المغازي وإن كان مرسل الزهري ضعيفا عند المحدثين، لكن الخبر في مجمله تاريخي يمكننا أن نستأنس به لإجماع أئمة المغازي عليه مع اختلاف طرقهم ... والله تعالى أعلم....

1 لأن فيه روح بن مسافر، قال عنه البيهقي "ضعيف". انظر البيهقي، سنن (9/107) . وانظر ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال (3/139-141) ، والذهبي، ميزان الاعتدال (2/61) .

2 الأحزاب: (45-46) .

3 الأنعام: (19) .

4 انظر البيهقي، سنن (9/107) .

بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم فصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام وقل العلماء، وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين1.

ومنها أيضا جواز صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه المشاهد والطواغيت في الجهاد ومصالح المسلمين، فيجوز للإمام، بل يجب عليه أن يأخذ أموال هذه الطواغيت التي تساق إليها كلها، ويصرفها على الجند والمقاتلة، ومصالح الإسلام، كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال اللات وأعطاها لأبي سفيان يتألفه بها، وقضى منها دين عروة والأسود. وكذلك يجب عليه أن يهدم هذه المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا، وله أن يقطعها للمقاتلة، أو يبيعها ويستعين بأثمانها على مصالح المسلمين. وكذلك الحكم في أوقافها، فإن وقفها، فالوقف عليها باطل، وهو مال ضائع، فيصرف في مصالح المسلمين، فإن الوقف لا يصح إلا في قربة وطاعة لله ورسوله، فلا يصح الوقف على مشهد ولا قبر يسرج عليه ويعظم وينذر له، ويحج إليه، ويعبد من دون الله، ويتخذ وثنا من دونه، وهذا مما لا يخالف فيه أحد من أئمة الإسلام، ومن اتبع سبيلهم2.

__________

1 ابن القيم، زاد المعاد (3/506-507) .

2 المصدر السابق (3/507) .



كلمات دليلية: