"وأما أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما" التالية لعائشة في الفضل على ما استقر به الإمام السبكي، الكبير، المولودة قبل البعثة بخمس سنين، وقريش تبني الكعبة، وأمها زينب بنت مظعون، بالظاء المعجمة، وهذا ظاهر عند أهله، لكني سمعت بعض طلبة الفقه يهملها، فقلت له ذلك.
قاله البرهان الجمحية، الصحابية، أم عبد الله أيضا من المهاجرات، كما ذكر الزبير، والقول بموتها قبل الهجرة، وهم لما في البخاري أن عمر قال في ولده عبد الله، هاجر به أبواه، وقول العيون، وأمها قدامة بنت مظعون وهم؛ لأن قدامة خالها لا أمها، نبه عليه البرهان، "فأسلمت وهاجرت، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت" الصحابي، الجليل، البدري، "خنيس بضم" الخاء "المعجمة، وفتح النون" وسكون التحتية، "وبالسين المهملة ابن حذافة" بضم المهملة، وبالذال المعجمة، فألف ففاء القرشي "السهمي هاجرت معه ومات عنها بعد غزوة بدر"
فلما تأيمت ذكرها عمر على أبي بكر وعثمان فلم يجبه واحد منهما إلى زواجها، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحه إياها في سنة ثلاث من الهجرة،
__________
من جراحات أصابته ببدر، وقيل بأحد.
قال اليعمري والأول أشهر، وفي الإصابة، الراجح أنه قتل بأحد سنة ثلاث، وفي الشامية رجح كلام جحون، والأول أشهر، "فلما تأيمت" تعزبت، والأيم يقال للعزب ذكرا كان أو أنثى، بكرا أو ثيبا قال الشاعر:
فإن تنكحي انكح وإن تتايمي ... وإن كنت أفتى منكم أتايم
"ذكرها" عرضها "عمر على أبي بكر" الصديق وعثمان" بن عفان قبله "فلم يحبه واحد منهما إلى زواجها"، وهذا أصح مما قدمه المصنف في ترجمة السيدة رقية، أن عثمان خطب ابنة عمر، فرده، فبلغ النبي، فذكر الحديث، وعزاه لتخريج الخجندي؛ لأن ما هنا رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر قال: تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة، السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا وتوفي بالمدينة.
قال عمر: فلقيت عثمان، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، قال: سأنظر في أمري فلبث ليالي، ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج في يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فصمت، فلم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها صلى الله عليه وسلم فانكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفة، فلم أرجع إليك شيئا فقلت نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سره ولو تركها لقبلتها، وهذا أيضا أصح مما في العيون أنه عرضها على الصديق قبل عثمان لكونه في أرفع الصحيح، ولأبي يعلى أن عمر قال: يا رسول الله ألا تعجب من عثمان، عرضت عليه حفصة فاعرض عني، فقال صلى الله عليه وسلم: "قد زوج الله عثمان خيرا، من حفصة، وزوج حفصة خيرا من عثمان"، "فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكحه" عمر "إياها في سنة ثلاث من الهجرة" كما رواه ابن أبي خيثمة، عن الزهري، عن رجل من بني سهم، وعنده أيضا عن أبي عبيدة أنه تزوجها سنة اثنتين من الهجرة، وبه جزم ابن عبد البر قال في الإصابة، والراجح الأول لأن زوجها قتل بأحد سنة ثلاث، لكن قال في الفتح: الثاني أولى لأنهم قالوا تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد خمسة وعشرين شهرا من الهجرة، وفي رواية بعد ثلاثين، وفي أخرى بعد عشرين، وكانت أحد بعد الهجرة بأكثر من ثلاثين شهرا، أو قد جزم ابن سعد بأن زوجها مات بعد قدومه صلى الله عليه وسلم من بدر انتهى.
وقال ابن سيد الناس تزوجها في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من مهاجره على القول
وطلقها تطليقة واحدة، ثم راجعها، نزل عليه الوحي: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة.
وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين. وماتت في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية، وقيل.
__________
الأول، أي موت زوجها بعد بدر وبعد أحد على الثاني، "وطلقها تطليقة واحدة، ثم راجعها" رحمة لأبيها، ولأنه "نزل" جبريل "عليه" فقال له: "راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وأنها زوجتك في الجنة".
أخرجه ابن سعد والطبراني برجال الصحيح من مرسل قيس بن سعد، أنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فدخل عليها خالاها قدامة، وعثمان ابنا مظعون، فبكت وقالت: والله ما طلقني عن شيء فجاء صلى الله عليه وسلم، فتخليت فقال: قال لي: جبريل راجع حفصة فذكره.
وروى ابن أبي خيثمة عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، فأتاه جبريل، فقال: طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة.
وعن عقبة بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فبلغ ذلك عمر، فحثا على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها، فنزل جبريل من الغد، وقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر، ثم أراد أن يطلقها ثانية، فقال له جبريل: لا تطلقها فإنها صوامة قوامة، أخرجه.
وروى أبو يعلى عن ابن عمر قال: دخل عمر على حفصة، وهي تبكي: فقال: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلقك أنه كان قد طلقك، ثم راجعك من أجلي، فإن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا، وفي هذه الأحاديث تنبيه من الله على فضلها، والثناء عليها بكثرة الصيام والقيام، والإخبار بأنها زوجة في الجنة للمختار، وقالت عائشة في حقها: إنها ابنت أبيها تنبيها على فضلها، رواه أبو داود عن الزهري، واسترضاها صلى الله عليه وسلم لما عتبت عليه بوطء مارية في بيتها، فحرمها وشهد بدرا من أهلها سبعة: أبوها، وعمها زيد، وزوجها وأخوالها: عثمان، وعبد الله، وقدامة، والسائب بن عثمان خالها، وروى لها عنه صلى الله عليه وسلم ستون حديثا في البخاري منها خمسة.
و"روى عنها جماعة من الصحابة والتابعين" كأخيها عبد الله، وابنه حمزة، وزوجته صفية بنت أبي عبيد، وحارثة بن وهب، والمطلب بن أبي وادعة، وأم مبشر الأنصارية، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن صفوان بن أمية وغيرهم "وماتت في شعبان سنة خمسة وأربعين" بالمدينة "في خلافة معاوية" وبه جزم في التقريب، وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة وحمل سريرها بعض الطريق، ثم حمله أبو هريرة إلى قبرها، ونزل فيها أخوها عبد الله، وعاصم، وسالم، وعبد الله، وحمزة بنو عبد الله بن عمر، كما ذكر ابن سعد، "وقيل" ماتت في جمادى
سنة إحدى وأربعين وهي ابنة ستين سنة، وقيل إنها ماتت في خلافة عثمان.
__________
الأولى "سنة إحدى وأربعين"، حين بايع الحسن معاوية، "وهي ابنة ستين سنة"، على القول الثاني؛ لأنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين، فتضم إلى ثلاث عشرة قبل الهجرة، ثم إلى إحدى وأربعين بعدها تبلغ ذلك، أما على الأول فتكون ابنة ثلاث وستين، وقد أحسن اليعمري حيث قال بعد الأول، وقد بلغت ثلاثا وستين سنة، "وقيل إنها ماتت في خلافة عثمان" سنة سبع وعشرين، قال في الإصابة حكاه الدولابي، وهو غلط، وكان قائله استند إلى ما رواه ابن وهب عن مالك أنه قال: ماتت حفصة عام فتحت أفريقية، ومراده فتحها الثاني الذي كان على يد معاوية بن خديج، وهو في سنة خمسين، وأما الأول الذي كان في عهد عثمان سنة سبع وعشرين فلا، انتهى، وقيل ماتت سنة خمسين، وقيل سنة سبع وأربعين، حكاها البرهان، وأوصت إلى أخيها عبد الله بما أوصى إليها عمرو بصدقة تصدقت بها، بمال وقفته بالغاية، ذكره أبو عمر والله أعلم.
[أم سلمة أم المؤمنين] :
أما أم المؤمنين أم سلمة هند، وقيل رملة الأول أصح -وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة، وليست عاتكة بنت عبد المطلب- فكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أبي سلمة بن عبد الأسد، وكانت هي وزوجها أول من هاجر إلى أرض الحبشة، فولدت له بها زينب،
__________