withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


معركة مؤتة_15838

معركة مؤتة


سرية مؤتة

1:

أدى مقتل الصحابي "الحارث بن عمير" حامل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك بصرى إلى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتألمه لهذا العدوان الذي لا يراعي حقًا، ولا يحترم خلقًا، فجهز جيشًا من ثلاثة آلاف صحابي، وأمر عليه ثلاثة من خيرة الصحابة هم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم فأمر زيدًا أولا وقال لهم: "إن قتل زيد فجعفر، فإن قتل جعفر فعبد الله". وعقد لهم لواء أبيض2.

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان خارج المدينة فعسكر بـ"الجرف" وندب الصحابة للخروج، ولم يبين لهم الأمر، حتى صلى بهم الظهر فجلس معهم، وعين الأمراء، وعقد

__________

1 مؤتة: قرية بأدنى بلاد الشام في منطقة البلقاء.

2 الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني ج21 ص136.

اللواء وأعطاه للأمير الأول، زيد بن حارثة، وأخذ المؤمنون يدعون قائلين وهم يودعون المجاهدين: دافع الله عنكم وردكم صالحين غانمين.

وقد ودع رسول الله الجيش حتى ثنية الوداع، وهناك أوصاهم فقال لهم: "أوصيك بتقوى الله، وبمن معك من المسلمين خيرًا، اغزوا باسم الله في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدًا.

وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم، واكفف عنهم.

ادعهم إلى الدخول في الإسلام، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين.

إن دخلوا في الإسلام واختاروا أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين وإن دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله، ولا يكون لهم في الفيء ولا في الغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.

فإن أبوا الإسلام فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.

وإن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟

وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك على أن تجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة رسوله، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك، فإنكم إن تنقضوا ذمتكم وذمة آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله.

وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين للناس، فلا تتعرضوا لهم وستجدون آخرين في رءوسهم مفاحص الغدر والهوى فاقلعوها بالسيوف.

ولا تقتلن امرأة ولا صغيرًا ضرعًا، ولا كبيرًا فانيًا، ولا تغرقن نخلا، ولا تقلعن شجرًا ولا تهدموا بيتًا"1.

وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، مرني بشيء أحفظه عنك.

قال صلى الله عليه وسلم: "إنك قادم غدًا بلدًا، السجود فيه قليل فأكثر السجود".

قال ابن رواحة: زدني يا رسول الله.

قال صلى الله عليه وسلم: "اذكر الله، فإنه عون لك على ما تطلب".

فقام عبد الله من عنده، حتى إذا مضى ذاهبًا رجع.

فقال: يا رسول الله! إن الله وتر يحب الوتر.

فقال: "يابن رواحة، ما عجزت فلا تعجزن إن أسأت عشرًا أن تحسن واحدة".

فقال: لا أسألك عن شيء بعدها2.

ومضى المسلمون، وقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتهوا إلى مقتل الحارث بن عمير وسمع العدو بمسيرهم فجمعوا لهم، فقام فيهم رجل من الأزد يقال له: شرحبيل بن عمرو الغساني، وقدم الطلائع أمامه، وبعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين فلقوا المسلمين بوادي القرى فقاتلهم المسلمون وقتلوا سدوسًا.

ونزلوا معان من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من البلقاء في مائة ألف من الروم، ومعه من بهراء ووائل، وبكر، ولخم، وجذام مائة ألف عليهم رجل من بلى يقال له: مالك.

فأقاموا ليلتين بـ"معان" وأرادوا أن يكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر ليردهم أو يزيدهم رجالا، فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال: والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد، ولا بكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول، إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به،

__________

1 إمتاع الأسماع ج1 ص348، 349.

2 المغازي ج2 ص756-758.

انطلقوا والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان، ويوم أحد وما معنا إلا فرس واحد، فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور عليهم، فذلك ما وعدنا الله ووعدنا نبينا، وليس لوعده خلف وإما الشهادة، فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان.

فشجع الناس ومضوا إلى مؤتة، فرأوا المشركين ومعهم ما لا قبل للمسلمين به من العدد، والسلاح، والكراع، والديباج، والحرير، والذهب.

قال أبو هريرة: وقد شهدت ذلك فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة، ما لك؟ كأنك ترى جموعًا كثيرة.

قلت: نعم.

قال: لم تشهدنا ببدر، إنا لم ننصر بالكثرة.

وقاتل الأمراء يومئذ على أرجلهم: فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل وقاتل الناس معه، والمسلمون على صفوفهم، وعلى الميمنة قطبة بن قتادة السدوسي، وعلى الميسرة عباية بن مالك، فقتل زيد طعنًا بالرماح.

ثم أخذ اللواء جعفر فنزل عن فرسه فعرقبها، ثم قاتل حتى قتل: ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوجد في نصفه بضع وثلاثون جرحًا، وقيل: وجد فيما بين منكبيه، اثنتان وسبعون ضربة بسيف أو طعنة برمح، ووجد به طعنة قد أنفذته.

ثم أخذ اللواء بعده عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل1.

وسقط اللواء، فاختلط المسلمون والمشركون، وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة، وقتلوا، وأتبعهم المشركون، فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم يقتل الرجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرًا، فما يثوب إليه أحد، ثم تراجعوا، فأخذ اللواء ثابت بن أقرم، وصاح: يا للأنصار، فأتاه الناس من كل وجه وهم قليل، وهو يقول: هلموا إلي أيها الناس.

فلما نظر إلى خالد بن الوليد قال: خذ اللواء يا أبا سليمان.

__________

1 المغازي ج2 ص760-762.

فقال خالد: لا آخذه، أنت أحق به، أنت رجل لك سن، وقد شهدت بدرًا.

قال ثابت: خذه أيها الرجل، فوالله ما أخذته إلا لك.

فأخذه خالد وواصل القتال، وجعل المشركون يحملون عليه، فثبت حتى كل المشركون، وحمل بأصحابه ففض جمعًا من جمعهم، ثم دهمه منهم بشر كثير فتحملها خالد والمسلمون حتى انتهى اليوم.

بات خالد ليلته ووضع خطة جديدة فلما أصبح غدا، وقد جعل مقدمته ساقة وساقته مقدمة، وميمنته ميسرة، وميسرته ميمنة، وصمد في واد واسع ينتهي بمضيق جهة الرومان فلما جاء الرومان من المضيق، ورأوا تنظيم المسلمين أنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيأتهم، فقالوا: قد جاءهم مدد، ورعبوا، فانكشفوا منهزمين، وحين تراجعهم اضطربوا في المضيق وأدى تزاحمهم إلى هلاك كثير منهم وقتل المسلمون منهم مقتلة لم يقتلها قوم آخرون1.

وقتل من المسلمين يوم مؤتة اثنا عشر شهيدًا بما فيهم القواد الثلاثة وانسحب الجيش الإسلامي وعاد إلى المدينة ببعض الغنائم وتحدث أهل المدينة بأن الجيش فر من المعركة وسموهم بالفرار, فقعد الناس في بيوتهم حتى لا يسمعوا من يناديهم يا فرار. وكانوا يصلون في دورهم ولا يحضرون جماعة المسجد.

فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار في سبيل الله" 2.

والصحيح أن كل فئة انحازت عن الأخرى، وأطلع الله سبحانه وتعالى على ذلك رسوله من يومهم ذلك، فأخبر به أصحابه وقال عنهم صلى الله عليه وسلم: "لقد رفعوا إليّ في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحه ازورارًا عن سرير صاحبيه، فقلت عم هذا؟ فقيل لي: مضيا، وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى".

__________

1 إمتاع الأسماع من ص345 إلى ص349.

2 المغازي ج2 ص765.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل لي جعفر وزيد وابن رواحة في خيمة من در، كل واحد منهم على سرير، فرأيت زيدًا وابن رواحة في أعناقهما صدود، ورأيت جعفرًا مستقيمًا ليس فيه صدود قال: فسألت فقيل لي: إنهما حين غشيهما الموت أعرضا أو كأنهما صدا بوجوههما، وأما جعفر فإنه لم يفعل".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جعفر: "إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء".

قال أبو عمر: وروينا عن ابن عمر أنه قال: وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبيه وما أقبل منه، تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح.

وقال موسى بن عقبة: قدم يعلى بن منبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرتك". قال: أخبرني يا رسول الله فأخبره صلى الله عليه وسلم خبرهم كله، ووصفهم له، فقال: والذي بعثك بالحق، ما تركت من حديثهم حرفًا واحدًا لم تذكره، وإن أمرهم لكما ذكرت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم" 1.

__________

1 زاد المعاد ج3 ص383 المغازي ج2 ص767.

2-



كلمات دليلية: