withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


معجزة الإسراء والمعراج وفرض الصلاة_15530

معجزة الإسراء والمعراج وفرض الصلاة


الإسراء والمعراج

وبين هذه العواصف العنيفة والأخطار المخيفة التي كانت تحيط بمحمد -صلى الله عليه وسلم- تمتد يد الرحمن بالرحمة والخير والحنان، وتحتضن العناية الإلهية محمد -صلى الله عليه وسلم- لترتفع به إلى أسمى مكان ... ويقع حادث الإسراء والمعراج تكريمًا من الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ليكون في ذلك عوض أي عوض عما لحقه من أذى المشركين وعنتهم، وما أصابه من آلام ومتاعب في طريقه الشاقة إلى غايته الكريمة {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} 1.

ولقد وقع الإسراء والمعراج في السنة الثانية عشرة من البعثة النبوية، وفي الليلة السابعة والعشرين من شهر رجب كما هو المشهور2.

ولقد ثبت الإسراء بصريح القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى:

__________

1 سورة النساء الآية 70.

2 وقيل: من ربيع الأول، وقيل غير ذلك، وقد اختلفوا في السنة أيضًا وانظر "فتح الباري" 7/ 203، و"المواهب اللدنية" 1/ 273، و"دلائل النبوة" 2/ 354 للبيهقي، وغير ذلك ملخص ما قالوه:

قال الزهري: كان الإسراء بعد المبعث بخمس سنين، وقيل عنه أيضًا، قبل الهجرة بخمس ورجح الأول القاضي عياض، والقرطبي، والنووي.

وقيل: قبل الهجرة بسنة، قاله ابن حزم وادعى فيه الإجماع.

وقيل: قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر -أي: في شوال قاله السدي، أخرج ذلك عنه الطبري والبيهقي.

وقيل: كان في رجب حكاه ابن عبد البر، وابن قتيبة.

وقيل: كان قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر -أي: في ذي الحجة- وبه جزم ابن فارس.

وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، ذكره ابن الأثير.

وقيل: في السابع والعشرين من رجب واختاره الحافظ المقدسي.

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1.

وثبت الإسراء والمعراج معًا بالأحاديث النبوية الصحيحة التي لا يتطرق إليها الضعف والوهن.

ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك2 -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أتيت بالبراق وهو دابة فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه. قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء. ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن. فقال جبريل: اخترت الفطرة.

ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل. ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا. فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل. فقيل من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا. فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى ابن مريم فرحبا بي ودعوا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فذكر مثل الأولى ففتح لنا. وإذا أنا بيوسف،

__________

1 سورة الإسراء الآية 1.

2 البخاري 2/ 213، ومسلم 2/ 117، وقد أطال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الإسراء من تفسيره 3/ 3 بذكر طرق أحاديث الإسراء والمعراج وألفاظه.

فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فذكر مثله. فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فذكر مثله. فإذا أنا بهارون. فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فذكر مثله. فإذا أنا بموسى فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فذكر مثله. فإذا أنا بإبراهيم.. ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة في كل يومٍ وليلة ...

فنزلت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم.

يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: فما زلت أراجع ربي حتى جعلها خمس صلوات في اليوم والليلة، وقال: يا محمد هن خمس في العدد ولكنهن خمسون في الأجر والثواب: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: من الآية: 29] ".

هذه قصة الإسراء والمعراج كما ذكرها لنا رسولنا الصادق الأمين، وهي -كما تبين لنا- رحلة حقيقية بالجسد والروح معًا، ولم تكن رؤيا في منام كما وهم الواهمون، ولو كان الإسراء والمعراج بالروح فحسب لما كذبه المشركون من قريش وسائر العرب، ولما عجبوا له هذه العجب وقابلوه بالإنكار والجحود

والسخرية والإزدراء، بل لما ذكره الله -عز وجل- في مقام التكريم والامتنان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1.

وقد حاول بعض العلماء المحدثين أن يستدل على إمكان الإسراء والمعراج أو يقرب إمكان وقوعه إلى الأذهان بما وصل إليه العلم من مخترعات حديثة، تطوي المسافات الشاسعة في زمن قليل، كالطائرات النفاثة التي تسبق سرعتها سرعة الصوت. وكالصوراريح التي تحمل الإنسان إلى القمر ثمر ترجع به إلى الأرض.. إلى غير ذلك ...

ولكننا لا نذهب مثل هذا المذهب، فإن هذه المخترعات الحديثة مهما بلغت من عظمة لها مقومات من الأسباب والمسببات، وكل شيء يقوم وجوده على سبب فهو أمر لا يدعو إلى العجب.

والمعجزات التي اختص الله بها الرسل والأنبياء، إنما هي أمور خارقة تدعو إلى العجب ولا تخضع -فيما نعلم- لسبب. وما دمنا نحن المسلمين نؤمن بأن عيسى ابن مريم -عليه السلام- كان يحيي الموتى بإذن الله، ويبرئ الأكمة والأبرص بإذن الله، ونؤمن بأن الله سخر لسليمان الريح تحمله وتجري بأمره -غدوها شهر ورواحها شهر- ونؤمن بغير ذلك من المعجزات لجميع الرسل والأنبياء، فلماذا يصعب علينا أن نؤمن بأن الإسراء والمعراج آية خالدة كرم الله بها خاتم الرسل والأنبياء؟

أجل، لقد كان الإسراء والمعراج رحلة حقيقية بالروح ولا جسد، ولقد رأى

__________

1 سورة الإسراء الآية 1.

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رأى من الآيات الكبرى، ثم رجع بعد تلكم الرحلة المباركة إلى مكة المكرمة، تحف به السكينة، ويغمره الرضا والطمأنينة. فلما أصبح الصابح، وأخبر الناس بحادث الإسراء، وأيقن الكثير منهم أن هذا كذب وافتراء، أو جنون هذيان، بل لقد ارتد عن الإسلام قوم لم يدخل الإيمان في قلوبهم وقالوا: هذا والله الأمر البين! والله إن العير لتطرد شهرًا من مكة إلى الشام مدبرة، وشهرًا مقبلة، فكيف يذهب محمد إلى بيت المقدس ويرجع إلى مكة في ليلة واحدة؟!

ولقد طلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس، ولم يكن رآه قبل هذه الليلة فأخذت الحيرة والألم، فجلاه الله فصار يصفه وصفًا شاملًا لا شك فيه ...

وسألوه عن آية أخرى على صدق كلامه!

فقال: "مررت بعير بني فلان بوادي كذا فأنفرهم حس الدابة، فند لهم بعير، فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان -جبل بتهامة- مررت بعير بني فلان، فوجدت القوم نيامًا، ولهم إناء فيه ماء وقد غطوا عليه بشيء، فكشف غطاؤه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان ...

وآية ذلك: أن عيرهم الآن عند ثنية التنعيم يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء".

فأسرع القوم إلى الثنية، فوجدوا الجمل كما وصفه لهم. وسألوهم عن الإناء، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءًا ماءً ثم غطوه، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه ولم يجدوا فيه ماء.

وسألوا الآخرين بعد ذلك فقالوا: صدق والله، لقد ندَّ لنا بعير بالمكان الذي

أخبركم عنه، فسمعنما صوت رجل يدعونا إليه حتى أخذناه1 ...

وهكذا ذكر لهم من الأمارات والعلامات ما لا سبيل إلى الطعن فيه، ولكنهم على الرغم من ذلك كله لم يزدادوا إلا كفرًا وعنادًا، ولم يزدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإزاء ذلك العناد منهم إلا صبرًا وجهادًا ...

وأما أقوياء العقيدة من المؤمنين المخلصين، فقد زادهم هذا الحادث العجيب إيمانًا على إيمانهم. وحسبنا في ذلك موقف أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فلقد ذهب إليه أناس وقالوا له: ما تقول يا أبا بكر في صاحبك؟ يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة.

فقال لهم أبو بكر في ثقة المؤمن المخلص: والله لئن كان قال لكم ذلك، لقد صدق، والله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليلٍ أو نهارٍ فأصدقه، فهذا أبعد ما تعجبون منه!

ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره الرسول بما وقع له من ذلك الحادث العجيب، فلم يزدد الصديق المؤمن إلا إيمانًا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وتصديقًا، حتى لقد سمِّي منذ ذلك اليوم صديقًا2.

__________

1 الخبر عند اسحاق، كما في "سيرة ابن هشام" 1/ 248 وغيره. وقد جاء في هذه المساءلات وجوابها من الدلائل أحاديث كثيرة منها: عن شداد بن أوس عند البزار والطبراني والبيهقي في "الدلائل" 2/ 355-356 وقال: إسناده صحيح.

وعن جابر عن البخاري 3886، ومسلم 1/ 156 باختصار.

وعن ابن عباس عند البيهقي 2/ 365، وأحمد في المسند 1/ 309 وغيرهما بسند جيد وفي الباب أحاديث كثيرة.

2 أخرج ذلك الحديث الحاكم في "المستدرك" 3/ 62 وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي في "الدلائل" 2/ 360- 361 والحديث حسن بشواهده كما ذكرت في "الدرك" فعند الطبراني 1/ 15 عن أم هانئ بسند ضعيف، ما يشهد له، وكذلك في "الأوسط" عن أبي هريرة كما في "المجمع" 9/ 21.

وهكذا الإيمان القوي لا تضعفه الفتن مهما عصفت ريحها، وهكذا الصداقة المخلصة تعظم في المحن قيمتها، وتظهر عند الشدائد ثمرتها.

السموات السبع:

قد يتساءل بعض الناس عن حقيقة ,

السموات السبع

وهل هي من الكواكب الموجودة في هذا الكون الذي تتجدد -على مدى الأيام- عجائبه؟ أم أنها أجسام شفافة مبنية لها حوائط ونوافذ وأبواب، وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام؟ أم هي طبقات من الفضاء بعضها فوق بعض؟ أم هي شيء وراء ذلك كله؟

ومن الخير لنا أن نقف عند النصوص القاطعة وحدها، وألا نطلق العنان للخيال، أو نمعن في بحث ليس لنا فيه مجال، فالسموات حقيقة ثابتة لا ريب فيها، ولكن من أي شيء بنيت؟ وبأي كيفية رفعت؟ وعلى أية صورة رسمت؟ إلى غير ذلك من التفصيلات الدقيقة. كل ذلك لا داعي إلى الخوض فيه، فإن الإحاطة به مردها إلى العليم الحكيم الذي بناها، ورفع سمكها فسواها ... فقف أيها السائل عند حدك، ولا تخض لجة البحر العميق فتهلك ... فكم من أناس تمادوا مع هذا التيار فغرقوا، وكم من فلاسفة حاولوا أن يكشفوا هذه الأستار فاحترقوا، وتذكر أيها السائل قول القائل:

تاه الأنام بسكرهم ... فلذاك صاحي القوم عربد

من أنت يا رسطو1 ومن ... أفلاط قبلك قد تفرد

ما أنتم إلا الفرا ... ش رأى السراج وقد توقد

__________

1 يريد الفيلسوف "أرسطو" فحذف الألف لضرورة الوزن، وكذلك فعل في "أفلاطون".

فدنا فأحرق نفسه ... ولو اهتدى رشدًا لأبعد

,

لقاء الأنبياء

:

كما يتساءل بعض الناس -كذلك- عن كيفية المقابلة التي تمت بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين الأنبياء في هذا الملأ الأعلى؟

وإذا كان المعراج لم يثبت إلا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- فيكف يمكن أن تنتقل أجساد هؤلاء الأنبياء ويعرج بها من الأرض إلى السماء؟

ولقد أجاب العلامة ابن القيم في كتابه زاد المعاد1 على هذا السؤال فقال: إن أرواح الأنبياء مستقرة في السماء، ولكن لها إشراف على البدن في الأرض وإشراق وتعلق. وبهذا التعلق رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- أخاه موسى -عليه السلام- قائمًا يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة، ومعلوم أنه لم يعرج بموسى من قبره ثم رد إليه، بل ذلك مقام روحه واستقرارها، وقبره مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح إلى أجسادها، فرآه يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة.

كما أنه -صلى الله عليه وسلم- في أرفع مكان في الرفيق الأعلى مستقر هناك، وجسده في ضريحه غير مفقود، ومن كثف إدراكه وغلظت طباعه عن إدراك هذا فلينظر إلى الشمس في علو محلها، وتعلقها بالأرض وتأثيرها فيها، وحياة النبات والحيوان بها، وهذا شأن الروح فوق هذا فلها شأن وللأبدان شأن.

وهذه النار تكون في محلها، وحرارتها تؤثر في الجسم البعيد عنها، ومع أن الارتباط الذي بين الروح والبدن أقوى وأكمل من ذلك وأتم، فشأن الروح أعلى

__________

1 "2/ 129".

من ذلك وألطف:

فقل للعيون الرمد إياك أن تري ... سنا الشمس فاستغشي ظلام اللياليا



كلمات دليلية: