withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


غزوة الطائف 8 هـ_13071

غزوة الطائف : 8 هـ


غزوة الطائف

:

"ثم غزوة الطائف، وهي" كذا في النسخ بالتأنيث، والذي في الفتح، وهو "بلد كبير على ثلاث مراحل، أو اثنتين من مكة من جهة المشرق،" متعلق بكل من ثلاث، أو اثنتين ولك الجمع بأن الثلاث من عمران مكة والاثنتين من آخر ما ينتهي إليها من توابعها المنسوبة إليها، وكأنه تقريب على كلا القولين، "كثيرة الأعناب" جمع عنب واحدة عنبة، "والفواكة،" وهي ما يتفكه، أي يتنعم بأكله رطبا كان أو يابسا، كتين وعنب وبطيخ وزبيب ورطب ورمان، فهو عطف عام

وقيل: إن أصلها أن جبريل -عليه السلام- اقتلع الجنة التي كانت لأصحاب الصريم، فسار بها إلى مكة، فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف، فسمي الموضع، وكانت أولا بنواحي صنعاء.

__________

على خاص، غير أن الذي في الفتح، وتبعه الشامي كثير الأعناب والنخيل.

قال في القاموس: سمي بذلك؛ لأنه طاف على الماء في الطوفان، أو؛ لأن جبريل طاف بها على البيت، أو؛ لأنها كانت بالشام، فنقلها الله إلى الحجاز بدعوة إبراهيم، أو؛ لأن رجلا من الصدف أصاب دما بحضرموت، ففر إلى وج، وحالف مسعود بن معتب، وكان له مال عظيم، فقال: هل لكم أن أبني لكم طوفا عليكم يكون لكم ردأ من العرب، فقالوا: نعم، فبناه وهو الحائط المطيف به. ا. هـ.

فهذه أربعة أقوال في سبب التسمية، "وقيل" خامس هو: "إن أصلها، أي تسمية البلدة بذلك "أن جبريل عليه السلام اقتلع الجنة التي كانت،" أي البستان الذي كان بصوران على فرسخ من صنعاء، كما في الروض وفي الأنوار أنها دون صنعاء بفرسخين "لأصحاب الصريم" البستان المقطوع ثمره سماه صريما؛ لأنه لما حل به البلاء صار لا ثمر له، والإضافة لأدنى ملابسة لشبه جنتهم به، فجعلوا أصحابه تجوزا، وإلا فهم ليسوا أصحابا له، بل هو مشبه به، كما دل عليه قوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَلَا يَسْتَثْنُونَ، فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} , [القلم: 17] قال البيضاوي: البستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء، فعيل بمعنى مفعول، أو كالليل باحتراقها وإسودادها، أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سميا بالصريم؛ لأن كلا منهما ينصرف عن صاحبه أو كالرماد. ا. هـ.

وفي النهر قال ابن عباس: كالرماد الأسود والصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة. ا. هـ. "فسار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حيث الطائف" أي في المكان الذي فيه هذا البلد، لا يقال: على أنها احترقت وصدر به ابن عطية، واقتصر عليه الجلال كيف نقلها جبريل؛ لأنه يحتمل أنه لما أراد اقتلاعها، وطاف بها، عادت كما كانت أو أعظم، أو أنه لما اقتلعها حرق موضعها، وقد يدل له تسفير الصريم بالرماد الأسود، والعلم عند الله، "فسمي الموضع" الذي هو البلد الكبير، وما تبعه من القرى، وبهذا وافق قول القاموس الطائف بلاد ثقيف في واد أول قراها لقيم وآخرها الوهط، "وكانت أولا" قبل النقل "بنواحي صنعاء" على فراسخ منها بصوران، ومن ثم كان الشجر والماء بالطائف دون ما حولها، وكانت قصة أصحاب الجنة بعد عيسى ابن مريم بيسير، ذكر هذا الخبر كله النقاش وغيره، كما في الأرض، فلا يعترض بأن القاموس لم يذكره، وذكر أبو عبيدة البكري: أن أصل أعنابها أن قيس بن منبه، وهو ثقيف أصاب دما في قومه إياد

واسم الأرض: وج، بتشديد النجم المضمومة.

سار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة ثمان، حين خرج من حنين.

وحبس الغنائم بالجعرانة.

وقدم خالد بن الوليد على مقدمته، وكانت ثقيف لما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم.

__________

ففر إلى الحجاز، فمر بيهودية، فآوته واقام عندها زمانا، ثم انتقل، فأعطته قصبا من الحبلة وأمرته بغرسها، فأتى بلاد عدوان، وهم سكان الطائف حينئذ، فمر بسخيلة جارية عامر بن الظرب، وهي ترعى غنما، فأراد سباءها، وأخذ الغنم، فقالت: ألا أدلك على خير من ذلك، أقصد سيدي وجاوره، فإنه أكرم الناس، فأتاه، فزوجه ابنته زينب، فلما جلت عدوان عن الطائف بالحروب التي كانت بينها أقام ثقيف، فتناسل أهل الطائف منه، وسمى قيسا لقساوة قلبه حين قتل أخاه، أو ابن عمه، وسمي ثقيفا لقولهم فيه: "ما أثقفه حين ثقف عامرا حتى آمنه وزوجه بنته، "واسم الأرض وج بتشديد الجيم" قبلها واو مفتوحة، سميت برجل، وهو ابن عبد الحي من العمالقة، وهو أول من نزلها، قاله في فتح اللباب، كجميع ما ذكره المصنف، من أوله، وفي الروض قيل: وج هو الطائف، وقيل: اسم لواد بها، ويشهد له قول أمية بن الأشكر حيث قال:

إذا يبكي الحمام ببطن وج ... على بيضاته بكيا كلانا

وقول الآخر:

أتهدي لي الوعيد ببطن وج ... كأني لا أراك ولا تراني

ويقال: بتخفيف الجيم والصواب تشديدها، ويقال: وج وأج بالهمزة بدل الواو، قاله يعقوب في كتاب الأبدال. ا. هـ.

"سار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة ثمان،" قاله موسى بن عقبة، وجمهور أهل المغازي، وقيل: بل وصل ليها في أول ذي القعدة، كما في الفتح "حين خرج من حنين، وحبس الغنائم بالجعرانة" بكسر الجيم، وسكون العين المهملة، وقد تكسر، وتشديد الراء، قاله ابن إسحاق: وجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري، وقال البلاذري: بديل بن ورقاء الخزاعي.

وروى عبد الرزاق من مرسل بن المسيب: جعل عليها أبا سفيان بن حرب وفيه نظر، فإنه شهد الطائف، كما يأتي فإن صح، فكأنه جعله عليها أولا، ثم بدا له فجعل غيره وسار هو معه.

"وقدم خالد بن الوليد على مقدمته" في ألف من أصحابه، وقيل: مائة من بني سليم، فإنه صح، فباقي الألف من غيرهم، "وكانت ثقيف لما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم بالطائف،

ورموه بالطائف، وأغلقوه عليهم بعد أن أدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة، وتهيئوا للقتال.

وسار صلى الله عليه وسلم فمر في طريقة بقبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف -فيما يقال- فاستخرج منه غصنا من ذهب.

__________

ورموه "بشد الميم، "وأغلقوه عليهم بعد أن أدخلوا فيه ما يصلحهم من القوت لسنة، وتهيئوا للقتال" فأعدوا سككا من حديد، وجمعوا حجارة كبيرة، وأدخلوا معهم عقيلا وغيرهم من العرب، وأمروا سرحهم أن يرتع في موضع يأمنون فيه، وقاموا على حصنهم بالسلاح والرجال فدنا خالد، فدار بالصحن، ونظر إلى نواحيه، ثم وقف في ناحية، فنادى بأعلى صوته، ينزل إلى أحدكم أكلمه، وهو آمن حتى يرجع أو اجعلوا لي مثل ذلك، وأدخل عليكم أعلمكم، فقالوا: لا ينزل إليك رجل منا ولا تصل إلينا يا خالد، إن صاحبكم لم يلق قوما يحسنون قتاله غيرنا.

قال خالد فاسمعوا من قولي: نزل صلى الله عليه وسلم بأهل الحصون والقوة بيثرب وخيبر، وبعث رجلا واحدا إلى فدك، فنزلوا على حكمه، وأنا أحذركم مثل يوم قريظة حصرهم أيامًا، ثم نزلوا على حكمه فقتل مقاتلهم في صعيد واحد، وسبى الذرية، ثم فتح مكة، وأوطا هوازن في جمعها وإنما أنتم في حصن في ناحية من الأرض لو ترككم لقتلكم من حولكم ممن أسلم، قالوا: لا نفارق ديننا فرجع خالد إلى المقدمة، كذا ذكر الواقدي ومن تبعه "وسار صلى الله عليه وسلم فمر في طريقه بقبر أبي رغال،" بكسر الراء وغين معجمة، ولام "وهو أبو ثقيف فيما يقال" في تمريضه شيء، فقد ثبت مرفوعا.

أخرج ابن إسحاق وأبو داود البيهقي عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف، فمررنا بقبر فقال: "هذا قبر أبي رغال"، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود كان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه "وآية ذلك أن دف معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه" فابتدره الناس، فاستخرجوا منه الغصن، وأخطأ من قال: أن أبا رغال هذا هو دليل أبرهة حين مر على الطائف إلى مكة، فإن بين مولده صلى الله عليه وسلم وبين هلاك ثمود ألوفا من السنين، وإنما دليل أبرهة شاركه في الاسم، "فاستخرج منه غصنا،" بضم المعجمة، وأحد الأغصان، وهي أطراف الشجر، والمراد به هنا قضيب "من ذهب" كان يتوكأ عليه، وكان نحو نيف وعشرين رطلا فيما قيل، ونسب الاستخراج إليه؛ لأنه الذي نبه عليه، وخيرهم في إخراجه لا أنه أخرجه بنفسه ولا بأمره، ومر في طريقه بحصن ملك النصري قائد هوازن، وكان يليه بكسر اللام، وخفة التحتية على أميال من الطائف، فأمر بهدمه،

ونزل قريبا من الحصن وعسكر هناك، فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا، كأنه رجل جراد، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة وقتل منهم اثنا عشر رجلا منهم: عبد الله بن أبي أمية.

__________

فهدم، ثم سار حتى نزل تحت سدرة قريبا من مال رجل من ثقيف قد تمنع، فأرسل إليه إما أن تخرج، وإما أن يحرق عليك حائطك، فأبى أن يخرج، فأمر بإحراقه ذكره ابن إسحاق.

قال: "و" سار بعد ذلك حتى "نزل قريبا من الحصن"، ولا مثل له في حصون العرب، "وعسكر هناك"، وأشرفت ثقيف، وأقاموا رماتهم، وهم مائة، "فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا، كأنه رجل" بكسر الراء وسكون الجيم "جراد" يعني أن السهام لكثرتها صارت كجماعة الجراد المنتشر، والإضافة بيانية، أي رجل هو الجراد وجرد رجل عن معناه، فأضيف إذ هو الجماعة الكثيرة من الجراد خاصة.

وذكر أهل المغازي أنهم رموا بالنبل والمقاليع من بعده من الحصن، ومن دخل تحته دلوا عليه سكك الحديد محماة بالنار يطير منها الشرر، وقال عمرو بن أمية الثقفي وأسلم بعد ذلك، ولم يكن عند العرب أدهى منه: لا يخرج إلى محمد أحد إذا دعا أحد من أصحابه إلى البراز، ودعوه يقيم ما أقام، فنادى خالد من يبارز مرتين، فلم يجب، ونادى عبد يا ليل لا ينزل إليك أحد، ولكنا نقيم في حصننا، خبأنا فيه ما يصلحنا لسنين، فإن أقمت حتى يذهب ذلك الطعام خرجنا إليك جميعا بأسيافنا حتى نموت من آخرنا، فقاتلهم صلى الله عليه وسلم بالرمي عليهم، وهم يقاتلونه بالرمي من وراء الحصن، ولم يخرج إليه أحد، وكثرت الجراحات "حتى أصيب قوم من المسلمين بجراحة، وقتل منهم اثنا عشر رجلا منهم" كما قال ابن إسحاق، والبخاري وغيرهما "عبد الله بن أبي أمية" المخزومي أخو أم سلمة لأبيها المسلم في الفتح، وهو ابن عمته عاتكة. وحكمة النص عليه بيان ما أراد الله به من الخير بحيث صحب، وصار في زمرة الشهداء بعدما كان منه ما كان من شدة الأذى للمصطفى صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فسبقت له السعادة، وتمت له السيادة، وسعيد بن سعيد بن العاصي الأموي، وعرفطة، بضم المهملة، وسكون الراء، وضم الفاء، وطاء مهملة، ابن حباب بضم المهملة، وخفة الموحدة عند موسى بن عقبة وابن هشام.

وقال ابن إسحاق: ابن جناب بجيم ونون الأزدي، وعبد الله بن عامر بن ربيعة حليف بني مخزوم، والسائب وعبد الله ابنا الحارث بن قيس السهمي، وجليحة بضم الجيم، وفتح اللام، وسكون التحتية، وحاء مهملة ابن عبد الله، ومن الأنصار ثابت بن الجزع، بفتح الجيم، والمعجمة، وبالمهملة، واسمه ثعلبة السلمي والحارث بن سهل، والمنذر بن عبد الله، ورقيم بن ثابت.

ورمي عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ بجرح فاندمل، ثم نقض بعد ذلك فمات منه في خلافة أبيه.

وارتفع صلى الله عليه وسلم إلى موضع مسجد الطائف اليوم، وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب، فضرب لهما قبتين، وكان يصلي بين القبتين حصار الطائف كله.

فحاصرهم ثمانية عشر يوما،

__________

ذكره ابن إسحاق هنا، وتبعه اليعمري مع من ذكره في شهداء حنين تبعا لابن سعد لما جرت به عادة العلماء، أنهم إذا مشوا في محل على قول، وفي محل على آخر لا يعد تناقضا، وقول الشامي تبع هناك ابن إسحاق، وهنا ابن سعد سبق قلم، فإن ابن إسحاق إنما ذكر رقيما هنا، لا هناك، ويزيد بن زمعة بفتح الزاي وسكون الميم ابن الأسود جمح به فرسه إلى حصن الطائف فقتله، ذكره ابن سعد وأما ابن إسحاق فعده في شهداء حنين وعبد الله بن أبي بكر عده ابن إسحاق وأتباعه في الاثني عشر، لكنه ليس بشهيد عند جماعة كالشافعية والمالكية لبقائه بعد الحرب مدة طويلة، ومن ثم غير المصنف الأسلوب، فلم يقل ومنهم بل أخبر بما جرى له فقال: "ورمى عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ" بسهم "فجرح فاندمل" جرحه، "ثم نقض بعض ذلك فمات منه في خلافة أبيه" رضي الله عنهم أجمعين فهؤلاء ثلاثة عشر لكن في واحد خلاف فابن إسحاق يعد رقيما هنا، ويسقط يزيد وابن سعد بعده ويسقط رقيما، واتفقا على عد ابن الصديق.

"وارتفع صلى الله عليه وسلم" بعد قتل هؤلاء "إلى موضع مسجد الطائف اليوم" الذي بناه عمرو بن أمية بن وهب بن متعب بن مالك لما أسلمت ثقيف، وكان فيه سارية فيما يزعمون لا تطلع عليها الشمس يوما من الدهر إلا سمع لها نقيض أكثر من عشر مرات، وكانوا يرون أن ذلك نبيح ذكره ابن إسحاق، وغيره نقيض بنون، وقاف وتحتية، ومعجمة صوت، "وكان معه من نسأله أم سلمة وزينب" اللتان خرج بهما من المدينة لما سار للفتح، "فضرب لهما قبتين خيمتين، ونص عليهما هنا لئلا يتوهم أنه تركهما بمكة حين فتحت، "وكان يصلي بين القبتين حصار، أي مدة حصار "الطائف كله" فبنت ثقيف لما أسلمت ذلك المسجد في موضع مصلاه، كما عنده ابن إسحاق، فحاصرهم ثمانية عشر يوما، ويقال: خمسة عشر يوما" حكاهما ابن سعد، وقال ابن إسحاق في رواية زياد: بضعا وعشرين ليلة، وقال في رواية يونس: حدثني عبد الله بن أبي بكر وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من العلماء أنه حاصرهم ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك قال ابن هشام: ويقال: سبع عشرة ليلة، وقيل: عشرين يوما، وقيل: بضع عشرة ليلة.

قال ابن حزم: وهو الصحيح بلا شك، وروى أحمد ومسلم في حديث أنس: أنهم

ويقال: خمسة عشر يوما، ونصب عليهم المنجنيق وهو أول منجنيق رمي به في الإسلام، وكان قدم به الطفيل الدوسي معه لما رجع من سرية ذي الكفين، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتل منهم رجال، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم وتحريقها، فقطع المسلمون قطعا ذريعا، ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم، فقال عليه الصلاة والسلام

__________

حاصروا الطائف أربعين ليلة، ورواه ابن مسعود عن مكحول: أنه صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما، قال ابن كثير: وهذا غريب. ا. هـ.

"ونصب عليهم المنجنيق" بفتح الميم، وتكسر مؤثر عند الأكثر، ويذكر معرب، والميم أصلية عند سيبويه، والنون زائدة، ولذا سقطت في الجمع قال كراع: كل كلمة فيها جيم، وقاف، أو جيم وقاف، أو جيم وكاف مثل كيلجة فهي أعجمية.

ذكره في الروض "وهو" كما ذكره ابن هشام عمن يثق به "أول منجنيق رمي به في الإسلام"، وأما أول منجنيق رمي به فإبراهيم الخليل عمله إبليس لما أرادوا رميه صلى الله عليه وسلم على نبينا وعليه.

وأما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة بضم الجيم، وفتح المعجمة مصغرا ابن مالك المعروف بالأبرش أول من رمى به، وهو من ملوك الطوائف، "وكان قدم به الطفيل الدوسي معه لما رجع من سرية ذي الكفين"، ويقال: يزيد بن زمعة حكاهما ابن سعد بناء على قوله: أن يزيد لم يستشهد بحنين.

وقال الواقدي: قالوا: شاور صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال له سليمان: يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم، فإنا كنا بأرضنا ننصب المنجنيقات على الحصون، وتنصب علينا فنصيب من عدونا، ويصيب منا، وإن لم يكن منجنيق طال الثواء بفتح المثلثة، أي الإقامة، فأمره صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقا بيده، فنصبه على حصنهم، "فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتل منهم رجال" هم الإثنا عشر السابقة.

ذكر ابن إسحاق والواقدي: أن المسلمين دخلوا تحت دبابة، وهي من جلود البقر يوم الشدخة لما شدح فيه من الناس، ثم زحفوا بها إلى جدار الحصن ليحفروه، فأرسلت ثقيف سكك الحديد المحماة بالنار، فأحرقن الدبابة، فخرج المسلمون من تحتها، وقد أصيب منهم من أصيب، "فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم" ونخيلهم "وتحريقها".

قال عروة: أمر كل مسلم أن يقطع خمس نخلات، وخمس حبلات، "فقطع المسلمون قطعا ذريعا" بمعجمة، أي سريعا، "ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم"، فقالوا: لم تقطع أموالنا، إما أن تأخذها إن ظفرتم علينا، وإما أن تدعها لله وللرحم، "فقال عليه الصلاة والسلام:

إني أدعها لله وللرحم.

ثم نادى مناديه عليه الصلاة والسلام: أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر.

قال الدمياطي: فخرج منهم بضعة عشر رجلا فيهم أبو بكرة، وعند مغلطاي: ثلاثة وعشرون عبدا.

وفي البخاري.

__________

"إني أدعها" أتركها "لله وللرحم" التي بيني وبينهم؛ لأن أمه آمنة، أمها برة بنت عبد العزى بن قصي، وأم برة هذه أم حبيب بنت أسعد، وأمها برة بنت عوف، وأمها قلابة بنت الحارث وأم قلابة بنت الحارث، وأم قلابة هند، بنت يربوع من ثقيف، كما قاله ابن قتيبة، "ثم نادى مناديه عليه الصلاة والسلام".

قال في النور: لا أعرف اسمه، "أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر".

رواه ابن إسحاق في رواية يونس من مرسل شيخه عبد الله بن المكرم الثقفي، والواقدي عن شيوخه "قال الدمياطي: فخرج منهم بضعة عشر رجلا"، كما رواه ابن إسحاق عن شيخه المذكور الواقدي عن شيوخه المنبعث واسمه المضطجع، فسماه عليه السلام لما أسلم المنبعث عبد عثمان بن عامر والأزرق عبد كلدة بفتح فسكون.

وورد أنه كان عبد الله بن ربيعة ويحنس، بضم التحتية، وفتح المهملة، والنون المشددة، وسين مهملة النبال عبد يسار بن مالك وأسلم سيده بعد فرد صلى الله عليه وسلم إليه ولاءه وإبراهيم بن جابر عبد خرشة بفتح المعجمتين، والراء بينهما، ويسار عبد عثمان بن عبد الله، ونافع أبو السائب عبد غيلان بن سلمة، فلما أسلم غيلان رد عليه الصلاة والسلام إليه ولاءه ونافع بن مسروح ومرزوق غلام لعثمان بن عبد الله والأزرق أبو عتبة وأبو بكرة عبد الحارث بن كلدة بفتحتين.

قال في الفتح: ويقال كان معهم زياد ابن سمية والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره "فيهم أبو بكرة" نفيع بضم النون، وفتح الفاء، وسكون التحتية ابن الحارث، ويقال: مسروح، وبه جزم ابن سعد، وأخرج أبو أحمد والحاكم عنه أنه قال: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أبى الناس إلا أن يسموني فأنا نفيع بن مسروح، وقيل: اسمه هو مسروح، وبه جزم ابن إسحاق، كان من فضلاء الصحابة، وسكن البصرة، وأنجب أولادا لهم شهرة، تدلى من حصن الطائف ببكرة، فكي لذلك أبا بكرة، أخرجه الطبراني من حديث بإسناد لا بأس به، "وعند مغلطاي ثلاثة وعشرون عبدا" كما هو نص حديث الصحيح الذي بعده قال الحافظ: بعد عد هؤلاء ولم أعرف أسماء الباقين.

"وفي البخاري" من طريق شعبة عن عاصم سمعت أبا عثمان سمعت سعدا، وهو أول من

عن أبي عثمان النهدي قال: سمعت سعدا وأبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.... قال عاصم: قلت لقد شهد عندك رجلان حسبك بهما قال: أجل.... أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف الحديث.

وأعتق صلى الله عليه وسلم من نزل منهم، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين

__________

رمى بسهم في سبيل الله، وأبا بكرة، وكان تسور حصن الطائف في أناس، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم فالجنة عليه حرام".

وقال هشام: أخبرنا معمر عن عاصم عن أبي العالية، أو"عن أبي عثمان" وعبد الرحمن بن مل "النهدي" هكذا فيه بالشك، لكن عن أبي عثمان وحده عن أبي بكرة وحده، كما أفاده في الفتح فتسمح المصنف في عزوه للبخاري "قال: سمعت سعدا" وهو ابن أبي وقاص أحد العشرة، "وأبا بكرة" يرويان "عن النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث المذكور، من ادعى إلى غير أبيه إلخ "قال عاصم" بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري الثقة مات سنة أربعين ومائة.

وروى له الجميع "قلت": لأبي عثمان، أو لأبي العالية "لقد شهد عندك" بكاف الخطاب، كما في رواية البخاري لأبي عثمان أو لأبي العالية، ونسخة عندي تصحيف "رجلان حسبك بهما قال: أجل" بالجيم واللام.

"أما أحدهما فأول من رمى" بفتح الراء والميم "بسهم في سبيل الله" حين كان في سرية عبيدة المطلبي، إلى رابغ، كما مر في أوائل المغازي.

"وأما الآخر، فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف" بنصب ثالث.

قال الحافظ: ولم يقع لي هذا التعليق موصولا إلى هشام وهو ابن يوسف الصنعاني، وغرض البخاري منه ما فيه بيان عدد من أبهم في الرواية الأولى التي قام فيها في أناس، وقوله: تسور، إلى صعد إلى أعلاه، وهذا لا يخالف قوله: تدلى؛ لأنه تسور من أسفله إلى أعلاه، ثم تدلى منه، وفيه رد على ن زعم أنه لم ينزل من سور الطائف غير أبي بكرة، وممن قاله موسى بن عقبة، وتبعه الحاكم، وجمع بعضهم بأن أبا بكرة نزل وحده أولا، ونزل الباقون بعده وهو جمع حسن. ا. هـ.

"الحديث " كذا في النسخ وهو وهم، فإن آخر هذا الحديث في البخاري ليس بعده شيء، "وأعتق صلى الله عليه وسلم من نزل منهم،" كما رواه ابن أبي شيبة، وأحمد عن ابن عباس قال: أعتق صلى الله عليه وسلم يوم الطائف كل من خرج إليه من رقيق المشركين، "ودفع كل رجل منهم إلى رجل من

يمونه، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة.

ولم يؤذن له صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف، وأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل، فضج الناس من ذلك، فقالوا: نرحل ولم يفتح علينا الطائف؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "فاغدوا على القتال"

__________

المسلمين يمونه"، فكان أبو بكرة إلى عمرو بن سعيد والأزرق إلى خالد بن سعيد، وورد أن إلى أبان بن سعيد والنبال إلى عثمان بن عفان، ويسار إلى سعد بن عبادة وإبراهيم إلى أسيد بن حضير، وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يقرؤهم القرآن، ويعلموهم السنين، كذا عند الواقدي، ولم يعين البقية لمن، "فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة"، ولما أسلمت ثقيف، تكلمت أشرافهم في أولئك العبيد أن يردوهم إلى الرق منهم الحارث بن كلدة، فقال صلى الله عليه وسلم لأولئك: "عتقاء الله لا سبيل إليهم".

رواه ابن إسحاق والواقدي وزاد، لكنه رد ولاء بعضهم إلى ساداتهم، قال ابن إسحاق: وبلغني أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق: "إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا، فنقرها ديك فهراق ما فيها"، فقال أبو بكر: ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد، فقال صلى الله عليه وسلم: "وأنا لا أرى ذلك "، ولم يؤذن له صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف" ذلك العام لئلا يستأصلوا أهله قتلا؛ لأنه لما خرج إليهم بعد موت أبي طالب دعاهم إلى الله، وأن يؤوه حتى يبلغ رسالة ربه، فردوا عليه ردا عنيفا، وكذبوه ورموه بالحجارة حتى أدموا رجليه، فرجع مهموما فلم يفق إلا عند قرن الثعالب، فناداه ملك الجبال: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت، فقال: "بل استأني لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله، فناسب قوله، بل استأني أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم، وأن يؤخر الفتح ليقدموا مسلمين في العام المقبل، كما سيأتي في الوفود قاله الشامي، "وأمر عمر بن الخطاب، فأذن في الناس بالرحيل".

روى الواقدي عن أبي هريرة: لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف استشار النبي صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الديلمي، فقال: "يا نوفل ما ترى في المقام عليهم" قال: يا رسول الله ثعلب في حجر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك.

قال ابن إسحاق: ثم إن خولة بنت حكيم السلمية قالت: يا رسول الله أعطنى إن فتح الله عليك الطائف حلى بادية بنت غيلان، أو حلى القارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف، فقال صلى الله عليه وسلم: "وإن كان يؤذن لنا في ثقيف يا خولة"، فذكرته لعمر، فقال: يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلته، قال: "قلته" قال: أو ما أذنت فيهم فقال: "لا": أفلا أؤذن الناس بالرحيل؟ فقال: "بلى" فأذن عمر بالرحيل، "فضج الناس من ذلك، فقالوا: نرحل، ولم يفتح علينا الطائف، فقال عليه الصلاة والسلام: "فاغدوا على القتال"، أي سيروا أول النهار

فغدوا فأصاب المسلمين جراحات، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون إن شاء الله تعالى" فسروا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.

قال النووي: قصد صلى الله عليه وسلم الشفقة عليهم والرفق بهم بالرحيل عن الطائف لصعوبة أمره، وشدة الكفار الذين هم فيه، وتقويهم بحصنهم، مع أنه صلى الله عليه وسلم أولا علم، أو رجا أنه سيفتحه بعد هذا بلا مشقة، فلما حرص الصحابة على المقام والجهاد أقام، وجد في القتال فلما أصابتهم الجراح رجع إلى ما كان قصده أولا من الرفق بهم ففرحوا بذلك لما رأوا من المشقة الظاهرة، ووافقوا على الرحيل، فضحك صلى الله عليه وسلم تعجبا من تغير رأيهم.

وفقئت عين أبي سفيان صخر بن حرب يومئذ،

__________

لأجله "فغدوا فأصاب المسلمين جراحات" ولم يفتح لهم.

وروى الترمذي وحسنه عن جابر قال: قالوا: يا رسول الله أخرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم، فقال: "اللهم اهد ثقيف وائت بهم"، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون" راجعون إلى المدينة "إن شاء الله تعالى" فسروا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك" تعجبا من تغير رأيهم.

قال عروة: وأمر صلى الله عليه وسلم الناس أن لا يسرحوا ظهورهم، فلما أصبحوا ارتحل هو وأصحابه، ودعا حين ركب قافلا، فقال: "اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم".

رواه البيهقي وما ساقه المصنف لفظ ابن سعد، وقد رواه الشيخان عن ابن عمر وعمرو لما حاصر صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا قال: "إنا قافلون إن شاء الله تعالى"، فثقل عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه، فقال: "اغدوا على القتال" فغدوا فأصابهم جراح، فقال: "إنا قافلون غدا إن شاء الله تعالى"، فأعجبهم فضحك، وفي لفظ فتبسم صلى الله عليه وسلم: "قال النووي: قصد صلى الله عليه وسلم الشفقة عليهم والرفق بهم بالرحيل عن الطائف لصعوبة أمره، وشدة الكفار الذين هم فيه وتقويهم بحصنهم"، مع أن عدم فتحه لا يضر، "مع أنه صلى الله عليه وسلم أولا علم" بالوحي، "أو رجا" ورجاؤه محقق الوقوع، كما قال العلماء "أنه سيفتحه بعد هذا بلا مشقة، فلما حرص الصحابة على المقام والجهاد، أقام وجد في القتال، فلما أصابتهم الجراح رجع إلى ما كان قصده أولا من الرفق بهم، ففرحوا بذلك لما رأوا من المشقة".

وفي نسخة الشقة "الظاهرة ووافقوا على الرحيل، فضحك صلى الله عليه وسلم تعجبا من تغير رأيهم وفقئت عين أبي سفيان صخر بن حرب" بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، "يومئذ" روى

فذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له وهي في يده: "أيما أحب إليك عين في الجنة، أو أدعوا الله أن يردها عليك" قال: بل عين في الجنة ورمى بها.

وشهد اليرموك فقاتل وفقئت عينه الأخرى يومئذ ذكره الحافظ زين الدين العراقي في شرح التقريب.

وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قولوا: "لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".

__________

الزبير بن بكار عن سعيد بن عبيد الثقفي، قال: رميت أبا سفيان يوم الطائف فأصيبت عينه، "فذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له وهي في يده:" وفي رواية الزبير عن سعيد المذكور، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال: "أيما أحب إليك عين في الجنة"، أي عين ماء لا الباصرة؛ لأنه لا يختص بها في الجنة، "أو أدعو الله أن يردها عليك"، قال: بل عين في الجنة ورمى بها" وفي هذا قوة إيمانه وثبات يقينه بعدما كان من المؤلفة.

روى القزويني في تاريخ قزوين عن ابن عباس قال: لطم أبو جهل فاطمة، فشكت إلى أبيها صلى الله عليه وسلم فقال: "ائت أبا سفيان" فأتته فأخبرته فأخذ بيدها حتى وقف على أبي جهل، وقال: إلطميه كما لطمك، ففعلت، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فرفع يده وقال: "اللهم لا تنسها لأبي سفيان".

قال ابن عباس: ما شككت أن إسلامه إلا لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

ذكره السيوطي في تحفة الأدب، "وشهد اليرموك" عند مقاتلة الروم في آخر خلافة الصديق تحت راية ابنه يزيد، وهو يقول: الله الله عباد الله انصروا الله ينصركم، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك، "فقاتل" الروم، وكان أمير الجيش خالد بن الوليد، "وقفئت عينه الأخرى يومئذ، ذكره الحافظ زين الدين العراقي في شرح التقريب".

وروى يعقوب بن سفيان وابن سعد بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب عن أبيه، فقال: فقدت الأصوات يوم اليرموك إلا صوت علي يقول: يا نصر الله أقرب، فنظرت، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد.

وروى البغوي بإسناد صحيح عن أنس أن أبا سفيان دخل على عثمان بعدما عمي وغلامه يقوده، "و" ذكر الواقدي وابن سعد أنه "قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه:" حين أرادوا أن يرتحلوا "قولوا: "لا إله إلا الله، وحده صدق وعده" "، الذي وعد به من إظهار دينه، "ونصر عبده" محمدا صلى الله عليه وسلم، "وهزم الأحزاب" الذين تحزبوا في غزوة الخندق، فاللام عهدية، أو المراد كل من تحزب من الكفار لحربه، فتكون جنسية "وحده" فهزيمتهم والنصر عليهم إنما هو مضاف إليه وهو خير الناصرين،

فلما ارتحلوا قال: قولوا: آبيون، تائبون عابدون، لربنا حامدون.

فانظر كيف كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج للجهاد يعتد لذلك بجمع أصحابه، واتخاذ الخيل والسلاح، وما يحتاج إليه من آلات الجهاد والسفر، ثم إذا رجع عليه الصلاة والسلام يتعرى من ذلك، ويرد الأمر كله لمولاه عز وجل لا لغيره بقوله: "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده".

وانظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "وهزم الأحزاب وحده"، فنفى صلى الله عليه وسلم ما تقدم ذكره، وهذا هو معنى الحقيقة؛ لأن الإنسان وفعله خلق لربه عز وجل، فهو لله سبحانه وتعالى الذي خلق ودبر، وأعان وأجرى الأمور على يد من شاء، ومن

__________

"فلما ارتحلوا قال: "قولوا: آيبون" بمد الهمزة، أي نحن راجعون إلى الله، نحن "تائبون" إليه تعالى، إشارة إلى التقصير في عبادته والتوبة من توليهم يوم حنين، نحن "عابدون" الذي استحقت ذته العبادة "لربنا" نحن "حامدون" على ما أولانا من الفتح المبين، والنصر المتين، والجار والمجرور متعلق بالأربعة على طريق التنازع، "فانظر" تأمل بعين البصيرة، وأجل فكرك "كيف كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج للجهاد يعتد لذلك بجمع أصحابه، واتخاذ الخيل والسلاح وما يحتاج لذلك من آلات الجهاد والسفر، ثم إذا رجع عليه الصلاة والسلام يتعرى" يتباعد "من ذلك ويرد" يفوض "الأمر كله لمولاه عز وجل لا لغيره"، ويبين لصحبه أن النصر من عنده إلا بقوة ولا بعدد "بقوله" كما في البخاري وغيره: إذا رجع من الغزو بعد التكبير ثلاثا: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، "آيبون تائبون عابدون"، زاد البخاري "ساجدون"، "لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".

وكلام المصنف هذا وارد في ارتحاله عن الطائف، بل وعن غيرها، فإنه أخبر عن حالتيه في كل غزواته أنه في الخروج يعتد، وفي الرجوع يرد الأمر لله، كما هو ظاهر جدالًا في ارتحاله إلى الطائف، كما ظن، فاعترض بأنه قصد غزوهم، فلا يحسن قوله، ثم إذا رجع وتعسف الجواب، بأنه سماه رجوعا لفراغه من حنين وارتحاله، إلى الطائف بعد نصره، فعده رجوعا وإن اشتغل بغيره، فإن هذا الشيء

أمر عجاب ولا وجه له، "وانظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "وهزم الأحزاب وحده"، فنفى صلى الله عليه وسلم ما تقدم ذكره" في قوله بجمع أصحابه إلى آخره، ونسب كل ذلك لله عز وجل "وهذا" أي نفي الأمور عن غيره، ونسبتها إليه "هو معنى الحقيقة" أي ما يكون الشيء عليه في نفس الأمر، وقال أرباب السلوك الحقيقة، العلوم المدركة بتصفية الباطن: "لأن الإنسان وفعله خلق لربه عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} ، "فهو لله سبحانه وتعالى الذي خلق ودبر، وأعان وأجرى الأمور على يد من شاء ومن

اختار من خلقه، فكل منه، ولو شاء أن يبيد أهل الكفر من غير قتال لفعل، قال تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} ، فيثيب سبحانه وتعالى الصابرين ويجزل الثواب للشاكرين، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31] .

فعلى المكلف الامتثال في الحالتين، أي: امتثال تعاطي الأسباب، والرجوع إلى المولى والسكون إليه بساحة كرمه، كما كان صلى الله عليه وسلم يأتي الأسباب أولا تأدبا مع الربوبية وتشريعا لأمته، ثم يظهر الله تعالى على يديه ما يشاء من قدرته الغامضة التي ادخرها له عليه الصلاة والسلام.

قال ابن الحاج في المدخل:.

__________

اختار من خلقه، فكل منه وإليه، ولو شاء الله أن يبيد"، بضم الياء يهلك، "أهل الكفر من غير قتال لفعل" كما "قال تعالى: {ذَلِكَ} خبر مبتدأ، أي الأمر فيهم، أو افعلوا بهم ذلك، {وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ} انتقم "منهم" باستئصال بغير قتال، {وَلَكِنْ} أمركم به {لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْض} ، فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار "فيثيب سبحانه وتعالى الصابرين ويجزل" بضم الياء، يوسع "الثواب للشاكرين"، واعتبر في الصابرين أصل الثواب وفي الشاكرين أجزاء له، كأنه لحظ قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] ، وفي حق الصابرين من محبته لهم ونصرهم، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين} [البقرة: 153] .

قال البيضاوي: بالنصر وإجابة الدعوة، والله يحب الصابرين، فينصرهم ويعظهم قدرهم "قال تعالى: {ولنبلونكم} " [محمد: 31] نختبرنكم بالجهاد وغيره: {حتى

نعلم} علم ظهور: {الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: 31] الآية في الجهاد وغيره، {وَنَبْلُوَ} نظهر {أَخْبَارَكُمْ} من طاعتكم، وعصيانكم في الجهاد وغيره، "فعلى المكلف الامتثال في" تحصيل "الحالتين"، كما يعلم من قوله: "أي امتثال تعاطي الأسباب والرجوع إلى المولى، والسكون إليه بساحة كرمه، كما كان صلى الله عليه وسلم يأتي الأسباب أولا تأدبا مع الربوبية" بامتثال أمرها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} ، "وتشريعا لأمته"، وإن علم أن النصر إنما هو من عند الله، "ثم يظهر الله تعالى على يديه ما يشاء من قدرته الغامضة التي ادخرها له عليه الصلاة والسلام، قاله" محمد بن محمد أبو عبد الله "ابن الحجاج" العبدري الفارسي، الفقيه الورع، الزاهد، صحب جماعة من أرباب القلوب، وتخلق بأخلاقهم، مات سنة سبع وثلاثين وسبعمائة "في" كتاب "المدخل" إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات، والتنبيه على

ولما قيل له: يا رسول الله، ادع على ثقيف، قال: اللهم اهد ثقيفا وائت بهم مسلمين.

__________

كثير من البدع المحدثة والفوائد المنتحلة، كتاب حفل، جمع فيه علما غزيرا يتعين الوقوف عليه، "ولما قيل له: يا رسول الله ادع على ثقيف قال: "اللهم اهد ثقيفا وائت بهم مسلمين" ذكره ابن سعد ومر أنه قاله: لما قالوا له: أحرقتنا نبال ثقيف، وتحرفت ائت من الإتيان بلفظ اهد بهم على من قال لعله قاله في وقت آخر، والذي قاله في الشامية كغيرها ائت، وهو الذي في الترمذي، وتقدم أنه دعا حين ركب: "اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم"، وقد استجاب له ربه، فأتى بهم مسلمين في رمضان سنة تسع، كما يأتي في الوفود إن شاء الله تعالى.

[نبذة من قسم الغنائم وعتب الأنصار] :

وكان صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يجمع السبي، والغنائم مما أفاء الله على رسوله يوم حنين، فجمع ذلك كله إلى الجعرانة،

__________



كلمات دليلية: