withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


صلح الحديبية_15801

صلح الحديبية


المبحث العاشر: غزوة الحديبية

أدت الغزوات، والسرايا العديدة التي وقعت بعد الأحزاب إلى لجوء القبائل إلى السكون، والانكفاء على الذات، وترك ما كان الشيطان يزينه لهم لمهاجمة المسلمين، والعمل للقضاء على محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه وعلموا أنه لا قبل لهم في تنفيذ ما أملوا فيه؛ ولذلك بدأت مرحلة جديدة للحركة بدعوة الله تعالى وهي مرحلة العمل خارج الجزيرة العربية وترك القبائل في سكونهم الذين يعيشون فيه، لأنه وسيلتهم للتفكير في الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم هو طريقهم إلى اعتناق الإسلام.

في هذا الجو حدثت "غزوة الحديبية"1.

والحديبية مكان قريب من مكة يقع في شمالها بمقدار ثلاثين ميلا تقريبًا، وهي قرية متوسطة سميت باسم بئر فيها، وفيها مسجد الشجرة، وبعضها في الحل وبعضها في الحرم عند الجمهور2.

وتسميتها بـ"الغزوة" هو من قبيل المجاز؛ لأن المسلمين لم يخرجوا من المدينة للقتال، وإنما خرجوا يريدون العمرة، كما وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك ساقوا الهدي أمامهم، ولبسوا إحرامهم، ولم يأخذوا سلاحهم، وما أخذوه من سويف وضعوه في أغمادها وشبه الحديبية بالغزوة ينحصر فقط في قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخروجه معهم.

وأكثر العلماء يرون أن الحديبية كانت في العام السادس من الهجرة وهو قول الزهري وقتادة, وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق وابن كثير وغيرهم3.

والحديث عن غزوة الحديبية يحتاج إلى دراسة النقاط التالية:

__________

1 الحديبية بضم الحاء وفتح الدال وسكون الياء قرية صغيرة سميت ببئر فيها وفيها أقام المسلمون مسجد الشجرة في المكان الذي بايع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه والحديبية تبعد عنه بتسعة أميال تقريبًا.

2 معجم البلدان ج2 ص229، 230.

3 البداية والنهاية ج4 ص164.

,

أولا: سبب الغزوة

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل وأصحابه مكة معتمرين فدخلوا البيت، وأدوا عمرتهم، وحلقوا وقصروا رءوسهم، ورأى أنه أخذ مفتاح الكعبة ودخلها، ووقف بعرفة1، فلما أخبر أصحابه بما رأى سروا وفرحوا لأنهم يعلمون أن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي لا يكذب، فأخذوا يستعدون لهذه الرحلة المحبوبة، حيث بها يعبدون ربهم، ويرون موطنهم، ويقابلون أهليهم، عسى أن يهديهم الله تعالى.

وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد العدة لأداء العمرة، فلما جاءه "بسر بن سفيان بن عمرو الكعبي الخزاعي" مسلمًا في شهر شوال سنة ست هجرية, قال له صلى الله عليه وسلم: "يا بسر لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء الله معتمرون" 2.

فأقام بسر بالمدينة وأخذ يشتري البدن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويضعها في "ذي جدر"3 ترعى حتى يحين موعد سوقها للهدي.

وقد سر المسلمون لبدء حركتهم لدخول مكة لما في ذلك من أثر معنوي وهم يدخلون مكة بعدما طردوا منها، وشعورهم بالنصر أمام الجميع، وإظهار الإسلام لمن يحضر مكة في الموسم على أساس حقيقته القائمة على تحقيق السلام، ونشر العدل، وصيانة حرية الإنسان في الاعتقاد، والعمل, ولذلك بشر رسول الله أصحابه برؤياه.

__________

1 زاد المعاد ج3 ص86.

2 بسر بضم الباء وسكون السين، وقيل هو بشر بباء مكسورة وشين ساكنة بعدها.

3 واد قريب من المدينة على بعد ستة أميال، به عشب وكلأ كانت ترعى فيه إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: التحرك للعمرة

استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة "عبد الله بن أم مكتوم" ونادى أصحابه للخروج لأداء العمرة، واستنفر العرب وأهل البوادي ليخرجوا معه، وأمر بالبدن فأخذت إلى "ذي الحليفة"1 وتجهز الجميع لأداء العمرة، إلا أن كثيرًا من الأعراب أبطئوا في الخروج معتذرين بعلل واهية2.

وخرج المسلمون في يوم الاثنين أول ذي القعدة عام ست للهجرة وبلغ عددهم ألفًا وأربعمائة في أصح الأقوال3, ومعهم أربع نسوة هن أم سلمة، وأم عمارة وأم منيع أسماء بنت عمر، وأم عامر الأشهلية4، وليس معهم سلاح فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ألم تخش علينا من أبي سفيان بن حرب وأصحابه ولم نأخذ للحرب عدتها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أدري ولست أحب أن أحمل السلاح معتمرًا".

وقال سعد بن عبادة: لو حملنا يا رسول الله السلاح معنا، فإن رأينا من القوم ريبًا كنا معدين لهم.

فقال صلى الله عليه وسلم: "لست أحمل السلاح، إنما خرجت معتمرًا" 5

ونوى المسلمون السفر إلى مكة فدخلوا المسجد النبوي، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم أحرم، وركب راحلته، وأخذ يلبي بأربع كلمات هي: "لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". وأحرم عامة المسلمين بإحرامه صلى الله عليه وسلم ومنهم من أخر إحرامه فأحرم من ذي الحليفة وهي ميقات أهل المدينة6.

وقلد المسلمون الهدي بذي الحليفة، وأحرم من لم يحرم بالعمرة، وأشعروا البدن وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينًا من خزاعة ليأتيه بخبر أهل مكة، حتى كان بعسفان جاءه من أخبره بموقف قريش7.

أتاه "بسر بن سفيان الكعبي" وكان قد سبق بالهدي فقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا ومعهم "العوذ المطافيل"8 قد لبسوا جلود

__________

1 زاد المعاد ج3 ص86.

2 سيرة النبي ج2 ص308.

3 صحيح البخاري ك المغازي باب غزوة الحديبية ج6 ص353، 354.

4 المغازي ج2 ص574.

5 إمتاع الأسماع ج1 ص275.

6 المغازي ج2 ص574.

7 صحيح البخاري ك المغازي باب غزوة الحديبية ج6 ص356.

8 العوذ الإبل والظباء, والمطافيل التي معها أطفالها وذراريها وهذه استعارة إلى خروج المكيين بنسائهم وأطفالهم.

النمور، وقد نزلوا بذي طوى1 يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا إلى كراع الغميم2.

ثم قال: "من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم الذي هم فيه" 3.

قال رجل من أسلم: أنا يا رسول الله.

فسلك الرجل بالمسلمين طريقًا وعرًا بين شعاب ملتوية، فساروا فيه محتملين المشاق، والصعاب حتى وصلوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، وعندها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: "اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق يوصلنا إلى ثنية المرار -مهبط الحديبية- من أسفل مكة". فسلك الجيش ذلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل المسلمون إلى ثنية المرار، وعندها بركت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال الناس: خلأت.

فقال صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها" 4.

ثم قال للناس: "انزلوا".

قيل له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بالوادي ماء ينزل عليه.

فأخرج سهمًا من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل به في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه، فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن، وعسكر المسلمون في الحديبية منتظرين أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم لأداء العمرة5.

__________

1 موضع عند مكة.

2 المغازي ج2 ص580.

3 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج6 ص210.

4 الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني باب غزوة الحديبية ج21 ص96.

5 المرجع السابق.

ثالثًا: المفاوضات مع قريش

بعد استقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحديبية، وإشارته صلى الله عليه وسلم إلى تمني أن يخلي أهل مكة بينه وبين سائر العرب، جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه في مبادرة منه نصحًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني تركت كعب بن لؤي ومعه نفر من قريش نزلوا عند مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشًا قد أنهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم 1 ويخلوا ما بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فهو خير، وإلا قد جموا، وإن أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره" 2.

قال بديل: سأبلغهم ما تقول.

وانطلق حتى أتى قريشًا وقال لهم: إني قد جئتكم من عند الرجل، وسمعته يقول قولا فإن شئتم عرضته عليكم.

فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء.

وقال ذو الرأي منهم: هات ما سمعته.

قال: سمعته يقول كذا كذا وحدثهم بما سمعه من رسول الله.

فلما انتهى بديل من مقالته لقريش.

قال عروة بن مسعود: إن بديلا جاءكم بخطة رشد لا يردها أحد إلا أخذ شرًا منها فاقبلوها منه، وابعثوني حتى آتيكم بمصداقيتها، وأكون لكم عينا3 ألستم الولد وأنا الوالد؟

قالوا: بلى!

قال: هل تتهموني؟

قالوا: لا.

ورأى القرشيون أن يبعثوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم لإيجاد حل يمنع المسلمين من الدخول هذا العام، وحتى لا يقع قتال في الشهر الحرام، وحتى لا يتحدث الناس أن أهل

__________

1 ماددتهم أي أعطيتهم مدة يفكرون فيها ويتدبرون على مهل.

2 الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد الشيباني باب غزوة الحديبية ج21 ص97.

3 المغازي ج2 ص597.

مكة يصدون عن البيت من يقصده معتمرًا أو حاجًا، ولذلك تعددت بعوثهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي:

البعث الأول:

أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي، ليعرف غاية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتي القوم بخبر المسلمين، فذهب عروة إلى المسلمين، وقال: يا محمد إني تركت قومك على إعداد وأعداد عند ماء الحديبية قد استنفروا لك، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين: إما أن تجتاح قومك، فلم نسمع برجل اجتاح أصله قبلك، أو بين أن يخذلك من نرى معك.

فلما فرغ عروة من كلامه، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال لبديل بن ورقاء عاد إلى قريش فقال، يا قوم قد وفدت على كسرى، وهرقل، والنجاشي، وإني والله ما رأيت ملكًا قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمد في أصحابه، والله ما يحدون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يكفيه إلا أن يشير إلى امرئ فيفعل، واعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم، وقد رأيت قومًا لا يبالون ما يصنع بهم إذا منعوا صاحبهم، والله لقد رأيت نسوة معه، إن كن ليسلمنه أبدًا على حال، فروا رأيكم، وقد عرض عليكم خطة، فاقبلوا ما عرض فإني لكم ناصح، مع أني أخاف ألا تنصروا عليه، رجل أتى هذا البيت معظمًا له مع الهدي ينحره وينصرف فقالوا: لا تكلم بهذا يا أبا يعفور، ولو غيرك تكلم بهذا، ولكن نرده في عامنا هذا ويرجع إلى قابل1.

البعث الثاني:

ثم أرسلوا بعد ذلك مكرز بن حفص، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "هذا رجل غادر". وكلمه بمثل ما كلم أصحابه الذين جاءوا قبله، فعاد للمكيين، وأخبرهم بما سمع2.

البعث الثالث:

ورأت قريش أن ترسل للرسول رجلا ليس من قريش ليظهروا قوتهم وأعوانهم، فأرسلت الحليس بن علقمة الكناني سيد الأحابيش ورأسهم.

__________

1 الطبقات الكبرى ج2 ص96 المغازي ج2 ص598، 599.

2 المغازي ج2 ص559.

فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا من قوم يعظمون الهدي، ابعثوا الهدي في وجهه فبعثوها ترعى وهي معلمة، ومشعرة فلما رأى الحليس الهدي يسيل في الوادي، عليه القلائد، واستقبله القوم وهم يلبون، فلما رآهم تفلوا وشعثوا رجع، ولم يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إعظامًا لما رأى، فقال لقريش: إني قد رأيت ما لا يحل صده، رأيت الهدي معكوفًا عن محله، والرجال قد تفلوا وشعثوا يريدون أن يطوفوا بهذا البيت، أما والله ما على هذا خالفناكم، ولا عاقدناكم على أن تصدوا عن بيت الله من جاء له معظمًا لحرمته، مؤديًا لحقه، والهدي معكوفًا أن يبلغ محله، والذي نفسي بيده، لتخلن بينه وبين ما جاء به أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد.

قالوا: كل ما رأيت مكيدة من محمد وأصحابه فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا بعض ما نرضى به1.

وهدأ المعسكر القرشي بعد ذلك، وتباطأ القرشيون في إرسال أحد بعد ذلك وأخذوا يتشاورون لاختيار حل للموقف الموجود، وليحققوا ضغوطًا نفسية على المسلمين تؤدي إلى انسحابهم، ورجوعهم عن مكة هذا العام.

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدوءًا وصمتًا في الجبهة القرشية فأخذ زمام المبادرة، وأرسل إليهم من قبله من يخبرهم أنه جاء معتمرًا لا غازيًا، وأن البيت بيت الله لا يصد عنه من يقصده فأرسل أولا خراش بن أمية الخزاعي، فعقروا الجمل الذي كان يركبه، وأرادوا قتله فمنعه قومه، فلما رجع أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث معه فواصل الرسول صلى الله عليه وسلم بعوثه إليهم، وأراد أن يرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخاف عمر وأشار إلى عثمان بما له في قومه من مودة وصلة فبعث الرسول عثمان فمنعه القرشيون من دخول مكة، فأجاره سعيد بن العاص، وحمله إلى مكة والتقى بالقرشيين، وأخبرهم أن المسلمين لم يأتوا لقتال، وإنما جاءوا معتمرين يسوقون الهدي، ويعظمون البيت فرفضوا السماح بدخول المسلمين وأشاعوا أنهم قتلوا عثمان رضي الله عنه، وحبسوا أخباره عن المسلمين2.

وانقطعت أخبار عثمان عن المسلمين وبقي في مكة مدة تمكن فيها من الاتصال

__________

1 إمتاع الأسماع ج1 ص288 الطبقات ج2 ص96، المغازي ج2 ص600.

2 المغازي ج2 ص601 الفتح الرباني ج21 ص102.

بالمسلمين، يقول عثمان رضي الله عنه: ثم كنت أدخل على قوم مؤمنين من رجال ونساء مستضعفين فأقول لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشركم بالفتح فقد كنت أرى الرجل منهم والمرأة تنتحب حتى أظن أنه يموت فرحًا بما خبرته، فيسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخفي المسألة، ويشتد ذلك على أنفسهم، ويقولون: اقرأ على رسول الله منا السلام، إن الذي أنزله بالحديبية لقادر أن يدخله بطن مكة.

وشعر المسلمون أن قريشًا بقتلهم عثمان اعتدوا عليهم في الأشهر الحرم، فاستعدوا لقتالهم، وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم منازل بني مازن بن النجار، وقد نزلت في ناحية من الحديبية فجلس في رحالهم ثم قال: "إن الله أمرني بالبيعة". فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا، فما بقي لهم متاع إلا وطئوه، ثم لبسوا السلاح، وهو معهم قليل، وماتت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به فأخذته بيدها، وشدت سكينًا في وسطها.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه آخذ بيده، فبايعهم على ألا يفروا.

وكان أول من بايع سنان بن وهب بن محصن، وقال: يا رسول الله، أبايعك على ما في نفسك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع الناس على بيعة سنان فبايعوه1.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه وهو واقف تحت شجرة، ولذلك سميت البيعة "بيعة الشجرة" وفيها يقول الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} 2.

والحقيقة أن قريشًا لم تقتل عثمان رضي الله عنه وإنما أشاعت ذلك لتخذيل المسلمين وصرفهم عن دخول مكة.

وقد حدث والمسلمون في الحديبية أن بعثت قريش خمسين رجلا بقيادة مكرز بن حفص ليصيبوا المسلمين على غرة، وكان رسول الله قد نظم حراسة المعسكر الإسلامي، وجعله في ثلاثة من الصحابة هم أويس بن خولي، وعباد بن يشر، ومحمد بن مسلمة،

__________

1 إمتاع الأسماع ج1 ص290.

2 سورة الفتح: 18.

فلما أرسلت قريش مكرز بن حفص في خمسين رجلا منهم لينالوا من المسلمين غرة تحقق لهم بعض ما يريدون، ظفر بهم محمد بن مسلمة، وجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضعهم في الأسر، فجاء بعض القرشيين لتخليصهم بالقوة فتمكن المسلمون منهم وأسروا منهم اثني عشر فارسًا، وبذلك بلغ عدد أسرى قريش عند المسلمين اثنين وستين أسيرًا1, وحدث أن عشرة من المسلمين دخلوا مكة لزيارة البيت ورؤية أقربائهم بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسهم القرشيون، وبذلك بلغ ما عند قريش من أسرى المسلمين أحد عشر رجلا وهم هؤلاء العشرة وعثمان بن عفان رضي الله عنه.

__________

1 المغازي ج2 ص602.

رابعًا: الصلح

رأى القرشيون أن إطالة الأمر يسيء إليهم عند العرب الذين جاءوا مكة للحج والعمرة فأرسلوا رجالهم للصلح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم سهيل بن عمرو، وحويطب, ومكرز، وجلس الثلاثة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سهيل: يا محمد، إن هذا الذي كان من حبس أصحابك، وما كان من قتال من قاتلك، لم يكن من رأي ذوي رأينا، بل كنا له كارهين حين بلغنا ولم نعلم به، وكان من سفهائنا، فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت أول مرة والذين أسرت آخر مرة.

قال صلى الله عليه وسلم: "إني غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي".

قال سهيل: أنصفتنا، فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بالشتم بن عبد مناف التيمي فبعثوا بمن كان عندهم، وهم: عثمان، وعشرة من المهاجرين.

وأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح من كانوا عنده من الأسرى وأرسلهم إلى مكة1.

وبعد ذلك أخذوا في مناقشة الموضوع من كافة جوانبه، وأطالوا الكلام والمراجعة ثم اتفقوا على الصلح القائم على البنود التالية:

__________

1 إمتاع الأسماع ج1 ص291.

الديباجة:

باسمك اللهم هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو اصطلحا على ما يلي:

بنود الصلح:

1- وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض على أنه لا إسلال ولا إغلال، وأن بيننا عيبة مكفوفة1.

2- وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، وأنه من أحب أن يدخل في عهد قريش، وعقدها فعل.

3- وأنه من أتى محمدًا بغير إذن قريش رده محمد إليهم، وأنه من أتى قريشًا من أصحاب محمد بغير إذن محمد لم يردوه.

4- أن يرجع محمد ومن معه عامهم هذا على أن يدخل مكة في العام القادم فيقيم بمكة ثلاثًا بعد أن يخليها المكيون لهم.

5- أن يدخل محمد وصحبه مكة في العام القادم بلا سلاح إلا سلاح المسافر والسيوف توضع في القرب.

وكتب وثيقة الصلح علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووقع عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسهيل بن عمرو وشهد عليها من المسلمين: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح، ومحمد بن مسلمة, ومن المشركين: حويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص بن الأحيف.

وكتبت الوثيقة من نسختين احتفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بواحدة وأعطى سهيلا الأخرى2.

__________

1 الإسلال: السرقة، الإغلال: الخيانة، العيبة: آنية والمكفوفة أي التي تصون ما بها، والمعنى بيننا صدور ملازمة للوفاء نقية من الخداع والخيانة والغدر.

2 الطبقات الكبرى ج2 ص97.

خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

لم يتوقع المسلمون الصلح بهذه السرعة ولم يتصوروا رجوعهم إلى المدينة بلا عمرة، لأنهم خرجوا من المدينة لا يشكون في الفتح لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يتصوروا أبدًا مقدرة المكيين على منعهم من أداء العمرة.

وقد قدموا للعمرة مستعدين للموت في سبيل الله تعالى، ولذلك بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت تحت الشجرة، وقد مدحهم الله لإخلاص قلوبهم، وصدقهم فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} 1.

فلما تم الصلح داخل المسلمين أمر عظيم، وتصوروه ضعفًا، ودنية في الدين لا تجوز، وكادوا يهلكون لولا أنهم عند العمل أطاعوا وعملوا كعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذلك أنه لما تم الصلح، ولم يبق إلا إمضاء الكتاب، وثب عمر بن الخطاب وقال: يا رسول الله! ألسنا بالمسلمين؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى".

فقال عمر: فعلام نعطى الدنية في ديننا؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا عبد الله ورسوله، ولن أخالف أمره، ولم يضيعني".

فذهب عمر إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر ألسنا بالمسلمين؟

قال أبو بكر: بلى.

قال عمر: فلم نعط الدنية في ديننا؟

فقال أبو بكر: الزم غرزك، فإني أشهد أنه رسول الله، وأن الحق ما أمر به، ولن يخالف أمر الله، ولن يضيعه.

ولقي عمر رضي الله عنه في هذه القضية أمرًا كبيرًا، وجعل يردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم تساؤله والرسول يرد عليه، ويقول: "أنا رسول الله ولن يضيعني".

فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: ألا تسمع يابن الخطاب ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تعوذ بالله من الشيطان، واتهم رأيك، فجعل يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم

__________

1 سورة الفتح: 10.

حينًا وحينًا آخر يقول: يا رسول الله! ألم تكن حدثتنا أنك تدخل المسجد الحرام، وتأخذ مفتاح الكعبة، وتعرف مع المعرفين؟ وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحن؟

فقال صلى الله عليه وسلم: "أقلت لكم في سفركم هذا"؟.

قال عمر: لا.

فقال صلى الله عليه وسلم: "أما أنكم ستدخلونه، وآخذ مفتاح الكعبة، وأحلق رأسي ورءوسكم ببطن مكة، وأعرف مع المعرفين يا عمر! أنسيتم يوم أحد، إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم الأحزاب، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر؟

أنسيتم يوم كذا؟ أنسيتم يوم كذا"؟.

والمسلمون يقولون: صدق الله ورسوله، يا نبي الله! ما فكرنا فيما فكرت فيه، ولأنت أعلم بالله وبأمره منا1.

وكان منطق عمر هو رأي أغلب المسلمين؛ لأنهم نظروا إلى كتابة الصلح وبنوده نظرة معينة.

فلقد ساءهم أن يعترض سهيل على ديباجة الصلح التي أملاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه وهو يكتب حيث قال له صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم". فرد سهيل بتغيير ذلك إلى باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. لأن قريشًا لا تؤمن بالله الرحمن الرحيم, ولا تصدق بأن محمدًا رسول الله فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما رأى سهيل, وقال لعلي رضي الله عنه: "اكتبه".

وأيضًا فلقد تصور الصحابة أن الشروط تعطي لقريش مزايا لا تصح، وتحرم المسلمين منها في نفس الوقت، وتساءلوا عن سبب منع المسلمين من القدوم للمدينة إذا تركوا مكة وفي نفس الوقت تسمح لمن يكفر أن يذهب إلى قريش في مكة ويترك المدينة، وغضبوا من

__________

1 زاد المعاد ج3 ص294، 295، إمتاع الأسماع ج1 ص295، 296.

ردهم هذا العام عن العمرة على أن يؤدوها في العام القادم, وتصوروا ذلك دنية في الدين لا يجوز قبولها.

ولو تدبر المسلمون في الأمر لعلموا أن ما اتفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحق وهو النصر.

لأن الديباجة التي كتبت من المسلمات التي لا تعارض حكمًا إسلاميًا، والزيادة التي حذفت لا تفيد أهل مكة، ولا تضيف جديدًا للمسلمين، ولا ضرر في ترك كتابتها فهي جزء من العقيدة ثابتة في القلوب.

وأيضًا فإن عقد الهدنة عشر سنوات يفتح الباب للإسلام، ويجمع الناس حوله. وكذلك فإن المسلمين الذين يرتدون عن الإسلام وهم في المدينة خير للمسلمين أن يرحلوا منها حتى لا يكونوا عينا عليهم، ويصيروا قوة لأعداء المسلمين يخذل ويعبث.

أما المسلمون في مكة فإن بقاءهم فيها دعوة عملية، وحركة لله في مكة، وبخاصة أن الصلح ينص على حريته في الاختيار، كما أن بقاء المسلمين في مكة اختبار عملي لصدق أهل مكة في تطبيق بنود الصلح.

وأيضًا فإن تأجيل أداء العمرة هذا العام وأداءها في العام القادم خير لهم من دخول مكة عنوة هذا العام, كما أن في دعوتهم وقبولهم الصلح دليل أمام الناس على أن الإسلام هو دين الأمن والسلام.

وقد زاد من غضب المسلمين ما رأوه من أبي جندل بن سهيل بن عمرو فإنه جاء إلى معسكر المسلمين في الحديبية مسلمًا، بعدما تمكن من الإفلات من قيد أبيه الذي وضعه فيه, وقد جاء بعد كتابة الصلح وقبل توقيعه والإشهاد عليه.

يقول المقريزي: خرج أبو جندل من سجن أبيه، واجتنب الطريق وركب الجبال حتى هبط بالحديبية ففرح المسلمون به وتلقوه حين هبط من الجبل فسلموا عليه وآووه.

فرفع سهيل رأسه فإذا بابنه أبي جندل، فقال إليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلبيبه.

فصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟

فزاد المسلمين ذلك شرًا إلى ما بهم، وجعلوا يبكون لكلام أبي جندل.

فقال حويطب بن عبد العزى لمكرز بن حفص: ما رأيت قومًا قط أشد حبًا لمن دخل معهم من أصحاب محمد، أما إني أقول لك: لا تأخذ من محمد نصفًا أبدًا بعد هذا اليوم، حتى يدخلوها عنوة.

فقال مكرز: وأنا أرى ذلك.

وقال سهيل بن عمرو: هذا أول من قاضيتك عليه يا محمد، رده.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد".

فقال سهيل: والله لا أكاتبك على شيء حتى ترده إليّ فرده عليه، ثم كلمه صلى الله عليه وسلم أن يتركه، فأبى سهيل وضرب وجه ابنه بغصن شوك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هبه لي أو أجره من العذاب إن لم نقض الكتاب بعد".

فقال سهيل: والله لا أفعل ولا أصالحك على شيء أبدًا.

فقال صلى الله عليه وسلم: "فأجزه لي".

قال: ما أنا بمجيزه لك.

فقال صلى الله عليه وسلم: "بلى فافعل".

قال سهيل: ما أنا بفاعل1.

فقال مكرز وحويطب: يا محمد نحن نجيزه لك وأجازاه ... وأما أبو جندب فقد أخذه مكرز وحويطب فأدخلاه فسطاطًا، وأجاراه فكف عنه أبوه.

ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقال: "يا أبا جندل، اصبر، واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك عهدًا، وإنا لا نغدر" 2.

__________

1 الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني ج21 ص101.

2 زاد المعاد ج3 ص294, الطبقات ج2 ص97.

سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

بعد توقيع وثيقة الصلح، وإشهارها بين الناس، دخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بكر في عهد قريش، وكان هذا أول اختبار لالتزام الأطراف بالصلح الذي اتفقوا عليه.

رحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني خزاعة، وكره ذلك القرشيون فقال حويطب لسهيل: بادأنا أخوالك بالعداوة، وكانوا يتسترون منا، قد دخلوا في عقد محمد وعهده.

فقال سهيل: ما هم إلا كغيرهم، هؤلاء أقاربنا ولحمتنا، قد دخلوا مع محمد، قوم اختاروا لأنفسهم أمرًا فما نصنع بهم؟

قال حويطب: نصنع بهم أن ننصر عليهم حلفاءنا بني بكر.

قال سهيل: إياك أن تسمع هذا منك بنو بكر، فإنهم أهل شؤم، فيقعوا بخزاعة، فيغضب محمد لحلفائه، فينتقض العهد بيننا وبينه1.

ورجع سهيل وصاحباه إلى قريش.

وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقال لهم: "قوموا فانحروا، واحلقوا". فلم يجبه أحد إلى ذلك، فرددها ثلاث مرات، فلم يفعلوا، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها وهو شديد الغضب فاضطجع.

فقالت: ما لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالته مرارًا وهو لا يجيبها.

ثم قال: "عجبًا يا أم سلمة، إني قلت للناس انحروا واحلقوا مرارًا، فلم يجبني أحد من الناس إلى ذلك، وهم يسمعون كلامي، وينظرون في وجهي".

فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق أنت إلى هديك فانحره، فإنهم سيقتدون بك.

فاضطبع بثوبه وخرج، فأخذ الحربة ويمم هديه، وأهوى بالحربة إلى البدنة رافعًا صوته: "بسم الله والله أكبر". ونحر.

فتواثب المسلمون إلى الهدي، وازدحموا عليه ينحرونه، حتى كاد بعضهم يقع على

__________

1 إمتاع الأسماع ج1 ص294.

بعض وأشرك صلى الله عليه وسلم بين أصحابه في الهدي، فنحر البدنة عن سبعة، وكان الهدي سبعين بدنة وقيل: مائة بدنة.

وكان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية، عرض له المشركون فردوا وجوه البدن، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه حيث حبسوه وهي في الحديبية.

وشرد جمل أبي جهل من الهدي الذي أعده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرعى وكان قد قلده وأشعره وكان جميلا نجيبًا مهيرًا فمر من الحديبية حتى انتهى إلى دار أبي جهل بمكة ووقف عنده وخرج في إثره عمرو بن عنمة بن عدي بن نابي السلمي الأنصاري للإتيان به فأبى سفهاء مكة أن يعطوه حتى أمرهم سهيل بن عمرو بدفعه إليه تنفيذًا للصلح وحاول القرشيون شراءه بمائة ناقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أننا سميناه في الهدي فعلنا". ونحره عن سبعة ونحر طلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان بدنات ساقوها1.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيمًا في الحل، ويصلي في الحرم وحضره من يسأل من لحوم البدن فقيرًا فأعطاهم من لحومها وجلودها، وأكل المسلمون من هديهم، وأطعموا المساكين، وبعث صلى الله عليه وسلم من الهدي بعشرين بدنة لتنحر عند المروة مع رجل من أسلم فنحرها عند المروة، وفرق لحمها.

فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحر البدن، دخل قبة له من أدم حمراء، فيها الحلاق فحلق رأسه، ثم أخرج رأسه من قبته وهو يقول: "رحم الله المحلقين"، قيل: يا رسول الله! والمقصرين؟ قال: "رحم الله المحلقين" ثلاثًا. ثم قال: "والمقصرين".

وحلق ناس، وقصر آخرون، وكان الذي حلقه صلى الله عليه وسلم خراش بن الفضل الكعبي، فلما حلقوا بالحديبية ونحروا بعث الله تعالى ريحًا عاصفًا فاحتملت شعورهم فألقتها في الحرم2.

ثم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا وهم صائمون، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا معه فشربوا من ماء المطر، وقام صلى الله عليه وسلم فخطبهم ووعظهم فجاء ثلاثة نفر إليه، فجلس اثنان وذهب واحد معرضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

__________

1 إمتاع الأسماع ج1 ص294.

2 الطبقات الكبرى ج2 ص104.

"ألا أخبركم خبر الثلاثة".

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: "أما واحد فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فتاب فتاب الله عليه، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه" 1.

وفهم الصحابة مغزى ما رأوا، وما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلموا أنه ثم تربية لهم، وتوجيه لأهمية طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم مراجعته فيما جاء به الوحي.

وأخذ عمر يحادث رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفًا على نفسه من موقفه يوم الصلح، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه, ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك يا عمر! نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، كل ذلك لا يجيبك.

وحرك صلى الله عليه وسلم بعيره حتى تقدم الناس، وخشي عمر أن يكون نزل فيه قرآن، فأخذه ما قرب وما بعد لمراجعته بالحديبية وكراهته القضية, وبينما هو يسير مهمومًا متقدمًا على الناس، إذا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: يا عمر بن الخطاب فوقع في نفسه ما الله به أعلم ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم، فرد صلى الله عليه وسلم وهو مسرور ثم قال: "أنزلت عليّ سورة هي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس" 2. فإذا هو يقرأ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} 3.

فأنزل الله في ذلك سورة الفتح، فركض الناس وهم يقولون: أنزل على رسول الله حتى توافوا عنده، وهو يقرؤها، ويقال: لما نزل بها جبريل عليه السلام قال جبريل: نهنئك يا رسول الله فلما هنأه جبريل هنأه المسلمون، وكان نزول سورة الفتح بكراع الغميم4.

__________

1 مسند أحمد مسند الأنصار.

2 صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبية ج6 ص363.

3 سورة الفتح: 1.

4 إمتاع الأسماع ج1 ص299.

سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

لم يفرق الصلح بين الرجال والنساء المسلمات الذين يتركون مكة إلى المدينة وسكت عن حقوق المرأة المهاجرة التي لا بد منها لتوافقها مع طبيعتها وكرامتها.

ومن المعلوم أن رد المؤمنة إلى مكة إذا هاجرت أمر يتعارض مع حكم شرعي، وهو حرمة بقاء المرأة المسلمة تحت عصمة زوج مشرك.

وقد أنزل الله تعالى أمره بعدم إعادة المسلمات المهاجرات إلى أزواجهم المشركين، مع إعطاء المشركين ما أنفقوه في زواجهم, وأحل الله للمؤمنين الزواج بالمهاجرات بعد انقضاء عدتهن، ودفع مهورهن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ولي من لا ولي لها.

ومن هذا القبيل أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت شابة صغيرة أسلمت بمكة، فكانت تخرج إلى بادية أهلها فتقيم أيامًا بناحية التنعيم، ثم ترجع حتى أجمعت على المسير مهاجرة فخرجت كأنها تريد البادية على عادتها، فوجدت رجلا من خزاعة فأعلمته بإسلامها فأركبها بعيره، حتى أقدمها المدينة بعد ثماني ليال، فدخلت على أم سلمة رضي الله عنها وأعلمتها أنها جاءت مهاجرة، وتخوفت أن يردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها أعلمته بهجرة أم كلثوم ووضحت له أنها تخاف أن يردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجها المشرك في مكة1، فأنزل الله فيها آية المحنة وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} 2.

__________

1 صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبية ج6 ص365.

2 سورة الممتحنة: 1.

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية يرد من جاءه من الرجال، ولا يرد من جاءه من النساء، فلما قدم أخواها الوليد، وعمارة، ابنا عقبة بن أبي معيط وقالا: يا محمد فِ لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه.

فقال صلى الله عليه وسلم: "قد نقض الله ذلك، فانصرفا إلى مكة، فأخبرا قريشًا، فلم يبعثوا أحدًا ورضوا بأن تحبس النساء".

ويقال: إن أميمة بنت الأنصاري من بني عمرو بن عوف، كانت تحت حسان بن الدحداح أو ابن الدحداحة وهو يومئذ مشرك، ففرت من زوجها بمكة، وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الإسلام، فهم صلى الله عليه وسلم أن يردها إلى زوجها، حتى أنزل الله تعالى: {فَامْتَحِنُوهُنَّ} فامتحنها صلى الله عليه وسلم وعلم إيمانها، فأبقاها في المدينة ثم زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل بن حنيف، فولدت له عبد الله بن سهل.

ثامنًا: فراق الكافرات

منع الله تعالى إعادة المسلمات إلى المشركين، وحرم على المسلمين الإبقاء على الزوجات الكافرات، مع المعاملة بالمثل فيما أنفقوا، فلهم أن يأخذوا ما أنفقوا، وعليهم ان يدفعوا للمشركين ما بذلوا.

ولما أنزل الله تعالى قوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} طلق عمر بن الخطاب امرأتين له هما: قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، والأخرى أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب الخزاعية فتزوجها أبو جهم بن حذيفة، وطلق عياض بن غنم الفهري أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب، فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي، فولدت له عبد الرحمن بن أم الحكم، وكلهم يومئذ مشرك.

ولم يعلم أن امرأة من المسلمين لحقت بالمشركين مع وضوح الحكم، وإعطاء النسوة الحرية في الاختيار.

تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

كانت الحديبية مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي أعز الله به رسوله وجنده، ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، فكانت هذه الهدنة بابًا له، ومفتاحًا، ومؤذنًا بين يديه، وهذه عادة الله سبحانه في الأمور العظام التي يقضيها قدرًا وشرعًا، أن يوطئ لها بين يديها مقدمات وتوطئات تؤذن بها، وتدل عليها.

وكانت هذه الهدنة من أعظم الفتوح، فإن الناس أمن بعضهم بعضًا، واختلط المسلمون بالكفار، وبادءوهم بالدعوة، وأسمعوهم القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وظهر من كان متخفيًا بالإسلام، ودخل فيه في مدة الهدنة من شاء الله أن يدخل، ولهذا سماه الله فتحًا مبينًا.

وحقيقة الأمر أن الصلح الذي حصل مع المشركين بالحديبية كان مستحيلا حتى فتحه الله، وكان من أسباب فتحه صد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت وكان في الصورة الظاهرة ضيمًا وهضمًا للمسلمين، وفي الباطن عزًا وفتحًا ونصرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى ما وراءه من الفتح العظيم والعز والنصر من وراء ستر رقيق، وكان يعطي المشركين كل ما سألوه من الشروط التي لم يحتملها أكثر أصحابه ورءوسهم، وهو صلى الله عليه وسلم يعلم ما في ضمن هذا المكروه من محبوب {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} 1.

وربما كان مكروه النفوس إلى ... محبوبها سببًا ما مثله سبب

فكان صلى الله عليه وسلم يرى تلك الشروط عين النصرة، وهو من أكبر الجند الذي أقامه المشترطون ونصبوه لحربهم، وهم لا يشعرون، فذلوا من حيث طلبوا العز وقهروا من حيث أظهروا القدرة والفخر والغلبة، وعز رسول الله صلى الله عليه وسلم وعساكر الإسلام من حيث انكسروا لله، واحتملوا الضيم له وفيه، فدار الدوار، وانعكس الأمر، وانقلب العز بالباطل ذلا بحق، وانقلبت الكسرة لله عزًا بالله، وظهرت حكمة الله وآياته وتصديق وعده، ونصرة

__________

1 سورة البقرة: 216.

رسوله على أتم الوجوه وأكملها التي لا اقتراح للعقول وراءها.

وبسبب صلح الحديبية كانت زيادة الإيمان والإذعان، والانقياد على ما أحبوا وكرهوا، وما حصل لهم في ذلك من الرضى بقضاء الله وتصديق موعوده، وانتظار ما وعدوا به، وشهود منة الله ونعمته عليهم بالسكينة التي أنزلها في قلوبهم، أحوج ما كانوا إليها في تلك الحال التي تزعزع لها الجبال، فأنزل الله عليهم من سكينته ما اطمأنت به قلوبهم وقويت به نفوسهم، وازدادوا به إيمانًا.

وتأمل كيف وصف لهم سبحانه النصر بأنه عزيز في هذا الموطن، ثم ذكر إنزال السكينة في قلوب المؤمنين في هذا الموطن الذي اضطربت فيه القلوب، وقلقت أشد القلق، فهي أحوج ما كانت إلى السكينة، فازدادوا بها إيمانا إلى إيمانهم، ثم ذكر سبحانه بيعتهم لرسوله، وأكدها بكونها بيعة له سبحانه، وأن يده تعالى كانت فوق أيديهم إذ كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، وهو رسوله ونبيه فالعقد معه عقد مع مرسله، وبيعته بيعته، فمن بايعه، فكأنما بايع الله، ويد الله فوق يده، وإذا كان الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله، فكأنما صافح الله، وقبل يمينه فيد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهذا من الحجر الأسود، ثم أخبر أن ناكث هذه البيعة إنما يعود نكثه على نفسه، وأن للموفي بها أجرًا عظيمًا.

ثم ذكر حال من تخلف عنه من الأعراب، وظنهم أسوأ الظن بالله: أنه يخذل رسوله وأولياءه، وجنده، ويظفر بهم عدوهم، فلن ينقلبوا إلى أهليهم، وذلك من جهلهم بالله وأسمائه وصفاته، وما يليق به، وجهلهم برسوله وما هو أهل أن يعامله به ربه ومولاه.

ثم أخبر سبحانه عن رضاه عن المؤمنين بدخولهم تحت البيعة لرسوله، وأنه سبحانه علم ما في قلوبهم حينئذ من الصدق والوفاء، وكمال الانقياد والطاعة، وإيثار الله ورسوله على ما سواه، فأنزل الله السكينة والطمأنينة والرضى في قلوبهم، وأثابهم على الرضى بحكمه، والصبر لأمره فتحًا قريبًا، ومغانم كثيرة يأخذونها، وكان أول الفتح والمغانم فتح خيبر، ومغانمها، ثم استمرت الفتوح والمغانم إلى انقضاء الدهر.

ثم ذكر سبحانه أنه هو الذي كف أيدي بعضهم عن بعض من بعد أن أظفر المؤمنين بهم، لما له في ذلك من الحكم البالغة التي منها أنه كان فيهم رجال ونساء قد آمنوا، وهم يكتمون إيمانهم، لم يعلم بهم المسلمون فلو سلطكم عليهم، لأصبتم أولئك بمعرة الجيش، وكان يصيبكم منهم معرة العدوان والإيقاع بمن لا يستحق الإيقاع به، وذكر سبحانه حصول المعرة بهم من هؤلاء المستضعفين المستخفين بهم؛ لأنها موجب المعرة الواقعة منهم بهم، وأخبر سبحانه أنهم لو زايلوهم وتميزوا منهم، لعذب أعداءه عذابًا أليمًا في الدنيا، إما بالقتل والأسر، وإما بغيره، ولكن دفع عنهم هذا العذاب لوجود هؤلاء المؤمنين بين أظهرهم، كما كان يدفع عنهم عذاب الاستئصال، ورسوله بين أظهرهم.

ثم أخبر سبحانه عما جعله الكفار في قلوبهم من حمية الجاهلية التي مصدرها الجهل والظلم، التي لأجلها صدوا رسوله وعباده عن بيته ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، ولم يقروا لمحمد بأنه رسول الله مع تحققهم صدقه، وتيقنهم صحة رسالته بالبراهين التي شاهدوها وسمعوا بها في مدة عشرين سنة، وأضاف هذا الجعل إليهم وإن كان بقضائه وقدره، كما يضاف إليهم سائر أفعالهم التي هي بقدرتهم وإرادتهم.

ثم أخبر سبحانه أنه أنزل في قلب رسوله وأوليائه من السكينة ما هو مقابل لما في قلوب أعدائه من حمية الجاهلية، فكانت السكينة حظ رسوله وحزبه، وحمية الجاهلية حظ المشركين وجندهم، ثم ألزم عباده المؤمنين كلمة التقوى، وهي جنس يعم كل كلمة يتقى الله بها، وأعلى نوعها كلمة الإخلاص، وقد فسرت ببسم الله الرحمن الرحيم، وهي الكلمة التي أبت قريش أن تلتزمها، فألزمها الله أولياءه وحزبه، وإنما حرمها أعداءه صيانة لها عن غير كفئها، وألزمها من هو أحق بها وأهلها، فوضعها في موضعها، ولم يضيعها بوضعها في غير أهلها، وهو العليم بمحال تخصصه ومواضعه.

ثم أخبر سبحانه، أنه صدق رسوله رؤياه في دخولهم المسجد آمنين، وأنه سيكون ولا بد، ولكن لم يكن قد آن وقت ذلك في هذا العام، والله سبحانه علم من مصلحة تأخيره إلى وقته ما لم تعلموا أنتم، فأنتم أحببتم استعجال ذلك، والرب تعالى يعلم من مصلحة التأخير وحكمته ما لم تعلموه، فقدم بين يدي ذلك فتحًا قريبًا، توطئة له وتمهيدًا

ثم أخبرهم,

رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

,

خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة




كلمات دليلية: