withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء

سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء


ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

...

ثالثًا: سرية محمد بن مسلمة

أعد النبي صلى الله عليه وسلم سرية من أصحابه بلغ عددها ثلاثين راكبًا، ووجههم إلى "القرطاء" في أرض نجد، ناحية خيرية البكرات1، وذلك لعشر ليال خلت من المحرم سنة ست من الهجرة لتأديب بني بكر أحد بطون بني كلاب بعدما تأمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعدوا لذلك رجالا منهم فلما وصلت السرية إلى ديار بني بكر، وشعر القوم بها هربوا، وتركوا أنعامهم وأموالهم فغنم المسلمون منها ما استطاعوا، وعادوا إلى المدينة في آخر المحرم، وتمكنوا عند رجوعهم من أسر رجل من بني حنيفة يقال له "تمامة بن آثال" وأحضروه معهم إلى المدينة. يروي أبو هريرة رضي الله عنه قصة ثمامة فيقول: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن آثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عندك يا ثمامة"؟.

فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فاسأل منه ما شئت.

فتركه حتى كان الغد ثم قال له: "ما عندك يا ثمامة"؟.

قال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر.

فتركه حتى كان بعد الغد فقال له: "ما عندك يا ثمامة"؟.

قال: عندي ما قلت.

قال صلى الله عليه وسلم: "أطلقوا ثمامة". فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحب دين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟

__________

1 موضع جهة نجد قريب من مكة.

فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر.

فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت.

قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله، ولا والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم, كانت اليمامة ريف مكة، فانصرف إلى بلاده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي لهم حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم1.

وهكذا توجه المسلمون إلى نجد لرفع كلمة الحق، وإشعار قادة الكفر، والضلال أن صدهم الناس عن دين الله أمر مرفوض, والواجب حماية حق الناس، في الاعتقاد والتدين، ومعاملة الذين يصدون عن سبيل الله معاملة المعتدي على حق غيره، المحارب لحرية الإنسان وكرامته.

__________

1 مختصر السيرة ص293.

رابعًا: غزوة بني لحيان

بنو لحيان هم الذين غدوا بعشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجيع، وتسببوا في إعدامهم، ولكن لما كانت ديارهم مجاورة لحدود مكة، والتارات الشديدة قائمة بين المسلمين وقريش والأعراب، رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوغل في البلاد بمقربة من العدو الأكبر في مكة، فلما تخاذلت الأحزاب، واستوهنت عزائمهم، واستكانوا للظروف الراهنة إلى حد ما، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوقت قد حان لأن يأخذ من بني لحيان ثأر أصحابه المقتولين بالرجيع، فخرج إليهم في ربيع الأول أو جمادى الأول سنة ست في مائتين من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأظهر أنه يريد الشام، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى "بطن غُرَان" واد بين أمج وعسفان، حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم، وسمعت بنو لحيان بالمسلمين فهربوا في رءوس الجبال، ولم ير المسلمون منهم أحدًا، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين بأرضهم، وبعث السرايا إلى جهات عديدة، ثم سار بالقوم إلى عسفان، وبعث عشرة فوارس إلى كراع الغميم لتسمع به قريش بقيادة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم رجع إلى المدينة وهو يقول: "آئبون، تائبون،

عابدون، لربنا حامدون! اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة على الأهل! اللهم أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل، والمال! اللهم بلغنا بلاغًا صالحًا يبلغ إلى خير، مغفرة منك ورضوانًا"1. وكانت غيبته عنها أربع عشرة ليلة2.

__________

1 المغازي ج2 ص537.

2 الرحيق المختوم ص321.

خامسًا: غزوة الغابة

وقعت هذه الغزوة عند ماء يعرف بماء "قرد" قريبًا من المدينة المنورة، وسببها أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون ناقة ذوات لبن، ترعى بالغابة حول الماء، ومعها راع وزوجته، فأغار عليها عيينة بن محصن الفزاري فقتل الراعي، وسبى المرأة، واستولى على اللقاح العشرين، فلما رآهم سلمة بن الأكوع السلمي عاد، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاح في المسلمين بما وقع.

فلما وقعت الصيحة بالمدينة كان أول من أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو، ثم عباد بن بشر الأشهلي، وأسيد بن حضير أخو بني حارثة، وعكاشة بن محصن، ومحرز بن نضلة الأسدي الأخرم، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، وأبو عياش عبيد بن زيد بن صامت الزرقي، فلما اجتمعوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم سعيد بن زيد من بني عبد الأشهل، وأعطى صلى الله عليه وسلم فرس أبي عياش معاذ بن معاص، وكان أحكم للفروسية من أبي عياش وسار النبي صلى الله عليه وسلم معهم حتى واجه المشركين.

وكان أول من واجه المشركين محرز بن نضلة الأخرم فقتلوه رحمه الله، ولحق أبو قتادة بقاتله فقتله، وولى المشركون منهزمين، وتركوا خلفهم لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء يقال له "ذو قرد" استرد إبله ونحر ناقة من لقاحه المسترجعة، وأقام صلى الله عليه وسلم يومًا وليلة، ثم رجع إلى المدينة، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين صلاة الخوف لأول مرة عند "ذي قرد" يقول ابن عباس رضي الله عنه: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة، وصف طائفة خلفه، وطائفة مواجهة العدو، فصلى بالطائفة التي خلفه، ركعة

وسجدتين، ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم، وأقبل الآخرون فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجدتين فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعة, فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلت كل طائفة وصلت الركعة الباقية لتتم صلاتهم جميعًا، وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتت المدينة نذرت أن تنحرها، فأخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا نذر لأحد في معصية الله، ولا فيما لا يملك، وأخذ صلى الله عليه وسلم ناقته1.

وقد استشهد من المسلمين محرز بن نضلة رضي الله عنه، وقتل من المشركين مسعدة بن حكمة، وأوثار، وابنه عمرو بن أوثار، وحبيب بن عيينة.

__________

1 مختصر السيرة ص293.

سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن في أربعين رجلا من الصحابة في شهر ربيع الأول سنة ست إلى "الغمر" وهو ماء لبني سعد.

أسرع عكاشة ورجاله إلى الغمر، فلما علم القوم به تركوا ماءهم، وفروا إلى الجبال وتركوا بعض نعمهم، فأخذوا منها المسلمون مائتين، وعادوا إلى المدينة.

سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

أخذ بنو ثعلبة يغيرون على سرح المسلمين في المدينة فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه -أولا- في عشرة رجال من الصحابة، في ربيع الأول سنة ست، فكمن لهم القوم عند مائهم "ذي القصة" حتى ناموا فأحدقوا بهم، وكان عددهم مائة، فما شعر المسلمون إلا والنبال تأتيهم من كل جانب، واستمر الرمي حتى قتل المشركون المسلمين جميعًا ماعدا محمد بن مسلمة، فإنه أفلت، وتمكن من الرجوع إلى المدينة وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث له، ولأصحابه.

فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سرية ثانية إلى بني ثعلبة في "ذي القصة" في ربيع الآخر مكونة من أربعين صحابيًا بقيادة عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

ونظرًا ليقظة بني ثعلبة، وتتبعهم لأخبار المسلمين صلى أفراد السرية المغرب بالمدينة المنورة حتى لا يشعر بهم أحد، ثم أخذوا في المسير بعد المغرب متجهين إلى "ذي القصة" واستمروا في السير طوال الليل، فوافوها قبيل طلوع الشمس، وفاجئوا القوم بالإغارة عليهم، ففر القوم هاربين إلى التلال والجبال، وتركوا إبلهم وغنمهم، فغنم المسلمين إبلًا وغنمًا وأسروا رجلًا واحدًا، ثم عادوا إلى المدينة بما غنموا، وقد أسلم الرجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه صلى الله عليه وسلم.

ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

تميز زيد بن حارثة بالشجاعة والإقدام، والإخلاص في طاعة الله ورسوله ولذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لقيادة عدد من السرايا، خلال فترة ما بعد الخندق، وهي:

1- سرية زيد إلى الجموم:

والجموم ماء لبني سليم في مر الظهران، قرب مكة، خرج زيد إليها في عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأصاب امرأة من مزينة دلتهم على محلة "بني سليم" فذهبوا إليها، وأخذوا منها غنمًا، وإبلا، وبعض الأسرى، وعادوا إلى المدينة1 وقد أسلمت المرأة وزوجها النبي صلى الله عليه وسلم من أحد أصحابه2.

2- سرية زيد إلى العيص 3:

بعث النبي صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى سنة ست زيد بن حارثة في مائة وسبعين رجلا من أصحابه لمقاتلة قافلة لقريش راجعة من الشام بتجارات لهم، فالتفت بهم عند العيص، واستولت على الأموال، واسروا بعض الرجال منهم أبو العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول قد فرق بينهما.

وكان أبو العاص رجلا مأمونًا، يتاجر لقريش في مالها, فلما قدم المدينة أسيرًا دخل على زينب سحرًا فاستجارها فأجارته، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر قامت زينب على بابها، فنادت بأعلى صوتها وقالت: إني قد أجرت أبا العاص.

__________

1 فتوح البلدان ج1 ص164.

2 الطبقات الكبرى ج2 ص86.

3 العيص واد بين مكة والمدينة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟

قالوا: نعم.

قال صلى الله عليه وسلم: "فوالذي نفسي بيده، ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت".

فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد إلى أبي العاص بن الربيع ما أخذ منه من المال، ففعل وأمرها ألا يقربها، فإنها لا تحل له ما دام مشركًا، ثم كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وكان مع أبي الربيع بضائع لغير واحد من قريش، فأدى إليه الصحابة كل شيء، حتى إنهم ليردون الإداوة، والحبل، حتى لم يبق شيء، ورجع أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم شيء؟

قالوا: لا والله.

قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، لقد أسلمت بالمدينة، وما منعني أن أقيم بالمدينة إلا أني خشيت أن تظنوا أني أسلمت لأذهب بالذي لكم، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه زينب بالنكاح الأول1.

3- سرية زيد إلى الطرف:

والطرف ماء لبني ثعلبة يقع على بعد ستة وثلاثين ميلا عن المدينة، بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهله زيدًا في خمسة عشر رجلا من الصحابة، فهرب الناس لما علموا بمقدم المسلمين، وأصاب منهم زيد بعض الإبل، ورجع إلى المدينة في جمادى الآخرة سنة ست بعد أن غاب عنها أربع ليال2.

4- سرية زيد إلى وادي القرى:

في رجب سنة ست خرج زيد إلى وادي القرى ومعه اثنا عشر رجلا من الصحابة، لاستكشاف حركات الأعراب فهجم عليهم سكان وادي القرى، وقتلوا منهم تسعة وعاد الناجون إلى المدينة، وفيهم زيد بن حارثة3.

__________

1 سنن أبي داود باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها ج3 ص150، 151، والمغازي ج3 ص553، 554.

2 المغازي ج3 ص554.

3 الطبقات الكبرى ج2 ص89.

تاسعًا: غزوة بني المصطلق

وتعرف بغزوة المريسيع1 وكان وقوعها في شعبان سنة ست للهجرة بعد الخندق على الصحيح، ودليل ذلك أن آية الحجاب نزلت في شأن زينب بنت جحش رضي الله عنها بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك سألها صلى الله عليه وسلم عن الإفك الذي دار حول عائشة رضي الله عنها فقالت: أحمي سمعي وبصري وقالت عنها عائشة رضي الله عنها، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

وحادثة الإفك كانت أثناء العودة من غزوة بني المصطلق ونزول آية الحجاب كان بعد زواج زينب، وزواج زينب كان في ذي القعدة من السنة الخامسة فإذا ما علم أن حادثة الإفك كانت بعد نزول آية الحجاب، إذا علم ذلك صح أن "غزوة المريسيع" كانت في السنة السادسة بعد الخندق2.

وسبب هذه الغزوة أن الحارث بن ضرار زعيم بني المصطلق سار في قومه، ومن قدر عليه من العرب، يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأخذوا في إعداد العدة لذلك فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الأسلمي ليعلم خبرهم فلما رأى تجمعهم واستعدادهم عاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما رأى، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأخبرهم خبر عدوهم، فأسرعوا بالخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر على المدينة زيد بن حارثة.

ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع فنزله، وضرب قبة من أدم، وكان معه من نسائه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما.

اجتمع المسلمون على الماء، وأعدوا وتهيئوا للقتال، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر رضي الله عنه، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه، ويقال: كان مع عمار بن ياسر رضي الله عنه راية المهاجرين.

__________

1 المريسيع: بضم الميم، وفتح الراء مصغرًا اسم لماء خزاعة بينه وبين المدينة ما يقرب من سبعين ميلا.

2 انظر سيرة ابن هشام ج2 ص289.

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينادي فنادى في الناس: قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم، وأموالكم، ففعل عمر رضي الله عنه فأبوا الإذعان فرماهم.

وكان عمر أول من رمى من المسلمين ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يحملوا عليهم فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت إنسان من بني المصطلق، وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال، والنساء والذرية وغنمت النعم والشاء، وما قتل أحد من المسلمين إلا رجل واحد يقال له هشام بن صباية رضي الله عنه1.

وكان من جملة السبي جويرية بنت الحارث سيد القوم، وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها.

وقد شعر المنافقون بافتضاح أمرهم في غزوة الأحزاب، فجمعوا جموعهم وأرادوا خلخة الصف الإسلامي بالإشاعات، وزرع جذور الوهن، وأخذوا يتحينون الفرص لبث أكاذيبهم، وكان أول هذه الفرص بعد غزوة الأحزاب في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم "زينب بنت جحش" رضي الله عنها حيث أخذوا يذكرون للناس أنها الزوجة الخامسة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يجوز، وقالوا: إن محمدًا أحبها وهي تحت زيد، فأمر صلى الله عليه وسلم زيدًا أن يطلقها ليتزوجها، وهذا كذب وضحناه قبل2 ورد الله عليه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} 3.

وانتهز المنافقون خروج المسلمين إلى بني المصطلق فخرجوا معهم في أعداد كبيرة، وتظاهروا بانصهارهم في الصف الإسلامي، وأخذوا يتحينون الفرصة لتحقيق ما خرجوا له.

يقول المقريزي: وبينما المسلمون على ماء المريسيع إذ أقبل "سنان بن وبر الجهني" حليف الأنصار ومعه فتيان من بني سالم يستقون، وعلى الماء جمع من المهاجرين والأنصار فأدلى دلوه، وأدلى "جهجاة بن مسعود" أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه دلوه،

__________

1 المغازي ج1 ص407.

2 انظر ص128-131.

3 سورة الأحزاب: 1.

فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه، وتنازعا فضرب جهجاه سنانًا فسال دم سنان فنادى: يا للخزرج، وثارت الرجال، فهرب جهجاه إلى قومه وجعل ينادي في العسكر: يا لقريش، يا لكنانة، فأقبلت قريش وأقبلت الأوس والخزرج، وشهروا السلاح حتى كادت أن تكون فتنة عظيمة، فقام رجال في الصلح فترك سنان حقه.

وانتهز عبد الله بن أبي الموقف وكان جالسًا في عشرة من المنافقين فغضب وقال: والله ما رأيت كاليوم مذلة، والله إني كنت لكارهًا لوجهي هذا ولكن قومي قد غلبوني قد فعلوها، قد نافرونا، وكاثرونا في بلدنا، وأنكروا منتنا، والله ما صرنا وجلاليب قريش هذه إلا كما قال القائل "سمن كلبك يأكلك" والله لقد ظننت أني سأموت قبل أن أسمع هاتفًا يهتف بما هتف به جهجاه، وأنا حاضر لا يكون لذلك مني غير "والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل".

ثم أقبل ابن أبي على من حضر من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وأنزلتموهم منازلكم، وآسيتموهم في أموالكم حتى استغنوا أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم، ثم لم ترضوا ما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضًا للمنايا فقتلتم دونهم، فأيتمتم أولادكم، وقللتم عددكم وكثروا1.

أخبر زيد بن أرقم رسول الله بما رأى وسمع فتغير وجه رسول الله واستوثق منه وأبى على أصحابه قتل ابن أبي حتى لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.

وجاء ابن أبي ينفي صدور ما ذكر عنه فنزل قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 2.

وقطعًا لهذه الفتنة، ومنعًا للخوض فيها بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى المدينة أثناء الحر الشديد، وكان صلى الله عليه وسلم لا يروح حتى يبرد الجو.

وجاء عبد الله بن عبد الله بن أبي رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: إن كنت تريد أن

__________

1 إمتاع الأسماع ج1 ص199.

2 سورة المنافقون: 1.

تقتل أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فوالله لأحملن إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر بوالده مني، وإني لأخشى يا رسول الله أن تأمر غيري فيقتله فتدعوني نفسي أن أنظر إلى قاتل أبي فأقتله فأدخل النار وعفوك أفضل، ومنك أعظم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أردت قتله، وما أمرت به، ولنحسن صحبته ما كان بين أظهرنا".

فقال عبد الله: إن أبي كانت هذه البحيرة قد اتسقوا عليه ليتوجوه، فجاء الله بك فوضعه ورفعنا بك، ومعه قوم يطيفون به يذكرونه أمورًا قد غلب الله عليها1.

وانتهز المنافقون حادثة أخرى وقعت حين رجوع المسلمين من المريسيع هي "حادثة الإفك" التي ظهرت بين المسلمين فتلقفها ابن أبي، وتولى كبر إذاعتها ونشرها وكما أخزاه الله تعالى بنزول القرآن الكريم في تأكيد كذبه في المرة الأولى أخزاه مرة أخرى بنزول براءة السيدة عائشة رضي الله عنها من فوق سبع سماوات2.

وسجل القرآن الكريم هذين الموقفين ليعلم المؤمنون طبائع المنافقين، وليأخذوا حذرهم الدائم منهم.

وزاد الله خزي المنافقين مرة أخرى، فإنه لما نزل المسلمون عند ماء يقال له "بقعاء" أخذتهم ريح شديدة، استمرت إلى أن زالت الشمس ثم هدأت، وخاف المسلمون أن تكون هذه الريح لمواجهة "عيينة بن حصن" ظنًا منهم أن يهاجم ظهورهم في المدينة، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: "ليس عليكم بأس منها فما بالمدينة من نقب إلا عليه ملك يحرسه، وما كان ليدخلها عدو حتى تأتوها، ولكنه مات اليوم منافق عظيم النفاق". وهو "رفاعة بن زيد بن التابوت" وكانت هذه الريح أيضًا بالمدينة حتى دفن عدو الله فسكت.

وقال عبادة بن الصامت يومئذ لابن أبي: مات خليلك.

قال: أي أخلائي.

__________

1 سيرة النبي ج2 ص293.

2 هذه الحادثة هي حادثة الإفك التي سبق ذكرها في ص162-165 عند الحديث عن حسن معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضي الله عنهن.

قال: من موته فتح للإسلام وأهله، رفاعة بن زيد بن التابوت.

قال: يا ويلاه، كان والله وكان وكان، وجعل يذكر.

فقال له عبادة: اعتصمت والله بالذنب الأبتر.

قال: من خبرك يا أبا الوليد بموته؟

قال: رسول الله أخبرنا الساعة، أنه مات هذه الساعة، فأسقط في يديه، وانصرف كئيبًا حزينًا، فلما دخلوا المدينة وجدوا عدو الله مات في تلك الساعة1.

وهكذا انتهت مؤامرات المنافقين في المدينة كما انتهت ألاعيب اليهود.

__________

1 إمتاع الإسماع ج1 ص204.

عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

واصل النبي صلى الله عليه وسلم إرسال السرايا بعد غزوة بني المصطلق تأمينًا للحركة داخل الجزيرة العربية، وإرهاب الفلول المتناثرة التي تتحرك بتأثير اليهود والمنافقين. وأهم هذه السرايا ما يلي:

أ- سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى ديار بني كلب في دومة الجندل في شعبان سنة ست للهجرة لدعوتهم إلى الإسلام بسبب إظهارهم العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وصد الناس عن الإسلام وقد أسلم فريق منهم، وتزوج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تماضر بنت الأصبع بعد أن أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ب- سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان من نفس السنة ومعه مائة صحابي وسببها أن بني سعد حاولوا إمداد اليهود بالمؤن والسلاح على أن يأخذوا منهم بعض تمر خيبر.

ج- سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين في شوال سنة ست، وسببها أن رهطًا من عكل، وعرينة أظهروا الإسلام وأقاموا بالمدينة فمرضوا فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرعاة لرعي الإبل، فلما صحوا قتلوا الراعي، وأخذوا الإبل، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم كرز بن جابر في عشرين من الصحابة حتى أدركوهم، وأحضروهم إلى المدينة فأقام عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حد الحرابة، فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، جزاء وفاقًا على عداوتهم، وعدوانهم وقتلهم الراعي، وأخذهم الإبل1.

__________

1 زاد المعاد ج3 ص602.

حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

أخذت الحركة بالإسلام بعد الأحزاب تنشط وتتسع، فوصلت إلى كل قبائل الجزيرة العربية، لأنهم جميعًا تأثروا بهزيمة الأحزاب، وشعروا بضعف وضعهم فأخذوا يعملون بعصبية يملكهم الخوف، ويسيطر عليهم الفزع, وقد رأيناهم يتآمرون ولا يصمدون يتعاونون ويتفرقون، يقتلون ولا ينتظرون, فكان لا بد من مواجهتهم، والذهاب إليهم ليثوبوا لرشدهم, ويعرفوا حجمهم وقوتهم، ويبتعدوا عن العدوان والفساد، ويلتزموا بمراعاة حق الآخرين، ويبتعدوا عن همجيتهم السابقة.

وتعد سرايا ما بعد الأحزاب حملات تطهير للفساد الموجود في الجزيرة العربية، وتخلص من عدوان الطغاة، وإسكات صوت البغي وقهر العدوان قبل ظهوره.

وقد أدت هذه الغزوات والسرايا دورها، وقامت بتحقيق الهدف منها.

صحيح أن القبائل لم تدخل في الإسلام، لكن الحركة صارت آمنة، وأصبح صوت الإسلام عاليًا، وأخذ الناس يشعرون بحرية القول، وحرية الاستماع، وحرية التفكير، وحرية اتخاذ القرار، وهذا هو المطلوب فقط.

في هذه المدة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أربعًا من زوجاته هن:

1- زينب بنت جحش رضي الله عنها تزوجها ليبطل عادة العرب في نكاح زوجة الابن المتبنى بعد طلاقها.

2- أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها لتعويضها بعد فراق زوجها، ولتطيب نفس أبيها وقومها، ومما يدل على وقع زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة رضي الله عنها على أبي سفيان أن أبا سفيان بعد إسلامه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أختها لسروره بذلك فعرفه النبي صلى الله عليه وسلم حرمة الجمع بين الأختين، وقد أشار الله تعالى إلى هذا الأثر في قوله سبحانه: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ

غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.

3- جويرية بنت الحارث رضي الله عنها من بني المصطلق وكانت خيرًا على أهلها جميعًا حيث صاروا أحرارًا بسببها.

4- صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها بنت زعيم يهود بني قريظة لتأكيد صلة المسلمين بأهل الكتاب، ولبيان ما في الإسلام من خير للجمع.

ومن هذا الباب دخوله صلى الله عليه وسلم بـ"ريحانة بنت زيد" القرظية، وزواجه من مارية القبطية أم ولده إبراهيم رضي الله عنه.

وفيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم درس للدعاة من بعده صلى الله عليه وسلم ليوسعوا صدورهم في تقبل الآخر، وعدم الانغلاق على الذات، والنظر إلى غير المسلمين على أساس أنهم أرض خصبة لانتشار الإسلام، وعليهم أن يحسنوا فهم الإسلام، وأن يحسنوا عرضه بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخلال هذه المرحلة تعلم المسلمون من وحي الله، ومن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحكام التالية:

- ضرورة قضاء الصلاة إن فات وقتها مرتبة بأذان واحد وإقامة لكل صلاة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضاء ما فات المسلمين من صلاة يوم الخندق حيث صلاها في ديار بني قريظة.

- تعلموا أحكام صلاة الخوف، وأدوها خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلموا كيفيتها، وشروطها، وكل ما يتعلق بها من أحكام، وقد صلاها النبي وأصحابه عند "ذي قرد" في غزوة الغابة.

- أدوا صلاة القصر في سراياهم وغزواتهم البعيدة كما تعلموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- نزلت آية التيمم حين رجوع المسلمين من بني المصطلق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتقد عائشة رضي الله عنها، ونزل منزلا شحيح الماء ضجر الناس فنزلت آية التيمم بعد طلوع الفجر2 وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا

__________

1 سورة الممتحنة: 7.

2 إمتاع الأسماع ج1 ص204.

وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 1.

- تعلم الصحابة الجمع بين الصلاتين أثناء السفر جمع تقديم، أو جمع تأخير.

- حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقيع لفقراء المدينة لما فيه من سعة وكلأ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه يحفر بئر فيه، وبتجديد جهاته الأربع بمدى وصول صوت المؤذن.

- أقام النبي صلى الله عليه وسلم حد الحرابة على هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام وغدروا بالمسلمين فقتلوا الراعي واستاقوا الإبل2 بعد نزول قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 3.

وقد أقيم الحد فقطعت الأيدي والأرجل من خلاف فلم تثمل عين، ولم تحدث مثلة ولم يقطع لسان.

وفرض الحج في هذه المدة على قول.

وبرغم قصر المدة بين الأحزاب، والحديبية، وشغلها بالسرايا والغزوات العديدة، فإنها لم تخل من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وتوجيههم إلى مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور ومن ذلك:

- أمرهم بالمحافظة على الصلاة في وقتها، وحين سأله رجل من بني عبد القيس خلال معركة المريسيع عن أحب الأعمال إلى الله.

__________

1 سورة المائدة: 6.

2 إمتاع الأسماع ج1 ص204.

3 سورة المائدة: 33.

قال له صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في أول الوقت".

- أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بدعاء الله تعالى في الحضر والسفر، وعلمهم دعاء السفر الذي سبق ذكره.

- وجههم إلى أن المسلمين إخوة، وأنهم يد على من سواهم، وهم جميعًا يجيرون من أجاره أحدهم، فلقد أجاروا جميعًا أبا العاص بن الربيع بعدما أجارته زينب رضي الله عنها.

- أباح صلى الله عليه وسلم للمحارب الزواج أثناء الغزوة كما تزوج عبد الرحمن بن عوف لما في الزواج من فوائد عديدة للرجل، وللدعوة وللأمة كلها.

- نهى صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا عاد من سفر، ذلك أن عبد الله بن رواحة طرق أهله فإذا مع امرأته إنسان، فظن أنه رجل فرفع سيفه يريد أن يضربهما ثم فكر وادكر، فغمز امرأته برجله فاستيقظت وصاحت.

فقال: أنا عبد الله، فمن هذا؟

قالت: رحيلة, سمعنا بقدومكم، فدعوتها تمشطني فباتت عندي، فبات وأصبح فرجع يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سائر بين أبي بكر الصديق، وبشير بن سعد رضي الله عنه فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى بشير فقال: يا أبا النعمان، إن وجه عبد الله ليخبرك أنه كره طروق أهله فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خبرك يابن رواحة". فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تطرقوا النساء ليلا". فكان ذلك أول ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم1.

- عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء غزواته حياته العادية، فكان يصطحب زوجاته، وكان يلاعبهم، ويسابقهم، وكثيرًا ما سبق عائشة وكان صلى الله عليه وسلم يداعبها ويتلطف معها، حدث أن المسلمين أخذوا خوات بن جبير أسيرًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبقاه الرسول عند عائشة وقال لها: احتفظي بهذا الأسير فلهت عنه فهرب, فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "أين الأسير"؟.

قالت: غفلت عنه فخرج.

__________

1 سنن الترمذي باب ما جاء في كراهية طروق الرجل أهله ليلا ج5 ص66.

فقال صلى الله عليه وسلم: "قطع الله يدك".

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة فوجدها تقلب يدها، وتنظر إليها.

فقال لها: "ما لك"؟.

فقالت: أنظر كيف تقطع يدي.

فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنما أنا بشر أغضب وآسف، كما يغضب البشر، فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه بدعوة فاجعلها له رحمة".

وفي وسط الجو المليء بالأعمال والآمال اهتم المسلمون بكل ما ينزل من الوحي فحفظوا القرآن الكريم ودرسوا السنة، واعتنوا بتربية أبنائهم وبناتهم على منهج الله تعالى وبذلك كانت الحركة الجادة بالإسلام شاملة للداخل والخارج في انسجام وتكامل, ولم يحدث تقصير ما في نصح وتوجيه، أو يقع خلل في عمل وسلوك, وإنما كان المجتمع الإسلامي يشبه خلية النحل كل ما فيه يؤدي واجبه على الوجه المطلوب.

وهكذا:

كانت السرايا والغزوات مدرسة لتخريج الرجال، وتعليم الإسلام وتطبيق أحكام الإسلام، ودعوة إلى الله تعالى1.

__________

1 إمتاع الأسماع ج1 ص204.

المبحث العاشر: غزوة الحديبية



كلمات دليلية: