withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


حجة الوداع_6468

حجة الوداع


المبحث الرابع: وداعه لأمته، ووصاياه في حجة الوداع

,

1 - أذانه في الناس بالحج

:

1 - بعد أن بلَّغ - صلى الله عليه وسلم - البلاغ المبين، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في اللَّه حقَّ جهاده، أعلن في الناس، وأذَّن فيهم، وأعلمهم أنه حاجٌّ في السنة العاشرة - بعد أن مكث في المدينة تسع سنين، كلها معمورة بالجهاد والدعوة والتعليم - وبعد هذا النداء العظيم الذي قصد به - صلى الله عليه وسلم - إبلاغ الناس فريضة الحج، ليتعلموا المناسك منه - صلى الله عليه وسلم -؛ وليشهدوا أقواله، وأفعاله، ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب، وتشيع دعوة الإسلام، وتبلغ الرسالة القريب والبعيد (1)، قال جابر - رضي الله عنه -: إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مكث تسع سنين لم يحجَّ، ثم أذَّن في الناس في العاشرة أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حاجٌّ، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ويعمل مثل عمله ... وساق الحديث، وفيه: حتى إذا استوت به ناقته على البيداء (2)، نظرت إلى مدِّ بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك (3) , ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا،

وعليه

_________

(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 422 , وشرح الأبي، 4/ 244.

(2) البيداء: اسم للمفازة والصحراء التي لا شيء فيها، وهي هنا موضع بذي الحليفة. فتح الملك المعبود،، 2/ 9.

(3) قيل كان عددهم تسعين ألفاً، وقيل مائة وثلاثين ألفاً. انظر: المرجع السابق، 2/ 9، و 105.

ينزل القرآن، وهو يعلم تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به ... وساق الحديث، وقال: حتى إذا أتى عرفة فوجد القبة قد ضُرِبت له بنمرة، فنزل بها.

,

2 - وداعه، ووصيته لأمته في عرفات

:

قال جابر - رضي الله عنه -: حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع (1)، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دمٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا؛ ربا عباس بن عبد المطلب؛ فإنه موضوع كله (2)، فاتقوا اللَّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه (3)، ولكم عليهن أن لا يوطئن

_________

(1) والمعنى أنه أبطل كل شيء من أمور الجاهلية، وصار كالشيء الموضوع تحت القدمين، فلا يعمل به في الإسلام، فجعله كالشيء الموضوع تحت القدم من حيث إهماله، وعدم المبالاة به. انظر: شرح النووي، 8/ 432، وشرح الأبي، 4/ 255، وفتح الملك المعبود،، 2/ 18.

(2) والمعنى الزائد على رأس المال باطل أما رأس المال فلصاحبه بنص القرآن، انظر: شرح النووي 8/ 433.

(3) قيل: الكلمة هي: الأمر بالتسريح بالمعروف، أو الإمساك بإحسان، وقيل: هي لا إله إلا اللَّه، وقيل: الإيجاب والقبول، وقيل: هي قوله تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ}، سورة النساء، الآية: 3. قال النووي، 8/ 433: ((وهذا هو الصحيح، ويدخل فيه القبول والإيجاب))، وشرح الأبي، 4/ 256، وفتح الملك المعبود،، 2/ 19.

فراشكم (1) أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرِّح (2)، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب اللَّه (3) , وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلّغت، وأدَّيت, ونصحت، فقال بإصبعه السبَّابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: ((اللَّهمّ اشهد، اللَّهمّ اشهد)) ثلاث مرات (4)، وقد كان في الموقف جمٌّ غفير، لا يُحصي عددهم إلاَّ اللَّه تعالى (5).

وأُنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم عرفة يوم الجمعة قوله تعالى:

_________

(1) والمعنى: لا يأذن لأحد من الرجال أو النساء تكرهون أن يدخل منازلكم، وليس المراد من ذلك الزنا؛ لأنه حرام سواء كرهه الزوج أو لم يكرهه؛ ولأن فيه الحد. شرح النووي 8/ 433، والأبي، 4/ 257, وفتح الملك المعبود،، 2/ 20.

(2) غير المبرِّح: لا شديد ولا شاق، انظر: فتح الملك المعبود، 2/ 19، وشرح النووي 8/ 434.

(3) والمعنى قد تركت فيكم أمراً لن تخطئوا إن تمسكتم به في الاعتقاد والعمل، وهو كتاب اللَّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يده، ولا من خلفه، وسكت عن السنة؛ لأن القرآن هو الأصل في الدين، أو لأن القرآن أمر باتباع السنة، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ}. سورة النساء، الآية: 59. وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}. سورة الحشر, الآية: 7. انظر: فتح الملك المعبود، 2/ 20، وقد جاء عند الحاكم من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - الوصية بـ" ... كتاب اللَّه وسنة نبيه .. "، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، برقم 36.

(4) أخرجه مسلم، برقم 1218.

(5) قيل: مائة وثلاثون ألفاً. انظر: فتح الملك المعبود، 2/ 105.

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (1)، وهذه أكبر نعم اللَّه تعالى على هذه الأمة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره, ولا إلى نبي غير نبيهم - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا جعله اللَّه خاتم الأنبياء, وبعثه إلى الجن والإنس، فلا حلال إلا ما أحلَّه، ولا حرام إلا ما حرَّمه، ولا دين إلا ما شرعه, وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق, لا كذب فيه ولا خلف, {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} (2)، أي صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنواهي, فلما أكمل اللَّه لهم الدين تمت عليهم النعمة (3).

وقد ذُكر أن عمر بكى عندما نزلت هذه الآية في يوم عرفة, فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا, فأما إذا أُكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص (4) , وكأنه - رضي الله عنه - توقع موت النبي - صلى الله عليه وسلم - قريباً.

3 - وداعه ووصيته لأمّته عند الجمرات:

قال جابر - رضي الله عنه -: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر،

_________

(1) سورة المائدة, الآية: 3, والحديث أخرجه البخاري، برقم 45, ومسلم، برقم 3016, ورقم 3017.

(2) سورة الأنعام, الآية: 115.

(3) تفسير ابن كثير، 2/ 12.

(4) ذكره ابن كثير في تفسيره، 2/ 12، وعزاه بإسناده إلى تفسير الطبري، وهذا يشهد له قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريبًا كما بدأ ... )) [أخرجه مسلم، برقم 145].

ويقول: ((لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه)) (1).

وعن أم الحصين - رضي الله عنها - قالت: حججت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة ... فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قولاً كثيراً، ثم سمعته يقول: ((إن أُمِّر عليكم عبد مجدَّع أسود يقودكم بكتاب اللَّه تعالى فاسمعوا له وأطيعوا)) (2).

,

4 - وصيته ووداعه لأمته يوم النحر

:

عن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قعد على بعيره، وأمسك إنسان بخطامه - أو بزمامه - وخطب الناس، فقال: ((أتدرون أيُّ يوم هذا))؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه, فقال: ((أليس بيوم النحر))؟ قلنا: بلى يا رسول اللَّه! قال: ((فأي شهر هذا))؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، [فسكت] حتى ظننا أنه سيميه بغير اسمه, فقال: ((أليس بذي الحجة))؟ قلنا: بلى يا رسول اللَّه، قال: ((فأي بلد هذا))؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه

بغير اسمه، قال: ((أليست البلدة الحرام))؟ قلنا: بلى يا رسول اللَّه , قال: ((فإن دماءكم, وأموالكم, وأعراضكم, وأبشاركم عليكم حرام

_________

(1) مسلم، برقم 1297.

(2) مسلم، برقم 1298.

كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا [وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم, فلا ترجعوا بعدي كفاراً [أو ضُلاَّلاً يضرب بعضكم رقاب بعض, ألا ليبلغ الشاهد [منكم] الغائب، [فَرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع]، ألا هل بلَّغت [ثم انكفأ (1) إلى كبشين أملحين فذبحهما .. )) (2) قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب (3).

وسكوته - صلى الله عليه وسلم - بعد كل سؤال من هذه الأسئلة الثلاثة كان لاستحضار فهومهم, وليقبلوا عليه بكليتهم, وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه (4).

وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: ((وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بين الجمرات ... وقال: ((هذا يوم الحج الأكبر))، وطَفِق (5) النبي يقول:

((اللَّهم اشهد))، وودع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع)) (6).

وقد فتح اللَّه أسماع جميع الحجاج بمنى حتى سمعوا خطبة النبي -

_________

(1) انكفأ: أي انقلب. انظر: شرح النووي، 11/ 183.

(2) البخاري، 3/ 26 برقم 67, و105, و1741, و3197, و4406, و4662, و5550, و7078, و7447, ومسلم، برقم 1679، والألفاظ من هذه المواضع.

(3) البخاري، برقم 1739.

(4) انظر: فتح الباري، 1/ 159.

(5) طفق: جعل، وشرع بقول.

(6) البخاري، برقم 1742.

صلى الله عليه وسلم - يوم النحر, وهذا من معجزاته أن بارك في أسماعهم وقوَّاها حتى سمعها القاصي والداني، حتى كانوا يسمعون وهم في منازلهم (1)، فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي - رضي الله عنه - قال: ((خطبنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمنى، فَفُتِحت أسماعُنا حتى كنا نسمع ما يقول، ونحن في منازلنا .. )) (2).

,

5 - وصيته - صلى الله عليه وسلم - لأمته في أوسط أيام التشريق:

وخطب - صلى الله عليه وسلم - الناس في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، وهو ثاني أيام التشريق، ويقال له: يوم الرؤوس؛ لأن أهل مكة يسمونه بذلك؛ لأكلهم رؤوس الأضاحي فيه, وهو أوسط أيام التشريق (3) , فعن أبي نجيح، عن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , وهما من بني بكر, قالا: رأينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يخطب بين أوسط أيام التشريق, ونحن عند

راحلته, وهي خطبة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - التي خطب (4) بمنى (5) , وعن أبي

_________

(1) انظر: عون المعبود، 5/ 436, وفتح الملك المعبود، 2/ 106.

(2) أبو داود، برقم 1957، وفي آخره قصة تدل على أنه يوم النحر, والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 1724, 1/ 369.

(3) انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، 5/ 432, وفتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود، 2/ 100, وفتح الباري، 3/ 574.

(4) ومعنى قوله: <وهي خطبته التي خطب بمنى"، أي مثل الخطبة التي خطبها يوم النحر بمنى, فالخطبتان: في يوم النحر, وفي ثاني أيام التشريق اليوم الثاني عشر متحدتان في المعنى. انظر: عون المعبود، 5/ 431، وفتح الملك المعبود، 2/ 100.

(5) أبو داود، برقم 1952، ويشهد له حديث سرَّاء بنت نبهان، برقم 1953، وصحح حديث أبي نجيح الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 368، برقم 1720.

نضرة قال: حدثني من سمع خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسْطَ أيام التشريق، فقال: ((يا أيها الناس إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود, ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى, أبلغت))؟ قالوا: بلَّغ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: ((أي يوم هذا))؟ قالوا: يوم حرام، ثم قال: ((أيُّ شهر هذا))؟ قالوا: شهر حرام، ثم قال: ((أي بلد هذا))؟ قالوا: بلد حرام، قال: ((فإن اللَّه قد حرَّم بينكم دماءكم, وأموالكم, وأعراضكم, كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا، أبلغت؟)) قالوا بلَّغ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((ليبلغ الشاهد الغائب)) (1).

وهناك جمل من خطبه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع في الأماكن المقدسة، منها حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في حجة

الوداع، فقال: ((إن الشيطان قد يئس أن يُعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا, إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً, كتاب اللَّه وسنة

_________

(1) أحمد بترتيب عبد الرحمن البناء، 12/ 226، وهو في النسخة المحققة من المسند برقم 23489، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، 3/ 266. وانظر: حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه قال: كنت آخذ بزمام ناقة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس ... وذكر فيه جملاً تراجع ويراجع سند الحديث في مسند أحمد، 5/ 72.

نبيه ... )) الحديث (1). وحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو يخطب الناس على ناقته الجدعاء في حجة الوداع يقول: ((يا أيها الناس أطيعوا ربكم, وصلّوا خمسكم, وأدّوا زكاة أموالكم، وصوموا شهركم, وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم)) (2).

وخلاصة القول: إن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة, ومنها:

1 - أن كل من قدم المدينة إجابة لأذان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج، فقد حج مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لقول جابر - رضي الله عنه -: ((فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ويعمل مثل عمله)) (3).

,

المبحث السابع: خطبته العظيمة، ووصيته للناس

خطب عليه الصلاة والسلام أصحابه في يوم الخميس قبل أن يموت بخمسة أيام خطبة عظيمة بيَّن فيها فضل الصدِّيق من سائر الصحابة, مع ما قد كان نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين, ولعل خطبته هذه كانت عوضاً أراد أن يكتبه في الكتاب, وقد اغتسل عليه الصلاة والسلام بين يدي هذه الخطبة العظيمة, فصبوا عليه من سبع قرب لم تُحلل أوكيتهن, وهذا من باب الاستشفاء بعدد السبع كما وردت به الأحاديث (1)، والمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - اغتسل، ثم خرج وصلى بالناس ثم خطبهم، قال جندب - رضي الله عنه -: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ((إني أبرأ إلى اللَّه أن يكون لي منكم خليل (2)؛ فإن اللَّه تعالى قد اتخذني خليلاً, كما اتخذ إبراهيم خليلاً, ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً, ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد, ألا فلا

_________

(1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 5/ 228.

(2) الخُلَّة: الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خِلاله؛ أي في باطنه, وهي أعلى المحبة الخالصة, والخليل: الصديق الخالص؛ وإنما قال ذلك - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن خلته كانت مقصوره على حب اللَّه تعالى، فليس فيها لغيره متسع، ولا شركة من محاب الدنيا والآخرة. انظر: النهاية في غريب الحديث، 2/ 72, والمصباح المنير، 1/ 180, وشرح النووي، 5/ 16, وشرح الأبي، 2/ 426.

تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك)) (1)، وعن أبي

سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((إن اللَّه خيَّر عبداً بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عند اللَّه)) , فبكى أبو بكر - رضي الله عنه - وقال: فديناك بآبائنا وأُمهاتنا, فعجبنا له, وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن عبدٍ خيَّرَه اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عند اللَّه، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا, فكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - هو [العبد] المخيَّر, وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: (([يا أبا بكر لا تبكِ]، إن من أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله (2) أبو بكر, ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر, ولكن أُخوَّةُ الإسلام, ومودته, لا يَبْقَينَّ في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر)) (3).

وخلاصة القول: إن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة, ومنها:




كلمات دليلية: