withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest

تمهيد_960

تمهيد


تمهيد

تمهيد بين يدي غزوة حنين

وفي هذا التمهيد قضيتان:

الأولى: التعريف بهوازن وثقيف، وفيه:

1) نسب هوازن وثقيف.

2) تحديد موقعهم وديارهم من الناحية الجغرافية.

3) صلتهم بقريش.

الصلة النسبية، المصاهرة، المصالح المشتركة.

4) موقفهم من ظهور الإسلام ودعوته.

5) موقفهم من الصراع بين المسلمين وقريش.

الثانية: تحركات المسلمين العسكرية قبل غزوة حنين، وفي هذه القضية:

1) هدم العزى.

2) هدم مناة.

3) سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.

أوّلاً: التعريف بهوازن وثقيف

1 - نسب هوازن وثقيف:

قبل الدخول في تفاصيل غزوة حنين وأحداثها، يحسن بنا إعطاء لمحة موجزة عن التعريف بهوازن وديارها التي كانت تقطنها فيها عند بزوغ فجر الإسلام، ومدى الصلة بينهم وبين قريش، وموقفهم من الدعوة الإسلامية قبل غزوة حنين، لنتبين مكانة هذه القبيلة وما كانت تتمتع به من قوة ومنعة.

وإذا أفردنا الحديث عن هوازن فتدخل فيها ثقيف؛ لأنها فرع منها. وهوازن قبيلة من أعظم القبائل العربية وأكثرها خطرا، وهي من حيث القوة والعدد تضاهي قبائل غطفان النجدية الشهيرة.

وهي قبيلة مضرية عدنانية يعود نسبها إلى قيس عيلان، وهي من أهمّ بطون قيس عيلان.

وهوازن جد بطون متفرقة، وهو: هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان1.

قال القلقشندي: "المشهور من قبائل العرب المستعربة الموجودين الآن خمس قبائل:

الأولى2: نزار3، وهم بنو نزار بن معد بن عدنان.

____________________

1 ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص 264، 266، 269) . وابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون 2/307) . وباشميل: (غزوة حنين ص 200) .

2 والقبيلة الثانية: ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

والثالثة: خندف - بمعجمة ودال مهملة مكسورتين بينهما نون ساكنة -: وهم بنو إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، عرفوا بالنسبة إلى أمهم خندف امرأة إلياس.

والرابعة: كنانة، وهم: بنو كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

والخامسة: قريش، وهم، بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

3 نزار - بكسر نون وبزاي وراء -. (القلقشندي: قلائد الجمان ص 110، 129، 132، 134، 136)

والمشهور من الموجودين من عقب نزار بطنان:

البطن الأول1: مضر2، وهم بنو مضر بن نزار، ومنه تفرعت أكثر قبائل العدنانية.

والمشهور من الموجودين من عقب مضر بن نزار فخذان:

الفخذ الأول3: قيس بن عيلان4، وهو قيس بن عيلان بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان.

والمشهور من الموجودين من الآن من فصائل قيس عيلان هوازن، وهي محل بحثنا.

وهناك فصائل أخرى5.

وقد بين ابن خلدون بتفصيل - بطون – هوازن فقال:

____________________

1 والبطن الثاني: هو ربيعة بن نزار، فقد ذكر بن قتيبة أن مضر وربيعة إليهما ينسب ولد نزار وهم الصريح من ولد إسماعيل عليه السلام. (المعارف ص29) .

2 مضر - بمضمومة وفتح ضاد معجمة - (ابن طاهر الهندي: المغني ص72)

3 والفخذ الثاني: هو إلياس بن مضر؛ لأن ولد مضر هما عيلان وإلياس. (ابن كثير: البداية والنهاية 2/199) .

4 قيس عيلان: بإضافة قيس إلى عيلان، وقيس - بفتح قاف ومثناة تحتية ثم سين مهملة -، وعيلان - بفتح مهملة وسكون تحتية ولام ثم نون - وليس في العرب (عيلان) بعين مهملة غيره. واسمه الناس - بالنون -. (القلقشندي: قلائد الجمان ص110) . و (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص404) . وقال ابن حزم: وقال قوم: قيس بن عيلان، والصحيح: قيس عيلان (جمهرة أنساب العرب ص10) .

5 من هذه الفصائل: بنو غطفان بن معد بن قيس عيلان. وبنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. وبنو عدوان بن عمرو بن قيس عيلان. (القلقشندي: قلائد الجمان ص110، 112، 115، 123، 128) . وانظر: ابن قتيبة: (المعارف ص36، 41) . وخليفة بن خياط: (كتاب الطبقات ص4، 53، 55، 130) . وابن هشام: (السيرة النبوية 1/14) . وابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص271، 272، 273) . وابن الأثير: (اللباب 2/328، 3/123) . وابن كثير: (البداية والنهاية 2/220) . وابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون 2/334) . وكحالة: (معجم قبائل العرب 3/1231) . وباشميل: (غزوة حنين ص41) .

وأما هوازن بن منصور1: ففيهم بطون كثيرة يجمعهم ثلاثة أصول كلهم لبكر بن هوازن وهم:

أ- بنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور.

ب- بنو معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور.

جـ- بنو منبه بن بكر بن هوازن بن منصور2.

أ- فأما بنو سعد بن بكر بن هوازن، فمنهم أظآر3 النبي صلى الله عليه وسلم.

ب- وأما بنو معاوية بن بكر بن هوازن، فمن ولده: صعصعة4 ابن معاوية، ونصر5 بن معاوية، وجشم6 بن معاوية، وعوف بن معاوية، وبنوه يسمون

____________________

1 ولمنصور من الولد غير هوازن: سليم بن منصور، ومازن بن منصور، وسلامان بن منصور.

فولد سليم بن منصور: بهثة، وولد بهثة معاوية وعوفا والحارث، وثعلبة، وامرأ القيس. ومن بني امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور: بنو عصية بن خفاف ابن امرئ القيس الذين قتلوا القراء يوم بئر معونة، ودعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص263، 481. والنويري: نهاية الأرب 2/333، 341) .

2 ابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون 2/309) . وابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص264) . والنويري: (نهاية الأرب 2/334- 335) . وكحالة: (معجم قبائل العرب 3/1231. وباشميل: (غزوة حنين ص41، 200) .

3 أظآر: جمع ظئر، والظئر - بالكسر - العاطفة على ولد غيرها المرضعة له في الناس وغيرهم، ويقع على الذكر والأنثى. (ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 3/154. وابن منظور: لسان العرب 6/186. والفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/80) . ومن بني سعد: حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه: عبد الله بن الحارث بن شجنة - بكسر فسكون - ابن جابر بن رزام - بكسر أوله - ابن ناصرة بن فصية بن نصر ابن سعد بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان. أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وزوجها والد رسول - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة - الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة ... إلخ. (ابن هشام: السيرة 1/160- 161. وابن عبد البر: الاستيعاب 4/270 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 7/67. والنويري: نهاية الأرب 2/334- 335. وابن كثير: البداية والنهاية 2/273. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/319. وابن حجر: الإصابة 4/274) .

4 صعصعة - بصادين مهملتين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ثم هاء. (القلقشندي: قلائد الجمان ص115) .

5 منهم مالك بن عوف النصري قائد المشركين في حنين.

6 منهم: دريد بن الصمة واسمه معاوية بن بكر بن علقمة بن خزاعة بن غزية بن جشم بن معاوية.

الوقعة1، دخلوا في بني عمرو بن كلاب بن الحارث2.

أما صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن:

فمن ولده:

عامر3 بن صعصعة، وفيه البيت والعدد4.

ومرة5 بن صعصعة وهم بنو سلول.

فولد عامر بن صعصعة:

ربيعة، وفيه البيت والعدد.

هلالا6.

ونميرا.

وسواءة7

وولد ربيعة بن عامر بن صعصعة: كلابا, وكعبا8, وعامرا, وكليبا9.

____________________

1 الوقعة: محركة - بطر من بني سعد بن بكر (ابن منظور: لسان العرب 10/290. والفيروز آبادي: القاموس المحيط 3/96) .

2 ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص269- 270، 271، 272، 482) . وابن الأثير: (اللباب في تهذيب الأنساب 1/280) . والنويري: (نهاية الأرب 2/335- 336. ومجلة العرب ص818) .

3 عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن قبيلة كبيرة، منها: لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعصة العامري الشاعر المشهور صاحب المعلقة. (ابن الأثير: اللباب 2/306، وأسد الغابة 4/514. وابن كثير: البداية والنهاية 2/220. وابن حجر: الإصابة 3/326) .

4 البيت المراد به: الشرف والسناء والرفعة، والعدد: المراد به: الكثرة. (جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 12) .

5 مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ويعرفون ببني سلول، نسبة إلى أمهم: سلول بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاصط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ابن معد بن عدنان. (خليفة بن خياط: كتاب الطبقات ص55. وابن حزم جمهرة أنساب العرب ص271.وابن الأثير: اللباب 2/131؟، 219) .

6 هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ومنهم ميمونة أم المؤمنين ولبابة الصغرى أم الفضل وعبد الله ابني العباس، ولبابة الكبرى أم خالد بن الوليد، وهن: بنات الحارث بن حزم بن بجير بن هزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال. (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص274. وابن عبد البر: الاستيعاب 4/398، 401، 404 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 7/253- 254، 272. وابن حجر: الإصابة 4/398، 401) .

7 سواءة - بضم السين وتخفيف الواو- منهم: جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب ابن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة. (ابن الأثير: اللباب 2/152، وأسد الغابة 1/304) .

8 كعب وكلاب هم الذين تخلفوا عن غزوة حنين، وقال عنهم دريد بن الصمة: "غاب الحد والجد".

وحضر حنينا من أولاد عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: عوف بن عامر وعمرو ابن عامر، الذين قال عنهم دريد: "ذانك الجذعان من عامر لاينفعان ولا يضران". (سيرة ابن هشام 2/438) .

(ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص280. والقلقشندي: قلائد الجمان ص116- 117. والنويري: نهاية الأرب 2/336 و338) .

- وأما منبه بن بكر بن هوازن:

فولده: ثقيف1 - واسمه - قسي بن منبه بن بكر بن هوازن2.

فولد ثقيف بن منبه: جشم وعوفا.

فولد جشم بن ثقيف: حطيطا.

فولد حطيط: مالكا3, وغاضرة.

وولد عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن: سعدا وغيرة4, ويعرفون بالأحلاف، وذلك أنهم تحالفوا على بني مالك، وصارت غاضرة مع الأحلاف.

فثقيف فرقتان:

بنو مالك بن حطيط بن جشم بن قسي - ثقيف - بن منبه بن بكر ابن هوازن.

____________________

1 ثقيف: بوزن أمير، وقسي بوزن غني. قال أبو عبيد: "سمي قسيا لأنه مر على أبي رغال وكان مصدقا - يعني جابيا للصدقات - فقلته، فقيل: "قسا قلبه، فسمي قسيا". (أنظر: ابن قتيبة: كتاب المعارف ص41. والزبيدي تاج العروس 10/294) .

(ابن هشام: سيرة ابن هشام 1/14،47. وخليفة بن خياط: كتاب الطبقات ص53، 130. وابن قتيبة: كتاب المعارف ص41. وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص266، 468، 482. وابن الأثير: اللباب 1/240. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/309. والنويري: نهاية الإرب 2/334. والفيروزآبادي: القاموس المحيط 3/121. والزبيدي: تاج العروس 6/51. وابن السعد: الطبقات 4/284. وباشميل: غزوة حنين ص200) .

3 من بني مالك بن حطيط: عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي، كان صاحب لواء المشركين يوم حنين، وقتل يومئذ كافرا. (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص266. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/309) .

4 غيرة: بكسر معجمة وفتح مثناة تحتية. (ابن طاهر الهندي: المغني ص59- 60) ومن بني غيرة: أبي بن شريق، ويعرف بالأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي، يكنى أبا ثعلبة. كان حليفا لبني زهرة ومقدما فيهم، فلما خرجت قريش إلى بدر، أتاهم الخبر عن أبي سفيان بن حرب أنه قد نجا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجمعت قريش على إتيان بدر، أشار الأخنس على بني زهرة بالرجوع إلى مكة، وقال لهم: قد نجى الله عيركم التي مع أبي سفيان، فلا حاجة لكم في غيرها، فعادوا، فلم يقتل منهم أحد في بدر، وحينئذ لقب بلأخنس. (ابن الأثير: أسد الغابة 1/60) .

وبنو عوف وهم من الأحلاف1.

هكذا ذكر علماء النسب وغيرهم أن ثقيفا فرع من هوازن القبيلة العدنانية الشهيرة.

وقد ذكر الفيروزآبادي، وتابعه الزبيدي شارح القاموس بأن ثقيفاً من ثمود واستندوا إلى ما ورد عند أبي داود وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى حنين مر بقبر فقال: "هذا قبر أبي رغال، وهو "أبو ثقيف وكان من ثمود" 2.

والحديث عند أبي داود في النسخ الموجودة، وليس فيه: "أبو ثقيف، وكان من ثمود".

وهذا نصّ الحديث عند أبي داود قال:

____________________

(ابن سعد الطبقات الكبرى 5/510- 511. وابن قتيبة: المعارف ص41. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/309. وابن الأثير: أسد الغابة 1/168، 2/41. وأكرم ضياء العمري: في تعليقه على تاريخ خليفة بن الخياط ص97) .

ومن الأحلاف: عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد ابن ثقيف، لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصل إلى المدينة منصرفه من حصار الطائف فأسلم وعاد إلى قومه داعيا فقتلوه. وفي قول آخر أنه قدم المدينة بعد حجة أبي بكر الصديق. انظر حديث رقم (214) .

ووهم ابن حزم فقال بأن الذي بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه داعيا هو: معتب بن مالك جد عروة بن مسعود.

ومن الأحلاف أيضا: المغيرة بن شعبة، والحجاج بن يوسف الثقفي، والمختار بن أبي عبيد الثقفي الذي زعم أن جبريل يأتيه بالوحي. وقد ورد في صحيح مسلم 4/1971 كتاب الفضائل باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها (أن أسماء بنت أبي بكر رضي اله عنها قالت: "أما أن رسول الله حدثنا" أن في ثقيف كذابا ومبيرا "فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه ".

قال النووي: "اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد. وبالمبير: الحجاج بن يوسف". (شرح مسلم 5/608) . وانظر ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص 267. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/112. وابن الأثير: أسد الغابة 4/31-35، 5/247. وابن كثير: البداية والنهاية 8/289، 9/117. وابن حجر: الاصابة 2/277. وابن قتيبة: المعارف ص128، 173. وابن سعد: الطبقات الكبرى 5/503) .

2 أبو رغال: ككتاب: قال الجوهري والصنعاني: "كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة، فمات في الطريق".

وقال ابن سيدة: "كان عبدا لشعيب عليه الصلاة والسلام، وكان عشارا جائرا، فقبره بين مكة والطائف يرجم إلى اليوم". ورد الفيروزآبادي والزبيدي هذين القولين.

وقال ابن منظور: "رأيت حاشية على هامش صحاح الجوهري ما صورته: أبو رغال اسمه زيد بن مخلف عبد كان لصالح النبي - عليه السلام -، بعثه مصدقا، وأنه أتى قوماً ليس لهم لبن إلا شاة واحدة، ولهم صبي قد ماتت أمه فهم يغذونه بلبن تلك الشاة، فأبى أن يأخذ غيرها، فقالوا له: "دعها نحابي بها هذا الصبي فأبى"، فيقال أنه نزلت به قارعة من السماء، ويقال: "بل قتله صاحب الشاة"، فلما فقده صالح عليه السلام قام في الموسم ينشد الناس فأخبر بصنيعه فلعنه، فقبره بين مكة والطائف يرجمه الناس. (ابن منظور: لسان العرب 13/310. والفيروزآبادي: القاموس المحيط 3/385- 386. والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/166. والزبيدي: تاج العروس 7/348. والمباركفوري: تحفة الأحوذي 4/279. ومحمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 8/346- 348) .

وقال ابن بلهيد: قبر أبي رغال قبل أن تصل إلى "الزيمة" ترى جبالا يقال لها "ردوم الزيمة" وهي التي تعرف في التاريخ بقبر أبي رغال، وأقرب ما يكون لتلك المواضع موضع يقال له "ردام" (صحيح الأخبار 2/144) .

قلت: "والزيمة" تقع في الطريق القديم بين مكة والطائف، قال ابن خميس: كان الطريق قبل بين "مكة" و"الطائف"، فإذا خرجت من مكة إلى الطائف تمر "بالشرائع"، فوادي "يدعان" -جدعان- فوادي "سبوحة" فقرية "الزيمة" فوادي "نخلة اليمانية" ... إلخ". غير أن ابن خميس وحمد الجاسر يريان أن قبر أبي رغال في المغمس وهو في طريق غير طريق "الزيمة".

انظر: عبد الله بن محمد بن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص268، 391. وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص352-353.

1- حدثنا يحيى1بن معين، أخبرنا وهب2 بن جرير، أخبرني أبي3 قال سمعت محمد4 بن إسحاق يحدث عن إسماعيل5 بن أمية، عن بجير6 بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية

____________________

1 يحيى بن معين بن عون الغطفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور، إمام الجرح والتعديل، من العاشرة (ت233) /ع (ابن حجر: التقريب 2/358، وتهذيب التهذيب 11/280-288) .

2 وهب بن جرير بن حازم بن زيد، أبو عبد الله الأزدي، البصري، ثقة من التاسعة (ت206) /ع (المصدر السابق 2/338، 11/161) .

3 هو جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي، أبو النضر البصري، والد وهب، ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، من السادسة (ت170) بعدما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه/ع (المصدر السابق 1/127، 2/69) .

4 محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي المدني، نزيل العراق، إمام المغازي صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر، من صغار الخامسة (ت150) ويقال بعدها /خت م عم (المصدرالسابق 2/144 و9/38-46) .

5 إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، ثقة ثبت، من الثالثة (ت144) وقيل قبلها /ع (المصدر السابق 1/67، 1/283) .

6 بجير بن أبي بجير - بجيمين مصغرا - حجازي، ويقال اسم أبيه سالم، مجهول من الثالثة /د (ابن حجر: التقريب 1/93) وفي تهذيب التهذيب (1/418) ، قال: "بجير ابن أبي بجير حجازي، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، روى عنه إسماعيل ابن أمية. روى له أبو داود حديثا واحدا في قصة أبي رغال".

قال يحي بن معين: "لم أسمع أحدا يحدث عنه غير إسماعيل".

قال ابن حجر: قلت: وكذا قال النسائي.

وأما ابن المديني فقال: بجير بن سالم أبو عبيد روى عنه إسماعيل بن أمية وروح بن القاسم حديث أبي رغال، وهو من أهل الطائف مجهول لم يرو عنه غيرهما.

قال أبو داود: حديث روح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية عن بجير، لا عن بجير مباشرة، فتبين أنه ليس له راو غير إسماعيل بن أمية.

وأما ابن أبي حاتم: فقد فرق بين بجير بن أبي بجير وبين بجير بن سالم فحكى عن أبيه أن بجير بن سالم يروي عنه يعلى بن عطاء، ولم يذكر لبجير بن أبي بجير راو غير إسماعيل.

ثم ختم ابن حجر ترجمته بقوله: وذكره ابن حبان في الثقات، وجهله ابن القطان. وقال الذهبي: بجير بن أبي بجير لم يعرفه ابن أبي حاتم بشيء، وقال ابن معين: لم أسمع أحدا حدث عنه غير إسماعيل بن أمية، وصدق في ذلك.

ثم قال: قلت: له حديث واحد انفرد ابن إسحاق به، ثم ساق حديث الباب من غير طريق أبي داود، وافق أبا داود في شيخه يحي بن معين، وقال: رواه أبو داود عن يحي بن معين فوافقناه بعلو.

وهكذا قال المزي. (انظر: البخاري: التاريخ الكبير 2/139. وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 2/425. والمزي: تهذيب الكمال1/19. والذهبي: ميزان الاعتدال 1/197) .

قلت: والذي يظهر لي أن بجير بن أبي بجير غير بجير بن سالم وذلك أن بجير بن سالم يروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وبجير بن أبي بجير يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الحديث الفرد وليس له غيره. وقد أورده المزي والذهبي في ترجمته.

وقال ابن حجر: روى له أبو داود هذا الحديث الواحد في قصة أبي رغال عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وفرق البخاري وأبو حاتم بينهما فجعلا بجير بن أبي بجير يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعنه إسماعيل بن أمية، وبجير بن سالم أبا عبيد يروي عن عبد الله ابن عمر بن الخطاب وعنه يعلى بن عطاء.

ذلك1 أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه، فابتدره2 الناس فاستخرجوا الغصن" 3.

والحديث أخرجه ابن حزم من طريق يحي بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق به.

ثم قال: هذا الحديث لا يصح، لأنه عن ابن بجير وهو مجهول4.

وأخرجه إبراهيم الحربي والبيهقي كلاهما من طريق يزيد5 بن زريع، عن

____________________

1 وآية ذلك: أي علامة ذلك (ابن الأثير: النهاية 1/88) .

2 فابتدره الناس: أي تسابقوا إليه مسرعين (الفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/369) .

3 أبو داود: (السنن 2/161) ، كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب نبش القبور العادية يكون فيها المال.

4 "المحلى 7/528"، وحصل خطأ في المحلى في مقامين:

الأول: جعل ابن إسحاق يروي عن بجير بن أبي بجير مباشرة، وإنما يروي عنه بواسطة إسماعيل بن أمية، كما هو واضح في حديث أبي داود.

والثاني: أنه كتب يحي بن أبي بجير، والصواب بجير بن أبي بجير.

5 يزيد بن زريع - بتقديم الزاي مصغرا- البصري، أبو معاوية، ثقة ثبت من الثامنة (ت182) /ع (ابن حجر: التقريب 2/364، وتهذيب التهذيب 11/325) .

روح1 بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، عن عبد الله بن عمرو قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كنا عند قبر أبي رغال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي رغال، وكان امرأ كافرا، وكان من ثمود، وكان يسكن الحرم، وأنه خرج حتى إذا صار في هذا الموضع مات فدفنوه، ومعه غصن من ذهب، فاستخرجوه فابتدرنا فاستخرجناه". لفظ الحربي2.

ولفظ البيهقي: "عن عبد الله بن عمرو أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر أو مسير فمروا بقبر فقال: هذا قبر أبي رغال كان من قوم ثمود، فلما أهلك الله قومه بما أهلكهم به منعه لمكانه من الحرم فخرج حتى إذا بلغ هذا المكان أو الموضع مات ودفن معه غصن من ذهب فابتدرناه فأخرجناه" 3.

وأخرجه البيهقي أيضا من طريق أبي الأزهر4، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي فلان وكان بهذا الحرم يدفع به عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه وجدتموه معه"، فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن.

ثم قال: رواه أبو داود في السنن عن يحي بن معين، عن وهب بن جرير، وقال: "قبر أبي رغال"5.

____________________

1 روح بن القاسم التميمي العنبري، أبو غياث - بمعجمة وتحتانية خفيفة ثم مثلثة - البصري، ثقة حافظ من السادسة (ت141) /خ م د س ق. (المصدر السابق 1/254، 3/298) .

2 الحربي: (كتاب المناسك ص352- 353) .

3 البيهقي: (السنن الكبرى 4/156) .

4 هو أحمد بن الأزهر بن منيع، أبو الأزهر العبدي النيسابوري، صدوق، كان يحفظ ثم كبر، فصار كتابه أثبت من حفظه، من الحادية عشرة، (ت263) /س ق (ابن حجر: التقريب 1/10، وتهذيب التهذيب 1/11) .

وقال أبو حاتم والذهبي: "صدوق". (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/41، وميزان الاعتدال للذهبي 1/82) .

5 البيهقي: (السنن الكبرى 4/156) .

وأخرجه المزي والذهبي في ترجمة بجير بن أبي بجير، كلاهما من طريق أحمد1 ابن الحسن بن عبد الجبار، عن يحي بن معين، عن وهب بن جرير، عن أبيه به.

ثم قالا: رواه أبو داود عن يحي بن معين فوافقناه2 بعلو.

وزاد المزي: "وهذا حديث حسن عزيز"3.

وأخرجه عبد الرزاق، عن معمر بن راشد، عن إسماعيل بن أمية مرسلا4. بلفظ: "هذا قبر أبي رغال رجل من ثمود" 5

والجواب عن هذا الحديث من وجوه:

الأول: أنه ليس في حديث أبي داود في النسخ الموجودة بين أيدينا مع شروحها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود". وهو بهذا اللفظ عند المزي والذهبي.

الثاني: أن هذا الحديث مداره على بجير بن أبي بجير ولا متابع له، وقد جزم

____________________

1 أحمد بن الحسن بن عبد الجبار بن راشد، أبو عبد الله الصوفي، روى عن يحي بن معين وغيره، وعنه جماعة. قال الدارقطني: ثقة (ت306) . (الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/82، 86. والذهبي: ميزان الاعتدال 1/91، و297. وابن حجر: لسان الميزان 1/151) .

2 الموافقة: هي أن يصل الراوي إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه مع علو إسناده على إسناد المصنف. وهنا قد وصل المزي والذهبي إلى شيخ أبي داود يحي بن معين بستة رواة، ولو روياه من طريق أبي داود لكان وصلا إلى يحي بن معين بسبعة، فقد وافقا أبا داود في شيخه مع علو إسنادهما عن إسناد أبي داود.

(ابن حجر: نزهة شرح نخبة الفكر ص51. وأطيب المنح في علم المصطلح للعباد وعبد الكريم مراد ص50) .

(المزي: تهذيب الكمال 1/19. والذهبي: ميزان الاعتدال 1/297) .

4 لعل إسماعيل كان يصل الحديث تارة، ويرسله أخرى.

5 انظر: (البداية والنهاية لابن كثير 4/137) . والحديث من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص كما هو عند أبي داود وفي الأطراف للمزي 6/281 (حديث 8607) وذخائر المواريث للنابلسي 2/167 (حديث 4458) ، وجامع الأصول لابن الأثير 11/803 (حديث 9522) ، ووقع في القاموس المحيط للفيروزآبادي، وتاج العروس للزبيدي، وعون المعبود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، وضعيف الجامع الصغير للألباني: عن ابن عمر ولعله ابن عمرو فسقطت الواو فصار ابن عمر. انظر: (القاموس3/385- 386. وتاج العروس 7/348. وعون المعبود 8/346. وتحفة الأحوذي4/279.وضعيف الجامع الصغير6/37- 38) ، (حديث 6095) .

ابن حجر وغيره: بجهالته، ورواية المجهول مردودة عند جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم1.

الثالث: أن ثمود من القبائل البائدة التي لم يبق لها عقب، ولذا كان الحجاج بن يوسف الثقفي إذا سمع من يقول بأن "ثقيفا" من بقايا ثمود يقول: كذبوا، قال الله تعالى: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} ، [سورة النجمالآية: 51] ، أي أهلكهم الله ولم يبق منهم أحدا2.

الرابع: لعل سبب نسبة "ثقيف" إلى ثمود هو ما ذكره ابن خلدون: من أن ثمود نزلت الطائف قبل وادي القرى3.

قال: ومن ثم يقال: إن ثقيفاً من بقايا ثمود لكونهم نزلوا الطائف بعد ثمود4.

الخامس: أن الذي عليه جمهور علماء النسب وغيرهم أن "ثقيفا" فرع من هوازن القبيلة الشهيرة كما تقدم5.

السادس: أن هذا الحديث الوارد فيه أن "ثقيفاً" من ثمود لا تقوم به حجة لجهالة راويه "بجير بن أبي بجير"، وهي جهالة عينية ولا يعرف هذا الحديث إلاّ من طريقه، كما تقدم ذلك في ترجمته6.

وأما تحسين المزي لهذا الحديث ففيه نظر، وقد عقب عليه ابن كثير بقوله: قلت: تفرد به بجير بن أبي بجير، ولا يعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية.

____________________

1 ابن الصلاح: (المقدمة ص144 مع التقييد والإيضاح) . وابن حجر: (نزهة النظر ص39. والسيوطي: تدريب الراوي ص210) .

2 انظر: (الطبري: جامع البيان 27/78. وابن كثير: التفسير 4/259. والقلقشندي: نهاية الأرب ص198. والشوكاني: فتح القدير 5/117. وحمد إبراهيم الحقيل: كنز الأنساب ص149- 150) .

3 وادي القرى: هو واد بين الشام والمدينة وهو بين تيماء وخيبر، ووادي القرى والحجر والجناب منازل قضاعة ثم جهينة وعذرة وبلى، وكانت قديما منازل ثمود وعاد، وبها أهلكهم الله. (معجم البلدان لياقوت الحموي 4/338) .

وقال عاتق بن غيث البلادي: الحجر هو رأس وادي القرى، تقع شمال مدينة العلا بقرابة (22) كيلا وشمال المدينة المنورة ب (322) كيلا. وأهله اليوم قبيلة عنزة. (معجم المعالم الجغرافية ص93) .

(تاريخ ابن خلدون 2/310) .

5 انظر: ص: 28.

6 انظر: ص: 30.

ثم نقل عن المزي نفسه ما يخالف تحسينه لهذا الحديث فقال: قال شيخنا المزي: فيحتمل أن بجير بن أبي بجير وهم في رفعه، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملته1.

ثم قال ابن كثير: "لكن يشهد له حديث جابر بن عبد الله، وما رواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري مرسلا"، بلفظ "أبو رغال أبو ثقيف"2.

وأورده ابن حجر عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، إلاّ أنه قال أبو رغال هو الجد الأعلى لثقيف3.

قلت: والحديث من مراسيل الزهري ومراسيله ضعيفة عند العلماء4. ولا يحصل من هذا الأثر تقوية لحديث بجير بن أبي بجير، لأن الأثر ضعيف. وحديث بجير بن أبي بجير مختلف في وصله وإرساله ووقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص5. مع جهالة بجير بن أبي بجير العينية.

وقد قال ابن الصلاح: ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة. إلى أن قال: ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته6.

وأما حديث جابر بن عبد الله الذي أشار إليه ابن كثير فليس فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبو رغال أبو ثقيف"، وهذا سياقه لزيادة الإيضاح.

____________________

1 الزاملة البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع، من الزمل: وهو الحمل. (ابن الأثير: النهاية 2/313) والمراد هنا حمل بعير من كتب العلم. وفي (تذكرة الحفاظ للذهبي 1/42) ، قال: "وكان عبد الله بن عمرو بن العاص أصاب جملة من كتب أهل الكتاب وأدمن النظر فيها، ورأى فيها عجائب". إهـ.

(ابن كثير: البداية والنهاية 1/137) .

3 ابن حجر: (فتح الباري 6/381) .

4 انظر: السيوطي: (تدريب الراوي 124- 125) .

5 انظر ص

6 ابن الصلاح: (المقدمة ص50 مع التقييد والإيضاح) .

2- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح فكانت1 ترد من هذا الفج2 وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما، فعقروها فأخذتهم الصيحة أهمد الله عز وجل من تحت أديم3 السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله - عز وجل -، قيل: من هو يا رسول الله؟

قال: "هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه"4.

قال ابن كثير: "وهذا الحديث على شرط مسلم، وليس هو في شيء من الكتب الستة. وقال في مكان آخر: إسناده صحيح ولم يخرجوه"5.

وقال ابن حجر: رواه أحمد والحاكم عن جابر بإسناد حسن6.

والخلاصة: أن حديث أحمد هذا:

أ – لا توجد في متنه زيادة "وكان أبا ثقيف" فتبقى هذه الزيادة لا متابع لها وتكون بذلك ضعيفة مردودة، ويترجح القول بأن ثقيفاً ليس لها صلة نسبية بثمود.

ب– حديث أحمد صريح في أن الله عز وجل أهلك قوم صالح ولم يبق منهم أحدا، بما فيهم أبو رغال، وأن الله أمهله مدة بقائه في الحرم، فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه، فكيف تكون ثقيف من بقايا ثمود، مع أن الحديث صريح في أن الله لم يبق منهم أحدا، كما أن الحديث صريح في ثبوت قصة أبي رغال وأنه من ثمود، وأما كون أبي رغال كان في الحرم وأنه لما خرج منه أخذه الله عز وجل، فهذا لا نزاع فيه، ويصلح أن يكون حديث أحمد مقويا لرواية "بجير بن أبي بجي" في هذه الجزئية.

____________________

1 فكانت: أي الناقة.

2 الفج: الطريق الواسع بين جبلين (الفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/202) .

3 ما تحت أديم السماء: قال الفيروزآبادي: "أديم السماء والأرض: ما ظهر". (القاموس 4/73) . والمعنى: ما ظهر على الأرض منهم. أي أهلكهم.

4 أخرجه أحمد في (المسند 3/296) ، من طريق أبي الزبير المكي عن جابر وأخرجه الطبري في (جامع البيان 14/50) ، من طريق عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله.

5 ابن كثير: (البداية والنهاية 1/137، 5/11) .

6 فتح الباري (6/380-381) . وانظر الحديث في (المستدرك 2/567-568) ، وقال: صحيح على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي.

3- وقد ورد عند الترمذي من حديث عبد الله بن عمر موقوفا أن رجلا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال1.

وأخرجه أحمد أيضا عن ابن عمر وسمى الرجل "غيلان". وهذا سياقه عن عبد الله بن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهن أربعا، فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك، فقذفه في نفسك ولعلك أن لا تمكث إلاّ قليلاً، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك، ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال2.

وأخرجه ابن ماجة عن ابن عمر أيضا إلى قوله: "أربعا"3.

وأخرجه مالك عن الزهري بلاغا4.

وقال جرير5 يهجو الفرزدق:

إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال6

هذه نبذة موجزة عن التعريف بقبيلة هوازن وفروعها المتعددة، التي من جملتها ثقيف على الراجح من أقوال العلماء، وأنه لا ينهض دليل على القول بأن ثقيفا من بقايا ثمود.

____________________

1 الترمذي: (السنن 2/299) ، كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة.

2 أحمد: (المسند 2/14) .

(سنن ابن ماجة 1/628) ، كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة.

(الموطأ 2/586) ، كتاب الطلاق، باب جامع الطلاق.

5 هو أبو حزورة جرير بن عطية بن حذيفة بن بدر بن سلمة التميمي الشاعر المشهور، كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مشادة ونقائض، وأجمعت العلماء أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير، والفرزدق، والأخطل.

مات جرير سنة (111) ، وأما الفرزدق فهو أبو فراس همام بن غالب التميمي الشاعر المشهور، مات سنة (110) .

(ابن خلكان: وفيات الأعين 1/321، 326، 6/86، 97) .

6 ابن منظور: لسان العرب 13/310.

وانظر: (معالم مكة التاريخية والأثرية لعاتق بن غيث البلادي ص116) .

ثانياً: ديار هوازن وثقيف:

تقع مواطن هوزان ما بين غور تهامة1 إلى ما والى بيشة وناحية السراة، والطائف وذي المجاز وحنين وأوطاس وما صاقبها من البلاد. هذه مواطن هوزان "الأم" من حيث الجملة.

ومواطن فروعها الرئيسية يمكن بيانها على النحو الآتي:

1- بنو منبه "ثقيف" كانوا يسكنون سراة الطائف، وسراة الطائف غورها مكة المكرمة، ونجدها ديار هوزان من عكاظ2

____________________

1 الغور هو: كل ما انحدر سيله مغربا، وما انحدر سيله مشرقا فهو نجد.

وتهامة: ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة، وما وراء ذلك من المغرب فهو غور، وما وراء ذلك من مهب الجنوب فهو السراة إلى تخوم اليمن. وقيل: الغور وتهامة واحد.

والخلاصة أن ما سال من جبال السروات مشرقا فهو نجد، وما سال مغربا حتى يفسخ الجبال فهو الحجاز، وما خلف الجبال إلى البحر فهو تهامة.

والسراة: سلسلة جبلية على نسق واحد من أقصى اليمن إلى بلاد الشام، وهي الجبال المطلة على تهامة مما يلي اليمن، وهي الحاجزة بين نجد وتهامة..

وهي ثلاث سروات: سراة ثقيف، ثم سراة فهم وعدوان، ثم سراة الأزد.

وذو المجاز: موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب على فرسخ من عرفة، كانت تقوم في الجاهلية ثمانية أيام.

قال ابن بليهد: وهو واقع في واد المغمس إذا قطعت وادي الشرائع المعروف وأنت قاصد مكة أتيت وادي المغمس في الطريق على يسارك فإذا حاذيت كبكب فهو هناك، فيه آثار قديمة لا تزال ماثلة إلى هذا العهد، وفيه بئر باقية إلى هذا العهد بقال لها "ذو المجاز". انظر: ياقوت: (معجم البلدان 2/137، 3/204، 4/216-217، 5/55، 261-262. وابن منظور: لسان العرب19/106.وابن بليهد: صحيح الآثار عما في بلاد العرب من الأخبار 2/50. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص216-217، 276، 284. والبلادي: نسب حرب ص349-350. والحربي: كتاب المناسك ص532-538) .

2 عكاظ: قال ياقوت: عكاظ - بضم أوله، وآخره ظاء معجمة - اسم سوق من أسواق العرب في الجاهلية، وكانت قبائل العرب تجتمع بعكاظ في كل سنة ويتفاخرون فيها ويحضرها شعراؤهم ويتناشدون ما أحدثوا من الشعر ثم يتفرقون.

وعكاظ: نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تقام سوق العرب بموضع منه يقال له الأثيداء. وبه كانت أيام الفجار، وكانت هناك صخور يطوفون بها ويحجون إليها.

قال الواقدي: عكاظ بين نخلة والطائف، وذو المجاز خلف عرفة، ومجنة بمر الظهران وهذه أسواق قريش والعرب ولم يكن فيه أعظم من عكاظ. قالوا: كانت العرب تقيم بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة، ثم تنتقل إلى سوق ذي المجاز فتقيم فيه أيام الحج. (معجم البلدان 4/142) . وأورد ابن خميس أقوال العلماء قديما وحديثا حول تحديد عكاظ. ثم قال: والذي أستخلصه من مجموع تلك الأقوال في تحديد "عكاظ"، أنه يقع في متسع من الأرض يحده من الجنوب: ملتقى وادي شرب بوادي عرج الأخيضر والعبيلاء، ومن الغرب: جبال الصالح وجبال مدسوس ومدفع وادي المهيد. ومن الشمال: الشظفا والخلص ومشرفة وماءة المبعوث. ومن الشرق: الدار السوداء والحرة، فيما بين هذه الأعلام يقع سوق عكاظ وهي تشكل شكلا مستطيلا لا يتجاوز طوله من الجنوب إلى الشمال أربعة أكيال، ومن الغرب إلى الشرق كيلين. وهذا التحديد يدخل الأنصاب - الحجارة - المنصوبة التي تدعى الآن "بالمرزز"، كما أن هذه المنطقة هي مدفع ثلاثة الأودية: العرج والشرب والمهيد. (المجاز ص239-242) .

والفتق1 - أي الأرض الواقعة شرق الطائف على مقربة منه -2.

والموجودون الآن من ثقيف عدة بطون منها:

أ- بطن النمور وهم سكان الهدى ووادي المحرم.

ب- بطن طويق ومنهم الجعيدات والفضل والعبدة والحمران وغيرهم.

?- بطن سفيان: ومنهم العسران والخضرة وغيرهم3.

2- بنو سعد: وهم الذين استرضع فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا تزال فروعهم إلى الآن يسكنون أطراف السراة الواقعة شرق الطائف وجنوبه.

3- بنو معاوية الذين منهم مالك بن عوف النصري قائد هوازن في حنين، ودريد بن الصمة الجشمي4. فإنهم منتشرون حاليا في شمال الطائف مثل وادي

____________________

1 الفتق - بضم أوله وثانيه وفي آخره قاف -: قرية بالطائف.

وقيل الفتق - بفتح الفاء وسكون التاء - من مخاليف الطائف. (ياقوت: معجم البلدان 4/235)

ووصفها حمد الجاسر بما يدل على أنها تقع شرق الطائف (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص645)

2 حمد الجاسر: سراة غامد وزهران ص356، 433. والمجاز بين اليمامة والحجاز ص278.

3 حمد إبراهيم الحقيل: كنز الأنساب ص149- 154.

وفؤاد حمزة: قلب جزيرة العرب ص134- 135.

وكحال: معجم قبائل العرب 1/147- 148.

4 وفي مجلة العرب: والناس الآن ينطقون (جشم) قثمة بالثاء والنسبة إليه قثامي (محمد سعيد حسن كمال: مجلة العرب ص817- 819. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص242) .

السيل – قرن المنازل1 - وأعالي وادي العقيق2 وما يقرب من هذه الأمكنة3 والموجودون الآن من بني نصر ثلاثة بطون:

وهم: شعيث، وحسيكة، وآل موسى.

والموجودون من بني جشم حاليا: الدوانية، والخلد، والعمامرة4.

هذه كلمة موجزة عن موطن هوازن "الأم" وأجنحتها الرئيسية، وبعض القبائل الموجودين منهم حاليا، وأرجو أن تكون الخارطة التي بين يدي القارئ ضمن هذه الرسالة كافية في توضيح وتحديد أماكن هذه القبائل.

والله أعلم.

____________________

1 قرن المنازل: هو السيل الكبير وهو قرن الثعالب، ويحرم منه أهل الطائف، وأهل نجد وأهل الكويت، ويبعد عن مكة (80) كيلا. (عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام: تيسير العلام 1/501- 502. وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 353، 614، 645. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص 268، 270، 272) .

2 العقيق: هنا هو عقيق الطائف يمر بشمالي الطائف وينحدر مما يلي جبل "الغمير" (ابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص265. وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص411) .

3 حمد الجاسر: (سراة غامد وزهران ص484- 485) . وذكر ياقوت: أن من مساكنهم (البوباة) وهي تقع في أعالي نخلة اليمانية (معجم البلدان 1/506) .

قال محمد سعيد حسن كمال: "وقد حرف اسم البوباة إلى البهيتاء" (مجلة العرب ص817- 818) . وحمد الجاسر: (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص353) .

4 محمد سعيد حسن كمال: (مجلة العرب ص817- 819) .

رسم توضيحي

رسم توضيحي

ثالثاً: صلة هوازن وثقيف بقريش:

إ




كلمات دليلية: