withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


يوم من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

يوم من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع مثل في استثمار الوقت، نظرًا للأعباء الجسام التي كان يقوم بها صلى الله عليه وسلم، وأعظمها تبليغ رسالة ربه للعالمين، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجمع إلى جانب مهام الرسالة مهامَّ أخرى كقائد ومعلم ومشرِّع ومُصلح، فضلًا عن مسئوليات أخرى شخصية كزوج وأب، حتى كان صلى الله عليه وسلم رغم مسئولياته يهتم بالأمور الشخصية لأصحابه ويتفقد أحوالهم!

الثلث الأخير من الليل

وكان البرنامج اليومي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يبدأ تقريبًا في الثلث الأخير من الليل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يفعله إذا استيقظ من نومه -وهو الذي تنام عينه ولا ينام قلبه- أنه يذكر الله عز وجل ويحمده، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وأذِنَ لي بذِكرِه» (رواه أحمد).

ثم يستعد صلى الله عليه وسلم للقيام بين يدي الله فيتوضأ ويستاك، ويقيم الليل صلى الله عليه وسلم واقفًا يصلي بين يدي الله حتى تتورم قدماه، حتى إن بعض أهله أشفق عليه ذات يوم قائلًا: «يا رسول الله، أما غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟!» فقال صلى الله عليه وسلم: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»؟! (رواه البخاري).

ويظل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا بين يدي ربه، يذكره، ويستغفره، ويناجيه، ويتفكر في خلق السماوات والأرض حتى قُبَيل الفجر، ثم يرجع إلى فراشه، وما أن يسمع صوت بلال يرفع أذان الفجر حتى يثب من فراشه ويقولصلى الله عليه وسلم: «أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ للهِ»
(رواه مسلم) لحديث عائشة رضي الله عنها: لما سئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» (رواه البخاري). قالت: «كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ، وَيَقُومُ آخِرَهُ، فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلاَّ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ» (رواه البخاري). فإذا خرج من بيته قال صلى الله عليه وسلم: «بِاسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلاَّ باللَّه» (رواه أبو داود والترمذي).

عن أُمِّ سلَمَةَ رضي اللَّهُ عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا خَرجَ مِنْ بيْتِهِ قالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ، توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ أنْ أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أوْ أُزلَّ، أوْ أظلِمَ أوْ أُظلَم، أوْ أَجْهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيَّ» (رواه أبو داود والترمذي).

أي ثلث من الليل كان يقومه عليه الصلاة والسلام؟ وما دلالة ذلك؟

بداية يومه صلى الله عليه وسلم

فإذا دخل المسجد أمر بلالًا بإقامة الصلاة، ثم يسوِّي صلى الله عليه وسلم صفوف المصلين، ثم يشرع صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر.. وبعد الصلاة كان صلى الله عليه وسلم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس. وكان أصحابه رضي الله عنهم يجالسونه فيتدارس شؤونهم ويحدثهم ويحدثونه في أمور دينهم ودنياهم فيعلمهم ويعظهم ويستمع إلى شكواهم، وربما ذكروا شيئًا من أمور الجاهلية فيضحكون ويبتسم صلى الله عليه وسلم .

وقد سنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى وواظب عليها؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» (رواه مسلم)

فكان إذا عاد من صلاة الضحى ربما سأل أهل بيته عن طعام فإذا لم يجد طعامًا كان يصوم؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» قَالَتْ: «فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ!! قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ» (رواه مسلم)

وكان إذا قُدِّم له طعام

يأكله و«مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ» (متفق عليه). وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل منبطحًا ولا متكئًا؛ لحديث علي بن الأَقْمَر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا» (رواه البخاري)، وكان من دأبه صلى الله عليه وسلم أن يأكل على الأرض فكانت جلسته للطعام صلى الله عليه وسلم جاثيًا على ركبتيه قال صلى الله عليه وسلم : «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» (الألباني في السلسلة الصحيحة).ويضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل في التواضع، فكان يقوم على خدمة أهله ونفسه فكان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، دل على ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- عندما سُئلت عما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، فقالت: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ» (رواه البخاري).

وقالت أيضًا: «كَانَ بَشَرًا مِنَ البَشَر يُفَلِّي ثَوْبَهُ ( أي: ينظفه)، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ» (رواه أحمد).

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع الناس لأمر مهم، أمر من يجمعهم له أو ينادي فيهم «الصلاة جامعة»، فينبئُهم بما جمعهم من أجله، فإذا أراد أن يُذكِّرْهم ذكَّرهم، وإذا أراد أن يخبرهم بتشريع أخبرهم.

وعندما تحين صلاة الظهر يقوم للصلاة، فكان صلى الله عليه وسلم يطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في غيرها؛ حتى يدرك المسلمون الصلاة، فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه «كَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ» (رواه البخاري).

وكان صلى الله عليه وسلم يقيل -أي: ينام- إذا انتصف النهار ليستعين بالقيلولة على قيام الليل، قال صلى الله عليه وسلم: «قِيلُوا؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقِيلُ»
(رواه الطبراني).

وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أحوال الناس في معايشهم وتعاملاتهم وأسواقهم، فروي «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ ( أي: كومة مجموعة من الطعام) طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟»، قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (رواه مسلم).

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا مَعَهُ» (رواه الترمذي).

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجالس الناس في مجالسهم، ويزور مريضهم ويجيب داعيهم ويمشي في حاجة الضعيف والمسكين، فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان «لَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ» (رواه النسائي ).

وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه ويعود المريض منهم، ومن ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْبَصِيرِ الَّذِي فِي بَنِي وَاقِفٍ نَعُودُهُ، وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى». (الألباني في السلسلة الصحيحة).

وهكذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم يقضي عامة وقته بين أمته يدعوهم ويذكرهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويزور مريضهم ويعين محتاجهم... فكانت الدعوة وتفقد أحوال الأمة هي شغله الشاغل له صلى الله عليه وسلم .

فإذا جَنَّ الليل وصلى بالمسلمين العشاء، فإن وجد ما يهتم له من أمور المسلمين انشغل به مع كبار الصحابة، وإلا سمر مع أهله شيئًا.

وإذا أراد صلى الله عليه وسلم أن يأوي إلى فِراشه فإنه كان يتوضأ قبل نومه، ثم ينفض فراشه ويذكر الله ويدعوه، ثم ينام على جنبه الأيمن؛ لما رواه البراء بن عازِب قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ».(صحيح مسلم)

قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ [أي طَرَفُه]، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» (متفق عليه).

هكذا كان يوم النبي صلى الله عليه وسلم يستفتحه بذكر الله والصلاة والدعاء، ويقضي عامة يومه في الدعوة والنصح والتوجيه والتشريع ومخالطة أمته وتفقد أمورهم وقضاء حوائج المحتاجين منهم.

فكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها لله، مصداقًا لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 162].

كان هذا وصفًا مجملًا وموجزًا ليوم النبي صلى الله عليه وسلم .. وفيما يلي تفصيل لحياته صلى الله عليه وسلم الاجتماعية: زوجًا وأبًا وجارًا وصديقًا ... ويأتي تفصيل كل منها على حدة.

- كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على خدمة نفسه وأهل بيته، فما دلالة ذلك؟ وماذا نتعلم منه؟

- بِمَ تفسر: حرصه صلى الله عليه وسلم على مخالطة الناس وتفقد أحوالهم وزيارة المريض منهم رغم انشغاله بأمور الدعوة والتشريع والإصلاح؟

- كيف ترى البرنامج اليومي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعه بين أمر الدين والدنيا؟

كيف تقتدي به صلى الله عليه وسلم ؟

1. احرص على أن تبدأ يومك بذكر الله وتختمه بذكر الله، وتكثر في يومك من ذكر الله، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم

2. واظب على قيام الليل، واعلم أن «شَرَفُ المُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ» (رواه الحاكم) وواظب على أذكار الصباح والمساء وغيرها، وعلى صلاة الضحى وغيرها من النوافل.

3. احرص على الصلاة جماعة في المسجد، وخاصة صلاة الفجر؛ لما في ذلك من الخير والأجر الكبير.

4. اقضِ يومك فيما ينفعك وينفع أهل بيتك، وقم على خدمتهم وخدمة نفسك، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

5. خالط مجتمعك وساعد المحتاج منهم، وزر المريض واحضر ولائمهم واجتماعاتهم واخدمهم وادعهم إلى الله وعلمهم مقتديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

6. عش لأُمَّتِك ولنصرةِ دينك، داعيًا ومعلمًا ومتعلمًا ومساعدًا الناس، ورافعًا عنهم الجهل والمرض والفقر؛ اقتداءً به صلى الله عليه وسلم.

7. اضبط نومك ووقته ومدته وآدابه، واضبط حياتك كلها، ولا تنس أن تتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل ذلك.